كانَ مَيِّتًا فعاشَ
تأمل في قراءات الأحد الثاني من الصوم
الموافق السادس عشر من مارس 2014 والعشرون شهر برمهات1730
التأمل رقم مئتان ( 200 )
الأب/ بولس جرس
نص الإنجيل
“وقالَ:”إنسانٌ كانَ لهُ ابنانِ. فقالَ أصغَرُهُما لأبيهِ: يا أبي أعطِني القِسمَ الذي يُصيبُني مِنَ المالِ. فقَسَمَ لهُما مَعيشَتَهُ. مُسرِفٍ. فلَمّا أنفَقَ كُلَّ شَيءٍ، حَدَثَ جوعٌ شَديدٌ في تِلكَ الكورَةِ، فابتَدأَ يَحتاجُ. فمَضَى والتصَقَ بواحِدٍ مِنْ أهلِ تِلكَ الكورَةِ، فأرسَلهُ إلَى حُقولِهِ ليَرعَى خَنازيرَ. وكانَ يَشتَهي أنْ يَملأَ بَطنَهُ مِنَ الخُرنوبِ الذي كانَتِ الخَنازيرُ تأكُلُهُ، فلم يُعطِهِ أحَدٌ. فرَجَعَ إلَى نَفسِهِ وقالَ: كمْ مِنْ أجيرٍ لأبي يَفضُلُ عنهُ الخُبزُ وأنا أهلِكُ جوعًا! أقومُ وأذهَبُ إلَى أبي وأقولُ لهُ: يا أبي، أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ،ولستُ مُستَحِقًّا بَعدُ أنْ أُدعَى لكَ ابنًا. اِجعَلني كأحَدِ أجراكَ. فقامَ وجاءَ إلَى أبيهِ. وإذ كانَ لم يَزَلْ بَعيدًا رَآهُ أبوهُ، فتحَنَّنَ ورَكَضَ ووَقَعَ علَى عُنُقِهِ وقَبَّلهُ. فقالَ لهُ الِابنُ:يا أبي، أخطأتُ إلَى السماءِ وقُدّامَكَ، ولستُ مُستَحِقًّا بَعدُ أنْ أُدعَى لكَ ابنًا. فقالَ الأبُ لعَبيدِهِ: أخرِجوا الحُلَّةَ الأولَى وألبِسوهُ، واجعَلوا خاتَمًا في يَدِهِ، وحِذاءً في رِجلَيهِ، وقَدِّموا العِجلَ المُسَمَّنَ واذبَحوهُ فنأكُلَ ونَفرَحَ لأنَّ ابني هذا كانَ مَيِّتًا فعاشَ، وكانَ ضالًّا فوُجِدَ. فابتَدأوا يَفرَحونَ وكانَ ابنُهُ الأكبَرُ في الحَقلِ. فلَمّا جاءَ وقَرُبَ مِنَ البَيتِ، سمِعَ صوتَ آلاتِ طَرَبٍ ورَقصًا. فدَعا واحِدًا مِنَ الغِلمانِ وسألهُ: ما عَسَى أنْ يكونَ هذا؟ فقالَ لهُ: أخوكَ جاءَ فذَبَحَ أبوكَ العِجلَ المُسَمَّنَ، لأنَّهُ قَبِلهُ سالِمًا. 28فغَضِبَ ولم يُرِدْ أنْ يَدخُلَ. فخرجَ أبوهُ يَطلُبُ إليهِ. فأجابَ وقالَ لأبيهِ: ها أنا أخدِمُكَ سِنينَ هذا عَدَدُها، وقَطُّ لم أتجاوَزْ وصيَّتَكَ، وجَديًا لم تُعطِني قَطُّ لأفرَحَ مع أصدِقائي. ولكن لَمّا جاءَ ابنُكَ هذا الذي أكلَ مَعيشَتَكَ مع الزَّواني، ذَبَحتَ لهُ العِجلَ المُسَمَّنَ! فقالَ لهُ: يا بُنَيَّ أنتَ مَعي في كُلِّ حينٍ، وكُلُّ ما لي فهو لكَ. ولكن كانَ يَنبَغي أنْ نَفرَحَ ونُسَرَّ، لأنَّ أخاكَ هذا كانَ مَيِّتًا فعاشَ، وكانَ ضالًّا فوُجِدَ”. (لوقا 15 : 11 – 32).
نص التأمل رقم 200
“كانَ يَنبَغي أنْ نَفرَحَ ونُسَرَّ، لأنَّ أخاكَ هذا كانَ مَيِّتًا فعاشَ، وكانَ ضالًّا فوُجِدَ”.
تغرورق عيناي بالدموع ويختنق صوتي في حلقي كل مرة أصل فيها لقراءة هذه الآية من النص،
نص “مثل ألآب الرحيم” الذي نسميّه تعديا “مثل الإبن الضال”…
اتصور هذا الآب الذي اضنته السنين وانهك عينيه طول الإنتظار
لكن الأيام لم تفل عزمه أو تضعف حبه أو توهن انتظاره
جل ما فعلته أن جلت قلبه وأرهفت مشاعره
فأسرع بالغفران فارداً ذراعيه ملقيا بنفسه على عنق ابنه حال رؤيته إياه عائداً
وقبله ينبض سعادةً وروحه ترفرف بفرح حقيقي
ولسانه يغرد أنشودة تصالح وبنفسه يأمر بإعداد وليمة حب
لكن هناك ما يعكر صفوه ويربك حساباته…
رفض الإبن الأكبر قبول عودة اخيه الضال
وحكمه الباتر ودينونته القاطعة لا لسلوك أخيه فحسب بل لشخصه أيضاً!!!
يسرع الآب الشيخ تاركا الفرح والوليمة والغناء ليلتقي ابنه الذي يرفض الدخول
يستغرب منطقه ويتعجب من رفضه يبوح باستغرابه وتعجبه في عبارة بالغة البلاغة:
“أما كانَ يَنبَغي أنْ نَفرَحَ ونُسَرَّ، لأنَّ أخاكَ هذا كانَ مَيِّتًا فعاشَ، وكانَ ضالًّا فوُجِدَ”
الست أنا الذي أُهين وطُعن في أحشاء قلبه!!
ألست أنا من هُجر وتُرك بيته وأُعتبر ميتا يُورّث وهو بعد حي يرزق!!
الست أنا الذي تعذب بالفراق وتألم للضياع وتوجع من طول الإنتظار!!
الست أنا من حزن للإنحدار وتخصبت عيناه بالدموع!!
أما كان لي الحق في الدينونة والرفض والطرد والعقاب!!
اما كان لي الحق في فرض الشروط وإيقاع العقوبات!!
ولقد تنازلت سعيداً وصفحت سريعا وفرحت فرحة العمر
فماذا بك وما الذي يوغر صدرك… أخطا أخاك وتاب وقبلت توبته ورحبت بعودته
لم أحكم عليه ولم أدنه ولست بعد اليوم بغاضب عليه
عاد أخاك الذي كان ميتا… لقد عاد إلى الحياة…
أليس في هذا ما يفرح قلبك القاسي
كان رد فعل الإبن الأكبر قاسيا جرح قلب الآب الرحيم
حقاً لقد افسد رفضك لإخيك إكتمال فرحة قلب الاب باحتضانكما كلاكما
وجمع شمل الاسرة بعد طول تمزق
حقاً لم يفهم الإنسان بعد قلب الله الذي كشفه يسوع في هذا المثل الرائع
” تفرح السماء بخاطيء واحد يتوب اكثر من تسع وتسعين بارا لا يحتاجون إلى التوبة
إنها اكتشاف جديد يمنح كل خاطيء مهما علت خطاياه حتى إلى الجلجثة
ان يكون مع المسيح في الفردوس اليوم نفسه يشاركه فرح القيامة ومادبة الآب الممتدة
إنها عدالة السماء التي تعرف الرحمة وتفضلها عن العدل
إنها دعوة للجميع تقول ” باب التوبة مفتوح وصوت الرب ينادي بالعودة والرجوع عن طريق الإثم والخطيئة”
وها قلب الآب يتقافز فرحا منطلقا ليحتضنك ويضمك ويفرح بك ومعك ومن اجلك
هلم اليوم إلى التوبة هلم إلى قلب الآب….
فباب الغفرات مازال على مصراعية مفتوحا ينتظرك.