بتصريح خاص من نيافة الانبا بطرس فهيم مطران ايبارشية المنيا
والموقع يتقدم بالشكر لنيافة الانبا بطرس لتصريحه لنا بنشر المقال طالبين بركته الرسولية والفائدة العامة لقراء الموقع
أحبائي القراء، قد يكون موضوع التنقل بين الكنائس من الموضوعات الشائكة والحساسة، نظرا لحساسية بعض الأشخاص أو بعض الكنائس له. اسمحوا لي أن اسجل بعض الخواطر في هذا الأمر:
( ١ ) إن التنقل بين كنائس ورعايا الطائفة الواحدة أمر مفهوم ومقبول إذا اقتصر الأمر على حضور بعض الاجتماعات أو الأنشطة أو العظات أو المؤتمرات التي قد لا تتوافر في الرعية التي ينتمي إليها الشخص. كما أن التنقل بين بعض الاجتماعات في الكنائس المختلفة عن الطائفة التي ينتمي إليها الشخص قد تكون في بعض الأحيان مقبولة إن كانت تساعد على النمو الروحي للشخص، ولا تؤثر على هويته العقائدية. فالمحبة المسكونية أمر مهم إن تمت ممارسته في حدود المعقول والمقبول والبناء. ولكن أن تجاوز الامر إلى أمور التشكيك في الإيمان والعقيدة، فهذا أمر خطير وغير مقبول لأنه ضد المحبة وضد الحرية الشخصية وحرية العقيدة والايمان.
( ٢ ) ولكن لننتبه لأن التنقل بين الكنائس في بعض الحالات يتطلب تصاريح وشروط معينة.فأن ممارسة بعض الأسرار الإلهية قد لا تصح أو تكون باطلة، بحسب قوانين بعض الكنائس، إن مورست في كنيسة غير كنيسة الرعية التي يتبع لها المؤمن وبدون التصاريح القانونية والطقسية المطلوبة، نظرا لان هناك ما يسمي “بالولاية المكانية”، حتى وإن كان هذا داخل الطائفة الواحدة والطقس الواحد. فإن تزوج شخص ما خارج رعيته عليه أن يحضر كل الأوراق والتصاريح اللازمة قبل إتمام مراسيم الزواج حتى وان اتم الزواج في رعية أخرى من رعايا نفس طائفته، وإلا فزواجه يتعرض للخطأ أوالبطلان.فالتنقل بين الكنائس يجب أن يكون تحت شروط وبتصاريح معينة وإلا حدثت لخبطة وتشويش. فإن بعض الاسرار تفترض المعرفة الكاملة للشخص، كما في سر الزواج مثلا. فكيف يعرف كاهن أن شخصا ما متزوج أو لا؟ إن لم يكن ينتمي بالكامل لرعيته. وإلا حدث الخداع ويتزوج الشخص اكثر من مرة. وكيف يعرف إذا كان معمدا أو لا ؟ وكيف يستطيع أن يزكيه لعمل او لخدمة أو لرسالة معينة إن كان يصلي كل يوم في كنيسة أو في طائفة؟ الأمر ليس مرتبط بالمزاج والذوق فنحن لا نتكلم عن مطاعم ومقاهي ومحلات لبيع الملابس أو أي شيء آخر. نحن نتكلم عن إيمان وعقيدة وانتماء.
( ٣ ) هناك ظروف قد يسمح فيها ببعض الاستثناءات أو تغليب المحبة على القانون. وهي ظروف خطر الموت أو الموت أو في أزمنة الكوارث والحالات الإنسانية الاستثنائية التي يقدرها الأب الكاهن أو الأب الأسقف، على ألّا تكون فرصة للمزاج والهوى للتحلل من القوانين. فالقديس بولس يتكلم عن أن المسيحية هي ديانة الحرية وليست ديانة الشريعة والقانون، ولكنه يقول على أن لا تكون هذه الحرية فرصة للجسد.
( ٤ ) التزام كل كنيسة بعقيدتها وطقوسها وقوانينها وتعاليمها أمر في غاية الأهمية وهذا لا يعني التعصب، فالتعصب هو رفض الآخر وعدم قبوله وعدم الاعتراف به والتعالي عليه ومحاوله محوه أو تشويهه وهذا شيء آخر. كما أن التحلل من كل الضوابط وخلط الأمور والتنازل عن الهوية والانتماء بحجة المحبة والمساواة وكلنا واحد والنسبية فهذا أيضا امر غير مقبول، فلكل كنيسة قناعاتها وعقائدها وطقوسها وتاريخها وتعليمها وتراثها … الخ وكل كنيسة تمثل غنى في حد ذاتها ويجب أن تكون مقبولة ومحترمة ومحبوبة من شقيقاتها الكنائس الأخرى. ولكل إنسان الحق أن يختار الكنيسة أو الطائفة التي ينتمي إليها بكل ثقة ويقين، دون التشكيك أو التجريح في الكنائس الأخرى فجميعنا ونحن معا رغم ما يوجد بيننا من تنوع واختلافات نمثل جسد المسيح الواحد، وكما أن في الجسد أعضاء كثيرة وكل عضو منها يختلف عن الآخر ولكنه ضروري لكمال وسلامة الجسد هكذا كل الكنائس هي ضرورية كل واحدة للأخرى لنمثل معا جسد واحد سري للمسيح الواحد.
( ٥ ) فلنلق عنا كل خصام وتحزب وغيرة وكل ما هو ضد روح المسيح وتعاليم الانجيل وتقاليد الكنيسة المسلمة لنا من الآباء التي تحافظ على وحد الإيمان ووحدة جسد المسيح. لنلق عنا كل مصالح شخصية وهوى بشري … ولنصل بعضنا من أجل بعض لنكون جميعا وفق مشيئة الله الذي يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. ولنكن أهلا لأن نحقق رغبة المسيح التي صلى من أجلها، تمجد اسمه، “ليكونوا واحدا كما نحن واحد أيها الأب” (إنجيل القديس يوحنا الاصحاح 17). أعتقد أنه ينبغي لنا أن نأخذ من كل كنيسة صفتها لنكون معا كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية. فالكاثوليكي لن يكون كاثوليكيا حقيقيا ما لم يكن ارثوذكسيا وإنجيليا، والأرثوذكسي لن يكون أرثوذكسيا بمعنى الكلمة ما لم يكن إنجيليا وكاثوليكيا، والانجيلي لن يكون إنجيليا بحق ما لم يكن أرثوذكسيا وكاثوليكيا. وهنا أقصد المعنى الحقيقي لكل كلمة من كلمات: كاثوليكي وأرثوذكسي وإنجيلي.
( ٦ ) كتب تاريخ الكنيسة قبلنا الكثير من الصفحات السوداء التي نخجل منها جميعا، والمليئة بالإساءات من كل الكنائس لكل الكنائس، دون استثناء. أعتقد أنه آن الأوان لأن نكتب صفحات جديدة تليق بنا كمسيحيين وتشرف هذا الجيل، الذي أتمنى أن يكون جيل الإنجيل بحق وصدق.
( ٧ ) أتمنى أن تكون لنا الشجاعة لندعو إلى مجمع مسكوني جديد يضم كل رؤساء الكنائس وبعضا من ممثليها ولو ليوم واحد ولتكن له رسالة واحدة على الأقل وهي: الاعتذار، وبدأ صفحة جديدة. الاعتذار تقدمه كل الكنائس لكل الكنائس بلا استثناء. وكل الكنائس تعد كل الكنائس ببدء صفحة جديدة تخلو من كل إساءة أو إهانة أو تجريح لا يليق بالأخوة أبناء الله وأعضاء جسد المسيح الواحد. هلّا فرّحنا قلب الله بمثل هذا العمل؟ لنصل جميعا من أجل هذه النية، فهذه الصلاة وحدها من قلب نقي هي عمل مقدس يستحق الشكر والتحية.