المصالحة “خشبة “الخلاص الوحيدة لسوريا
الاحد 02 فبراير 2014 –
أجرى الحوار: مايكل فيكتور – تصوير: عيد سعد
رغم الاوضاع غير المستقرة فى مصر وسوريا الا انه يرفض دائما كل أراء المحيطين بتأجيل زيارته السنوية لمصر ، ولا تغمض جفونه الا اذا اطمئن على ابناء كنيسته فهو من اختار لنفسه اسم “غريغوريوس ” اى الساهر ، اليقظ ، والخادم ..فهو يترجم اسمه أفعالا ففى زيارته لمصر يتنقل فى عدد من المحافظات ليلتقى بجميع الرعية و ليطلع على اخر أوضاع المسيحيين ويحرص ايضا على لقاء القيادات السياسية والدينية .. هو غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحام بطريرك انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية للروم الملكيين الكاثوليك ، السورى الاصل ، الذى عرف بمواقفه العروبية الحادة .. وسط انشغالاته وتحضيرانه لعودته الى سوريا بعد قضاء شهرا بمصر. حرصت “وطنى” على لقائه عشية سفره لتحصد ثمار زيارته المباركة فاستقبلنا غبطته فى الصالون البطريركى بكاتدرائية القيامة للروم الملكيين الكاثوليك بالفجالة ــ مقره البطريركى بمصر ــ تحدث الينا برؤيته الثاقبة للاحداث ، اذ فرضت الاوضاع الجارية فى مصر وفى سوريا نفسها على الحوار الذى تحمل السطور القادمة نصه .
■ قمت غبطتكم بزيارة للرئيس عدلى منصور .. عن ماذا تحدثتم ؟
●● عندما ازور مصر احرص على أن التقى بالسلطات للتواصل، فمبدئى ان الكنيسة ليست محصورة فى جدران بل هى كنيسة حوار والله تحاور مع الناس . من هذا المنطلق تقدمنا بطلب للقاء السيد المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية، ورحبت الرئاسة وقمنا بزيارة سيادته بمقر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة مع وفدا ضم نيافة المطران جورج بكر مطران مصر والسودان ، الارشمندريت يوسف نعيم اندراوس ، والاب رفيق جريش وخلال اللقاء تقدمت بتهنئة الرئيس على اقرار الدستور الجديد ، فهو دستورا زاخر بمواد الحريات والحقوق ، كفالة حرية العقيدة والدين ، فضلا عن التركيز على حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة وكافة الفئات المهمشة فى المجتمع ، فاجده دستورا يعد نموذجا تحتذى به دول وشعوب المنطقة.
■ هل طالبت غبطتكم من الرئيس أمورا تتعلق بالجالية السورية بمصر ؟
●● مصر تقدم الرعاية لقرابة 130 الف من النازحين السوريين وتوفر لهم امور كثيرة كالاقامة ، والعمل ، الدراسة وغيره ولكن المشكلة التى تواجههم هو عندما يخرج فردا للعمل فى بلد اخرى ويعود لمصر ليستكمل دراسته يمنع من الدخول ، فطالبت من الرئيس ان ينظر لهذا الامر لانه يسبب تفكيك للاسر القادمة من سوريا الى مصر ويسبب صعوبات واحباط لدى الشباب ، والرئيس بكل محبة سوف يبحث فى هذا الامر واكد سيادته ان جميع ابناء سوريا هم فى وطنهم الثانى وان الدولة المصرية ترحب بهم وستواصل تقديم كل الدعم والرعاية لهم .
■ هل هناك فكر لنقل الكرسى البطريركى لمصر وزيارة الرئيس جاءت لبحث امكانية الاقامة ؟
●●لا يوجد اى مانع لدى ان اقيم بمصر، و منذ بداية عهدى كبطريرك حصلت على الجنسية المصرية وهذا العام تم تجديد جواز السفر ولا صحة لكل هذه الشائعات التى تداول ، و الكرسى البطريركى ليس بيدى ان انقله فهذا تاريخ فالكرسى البطريركى للروم الكاثوليك هو انطاكية وسائرا المشرق ،ونقل الكرسى من انطاكية الى دمشق فى القرن الخامس عشر وهناك ثلاث بطاركة لهم لقب بطريرك انطاكية وسائر المشرق هم بطريرك الروم الارثوذكس ، بطريرك الروم الكاثوليك ، وبطريرك السريان الارثوذكس ولا مجال للتفكير اطلاقا فى نقل مكان الكرسى ، بل بالعكس عندما يرى الراعى ان هناك صعوبات تواجه ابناء كنيسته فانه لايتركهم ، فلدينا مقر اضافى فى لبنان ولكنى اقيم اغلب الوقت بدمشق وأكثف قدر الامكان اقامتى فى دمشق لزيارة الرعية خصوصا فى هذه الايام الصعبة.
■ وسط موجة اختطاف الرموز الدينية بسوريا هل وفرت الدوله لغبطتكم حماية خاصة ؟
●● خدمت مطرانا بالقدس لمدة 26 عاما وكانت وقتها الانتفاضة الاولى والانتفاضة الثانية ولم اطلب اى حماية غير حماية الله لانه هو الذى يحمينا، وكذلك فى سوريا لم اطلب اطلاقا اى حماية بل أسير بالشوارع كباقى الشعب وأتجول هنا وهناك، فنحن حاضرون ،ولانخاف لان الله معنا.
■ كيف ترى الوضع فى سوريا ؟
●● الوضع السورى معقد جدا و الامر اكبر من الجميع واصبحت الازمة السورية ازمة العالم العربى التى تضم لبنان والاردن ومصر وفلسطين حتى اسرائيل، فكلنا جزء من هذه الازمة ، ولا يستثنى احد من ذلك .. سوريا احرقت ودمرت وتضررت كنائسها وبخاصة فى “معلولا ” التى تعتبر من اقدس واقدم المواقع المسيحية والتراث المسيحى ومهد المسيحية وايضا فى “حمص ” و”الرقة” و”يجرور” و”صدد” وكل انحاء سوريا فهناك اليوم ثلاث ملايين طفلا سورى اصيبوا بامراض نفسية مدمرة ، 2 مليون مواطن بلا مأوى ، 130 الف شهيد ،91 كنيسة دمرت ،24 قرية افرغت من المسيحيين ، خلاف انه هناك 450 الف من اصل ميلون و750 الف مسيحى غادروا البلاد منذ الأزمة السورية ، وأصبحت القرى المسيحية تستهدفها جماعات جهادية أجنبية مسلحة ، يستهدفون قرية بعد اخرى ، يغزونها ويقتلون اهلها ويحرقونها ويدمرونها .. و الميليشيات الأجنبية تتصرف خارج سيطرة أبناءنا من الجيش السورى الحر ،وهم لا يريدون الا هدم البلاد باكملها ، ولكن افراد الجيش السورى الحر اضطر للأسف ، فى كثير من الحالات الى الانسحاب امام الجماعات المسلحة الأجنبية
■ غبطتكم عرفتم بمواقفكم العروبية00 فهل من سيناريو تراه صالحا لحل الصراع بسوريا؟
●● الله قادر على كل شىء ، ما ليس مستطاع عند الناس مستطاع عند الله 00 واقول للعالم انه لا احد ينتصر بالحرب ابدا فالسلام هو الانتصار ، وسوريا تنتصر بالسلام فقط، وادعو الغرب لوقف ارسال السلاح ومنع تدفق المسلحين الأجانب الى سوريا فان استخدام القوة والعنف لا يمكن ان يغير الوضع الراهن على الارض فى سوريا ، ولذلك يجب الذهاب فى طريق مغاير هو الحوار والحل السياسى وجمع الاطراف .
والسيناريو الذى ادعو اليه ان تتفق امريكا وروسيا معا على حل حقيقى لاحترام حرية واستقلال ووحدة سوريا ، فقوة الدول تقاس بمواقفها ، وعلى الغرب ان يعى ما يحدث فى سوريا ومساعدة الشرق لمحاربة التكفريين والارهابيين حتى نستطيع ان نجلس معا على طاولة الحوار فالمصالحة هى خشبة الخلاصى الوحيدة فى سوريا .
■ كيف ترى غبطتكم الوجود المسيحى بالشرق الاوسط ؟
●●اليوم دموع كثيرة تتفجر فى كل مكان فى مشرقنا العربى، فواقع المسيحيين فى المنطقة مؤلم جدا ، نتيجة المأسى ، اقولها دائما ” اعطونا أمانا .. اعطيكم حضورا مسيحيا قويا ، وعيشا مشتركا ، 90% من اسباب الهجرة مردها الى الازمات المتكررة، فبعد كل ازمة نشهد تاريخيا موجة جديدة من الهجرة المسيحية ، وأكد لجميع مسيحى الشرق ان هذا العالم العربى ذو الاغلبية المسلمة ، يحتاج الى ظهور المسيح فيه من خلالنا ، فالتحدى امام المسيحى العربى ان يعتبر ذاته اولا عربى ثم مسيحى فيكون مواطنا بكل ما تعنى عبارة المواطنة والتحدى المسيحى ان تؤمن بحرية العبادة والمعتقد بدون قيود تفرض عليك .. واطلب كل دول المشرق “اعطوا المسيحى دورا ، فرصة ، مكانا ، مشاركة واضمن لكم حل الكم الاكبر من مشاكل المسيحيين والتحديات التى تواجههم ” .. فالتحدى للمسيحى هو ان ينجح بان يشعر المسلم انه شريك له فى الوطن وفى كل مرافق الحياة وكمسيحى عربى احذر اخوتى المسلمين من مؤامرات تحاك على الاسلام فمن مصلحة المسلمين ان يحاربوا التكفير والتطرف ولنقف صفا واحدا مسيحيين ومسلمين امام هذا الاهاراب وادعو مسيحى الشرق ان يربطوا حضورهم بالرسالة المسيحية والدور المسيحى .. لا تهاجروا ،اصبروا ، تجلدور، فنحن مصممون على البقاء فى هذه الاراضى المقدسة المباركة.
■ خلال زيارت غبطتكم للعائلات بسوريا ما مدى الخوف لديهم ؟ وما دور الكنيسة نحوهم؟
●● الخوف موجود ولا أحد يمكن انكاره، وهو يظهر نتيجة للفوضى، فى اى وقت من الممكن تجد تفجيرات ، قذائف تدمر بيوتا فى لحظة، ولكن لايجب ان يكون الخوف المحطة الاخيرة فافضل طريقة للتخلص من الخوف والاحباط تكون فى البحث عن رسالتنا ودعوتنا ودورنا وهذا ما تحاول ان تزرعه الكنيسة فى قلوب ابناءهم بسوريا ونعمل كل مافى وسعنا للمساعدة وتخفيف المعاناه ، ندق الابواب شرقا وغربا فالكنيسة بكل قواها وماديتها تدعم الناس وحمايتهم لعدم الاستلام والهجرة، وقبل زيارتى لمصر قدمنا مساعدات ورسائل روحية لثلاثمائة وتسعون اسرة وخمس الاف طفل.
■ ماذا عن “معلولا “00 وهل هناك من جديد عن الراهبات المختطفات والمطرانين بولس اليازجى ويوحنا ابراهيم ؟
●● معلولا .. يفوح فبها عبق التاريخ ، بل تسمع المسيح يتكلم على لسان اهلها ورهبانها الذين لاتزال لغة السيد المسيح على السنتهم و”معلولا..” تقع فى منطقة “القلمون “على بعد 50 كليو مترا شمال غرب دمشق ، وترتفع عن سطح البحر نحو 1500 مترا وتشتهر بمعالم مسيحية مقدسة واثار قديمة مهمة يعود تاريخها للقرن العاشر قبل الميلاد.. فهى بلد امنة واليوم اصبحت مسرحا للاقتتال ، فأتعجب حقا عندما يقول الغرب على هجوم الاهاربين ان الرئيس يقتل شعبه اما عن اطلاق الراهبات المختطفات والمطرانين اتمنى ان تكون حريتهما قريبة ولكن المؤسف انه ليس هناك جديدا فى هذا .. وخطف الرموز الدينية ذات من تمسك مسيحى سوريا بارضهم ووطنهم اكثر من اى وقت مضى.
■ قمت غبطتكم بالعديد من اللقاءات مع قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان 00 فماذا عن موقف الكرسى البابوى من القضية السورية؟
●● بالفعل نحرص دائما ان نتقل الازمة السورية لقداسة البابا لانه مهتم جدا بقضايا الشرق الاوسط فمنذ انتخابه بابا فى مارس الماضى اختار بطاركة المشرق ليرافقه فى زيارته الاولى مزار القديس بطرس الرسول قبل قداس بداية حبريته ، جمعتنا لقاءات عديدة تضرعنا فيها مع قداسته لكى يبقى الامل فى قلوبنا ، وفى 30نوفمبر الماضى رفعت لقداسته بالارقام ومعاناه الشعبى السورى وطالبت من قداسته مساعدة المسيحيين السوريين للبقاء بالرغم الصراع الوحشى واكد البابا ان قداسته لايستسلم امام فكرة شرق اوسط من دون مسيحيين ، ونحن نلمس دائما دعوات البابا لحل تفاوضى لوقف الحرب بسوريا ، وقد استقبل قداسة البابا الرئيس الروس بوتين بالقصر الرسولى بالفاتيكان وطالبه بالوقوف من اجل السلام بسوريا وايجاد حلول عادلة ودائمة عبر حوار .
■ هل نقلت الاوضاع السورية لقداسة البابا تواضروس الثانى ايضا اثناء لقاءاتكم بمصر؟
●● نقلت للبابا تواضروس بالفعل الوضع السورى ، ودعوة قداسته بصفته بابا لاكبر كنيسة بالشرق الاوسط لبحث ودراسة تاسيس مجلسا لبطاركة الشرق لجميع الكنائس الارثوذكسية والكاثوليكية لنصل معا بالمناقشات والبيانات لحل القضية العربية ، ونتابع سويا العيش المشترك المسيحى الاسلامى فى المشرق العربى ، فهذا هو التوجه الذى يجعل شعلة الامل دائما مشتعله فى قلوبنا واعتبرا هذه الدعوات هى بداية وانطلاقه نحو الحوار، ونحن نتمنى ان يعين الرب البابا تواضروس المختار من الله فى ظروف عصيبة ويعطيه حكمة لتدبير كنائس الشرق الاوسط وليس الكنيسة القبطية فقط.
■ رسالة توجهها غبطتكم لمصر وللشرق لاوسط ؟
●●اقول للمصريين نجحتم فى التغلب على الازمة مابين الربيع العربى ومانراه فى العراق وسوريا فالله حقا حمى مصر وحكمة المصريين والرباط القوى بين المسيحيين والمسلمين انقظتكم من الفوضى الكبرى ، ودستوركم الجديد اصبح نموذجا لد ساتير العالم لعربى ، فالله معكم والعائلة المقدسة التى باركت ارض مصر لم تترككم .
و لمسيجى الشرق الاوسط اقول ان الله عندما طلب من ارميا النبى عملآ كبيرأ فاعتذر ارميا قائلا : “يارب انت تعرف انى صغيرا” ، فكان جواب الله له : “لاتقل انك صغير بل كل ما أطلبه منك تعمله لانى ان معك ” 000 فلا تخافوا وثقوا ان الله معكم فتستطيعوا ان تعملوا كل شىء .