استجابة الصـلاة
رسالة توعـية
الأب متى المسكين
حينما تقـدّم أبو الولد المريض بالصـرع إلى المسيح:
[ وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى اَلْجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ جَاثِياً لَهُ
وَقَائِلاً: يَا سَيِّدُ اِرْحَمِ اِبْنِي فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيداً وَيَقَعُ كَثِيراً فِي اَلنَّارِ وَكَثِيراً فِي اَلْمَاءِ. وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلاَمِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ .
فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَيُّهَا اَلْجِيلُ غَيْرُ اَلْمُؤْمِنِ اَلْمُلْتَوِي إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ هَهُنَا!
فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ فَخَرَجَ مِنْهُ اَلشَّيْطَانُ. فَشُفِيَ اَلْغُلاَمُ مِنْ تِلْكَ اَلسَّاعَةِ… وَأَمَّا هَذَا اَلْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَاَلصَّوْمِ ] [ متى 17: 14 ـ 21 ]…
لم يكـن له الإيمان الكافى…
لأنه سأل المسيح:
[ لَكِنْ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئاً فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا ] [ مرقس 9: 22 ]…
فلم يعجب المسيح هـذا التردد, وأعـاد السؤال له هـكذا:
[ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ فَكُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ ] [ مرقس 9: 23 ]…
وهـكذا ربط المسيح معجـزة الشفـاء بالإيمان, وليس بالتحـنن…
وهـذا كـثيرًا ما نخطـئ فيه جمـيعـًا…
فنقـول:
{ إن أراد الله أن يتحـنن عـلينا, يشفى هـذا أو ذاك أو يشفينى }…
فهـنا ردّ الله يكـون:
{ أنا أتحـنن عـلى من يؤمن أنّـى قادر أن أشفـيه…
أى بمعنـى آخـر تحننى عـلى خـليقتى دائم ومتوفـر فى جمـيع الحـالات…
غـير أنـه لا ينفـّذ إلا لمن يؤمـن به…
فليس التقـصـير فى تحننى…
ولكـن التقـصـير فى إيمانكم بى }…
فتحـنن الله لإتيـان الأعـمـال الخـارقة للعـادة يتطـلّب إيمانـًا خـارقـًا للعـادة…
أى عـلى قـدر صـعـوبة الشفـاء يطـلب الله شدة الإيمـان…
ولكن ليس عـند الله شئ مستحـيل…
فكـل إيمان يساويه عـمـا من الله: [ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ ]…
أمّا لغـير القادرين عـلى الإيمان, فتحـننه جاهـز وفعـال إذا سأل…
[ فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو اَلْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ: أُومِنُ يَا سَيِّدُ فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي ] [ مرقس 9: 24]…
هنـا وضـع الله أمام تفكـيرنا نمـوذجًا مستحيلاً لعـمـل الإيمان…
إذ قال أنه:
[ لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهَذَا اَلْجَبَلِ: اِنْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ ] [ متى 17: 20 ]…
[ إِنَّ مَنْ قَالَ لِهَذَا اَلْجَبَلِ اِنْتَقِلْ وَاِنْطَرِحْ فِي اَلْبَحْرِ وَلاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ.
لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ فَيَكُونَ لَكُمْ ] [ مرقس 11: 23, 24 ]…
هـنا يُلاحـظ القـارئ أن المسيح يطلب إيمانـًا قليلاً, ولكـن ليس ضعـيفـًا…
بل كما فى حـبة الخـردل هـو فعّـال أشد الفعـالية والحـيوية…
وإن أردنا أن نشبه القـليل والفعـل العظيم المقابل له…
يكـون كما صـوره لنا عـالم الطبيعيات أرشيميدس اليونانى, فهـو يقـول:” اعطونى رافعـة طريلة, واعطونى نقطة ثابتة خارج الأرض, وأنا أحـرك الأرض كلها من مكانها”…
بل ووضع قانون الرافعات طبقـًا لذلك…
وهو معـروف لدى دارسى الميكانيكا…
والروافع كـثيرة, ولكن أن نجـد نقطة ثابتة خارج الأرض, فلا يمكن!!!
فهـذا الثبوت هـو الذى يطلبه المسيح بصـلاة الإيمان حتـى يحـرّك به الجـبل أو يشفى المريض, سيان فكلاهما فوق الطبيعة…
وكـثيرون يسألوننى:
” لماذا نطلب مـن الله بإلحـاح ودمـوع, والله لا يستجيب؟”…
فأقـول:
” هـذا هـو المحـال فيما يخص الله مـع شعـبه…
فكـلّ شئ ممكن إلا أن يكـون الله غـير صـادق أو يغـيّر وعـده…
[ حَاشَا! بَلْ لِيَكُنِ اَللهُ صَادِقاً وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِباً ] [ رومية 3: 4 ]…
فالمسيح جعـل استجابة السؤال مضمـونة بدمه واسمه وحـق بنوّته…
فهـو الذى سبق وقال:
[ كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ فَيَكُونَ لَكُمْ ] [ مرقس 11: 24 ]”…
وهكـذا جـعـل المسيح استجابة الصـلاة لا تعـتمد عـلى رؤيته أو فـكره الخاص…
بـلّ جـعـلها مرهـونة بإيماننا…
وأى إيمـان؟…
الإيمان الذى يثـق أثنـاء الصـلاة أنه قـد نـال ما يطـلبه فيكـون له!!!…
أى كمـا أراد ووثـق بالإيمان…
بمعنـى أن الله أعـطانا فى المسيح أن نقـرر أولاً إن كـنا ننـال بالإيمان ما نطـلبه أو لا ننال…
أمّا هـو فمستعـد أن يعـطى…
بلّ ويقـول بولس الرسول أكـثر من ذلك:
[ وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا ] [ أفسس 3: 20 ]…
فإن قـرّرنا بقـوة الإيمـان فى الصـلاة التى نصـلّيها أننـا قـد نلنـا ما طلبنـاه…
يكـون لنـا بقـدر ما طـلبنا, وأكـثر مما طـلبنا, أو حتى أكـثر مما فكـّرنا…
لأن سخـاء الله فى المسيح لا بـدّ أن يغـلب طمعـنا فيه, لمـاذا؟…
لأنها هـى مسرّة الله فى المسيح أن يُفـَرِّح قـلوبنا لنشكـره ونعـطيه المجـد…
فمهما طمعـنا فى محـبته وسخائه فهـو الذى سيتمجـد بالأكـثر…
لهـذا نسمعـه يستحـثنا لأن نطـلب واثقـين فيه:
[ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ.
إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً ] [ يوحنا 16: 23, 24 ]…
وبمعنتى آخـر نحن مسئولون عـن استجـابة صـلواتنا…
ولا اعـتبار لصـعـوبة ما نطـلبه حتـى ولو كان نقـل جـبل…
ألم يقـل هـو ذلك؟…
فقـد وضـع لـنا المسيح القاعـدة للإستجابة…
وجـعـل الإستجابة حاضـرة عـنده مهما كان الطـلب فـوق المستحـيل: نقـل جـبل!!…
وهـكذا أخـرج من دائرة شكوكـنا أن يكـون الطـلب معـقـولاً…
بل استحـثنا لمنتهى الطـمع فى استجابته مهما كان الطلب كبـيرًا جـدًا أو غـير معـقـول…
إذ جـعـل الشرط الوحـيد الذى يحـرّكه مباشرة للإستجـابة هـو الثقـة فى أنه يعـطينا ما نطـلبه…
وبعـد ذلك : [ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ ] …
وفى الحـقيقة, هـذا الشرط الوحـيد الذى وضعـه المسيح لإستجابة السؤال والطـلبة بأن نثـق فيه أنه أعـطانا ( وليس سيعـطينا ) ما نطـلب…
هـو كسر للمعـقـول لبلوغ منتهى الثقـة الشخـصية فيه…
فالآب السماوى يريد أن يدربّـنا إذا أعـوزنا شئ نمـدّ أيدينـا ونأخـذه من حـيبه!!…
[ جَاهِدْ جِهَادَ اَلإِيمَانِ اَلْحَسَنَ، وَأَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ اَلأَبَدِيَّةِ اَلَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ أَيْضاً، وَاِعْتَرَفْتَ اَلاِعْتِرَافَ اَلْحَسَنَ أَمَامَ شُهُودٍ كَثِيرِينَ ] [ 1 تسالونيكى 6: 12 ]…
بهـذه الجـرأة عـبنها يعـطينا أن نمسك بعـطاياه عـلى أساس محـبته الفائقـة نحـونا…
فالذى أعـطانا حـياته فهـو حـتمًا يعـطينا ما نطـلبه:
[ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَطْلُبُونَ بِاسْمِي. وَلَسْتُ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي أَنَا أَسْأَلُ الآبَ مِنْ أَجْلِكُمْ
لأَنَّ الآبَ نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ لأَنَّكُمْ قَدْ أَحْبَبْتُمُونِي وَآمَنْتُمْ أَنِّي مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجْتُ ] [ يوحنا 16: 26, 27 ]…
[ اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى اِبْنِهِ بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ ] [ رومية 8: 32 ]…
إذن, فـوعـد المسيح بأن كـلّ ما نطـلبه فى الصـلاة [ فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ فَيَكُونَ لَكُمْ ] هو تصـريح موطـّد ومؤكـّد ومبنى عـلى ثقـة الابن فى الآب والآب فى الابن…
فاستجـابة السؤال والطـلبة, أصبحـت ثمـرة من ثمـار التجسّد والموت والقـيامـة…
أى تحصـيل عـمـل لاهـوتى كـبير جـدًا وعـميق للغـاية…
فالذى يطـلب بعـد ذلك ويسأل فى الصـلاة ويشك فى قـدرة المسيح عـلى الاستجـابة, أو يشك فى عـدم صـلاحـيته هـو للأخـذ…
فهـو كأنما يشك فى عـمـل المسيح الفـدائى كـله…
ويشك فى الصـلة العـظمى التى تربـط الآب بالابن…
فإن كـنا نؤمـن بالمسيح فالآب يحـبنا…
وإن كـنا موضع محـبة الآب, فنحـن نسأل لنأخـذ…
ولسنا نسأل لنشحـذ لرحمـة بعـد, بل نسأل لنأخـذ حسب وعـد المسيح والآب…
إذن, المسيح قـد وضـع المحـك الكـبير فى استجـابة الصـلاة أن نؤمـن بأن ما نطـلبه نـناله ليكشف به مستوى إيمانـنا به وبالآب, ومستوى ثقـتنا فى عـلاقـته هـو بالآب…
فـإن كانت صحـيحة أخـذنا فى الحـال ما طـلبناه بـدون إلحـاح…
هـذا فى الحقـيقـة دستور الصـلاة المُجـابة…
وقانونهـا الذى يعـتمد عـلى صحـة وقـوة إيمـاننا بالمسيح والآب…
إذن, فمـن صحـة وقـوة إيماننا بالمسيح والآب, فنحـن نستمـد استجـابة الصـلاة…
كذلك فإستجابة الصـلاة تكـون أكـبر شاهـد عـلى صحـة وقـوة إيماننا بالمسيح والآب…
وأصـبح تطبيق هـذا القانون هـو كالآتى:
اطـلب ورفـّع طـلبك وزده صـعـوبة, واطـمع فى سخاء المسيح والآب ما شئت, ورسّخ الإيمان فى قـلبك أنك قـد نلت كل ما طـلبت, فيكـون لك:
[ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ ]…
فهـذا القـانون هـو بحسب كمشيئة المسيح والآب, وفيه يتمجّـد الآب بالابن فى كـل طـلبة ننالها!!..
والذى يرفـّع من طـلبه ويزيـد من صـعـوبته, هـو فى الحـقـيـقة يرفـّع من تمجـيد الآب والمسيح ويزيـد فى تمجـيدهما…
فهـل بعـد ذلك يحـق لأى إنسان أن يقـول إنه طـلب من المسيح مـرارًا وبإلحـاح ودمـوع ولم يُستجب له؟؟…
ألا يكـون مثـل هـذا التصـريح هـو اتهـام مباشر لصـدق المسيح والآب؟…
وألا يعـتبر مثـل هـذا الاخـتبار هـو خطـأ إيمانى يستحـق المـراجـعـة والنصـحيح؟…
والآن وقـد عـرفـنا أن الله والمسيح أعـظم من أى سؤال وطـلبة مهما كـان صـعـبًا بلّ مستحـيلاً…
وأن الوعـد ثابت ومؤكـّد أن المسيح مستعـد للإستجـابة إن كنّـأ نثـق فـى هـذه الإستجابة…
أصـبح الشك فى الإستجـابة يُضـاف إلى عـدم إيماننا وليس لعـدم سمـاع الله…
من هـنا نفهـم خطـورة وقـوفنـا أمـام الله نصـلّى ونطـلب…
فنحـن نضـع أنفسنا أمام اخـتبار إيمـانى هائل…
لذلك يلزم أن نعـمـل حساب سؤالنا وطلبتنا مـرات ومـرات…
هـل نحـن جادون فى الصـلاة والسؤال؟…
هـل نحـن عـلى مستوى الثقـة فى استجابة المسيح؟…
هـل إيماننا بالمسيح والآب هـو عـلى يقـين الحـق, وأن وعـوده صـادقة, وأنه أمـين عـلى ما يقـول, وأنه مستعـد أن يهب لنـا كـل شئ نطـلبه؟…
وحينـئذ نتقـدّم بالسؤال والطلـبة ولا نتزحـزح عـن ثقـتنا بأنه قـد استجـاب…
أمـا هـو فصـادق وأمـين…
أعـطنى ركـبًا منحـنية وقـلوبًا صـادقة فى إيمانها بوعـد المسيح والآب, طـمّاعـة فى سخـاء الآب واستجابة المسيح, وسوف تـرى كيف أن العـمى يبصـرون, والصـمّ يسمعـون, والشلّ والعُـرج يمشون ويجـرون ويرقصـون, وكـل انـواع الأمـراض تُشفى حتى المستعـصية من سرطان وسل وتليف كـبدى و….
فالمسيح هـو أمس واليوم وإلى الأبـد…
الطبيب الذى جـاء من أجـل المرضى, وليدعـو الخطـاة إلى التوبة…
( 21/2/1996).