استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الاثنين أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي لتبادل التهاني لمناسبة حلول العام الجديد كما جرت العادة في مطلع كل سنة. وجه الحبر الأعظم لضيوفه كلمة مسهبة استهلها معربا عن سروره الكبير بهذا اللقاء التقليدي موجها للدبلوماسيين وعائلاتهم والدول التي يمثلون أطيب التمنيات بحلول العام 2014. ولفت إلى أن العام المنصرم كان حافلا بالأحداث والتطورات لا فيما يتعلق بحياة الكنيسة وحسب إنما أيضا على صعيد العلاقات بين الكرسي الرسولي ومختلف الدول والمنظمات الدولية. وأشار بنوع خاص إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع جنوب السودان فضلا عن التوقيع أو التصديق على عدد من الاتفاقيات مع دول شأن الرأس الأخضر، المجر، التشاد وغينيا الاستوائية.
بعدها تطرق البابا فرنسيس إلى رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام 2014 التي تتمحور حول موضوع الأخوّة ولفت إلى أن الإنسان يتعلم الأخوة في كنف العائلة المدعوة إلى المساهمة في نضوج روح الخدمة والمقاسمة الذي يبني السلام. لكن من المؤسف جدا ـ تابع البابا يقول ـ تنامي عدد العائلات الممزقة وتلك التي تعاني من الانقسامات، والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى الأوضاع الصعبة التي تمر بها هذه الأسر. كما أن العجزة يُنظر إليهم أحيانا وكأنهم عبء على المجتمع.
هذا ثم عاد البابا بالذاكرة إلى مشاركته في الأيام العالمية للشباب في ريو دي جانيرو الصيف الماضي معربا عن فرحته للقاء الذي جمعه بعدد كبير من الشبان لافتا إلى أهمية التزام الجميع لتعزيز ثقافة اللقاء من أجل بناء السلام. وعلى الرغم مما يشهده العالم حاليا من انقسامات وأعمال عنف، لا بد أن يعي المسيحيون أن عيد الميلاد يبعث لدينا الثقة بأن الكلمة الأخيرة هي لأمير السلام القادر وحده على تحويل الأنانية إلى هبة الذات والثأر إلى غفران.
كما عبّر البابا عن أمله بأن ينتهي الصراع الدائر في سورية مذكّرا بيوم الصوم والصلاة من أجل السلام في هذا البلد العزيز والذي أعلنه في شهر أيلول سبتمبر الماضي. وتوجه بالشكر إلى كل من شاركوا في هذه المبادرة كما سطر ضرورة تجديد الرغبة السياسية المشتركة من أجل وضع حد لهذا النزاع الدامي متمنيا أن يشكل مؤتمر جنيف اثنين المزمع عقده في الثاني والعشرين من الجاري بداية المسيرة المرجوة نحو السلام، في إطار الاحترام التام والكامل لحقوق الإنسان. وتابع البابا يقول: لا يسعنا أن نقبل بأن يُستهدف المدنيون العزل، لاسيما الأطفال وأشجع الجميع على ضمان المساعدة الضرورية والطارئة للقسم الأكبر من السكان دون أن ننسى الجهود الحثيثة التي تبذلها دول شأن لبنان والأردن التي استقبلت بسخاء كبير أعدادا هائلة من اللاجئين السوريين على أراضيها.
لم تخل كلمة الحبر الأعظم من الإشارة إلى التوترات الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا بنوع خاص إلى الصعوبات السياسية الراهنة في لبنان، حيث تبرز الحاجة الملحة إلى التعاون بين مختلف مكونات المجتمع بهدف التصدي لما من شأنه أن يزعزع استقرار البلاد. وتابع البابا خطابه مشيرا إلى أنه يفكر أيضا بمصر المحتاجة إلى تجديد الوفاق الاجتماعي بالإضافة إلى العراق الساعي إلى بلوغ السلام والاستقرار المرجوين. ثم عبّر عن ارتياحه إزاء التقدم في المفاوضات بين إيران ودول مجموعة الخمسة زائد واحد بشأن المسألة النووية مؤكدا ضرورة أن تُحل المشاكل العالقة من خلال الوسائل الدبلوماسية والتفاوض.
كما أشاد البابا باستئناف محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وتمنى أن يتخذ الطرفان ـ بمساعدة الجماعة الدولية ـ خطوات شجاعة للتوصل إلى حل عادل ودائم لهذا الصراع. وأعرب الحبر الأعظم أيضا في كلمته إلى السفراء المعتمدين لدى الكرسي الرسولي عن قلقه الكبير إزاء استمرار نزوح مسيحيي الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية. وقال إن هذه الجماعات تريد أن تبقى جزءا من النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي في الدول التي ساهمت في بنائها وهي عازمة أيضا على الإسهام في تحقيق الخير العام في تلك المجتمعات والمشاركة الفاعلة في البحث عن السلام والمصالحة.
بعدها توقف البابا عند عدد من الصراعات والمشاكل التي تعاني منها القارتان الأفريقية والآسيوية وشدد على ضرورة الدفاع دوما عن الكرامة البشرية ومكافحة الجوع ومساعدة اللاجئين والمهاجرين متذكرا الزيارة التي قام بها الصيف الماضي إلى جزيرة لامبدوزا الإيطالية كما أكد أن الاستغلال غير المسؤول للطبيعة يكمن من بين المخاطر التي تهدد السلام. وفي ختام كلمته عبر البابا للدبلوماسيين عن استعداد الكرسي الرسولي، لاسيما أمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان، على التعاون مع الدول التي يمثلها هؤلاء السفراء من أجل تعزيز علاقات الأخوة التي تعكس محبة الله وتشكل ركيزة الوفاق والسلام. وتمنى للجميع عاما سعيدا.