ترجمة موقع أليثيا
قام البابا فرنسيس، صباح يوم الأربعاء، بزيارة إلى مزار أباريسيدا المريمي، شفيعة البرازيل، وترأس القداس الإلهي، بحضور عدد كبير من المؤمنين.
وتعد كنيسة سيدة أباريسيدا أكبر مزار كاثوليكي مخصص للسيدة العذراء في العالم، وثاني أكبر كنيسة بعد كنيسة القديس بطرس بالفاتيكان. ويفيد التقليد الكاثوليكي أن ثلاثة صيادين التقطوا في شباكهم في تشرين الأول 1717، جسم ورأس تمثال للعذراء سيدة الحبل بلا دنس التي تطلق العامة عليها اسم أباريسيدا، حيث أعلنت شفيعة للبرازيل عام 1930. وفي 1984، أعلنت أباريسيدا مزاراً وطنياً.
وزار اثنان من البابوات هذه الكنيسة: البابا يوحنا بولس الثاني عام 1980، عندما كرس الكاتدرائية الجديدة، والبابا بندكتس السادس عشر خلال أعمال جمعية مجلس أساقفة أميركا اللاتينية والكراييب الخامس عام 2007.
وفيما يلي كلمة البابا:
أيها ألأخوة الأساقفة والأباء الأجلاء
أيها الأخوة والأخوات
إنّها لفرحةٌ كبيرة أن أزور مزار سيدة أباريسيدا وهو دار والدة كلّ برازيلي! غداة انتخابي أسقف روما زرت كنيسة سانتا ماريا ماجيوري لأُسلّم للعذراء مريم مهامي الجديدة كخليفة بطرس. وها أنا اليوم أزور أمنا القديسة مريم مُصليًّا على نيّة الأيام العالميّة للشبيبة واضعًا عند قدمَيها حياة شعب أمريكا اللاتينيّة.
أوّد أن أقول لكم بادئ ذي بدء إن هذا المزار الذّي استضاف المؤتمر العام الخامس لأساقفة أمريكا اللاتينيّة والكاريبي منذ ست سنوات شهد حينها حادثًا رائعًا يمكنني أن أخبر عنه شخصيًّا إذ ذُهلتُ لدى رؤيتي آلاف الحجاج يؤمون المزار يوميًا لتسليم حياتهم لوالدة اللّه، يُشجعون ويُرافقون ويُلهمون الى حدٍ ما الأساقفة الذّين عملوا على موضوع اللقاء بالمسيح والتلمذه والدعوة: فقد كان هذا المؤتمر محطةً بارزة في حياة الكنيسة. وبالتالي فإن وثيقة أباريسيدا معروفة جدًا لأنها جمعت بين أعمال رعاة الكنيسة وايمان المؤمنين البسيط بشفاعة مريم الوالديّة. ففي البحث عن المسيح، دائمًا ما تطرق الكنيسة باب مريم طالبةً لقاء المعلم. فمن خلالها نتعلم أن نكون تلاميذ حقيقيين ولذلك تؤدي الكنيسة مهامها على خطى القديسة مريم.
واليوم والأيام العالميّة للشبيبة التّي أتت بي الى البرازيل نصب أعيننا، آتي وأطرق باب مريم التّي أحبّت وعلّمت يسوع لكي تساعدنا جميعًا نحن رعاة شعب اللّه، آباء ومدرسين على الغرس في نفوس شبابنا القيّم التّي تجعلهم بُناة وطنٍ وعالمٍ أكثر عدلاً وتضامنًا وأخوةً. وسأتطرق في هذا الإطار الى ثلاثة مواقف:التسلّح بالرجاء والتسليم لمشيئة اللّه وعيش الفرح.
1- التسلّح بالرجاء. تُعبر القراءة الثانيّة في القداس عن مشهدٍ دراماتيكيًا: امرأة – رمزًا لمريم والكنيسة – تتعرض للاضطهاد من قبل تنين – الشيطان – الذّي يريد أن يأكل طفلها. ومع ذلك، لم تكن نهاية المشهد ذاك موتًا بل حياةً إذ تدخل اللّه وأنقذ الطفل (سفر الرؤية 12، 13ب. 15-16). فكثيرةٌ هي المشاكل التّي تعترض كلّ واحدٍ منا والتّي تُرافق حياة البشر وتُثقل كاهل المجتمعات إلاّ أنّه ومهما بلغت حدتها، لا يسمح اللّه أبدًا بأن تُطيح بنا. ففي بعض الأحيان تُحبط الحياة عزيمتنا خاصةً عزيمة أولئك الذّين يدأبون لنشر الانجيل أو الذّين يسعون من خلال دورهم كأب وأمّ الى عيش ايمانهم فلهم أقول بقوّة: ” تأكدوا أن اللّه يمشي معكم جنبًا الى جنب ولا يترككم أبدًا فلا تفقدوا الأمل ولا تدعوا شعلة الرجاء تنطفئ في قلوبكم! فالتنين أي الشر لطالما كان موجودًا عبر التاريخ إلاّ أنّه ليس الاقوى فاللّه هو الأقوى وهو رجاؤنا. فصحيحٌ ان البشر بما فيهم الشباب يتبعون الأصنام كالمال أو النجاح أو السلطة أو المتعة التّى تأخذ شيئًا فشيئًا مكان اللّه فيعتبرونها مصدر رجاء. وغالبًا ما تملأ الوحدة والفراغ قلوب الكثيرين وتدفعهم الى البحث عن وسائل للتعويض عن الأصنام الفانيّة. أيّها الأخوة والأخوات، كونوا منارة الأمل ولننظر بإيجابيّة الى الحقيقة ونثمن كرم الشباب ونرافقهم في مسيرتهم الآيلة الى جعلهم أشخاص بارزين يبنون عالمًا أفضل. فهم محرك الكنيسة القوي وعجلة المجتمع وحاجاتهم لا تقتصر على الأمور الدنيويّة بل على التعرف الى القيّم التاليّة: الروحانيّة والسخاء والتضامن والمثابرة والأخوة والفرح وهي قيمٌ متجذرة في الإيمان المسيحي.
2- التسليم لمشيئة اللّه: رجل أو امرأة الرجاء – الرجاء الكبير النابع من الإيمان – يعرف أن اللّه يعمل ويفاجئ حتّى في خضم التجارب. وقصة هذا المزار لمثالٌ على ذلك: وجد ثلاث صيادين عند عودتهم خالي الوفاض شيئًا غير منتظر في مياه نهر بارنايبا: صورة سيدة الحبل بلا دنس. فمن كان ليتخيّل أن يتحوّل الموقع الذّي يرمز الى الصيد غير المثمر الى دارٍ يشعر فيه كلّ البرازيلين أنّهم أبناء أمّ واحدة؟ فللّه دائمًا ما يفاجئنا كالنبيذ الجديد في الإنجيل الذّي سمعناه للتوّ. فهو دائمًا ما يُقدم ما هو الأفضل لنا إلاّ أنّه يطلب منا الاستسلام لحبه والترحيب بمفاجآته. فلنثق باللّه ! فإن ابتعدنا عنه ينضب خمر الفرح وخمر الرجاء وان اقتربنا منه وبقينا معه، استحالت برودتنا ومصاعبنا وخطايانا خمر صداقةٍ جديدة معه.
3- عيش الفرح: أيّها الأصدقاء، إن سلكنا درب الرجاء وتركنا الخمر الجديد الذّي يُقدمه لنا المسيح يُذهلنا تمتلئ قلوبنا فرحًا فنكون شهودًا على هذا الفرح. فالمسيحي انسانٌ فرح لا يعرف الحزن فاللّه معنا ولدينا أمّ تتوسط دائمًا لأولادها كالملكة أستير في القراءة الأولى (استير 5،3). وأظهر لنا يسوع أن وجه اللّه هو حقًا وجه الأب المُحبّ. غلبنا الخطيئة والموت فمن غير المسموح أن يكون المسيحي متشائمًا! فملامحه بعيدةً كلّ بعد عن ملامح شخصٍ يعيش حدادًا دائمًا.إن كنا مغرمين حقيقةً بالمسيح ونشعر بمدى حبه لنا ، تتقد قلوبنا بفرحٍ سرعان ما سينسحب على كلّ من حولنا. فكما يقول البابا بنديكتوس السادس عشر: “يعرف التلميذ أن لا نور دون المسيح ولا رجاء ولا حبّ ولا مستقبل”. (الكلمة الافتتاحيّة لمؤتمر أباريسيدا 13 أيار/مايو 2007، ص 861).
أيها الأصدقاء، أتينا نقرع باب العذراء ففتحت لنا ودخلنا الدار فرأينا إبنها. وهي تطلب منا الآن “أن نفعل كلّ ما يطلبه” (يوحنا 5،2 ). نعم يا أمنا نحن نلتزم بترجمة ما يقوله الرب لنا وكلنا رجاء وثقة بوعود الأب ومِلؤنا الفرح. آمين.