الفاتيكان, 16 اكتوبر 2013 (إذاعة الفاتيكان)
“الكبرياء وعبادة الأصنام هما آفتان نجدهما أيضًا في الحياة المسيحية” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الثلاثاء في عظته مترئسًا القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان وقال لكي نتغلب على هاتين الآفتين علينا أن نعيش وصيّة المحبة تجاه الله والقريب.
قال البابا فرنسيس: يمكن للمسيحي أن يصبح رسولاً لأفكاره الخاصة، وأن يعلن ولاءه لرفاهيته الشخصيّة بدلا من الله. كما وأنه من السهل جدًا أن نتحدث بالسوء عن إخوتنا الذين لا يشاركوننا أفكارنا ولا يوافقوننا مواقفنا وننسى أن الوصيّة الجديدة التي دُعي كل مسيحيّ لعيشها هي وصيّة المحبة المطلقة تجاه القريب. استوحى الأب الأقدس عظته من القراءات التي تقدمها لنا الليتورجية اليوم ولاسيما من رسالة القديس بولس إلى أهل روما الذي يتحدث فيها رسول الأمم عن خطيئة عبادة الأصنام أي عن هؤلاء الأشخاص الذين “عَرَفوا اللهَ ولَم يُمجِّدوه ولا شَكَروه كما يَنبَغي لِلّه، بل تاهوا في آرائِهِمِ الباطِلَة فأَظلَمَت قُلوبُهمُ الغَبِيِّة”. إنها عبادة للأوثان تخنق فيهم حقائق الإيمان التي تظهر لنا من خلالها عدالة الله.
تابع البابا فرنسيس يقول: جميعنا بحاجة لنؤمن ونمارس العبادة والتقوى في حياتنا لأننا نحمل بصمة الله في داخلنا، وعندما لا نعبد الله فنحن نعبد الخلائق والمخلوقات، وهكذا ننتقل من الإيمان بالله إلى عبادة الأوثان. وعبدة الأصنام هؤلاء لا حجّة لديهم لأنهم عَرَفوا اللهَ ولَم يُمجِّدوه ولا شَكَروه كما يَنبَغي لِلّه، فتاهوا في آرائِهِمِ الباطِلَة وأَظلَمَت قُلوبُهمُ الغَبِيِّة. هذه قِمة الكبرياء والتعجرف الفكري إذ يعتقد كل منهم أنه يملك الحقيقة ويعمل بها.
أضاف الأب الأقدس يقول توجّه القديس بولس، منذ ألفي سنة تقريبًا، بكلماته هذه للذين “استَبدَلوا بِمَجْدِ اللهِ الخالِدِ صُوَرًا تُمثِّلُ الإِنسانَ الزَّائِلَ والطُيورَ وذَواتِ الأَربَعِ والزَّحََّافات”، اليوم وفي زمننا المعاصر لم نعد نواجه هذه المشكلة إذ لم يعد هناك من أحد يعبد التماثيل والأصنام الحجريّة لأن أصنام عصرنا قد اتخذت أشكالاً ومظاهرًا جديدة.
نجد في زمننا العديد من الأصنام والعديد من عبدة الأصنام، نجد العديد من المتبجحين الذين يتباهون بمعرفتهم، وبحديثي هذا أتكلم عنا نحن المسيحيين، كثيرون يعتقدون بأنهم يعرفون كلّ شيء ولكنهم بهذا أظهروا غباءهم باستبدال مجد الله الخالد بصور وتماثيل: بشخصياتهم وأفكارهم ورفاهيّتهم. أضاف الحبر الأعظم يقول: هناك صنم خفيٌّ داخل كلّ واحد منّا، ليسأل كل منا الله قائلاً: يا رب ما هو الصنم الخفي الذي يأخذ مكانك في قلبي؟”
يسمي القديس بولس عبدة الأصنام في رسالته “حَمْقى” ونقرأ في الإنجيل الذي تقدمه لنا الليتورجية اليوم أن يسوع يدعو الفريسيين المرائين “أغبياء” لأنهم يهتمون بالظاهر كما يخبرنا القديس لوقا: دَعا أَحَدُ الفِرِّيسيِّينَ يسوع إِلى الغَداءِ عِندَهُ. فدَخَلَ بَيتَه وجلَسَ لِلطَّعام، وتعجب الفِرِّيسيُّ مِن أَنَّه لَم يَغتَسِلْ قَبلَ الغَداء. فقالَ لَه الرَّبّ: “أَيُّها الفِرِّيسِيُّون، إِنَّكُم تُطَهِّرونَ ظَاهِرَ الكَأسِ والصَّحفَة، وباطِنُكم مُمتَلِئٌ نَهبْا وخُبْثًا. أَيُّها الأَغْبياء، أَلَيسَ الَّذي صَنعَ الظَّاهِرَ صَنَعَ الباطِنَ أَيضًا؟ فتَصَدَّقوا بِما فيهِما، يَكُنْ كُلُّ شَيءٍ لكُم طاهِرًا.
ختم البابا فرنسيس عظته بالقول: يدعونا يسوع لكي لا ننظر إلى المظاهر ونبحث عن الحقيقة، لأن المهم ليست الصّحفة بل ما في داخلها. لذا فإن كنت متكبرًا ووصوليًّا أو شخصًا ممتلئًا من ذاته تصدّق قليلاً وستشفى من كبريائك! أضاف الأب الأقدس يقول: هذه هي الدرب نحو الرب: أحبب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك، وأحبب قريبك حبك لنفسك، مسيرة بسيطة جدًّا وصعبة، لكنها ليست مستحيلة لأننا بنعمة الله نقدر على كل شيء. فلنطلب اليوم إذا هذه النعمة!