جوتو يرسم الصعود
الفاتيكان, 10 مايو 2013 (زينيت)
إنّ صعود المسيح هو أحد أحداث حياة يسوع التي لطالما أحبّ تاريخ الفن أن يجسّدها. في الواقع، يوجد الكثير من التمثيلات الفنية من هذا الحدث حيث واحدة منها موجودة في كنيسة سكروفيني في بادوفا من رسم جوتو.
لقد طُلب من جوتو أن يقوم بزخرفة الكنيسة الجديدة التي أُقيمت على المسرح الروماني سابقًا وكانت قد اشترته عائلة سكروفيني نحو العام 1300.
استلم جوتو كلفة رسم الكنيسة بين العام 1303 و1304 مباشرة من إنريكو سكروفيني، ابن المشهور ريجينالدو. إنّ فكرة أن يضع ريجينالدو من بين المرابين تسمح بتخيّل سمعة هذا الرجل والغنى المتراكم مما أساء بسمعة عائلة سكروفيني.
من المرجّح أنّ إنريكو عندما شيّد هذه الكنيسة وفتحها أمام كلّ المواطنين ليزوروها بعد أن زيّنها بكاملها جوتو وبعد أن أخذ موافقة البابا بندكتس الحادي عشر، أراد بذلك أن يحسّن سمعة عائلته.
إنّ اللوحات الجدارية التي قام برسمها جوتو تمتدّ على أربعة مجالات متداخلة. لقد استخدم الرسام برنامجًا معقّدًا ودقيقًا من الرسم استوحاه من مواضيع مأخوذة من الأسطورة الذهبية للمؤرخ اللاهوتي جاك دو فوراجين: إنّ الرسم الأول أعلاه، يوضح قصة يواكيم وحنة وقصة مريم؛ الثاني والثالث، أي في الصورة الموجودة في النصف، قصة يسوع؛ الجزء السفلي يجسّد تماثيل استعارية للرذائل والفضائل التي يفصلها الجليد برخام اصطناعي؛ اما على الواجهة الخلفية فنجد يوم القيامة.
إنّ اللوحة الأخيرة من الجزء الثالث، عندما ننظر الى الأعلى نحو القسم الأيسر بالنسبة الى الزائر الذي يدخل الكنيسة، فهي تمثّل مشهد صعود يسوع الى السماء. وبهدف أن نفهم جيدًا هذه اللوحة، من المفيد أن نستخدم نص جاك دو فوراجين الذي هو الأساس.
وقد كتب جاك دو فوراجين في فصل من الأسطورة الذهبية: “صعد ربّنا الى السماء بعد أربعين يومًا من قيامته. وعلينا أن نأخذ سبعة اعتبارات في الحسبان بالنسبة الى الصعود: أولاً – المكان الذي تحقق فيه الصعود؛ ثانيًا – لمَ لم يصعد يسوع المسيح الى السماء مباشرة بعد حدث القيامة فانتظر أربعين يومًا؛ ثالثًا – بأي طريقة صعد؛ رابعًا – مع من صعد؛ خامسًا – ما هدف صعوده؛ سادسًا – أين صعد؛ سادسًا – لمَ صعد.
إنّ الروابط التي نشأت بين رسم جيوتو ونص الأسطورة الذهبية تفهمنا الفائدة التي حملتها الثقافة الى الفن وأهمية وجود تناغم بين النص والصورة لتسمح للواعظ والمستمعين بالفهم من خلال صورٍ تحمل المعاني.
من الواضح أنّ جيوتو نظّم هذا المشهد بطريقة بسيطة إنما بتناغم تام مع كلّ التحاليل اللاهوتية العميقة التي تظهر في النص الأدبي.
في القسم السفلي، نجد أنّ الرسل مرسومون راكعين على ركبهم ومقسومين الى قسمين: قسم مع مريم مفصولين عن الآخرين الى الجهة اليسرى التي تظهر ببهاء عظيم بوجه مصلي ومخطوفة بكلام الملاك الذي يشير الى يسوع.
اكتفى جيوتو بإفهامنا أنّ المكان الذي يصعد اليه يسوع هو خارج حدود اللوحة، الى الخارج. في الواقع، كتب جاك دو فوراجين: “صعد يسوع المسيح الى فوق السماوات نحو أرقى سماء. فيذكر المزمور أنه صعد الى فوق كلّ السماوات المادية فجاء فيه: “أيها الرب سيدنا ما أعظم اسمك في الأرض كلها! لأعظمن جلالك فوق السماوات” (مز 8:2).
رسم جيوتو يسوع صاعدًا الى السماء بين صفين من الملائكة، صف عن يمينه وآخر عن يساره؛ هذه الملائكة تترنّح بحركة منتظمة وسوية فتتردّد كلمات جاك دو فوراجين: “صعد الى السماء بفرح وسط أجواق من الملائكة؛ وقد أتى في المزمور: “صعد الله بالهتاف الرب بصوت البوق” (مز 47:6).
أما فوق الصفين الأولين من الملائكة، فنجد غيرها من الشخصيات التي يمكن أن نحددها بواسطة كتابات جاك دو فوراجين كمثلاً: “مع من صعد؟ يجب أن نعلم أنه صعد مع جمع غفير من الناس والملائكة”.
ولكن إلى أين يصعد ولماذا؟ إنّ هذا المكان الذي اليه يرتفع وهو في خارج الإطار المرئي يقع في وسط اللوحة كلّها وهو مركز فن جيوتو وقلب إيماننا. كتب جاك دو فوراجين: “فكما أنّ آدم الأوّل فتح أبواب الجحيم، كذلك فتح آدم الثاني أبواب السماء […] إنّ صعود يسوع المسيح هو رهن ارتفاعنا فكما سبقنا بمجده يأمل الجسد أن يلحق به […] “في بيت أبي منازل كثيرة ولو لم تكن، أتراني قلت لكم إني ذاهب لأعدّ لكم مقامًا؟ (يو 14:2).
ترافق هذا السياق عظة ألقاها البابا بندكتس السادس عشر في العام 2009، يوم عيد الصعود: “إنّ صعود المسيح يعني إذًا في المقام الأول إبن الإنسان المصلوب والقائم بعظمة الله على العالم […] إنما يوجد معنى أعمق أكثر لا يمكن ملاحظته على الفور. فإذا نظرنا الى أعمال الرسل، نجد أنه مذكور أنّ يسوع قد “رُفع بمرأى منهم”. وُصف الحدث لا كرحلة الى العلى بل كعمل قوة من الله الذي يُدخل يسوع في العظمة الإلهية.
إنّ وجود السحابة التي جعلته “يحتجب عن أبصارهم” تذكّرنا بصورة قديمة جدًا من لاهوت العهد القديم وتربط نص الصعود بقصة الله مع اسرائيل، بسحابة سيناء وفوق خيمة عهد الصحراء حتى السحابة على جبل التجلي. إنّ إظهار الرب مغمور بغمام يرمز الى الحدث نفسه “الجلوس عن يمين الله”.
عندما ارتفع المسيح الى السماء، دخل الإنسان بطريقة جديدة بعلاقة حميمة مع الله؛ وجد الإنسان مكانًا له بحضن الله الى الأبد. كلمة “السماء” لا تشير الى مكان موجود فوق النجوم إنما الى شيء أقوى وأسمى بكثير: إنها تشير الى المسيح بنفسه، الشخص الإلهي الذي يستقبل الإنسانية دائمًا أبدًا، فمن خلاله الله والإنسان لا ينفصلان أبدًا. فكما انّ الإنسان هو في الله فكذلك هي السماء. وإذا ما اقتربنا من السماء أو دخلنا الى السماء نقترب من يسوع ونتّحد معه. إذًا، يدعونا عيد الصعود الى الاتحاد العميق مع يسوع الميت والقائم من بين الأموات والموجود بطريقة خفية في حياة كلّ واحد منّا”.
***
نقلته الى العربية – ألين كنعان
وكالة زينيت العالمية