بقلم الخوري طانيوس خليل
فرنسا, 20 مايو 2014 (زينيت)
أعلن البابا بولس السادس، في ختام الجلسة العامة الثانية للمجمع الفاتيكاني الثاني، رغبته بأن يقوم بحج مقدس إلى الأرض الّتي وطئتها أقدام السيّد: “نعود إلى ] الأراضي المقدسة[ كشهادة صلاة، توبة وتجدّد ولكي نقدم الكنيسة إلى المسيح وأن ندعو إليها، وهي الفريدة والمقدسة، الاخوة المنفصلين” (4/12/1963).
هذا الاعلان الصريح من قبل البابا يتجاوب مع انتظارات البطريرك اثيناغورس، بطريرك القسطنطينية، والذي أعلن بعد يومين من خطاب البابا نيته بلقاء البابا وذلك من خلال رسالة وجهها إلى الكنائس الأرثوذكسية. رغبة البطريرك لاقت استحسانًا في العالم الارثوذكسي. ما يهمنا من هذه الزيارة، هو المعنى الحقيقي لهذا اللقاء بين البابا والبطريرك المسكوني.
تجدر الإشارة إلى أنّ اللقاء الأخير بين مسؤولين من الكنيستين يعود إلى مجمع فلورنس (عام 1439). بعد قرون من التباعد، يقول ممثل البطريرك أثيناغورس في روما (27/12/1963)، “الغرب اللاتيني والشرق اليوناني، يبديان رغبتهما في التلاقي في الحب والاحترام المتبادل النابعان من الإنجيل”. أن يتبادلا قبلة السلام، هو علامة لإرادة صادقة بمحو الصفحات المشؤومة من تاريخ الكنيستين والتي طالما شوهت المثال المسيحي وروح الانجيل. قبلة الإخوة تعبر عن الإرادة المشتركة باستعادة شراكة حقيقية تشهد لمحبة المسيح ومصالحته العالم. إنّ زيارة البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغورس تحمل قيمة رمزيّة كبرى. فكلا الكنيستين الكاثوليكيّة والارثوذكسيّة مدعوتان إلى اصالتهما وأصلهما المشترك، الإنجيل. إنها دعوة للكنيستين بأن تتبعا المسيح، الفقير والخادم، اساس الكنيسة ووحدتها. هذه الزيارة – العودة تعبّر بامتياز عن المنطق الجديد المتّبع لاستعادة الوحدة وبالتالي تخطي إشكالية الوحدة التي كانت رائجة في كلتا الكنيستين والتي تقوم بعودة المنشقين إلى الكنيسة ومن هم المنشقون: الأرثوذكس بالنسبة للكاثوليك، والكاثوليك بالنسبة للارثوذكس!. هذا اللقاء – المحطة شكَّل بداية لتجدد لا عودة عنه في العلاقات الأخويّة بين الكنيستين.
البساطة الإنجيليّة للقاء وتعابير المحبّة الظاهرة بين رأسي الكنيستين وعمق رمزيته دمغت هذا الحدث وجعلت منه بحق أيقونة العمل المسكوني وتعبير قويّ لحوار المحبّة الذي يتخطى الشكليات البروتوكولية. إنّه مقدمة سعيدة لما ستكون عليه الأمور في حياة الكنيستين في السنوات التي تلت. سنة 1965 قاما بإعلان مشترك الغيا من خلاله الحرمات المتبادلة بين الكنيستين والتي تعود لعام 1054. سنة 1967 قام البابا بزيارة البطريرك في مقره في الفنار-اسطنبول )تموز( وهذا الأخير زار البابا في الفاتيكان وباركا المؤمنين سويّة (تشرين الأوّل).
ما يجب قوله والتركيز عليه بأنّ البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغورس مقتعنان أنّ الله هو الذي وجّه خطواتهم نحو الأراضي المقدسة، وهما بمسيرة حج وعيونهم شاخصة نحو المسيح كما جاء في إعلانهما المشترك. المسكونية سلكت طريق اورشليم والعودة إلى الينابيع. هناك منطق جيد سيحكم العلاقات بين الكنيستين قوامه التواضع، الغفران، الصداقة والصلاة والشهادة لمحبة السيد الذي ليجمع شمل ابناء الله المشتيين في عائلة واحدة.
***********
بعد خمسين سنة من هذا اللقاء سيلتقي البابا فرنسيس والبطريرك المسكوني برتلماوس في المدينة المقدسة، بروحية اورشليم. بعد الف عام من القطيعة كيف ننظر إلى الخمسون سنة المنصرمة من الحوار المستعاد؟ ما هي الطريق التي سلكناها؟ ما هي اإنجازات؟ ما هي العوائق التي تحول دون استعادة الوجوه؟ ما هي الآفاق التي ترتسم أمامنا؟ على عتبة الالفية الثالثة، يقوم كل من المتروبرليت عمانوئيل والكاردينال كورت كوخ ، العاملان في المجال المسكوني على أعلى المستويات، بعرض شامل لما آلت إليه مسيرة المصالحة بين الكنيستين وتصوّر آفاق الوحدة. إنه كتاب يحاكي التاريخ، الاحداث ورجالات العمل المسكوني… بكلمات قليلة يدعوننا المؤلفان إلى تحقيق الشراكة في الروح والحق.
* * *
مستل من سر وحدة الكنيسة. لغة الوحدة، في الحوار اللاهوتي الرسمي بين الكنيستين الكاثوليكيّة والارثوذكسيّة، (754 صفحة). أطروحة دكتوراه. دافع عنها الخوري طانيوس خليل في جامعة ليون الكاثوليكيّة بدرجة مشرف جدًا (24/4/2014).
)نص المقالة أعلاه كتب باللغة الفرنسيّة وتضمن 15 مرجعًا و7 حواشي لم نذكرها تسهيلاً للقراءة.)