المقال بتصريح خاص للموقع من نيافة الانبا يوحنا قلته – المعاون البطريركي
المنشور بجريدة ليمساجي- حامل الرسالة – الأحد 2 أغسطس 2015
المستقبل لم يأت بعد ..…
ومصر تحمل في أعماقها خيرات كثيرة ، فهي تملك عبقريات المكان والزمان ، وأتوقع أن تنضم مصر في المستقبل إلى الدول المصدرة للغاز ، وليس ببعيد الحلم بأن الدلتا ترقد تحتها ثروة من البترول ، هذا من الناحية الاقتصادية ، أما من الناحية الروحية والدينية فعندي أسباب كثيرة للتفاؤل في مستقبل واعد ومنها
1 – أنا مسيحي ، والمسيحية هي الرجاء ، والأمل والثقة في شخص فريد قال على الملأ وللتاريخ : أنا القيامة والحياة ، مسيحيتي تمدني بطاقة لا تنفذ من الرجاء الحي فكم عبرت قروناً من الآلام والصعاب ، وكم اجتاحتها البدع ثم عادت إلى توهجها الروحي ، فلا تزال المسيحية هي الإيمان الأوسع نفوذاً ، والأقوى أثر في صياغة الإنسان المعاصر .
لا يزال الإنجيل على صغر حجمه هو الوحي الإلهي الذي تسري تعاليمه في كيان الإنسان وتجعله أكبر من إنسان ، لازالت مواكب الشهداء تصعد وقد نثرت دماءها بذوراً طاهرة للإيمان ولازال علماؤها بمدارسها وجامعاتها ومؤسساتها الثقافية تنشر الحق والخير والجمال فالمسيحية هي محامية الأسرة ، والمرأة ، وحقوق الفقراء والضعفاء والمحتاجين والمهمشين ، بل قل دون تردد المسيحية هي روح الله يسري في كيان التاريخ البشري .
2 – أتفاءل لأني أعرف جوهر الإنسان المصري الذي لم يصبه تغيير أو تشويه ، أنه الإنسان الذي يكره العنف وسفك الدماء وهدم الحضارة ، إن ابسط فلاح مصري وأصغر عامل مصري ، وأفقر امرأة مصرية لا يرضى أحد منهم بالدمار أو الخراب أو القسوة ، هذا هو جوهر الإنسان المصري الذي كتب على جدران المعابد قبل موسى النبي بألف سنة يا الله الواحد الأحد ، أنت الوجود قبل الوجود ، هذه الطاقة الروحية الموروثة لم تضع ولم يواريها الزمن .
3 – أتفاءل لأن الله أعطى مصر رئيساً وأي رئيس ، لا يدعي الزعامة مع أنه زعيم بلا أدنى شك ، يشعرك بأنه واحد منا ، أمده الله لخير مصر بالحكمة والإرادة والرؤية الصائبة يكاد الرئيس يرغمنا على التفاؤل والثقة في المستقبل .
4 – أتفاءل لأن دولاً كثيرة سبقتنا وكانت تئن تحت آلام الجوع والفقر وتكدس السكان والأمراض الاجتماعية ، واستطاعت أن تنهض أن تزيح الفقر ، أن تجتث جذور الأمراض والجوع إن الصين أكثر من مليار نسمة وكوريا الجنوبية تكاد تماثل مصر في عدد السكان واليابان التي قامت برغم القنبلة الذرية هذه البلدان لا تملك ما نملك في مصر من ثروة التاريخ والجغرافيا ولسنا أقل ذكاءاً أو طموحاً ، إن الطبيب المصري ، والمهندس المصري ، والعامل المصري لا يقارن في صبره وقوة تحمله ونبض الله في أعماقه ، إن كل الصور السلبية التي تغطي المجتمع المصري اليوم ، هي ثمار مرة سوف تسقط من شجرة الظلم والقهر والتطرف وهذه كلها إلى زوال .
5 – أتفاءل لأني عشت في القرية سنوات طوالاً وفي المدينة ، وعلى الشواطئ وفي الصحراء واكتشفت الكنز الثمين في مصر أنها الأم المصرية ، الوزيرة ، والعاملة ، والموظفة والراهبة ، إن القناعة والرضا هما سمة المرأة المصرية مَن من المصريين ينكر وداعة أمُهِ وحنان أبيه وعناية أخته ، من منا ينكر روح الإنسانية الراقية في التعامل مع الجيران من المسلمين والمسيحيين ، إن الشعب المصري شعب صاغته المحن ، والإيمان ، وصناعته حب الحياة وبناء الحضارة ، انتظروا قليلاً ليشهد العالم كافة قناة السويس الجديدة ، معجزة القرن الواحد والعشرين ، خلال سنة واحدة صنعنا لمصر جغرافيا جديدة ومهدنا لمستقبل جديد ، إن أرواح الذين حفروا قناة السويس ودفنوا في رمالها ، لازالت تبعث لنا برسائل الأمل وللذين حفروا المستقبل …
أني متفاءل لأني مؤمن بالمسيح وبمصر وبالإنسان المصري .
د. الأنبا يوحنا قلته