إعداد: الأخت سامية صموئيل
من راهبات القلب المقدس – اكتوبر 2013
ما هو الاكتئاب؟
الاكتئاب : مصطلح طبي (Depression) يشمل نطاقا واسعا من الاضطرابات النفسية. في أخف حالاته : يتسبب الاكتئاب في مزاج هابط لا يمنعك من السير في حياتك الطبيعية، لكنه يصعب عليك القيام بالأمور ويجعلها تبدو أقل قيمة. وفي أعنف حالاته: فإن الاكتئاب قد يهدد الحياة، وقد يدفعك إلى التفكير في قتل نفسك أو التوقف عن الرغبة في الحياة.
الاكتئاب حالة منتشرة، يصاب بها الملايين من الناس سواء كانوا مؤمنون أوغير مؤمنون علي حد سواء. والذين يتعرضون للاكتئاب يعانون من أعراض متعددة مثل الحزن، الغضب، فقدان الأمل، الشعور بالأرهاق، وأعراض أخري متعددة. ونجد أن المصابين بالاكتئاب قد يشعرون بعدم الأهمية أو حتي يفكرون في الأنتحار مع فقدان الرغبة في فعل الأشياء التي كانوا عادة يستمتعون بفعلها. وعادة ما يكون الأكتئاب نتيجة لظروف الحياة الصعبة مثل فقدان الوظيفة أو وفاة شخص محبوب، أو الطلاق، أو التعرض لمشاكل نفسية نتيجة للتعرض لسوء المعاملة أو عدم الثقة بالنفس.
والكتاب المقدس يوصينا بأن نمتلئ بالفرح والتسبيح (فيليبي 4:4 ورومية 11:15)، فمن الواضح أن الله يرغب لنا أن نستمتع بحياة بهجة. وهذا شيء ليس سهل المنال لشخص يعاني من الاكتئاب ولكن يجب علي الشخص اللجوء للصلاة، قرأة الكتاب، دراسة الكتاب مع مجموعة من المؤمنين، الأعتراف، التسامح، والمشورة والله قادرعلي التدخل وتغيير الأحوال. ويجب علينا اتخاذ القرار بألا نركز علي أنفسنا، بل علي من هم حولنا واحتياجاتهم. فالشعور بالأكتئاب يمكن أن يتحسن عندما يقوم الشخص بالتركيز علي المسيح والآخرين.
والاكتئاب المزمن لا بد أن يقوم بتشخيصه طبيب. وعادة ما لا يكون نتيجة أحداث عصيبة في الحياة، ولا يمكن للشخص التحكم في الأعراض بأرادته. وبخلاف ما يعتقده الكثير من المسيحيون، فأن الاكتئاب المزمن لا يكون دائماً نتيجة لارتكاب الخطيئة. فمن الممكن أن يكون الاكتئاب حالة طبية تتطلب التدخل الطبي والعلاج. وبالطبع الله قادر علي شفاء أي مرض. ويمكن للذين يعانون من الاكتئاب اتخاذ بعض الخطوات المساعدة. فيجب عليهم أن يستمروا في دراسة الكتاب وان كانوا لا يشعرون بالتشجيع. فيمكن لعواطفنا أن تضلنا، ولكن كلمة الله صامدة لا تتغير. ولا بد أن نؤمن بالله وأن نلتجيء اليه بصورة أكبر في وقت الضيق والشدائد. فالكتاب يخبرنا أن الله لن يسمح لنا بالخوض في تجارب أكبر مما يمكننا تحمله (كورنثوس الأولي 13:10). وبالرغم من ان الأكتئاب نفسه ليس بخطيئة، فتعاملنا معه هو الذي يحدد ذلك، فالأنسان مسئول عن تصرفاته حتي في وقت الشدة، وان كان ذلك مسئولية الاتجاه للعلاج وعدم الأهمال في صحتنا النفسية. “فلنقدم به في كل حين لله ذبيحة التسبيح، أي ثمر شفاة معترفة بأسمه” (عبرانيين 15:13).
ومن الشخصيات التي عانت من الإكتئاب في الكتاب المقدس نذكر:
1- أيوب البار
كثيراً ما نردد ” يا صبر أيوب ” كلنا نعرف قصة أيوب البار في العهد القديم، هذا الرجل العظيم أكتئب كثيراً من شدة ما مر عليه من تجارب صعبة لكنه بقي متمسكاً بايمانه بالله بالرغم من مصائبه المتعددة، ونتيجة لهذا باركه الله وزاد الرب على ما كان لأيوب ضعفاً ومنحه هو وزوجته سبعة بنين وثلاث بنات جميلات ( نفس عدد الأبنا الذين فقدهم . ………لذلك عوضه الله على كل شيء الضعف) .
2- موسى النبى
هذا القائد العظيم ، صاحب الإنجازات الكبيرة ، الذي أثر في البشرية تأثيراً يفوق الوصف، فقد قاد الشعب اليهودي ، أخرجه من مصر، حرره من قبضة فرعون، واستمر معه أربعين سنة في البرية . هذا القائد الذي أختاره الله بصفة شخصية ، اعطاه الوصايا ، فهو الوسيط بين الله وشعبه
وليس هذا فحسب ولكنه كان اداة الله ليعطي العالم أسمى ناموس وأعلى مستوى من المباديء ، ولكننا نجد في صلاته في عدد 15 رثاء للنفس وأنه مكتئب للغاية لدرجة أنه طلب من الله قائلاً ( اقتلني قتلاً ان وجدت نعمة في عينيك ) ومن حسن حظ موسى وبني اسرائيل ان الله تجاهل هذه الطلبة وسامحه الله على رثاءه لنفسه واستمر يستخدمه لمدة 38 سنة اخرى .
3- داود النبي
نراه في المزامير يقول ” لماذا أنت منحنية يا نفسي ؟ ولماذا تئنين فيّ ؟ ارتجي الله (مز 42) .و ” من الأعماق صرخت اليك يا رب” (مز 130 ) رجل الله العظيم – النبي داود – مكتئب !
4- ارميا النبي الباكي
يظهر بعض الرجال على صفحات التاريخ في وقت تكون فيه أنسب خدمة يقدمونها لأمتهم هي البكاء وقد عاش ارميا في وقت مثل هذا وقد بكى وكان هناك ما يبرر دموعه فاسرائيل الامة العظيمة التي باركها الله قد ارتدت عنه ووقعت في السبي
5- الرب يسوع
” حينئذ جاء معهم يسوع الى ضيعة يقال لها جثسيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك ثم اخذ معه بطرس وابني زبدى وابتدأ يحزن ويكتئب (مت 26 ) .
6- الرسول بولس
أحد أعاظم رسل المسيح ، المقاتل لاجل المسيح، والمناضل لأجل الصليب وذي عمل ديناميكي وقدرة خلاقة الا أنه مع ذلك قد انتابه الاكتئاب ذات مرة فكتب قائلاً ” تثقلنا جداً فوق الطاقة حتى يسنا من الحياة أيضاً لكن كان لنا في أنفسنا حكم الموت …2 كو 1 ” رسول عظيم القديس بولس ينتابه اليأس.
علاج الاكتئاب
يعطينا قداسة البابا شنودة الثالث علاجاً للاكتئاب وهذا بعضا مما تركه لنا:
1- الرجاء كعلاج للكآبة
ونقصد بالرجاء النظرة المستبشرة من جهة المستقبل، وعدم الاستسلام لليأس مهما كانت الظروف ضاغطة ومها كانت الحالة سيئة.. إن الذي يعيش في الرجاء، لا تزعجه الضيقة الحاضرة، إنما يبهجه الحل القريب لهذه الضيقة، وهكذا يكون الإنسان دائم التفاؤل، واثقًا تمامًا أن كل خطأ لابد سيصحح، وكل باب مغلق لابد سينفتح.
طبيعي أن اليأس يلد كآبة، والكآبة هي أيضًا تلد يأسًا. وكل منهما يكون بالنسبة إلى الآخر سببًا ونتيجة، أما المؤمن الحقيقي فهو بعيد عن كليهما. بالرجاء يري الحل قائمًا أمامه، وبهذه الرؤية يفرح قلبه ويسر، وكما قال الرسول:” فرحين في الرجاء” (رو12: 12). وفي الفرح بالرجاء، وبالحل الآتي عن طريق الإيمان، يمكنه أن يصبر ويحتمل.
2- الصبر كعلاج للكآبة
الذي يريد حلًا سريعًا لمشاكله ما أسهل أن يقع في الكآبة كلما وجد الأيام تمر به والحالة كما هي في ضيقها. أما الإنسان الواسع الصدر، فيعطي مدي زمنيًا للمشكلة لكي تنحل. ويكون مستعدًا للصبر ولو إلى سنوات طويلة، واثقًا بأن الرب سيأتي ولو في الهزيع الأخير من الليل. ولا ينتظر وهو متضايق كئيب ومنحصر في نفسه، إنما وهو راضي القلب، في ثقة كاملة بعمل الله.
يقول لنفسه: لابد أن الرب سيأتي ولا يهمني متى؟ إنما الذي يهمني هو ثقتي بمجيئه. وهو يري أن الوقت الذي يختاره الله، هو أفضل الأوقات، هو الوقت المناسب الذي تحدده حكمته، وبرضاه حسن تدبيره الإلهي.. لهذا يقول المزمور:
” انتظر الرب، تقو وليتشدد قلبك وانتظر الرب” (مز27: 14).
وتسأل إلى متي فيجيبك: “انتظرت نفسي الرب من محرس الصبح حتى الليل” (مز130). تقول: وإذا لم يكن عندي صبر؟ أقول لك: دع المشاكل تعلمك الصبر. وأيضًا فإن الإيمان والرجاء يدربانك على الصبر. وإن لم تصبر، ستتعب نفسك وتكتئب.. الصبر أفضل، وليكن صبرًا في ثقة وفي يقين بعمل الرب..
3- القناعة أو التجرد و علاج الكآبة
ننتقل إلى نقطة أخري في معالجة الكآبة وهي: القناعة أو التجرد. فضيلة التجرد تقضي على الكآبة تمامًا… لأن الذي تخلص من جميع الرغبات والشهوات، على أي شيء سوف يكتئب؟… أنه لن يجد مطلقًا سببًا يدعو إلى الاكتئاب؟ ولهذا نسمع في كل قداس قول الكتاب:” لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم.. العالم يمضي، وشهوته معه” (1يو2: 15، 17). كل أمور العالم زائلة، بما في ذلك الكرامة، والصيت والغني والسلطة.. فإن ضاع من إنسان مؤمن شيء من هذا أو ما يشابهه، فلن يحزن بسببه أو يكتئب.. بل أن القديس بولس الرسول يقول:
” خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية” (في3: 8).
وطبيعي أن الذي يحسب كل شيء نفاية، لن يكتئب بفقدان شيء، وكما قال القديس اغسطينوس: “جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أني لا أخاف شيئًا ولا أشتهي شيئًا”. فإن لم تكن عند الإنسان فضيلة التجرد فلتكن عنده على الأقل فضيلة القناعة. فيكتفي بما هو فيه، ولا يطلب ما هو أكثر، أو ما هو أفضل، إلا في حدود ما يسمح له الله به…لا يرتئي فوق ما ينبغي.. بل يحيا” حسبما قسم الله له نصيبًا من الإيمان” (رو12: 3). مثل هذا الإنسان لا يمكن أن يكتئب بل يقول في رضي: مادم الله المحب يرضي لي بهذا الوضع، فأنا أيضًا راض به.. وبهذا الشعور، لن يتخلص فقط من الكآبة، بل بالأكثر يصل إلى حياة الشكر..
4- حياة الشكر وقاية وعلاج ضد الكآبة
الإنسان المتدرب على حياة الشكر لن يصاب إطلاقًا بالكآبة.. ولهذا يقول لنا الرسول ” شاكرين في كل حين، على كل شئ” (أف5: 20)
ويقول لنا الرسول: “افرحوا كل حين… اشكروا في كل شئ” (1تس5: 16: 18).
وهكذا تضع لنا الكنيسة صلاة الشكر في مقدمة كل صلاة، لا لكي نصليها فقط، بل لكي نحيا حياة الشكر… نشكر الله عل كل حال، ومن أجل كل حال، وفي كل حال.. حتى في وفاة أي حبيب نبدأ الصلاة عليه بالشكر. وإن كنا نشكر، فلماذا نكتئب؟ يقينًا أن هناك من يصلي هذه الصلاة دون أن يحياها.. عود نفسك إذن على حياة الشكر وفي كل ما يمر بك من أحداث، قل أشكرك يا رب. لابد أن وراء هذا خيرًا، وإن كنت لا أعلم.. حتى أن كان هناك شر، ستحوله أنت إلى خير: يا صانع الخيرات يا محب البشر.. الإنسان الذي يحيا في الشكر، هو بلا شك إنسان مؤمن..فالذي يشكر على كل شيء، فإنه ليس فقط يرتفع فوق مستوي الكآبة، وإنما أكثر من هذا يصل إلى حياة الفرح.