الأب الدكتور ريمون جرجس الفرنسيسكاني
الرّضى وفق الشرع الكنسي الكاثوليكيّ هو “فعل إنساني”، الخاص بالانسان بقدر ما يشعر بالسيادة أثناء قيامه به بإرادته وبعقله. والافعال الانسانيّة هي الأفعال الحرّة التي تنجم عن إرادة حرّة على ضوء التعقل الحرّ، وفي حالة نقص أحد هذين العنصرين أو بوجود عيب في أحدهما، فلا يمكن الحديث عن فعل إنساني كامل.
فالرّضى الزواجيّ هو من الأفعال الإنسانيّة، الناتجة عن عمل العقل وعمل الإرادة. والتعقل والإرادة ليسا بملكيتين متميّزتين، وفعلهما ليس بكيانين منفصلين ومنغلقين في نفسهما، إنما هو فعل واحد في الوقت نفسه: “حكم مراد” و”إرادة مقدّرة”. فلا يوجد فعل تعقل غير مرتبط بالإرادة والعكس صحيح أيضاً .
طبقاً للحكمة المعروفة: لا أحد يستطيع إرادة شيء إذا لم يعرفه. فالعقل ككينونة وكقوّة الإنسان، والإرادة كملكية الإنسان، تجعله قابلاً لأن يحرك نفسه سواء نحو غايته محاولاً تحقيقه، أم نحو الوسائل التي تهدف للغاية نفسها، ونحو موضوع محدّد. والرّضى كفعل إرادي، قبل بلوغه لكمال الفعل المقرّر والمقصود، هو مسبوق بسلسلة من أفعال جزئية في العقل:
1- التصوّر
2- المناقشة
3- القرار
4- التنفيذ
ومرحلة القرار هي من بين هذه المراحل الأربع التي يمكن أن تكوّن الفعل الإرادي، ولكن الفعل الإرادي لا ينتهي إلاّ في مرحلة الرابعة، أي في مرحلة التنفيذ. لذلك، يصبح الرّضى ثمرة التقييم الحرّ، ثمرة حكم عقلي عملي، معدّ بشكل ملموس لشخص محدّد ولزواج محدّد.
فمن المكوّنات الأساسيّة للفعل الرضى الزواجيّ، الإرادة، وهي، في فكر المعاصر، ملكة قيادة الشخص، هي التي تحرّك الشخص السويّ في عمله ونشاطه، مستعينة في ذلك بالعقل في الفكر وفي النظرة إلى الكون والحياة والإنسان… وبالوجدان في العلاقات والمعاملات . فالشخص يعي بشكل كامل ما يفعله ولماذا يتممه. في هذا المجال، يقوم اختصاص المشرّع أو التنظيم القانوني الكنسيّ على منح قيمة قانونيّة للإرادة، التي هي السبب المباشر للعلاقة الإلزامية بين الزوجين. ويتم الاعتراف بقيمة إرادة الشخص عندما تعمل الإرادة طبقاً لشروط قُرّرت من الشرع.
لكن عنصر الإرادة غير كاف، فمن الضروري وجود موضوع، دافع من أجله تقرّر الإرادة. والدوافع التي من أجلها يحتفل بالزواج عديدة ومتنافسة فيما بينها أحياناً بقدر ما أنها مرتبطة بجوهر الزواج ويكون لها التأثير بسهولة جداً على الرّضى. فمن يتزوّج رغبة بأن يكون لديه أبناء يختلف عمن يريد الزواج لسبب العيش بالقرب من الوالدين، أو في تلك المدينة، وهذا لن يكون الدافع الرئيسي للرّضى.
كما يجب التمييز بين الدوافع التي تجعل من الزواج وسيلة للوصول إليها والدوافع التي تشير إلى الزواج في ذاته: هذه الدوافع تستطيع بسهولة أن يكون لديها تأثير مباشر على الرّضى، حتى وصولها إلى أن تكون جوهريّة، لذلك، ينسب لها الشرع أهمية كبيرة في بعض الحالات. ومن جهة أخرى، قد يرتبط الدافع بالخصائص الجوهريّة للزواج. فإذا كان حكم أو رأي خاطئ حول إحدى هذه الخصائص دافعاً لأن يريد أن يتزوّج، يمكن بسهولة الافتراض أنّ مثل هذا الغلط قد دخل في الرّضى أيضاً. فكلّما كان الدافع المحرّك قريباً من الجوهر، فالاحتمال الكبير هو أنه يحدّ من الإرادة. والسبب للتقليل من قيمة الغلط بخصوص الخصائص الجوهريّة لا يقع على التصنيف أو في قوّة الغلط نفسه، لكن في التمييز الواضح والمختلف الوجود بين تطابق جوهر الزواج وخصائصه الجوهريّة. فضآلة الغلط بخصوص الخصائص الجوهريّة المقرّرة في القانون 1099 لا تخلق استثناء المبدأ العام المقرّرة في القانون 126، لأن هذه الخصائص كونها مرتبطة بشكل غير منفصل عن جوهر الزواج تبقى متميّزة عنها.
1- مفهوم الغلط:
المقصود من كلمة “غلط”:هو الإدراك غير الصحيح للأشياء falsaapprehensiorei، أو الإدراك غير الصحيح لواقع ملموس وتصبح واقعية بتشكيل حكم زائف حوله أي بتثبيت الزائف كحقيقي falsum de aliqua re iudicium . فالغلط يمنع من إصدار حكم صحيح حول الفعل الذي يتممه الشخص أو أنه سيتممه. ومن المسلّم به، أنّ الشخص الواقع في حالة الغلط يجب أن يكون قادراً على إصدار حكم إنساني، لذا، في حال كان هذا الشخص يفتقد استعمالا كافياً للعقل،يجب استبعاد وجود حكم زائف لديه، بخصوص ذات الفعل الإنساني؛ لأنّ العقل في مساره الإقراري، بسبب حكم زائف، يقدّم للإرادة موضوعاً زائفاً لا يتطابق مع حقيقته؛ فنجد الإرادة مدفوعة بشكل خاطىء لكي تنوي شيئاً أو إصدار رضى حول شيء لا يتطابق مع حقيقته الموضوعية .
والإرادة عندما تندفع نحو موضوع معروف كما يعلمه العقل volitum in se فهي تريد الوقائع المتصلة بالموضوع المراد بحدّ ذاته لأنّها هي أيضاً مرادة بشكل ضمني وان لم تكن معروفة في الفعل الإجمالي من هدف ذلك الموضوع. إنّ العلاقة بين الغلط والإرادة يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار من ثلاثة جوانب: بسبب الغلط يمكن استبعاد بشكل كليّ إرادة إتمام فعل ما؛ أو يمكن أن تحفّزها؛ أو يمكن أن تصنّفها، أي أن ينسب إليها بعض الشروط، بدونها لا تنتج تأثيرات قانونيّة. لذلك، يمكن الحديث عن الغلط المستبعد، المسبب، المصنّف الإرادة .
القانون الشرقيّ 933-الفعل القانوني الذي أنجز عن جهل أو غلط يمسّ مقوّماته الجوهريّة أو يؤدّي إلى شرط لا بدّ منه، باطل؛ وإلاّ فهو صحيح، ما لم يستدرك الشرع غير ذلك؛ على أنّ الفعل القانوني الذي أنجز عن جهل أو غلط، يمكن أن يفسح المجال لدعوى فسخ وفقاً للشرع.
القانون اللاتيني 126- يعتبر باطلاً، الإجراء الذي تم إتخاذه بدافع الجهل أو الخطأ، إذا تناول هذا الإجراء ما هو جوهريّ في الأمر، أو اعتبر شرطاً لا بد منه؛ وإلا اعتبر صحيحاً، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. أما الإجراء، الذي تم إتخاذه بدافع الجهل أو الخطأ، فيمكن أن يعطي الحق في إقامة دعوى لإبطاله، بموجب أحكام القانون.
فالغلط قد يكون:
1-حول جوهر موضوع الفعل القانوني عندما يخصّ عنصراً جوهريّاً
2-حول عناصر غير جوهريّة للفعل، وليس له التأثير على صحّة ومفعول الفعل نفسه (ما لم يقرّر الشرع غير ذلك صراحة)
3-حول الشروط حيث بدون التحقّق من حدوثها لم يقصد وضع الفعل نفسه .
فموضوع الرّضى، إضافة إلى الجوهريّ الخاصّ بالفعل القانوني، هو العنصر الثانوي الذي يضيفه الشخص بشكل متصل ومطلق أيضاً. لذلك الغلط حول عنصر ثانوي يتحوّل إلى جوهريّ.
فالغلط الجوهريّ ليس ما ينصب على جوهر موضوعي للفعل، لكن ما ينصبّ حول العناصر التي بشكل ذاتيّ تنتمي في الجوهر، كونها مقصودة كشرط لا بد منه.
إذا تمحور موضوع الغلط حول هوية الشخص أو حول صفة جسدية أو أدبية، يسمى بغلط في الواقع؛ بينما إذا تعلق موضوع الغلط بجوهر الزواج، أو أحد صفاته الجوهريّة يسمى بالغلط في القانون. والغلط يمكن أن يكون سابقاً للزواج وسببه العقد. ويكون متزامناً إذا ما قام مع حصول العقد، أي إذا وقع وقت العقد، من دون أن يكون العقد مسبّبه. أمّا فيما يخصّ مضمون أو عناصره، فيجب أن نميّز بين الغلط الجوهريّ الذي يتعلّق بعنصر جوهريّ مرتبط بطبيعة الفعل، هويّة الشخص، والغلط الثانوي الذي يخصّ إحدى الصفات الجوهريّة في الفعل القانونيّ أو للشخص، أو أكثرها، ولا يبطل الفعل القانوني، من جهة.
من جهة أخرى، لكي يتّخذ الغلط قوّة مبطلة، سواء الغلط في ما يخص الواقع حول صفة الشخص (وليس حول الشخص) أم في الغلط في ما يخصّ القانون في الخصائص الجوهريّة أو الأسراريّة (لكن ليس حول الجوهر) فمن الضروري أن يكون الشخص مرتكب الغلط، قد وضع تعبئة خاصّة قويّة من القصديّة المتعلقة بعنصر يقع عليه الغلط. عندما نسمع ممن يدّعي الوقوع في الغلط أنّ زواجه لم يكن ليتمّ لو عرف بغياب صفة محدّدة أو بتلازم نقص معيّن، فلا يمكن أن نعتبر أنّ الغلط قد تحقق لأنّ الأمر هنا هو نيّة تفسيريّة لا أكثر ولا يمكن القبول بها لإبطال الزواج لأنها لم توجد عند القيام بالعقد ولايقبل القانون بها .
أكّد الشرع الكنسي الحالي في القانونين (1097 اللاتيني، 820 الشرقيّ)، على وجود شكلين من الغلط فقط يعيبان الرّضى الزواجيّ بشكل خطير وأنهما قادران على إبطال الزواج، هما الغلط في الشخص والغلط بصفة الشخص، بدون ذكر غلط في حالة العبودية.
القانون الشرقيّ 820
البند1 ـ الغلط في الشخص يجعل الزواج غير صحيح.
البند2 ـ الغلط في صفة الشخص، حتّى وإن كان سبب الزواج، لا يبطل الزواج، ما لم تكن هذه الصفة مقصودة بطريقة مباشرة ورئيسية.
القانون اللاتيني 1097
البند 1- الغلط في الشخص يجعل الزواج باطلاً.
البند 2- الغلط في صفة للشخص، وإن كان سبباً للعقد، لا يجعل الزواج باطلاً، ما لم تكن هذه الصفة مقصودة بصورة مباشرة ورئيسية.
بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، من غير الممكن قبول تفسير القانون 1097 بند 1 على أساس البعد الجسدي فقط، فالشخص الإنساني لا يمكن حدّه بالجانب الجسدي، لكن يجب توسيعه إلى مكوّنات أخرى لكيان الشخص الذي يمتلك الإرادة والعقل والأحاسيس والعاطفة، كما يتضّح من نص الدستور الراعوي “فرح ورجاء” (رقم 3، 61): “الإنسان فرداً وكلاًّ، بجسده وروحه، بقلبه وضميره، بعقله وإرادته” و”يبقى على كلّ إنسان أن يحافظ على كامل شخصيته الإنسانيّة التي يهيمن فيها العقل والإرادة والضمير والأخوة”. فالشرع الكنسي الكاثوليكيّ يستشرق من تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني رؤيته عن الشخص الإنساني الكامل ويضعه في مركز التنظيم التشريعي بجملته. إذن الغلط في الشخص لا يمكن فهمه فقط كغلط في الطبيعة الجسدية للشخص، لكن أيضاً في الصفات الأساسيّة التي تؤثر بوضوح في تحديد الجانب الكامل للشخص.
1-1-الغلط في الشخص:
إنّ الغلط في الشخص هو غلط جوهريّ يجعل الزواج باطلا لأن الإرادة الرضائية تتجه نحو شخص مختلف عمن يجب أن يعقد زواجه. بهذا المعنى هذا لا يعتبر عيباً vitio للرّضى لكن نقصاً defectus مطلقاً وجذرياً في الرّضى، ولذلك عدم صحة هذا الزواج له أساس في الشرع الطبيعي . الغلط في الشخص هو غلط في الموضوع المادي للزواج، الذي يجعل الزواج باطلا بسبب أنّه يثير عيباً في الرّضى. الغلط في الشخص لايعيب الرّضى الزواجيّ فقط، لكن يمنع من تكوينه ووجوده، كون موضوع الرّضى الأولي والأساسي هو المتعاقدان محددان بجوانبهما الذاتية والشخصية.
ويتم التحقق من الغلط في الشخص فقط، عندما يريد الشخص عقد زواج، وقد استبدل به بشخصٌ آخر، وهذا يحدث في الزواجات المعقودة بوساطة وكيل أو قيّم (ق.ش 837 بند 2).على سبيل المثال: طوني ينوي أن يتزوج جورجيت على أنها سليمة حسنة وغنيّة إلخ…لكن إذا اكتشف بعد الزواج أنّ جورجيت لم تكن سليمة وحسنة أو غنيّة، ليس لهذا السبب يكون زواجه باطلا. فإنّ رضى طونى كان موجّهاً بشكل رئيسي للشخص وبشكل ثانوي للصفة. يقدّم القديس ألفونس في معالجته اللاهوت الأدبي المثال التالي: “إذا قال أحد أريد الزواج فلانة على أن تكون عذراء لا أقصد الصفة بشكل رئيسيّ، ولذا نقصان مثل هذه الصفة لا يبطل الرّضى. أمّا إذا قلت إني أريد الزواج من عذراء على أن تكون فلانة (جورجيت)، أقصد الصفة بشكل رئيسي، لذا نقصانه سيجعل الزواج باطلاً.
يقولAbate: “الشخص البشري، بكليته، مكوّن، في الوقت نفسه، من الجانب الجسدي ومن الجانب الأخلاقي، الاجتماعي والثقافي. نتيجة لذلك، فهناك صفات، بطبيعتها الخاصّة، وبدون أن تكون مطلوبة من إرادة إيجابيّة وسائدة، هي جوهريّة لتحديد الشخص في صورته الكاملة. إن هذه الصفات مرتبطة بشكل عميق بالشخص بمفهومه الكامل، على أن غياب إحداها يجعل الشخص الجسدي نفسه بشكل كامل مختلفاً” .
يؤكّد Ricciardi:المفهوم الجديد للشخص “يمتد إلى تلك المكوّنات الاجتماعية والأخلاقية والروحية التي هي جوهريّة في الشخص: العقلانيّة، الإرادة، الضمير، الحريّة، الجنسيّة إلخ…الغلط في الشخص المبطل للزواج…لا يمكن أن يتحدّد بالغلط حول الهوية الجسدية للمتعاقد الآخر، لكن يجب أن يمتد إلى الغلط حول العناصر الجوهريّة التي تحدد الشخص الثاني في كماليته. بكلام آخر، يقصد الشخص هنا كموضوع الرّضى الزواجيّ، الغلط في الشخص يفهم كغلط في الموضوع ولا ينبغي أن يكون محدّداً في الغلط في هوية الموضوع كما كان يتكلم عنه الشرع الروماني، الغلط في الجسد، لكن يجب أن يفهم الغلط في جوهر الموضوع، الغلط في خصائصه الجوهريّة للشخص في بعده الروحي، الأدبي، الاجتماعي. يتميّز الغلط في جوهر الموضوع عن الغلط في هوية الموضوع، لأن هذا الأخير يشير إلى الهوية المطلقة للموضوع ككيان جسدي متميّز بشكل عددي عن الآخرين من نفس النوع. أيضاً يتميّز الغلط في جوهر الموضوع عن الغلط في صفة الموضوع qualitate obiecti، لأن هذا الأخير يشير إلى تلك الصفات التي تضاف إلى الموضوع، لكنّها لا تعدّل شيئاً في جوهره” .
من المسائل المرتبطة بالغلط في الشخصية هي في الاعتبار غير الكافي للنمو ولتطور الشخص. حيث إنّ الشخصية لا تبقى بدون تغيير أثناء الحياة الزوجيّة، فهي تتمتّع باستقرار نسبي ومتقلّب في الوقت نفسه. فهناك تطور في المجال الأخلاقي والروحي والجسدي في تكوين صفات معيّنة.كما أن الطباع المكتسبة مع الوقت تتخذ شكل الصفة، كونها نتيجة وصورة كيانه الشخصي نفسه. فالصفات المكتسبة يمكن أن تصبح موضوع الغلط في صفات مقصودة بشكل مباشر وبشكل رئيسي، فقط إذا كانت لفترة زمنيّة مؤقتة، لكنّها تتمتّع باستقرار ثابت . لذلك،مفهومالشخصيمكنأنيتغيّر،والشخص الجسدي يبقى هو نفسه. فالغلط حول هوية identità الشخص، يجب حصره بشكل واضح في الهوية الجسدية، لكي لا نصل إلى تفسيرات خطيرة غير جدّية، التي تضيف إلى الشخص الذي يغيّر صفته الأخلاقية هوية مختلفة. مثل هذه الصفات العامّة التي يرغب كل متعاقد أن يجدها في شريكه المستقبلي، لا يمكنها لطبيعتها التأثير على الحياة الزوجيّة بشكل خطير، لأن الصعوبات التي تنجم تقريباً عن كثير من الزواجات بسبب عيوب ونواقص يمكن تجاوزها بإرادة حسنة وبتطبيق وسائل طبيعية وفائقة الطبيعة .
تمثّل “الهوية” معنى لوجود خاص ومستمر، متميّز عن الآخرين، من اللحظة التي فيها تشكل نواة حياة أي فرد هويته الخاصة . ومن هنا نجد انّ “تكوين الهوية الشخصية،وإن كان تموجّهة لكي تدوم والفترة الوجود، تكتسب ديناميكية وجودها منذ السنوات الأولى من الحياة، مع اكتشاف عالم الأشياء والتمييز المتطور بين العالم الخارجي وذاتيته الخاصة الجسدية والعقلية، عندما يشكل لنفسه حضور محوري ذاتي. فهوية الفرد هي تلك المتعددة التي تسمح للشخص إدراك ذاته كمتماثل في المكان والزمان، لأن مكوّناته الأساسيّة ممثّلة في وحدة الذات وديمومتها” . هذه الهوية الشخصية تتخّذ أهمية جوهريّة في اللحظة التأسيسية للزواج. في الحقيقة، هذا الفعل هو جواب، شخصي فردي، والذي يلزم بشكل متبادل “أنا” و”أنت” بهدف إقامة حالة الحياة الزواجيّة . هذه الهوية الشخصية الأساسيّة، كونها القاعدة التي يبنى عليها تأسيس فعل الرّضى، تميّز الفعل بشكل خاصّ، بضمان التحديد الجوهريّ، ليس مع الوقائع الزواجيّة المحضّة، لكن تلك الملموسة، بطريقة أن هذا الغلط الجوهريّ حول هذه الحالة الواقعية يتعارض مع تشكيل الفعل، ليس ما عدا ذلك من الغلط في القانون الذي يقع على الجوهر الذي بحث عنه . فالبطلان لا يعتمد على وجود صفة إيجابيّة بشكل يوازي غياب صفة سلبيّة محدّدة، لكن على واقعة أنّ شخصاً يبدو جوهريّاً مميّزاً عن ما يريد المتعاقد أن يتزّوحه، حتى إذا كان يتطابق بشكل جسدي وبقيود نفوسه معه. خصوصاً أن الاضطرابات النفسيّة الجنسيّة مرتبطة بإحكام بصفات أخلاقية للشريك.
2-1-الغلط في الصفة:
البند الثاني من القانون 1097، يتناول الغلط حول صفة خاصّة أو مشتركة لعدة أشخاص، سواء أكانت ضرورية أم لا لتحديد حالة الحياة الاجتماعية أو القانونيّة أو الأخلاقية للفرد.ولا يتعلّق الأمر بغلط حول صفة جوهريّة ومتطابقة مع الشخص الزوج، وإلاّ لوقعنا مرة أخرى في فرضية استعرضت من البند 1 من نفس القانون المتعلّق بغلط في الشخص.
يميّزالقانون 1097 – البند2 بوضوح ثلاث وقائع من الغلط في صفة:
1- الغلط في الصفة ليس بسبب العقد
2- الغلط في صفة بسبب العقد
3-الغلط في صفة مقصودة بصورة مباشرة ورئيسة. بينما الواقعة الأولى والثانيّة لا تجعل الزواج باطلا، الواقعة الثالثة لها فاعلية مبطلة.
لم يضع المشرّع أيّ مواصفات حول طبيعة الصفة ولذا يمكن أن تكون أي صفة، بدون أيّ تقييد أو تحديد، بشرط أن تكون مقصودة بشكل مباشر وبشكل رئيسي من المتعاقد. هذا يعني أن ليست الصفة في حدّ ذاتها هي التي تشكّل أساس الغلط في الصفة لكن الإرادة الذاتية للمتعاقد التي تمنح لتلك الصفة الثقل والخطورة ما يجعلها الموضوع المباشر للرّضى الزواجيّ الخاص. يقول Bersini: “وليس كلّ غلط في الصفة يبطل الرّضى، وإلاّ على كل واحد أن يعلن بطلان كلّ زواجات الذين أخطؤوا في بعض الصفات . . . كلّ شخص يودّ أن يتزوّج شخصاً ذا صحة جيدة، مميّزاً بعديد من الصفات” . فالغلط في الصفة يعيب الرّضى لأن الصفة نفسها تلعب دوراً مرضيّا في الرّضى وليست صاحبّة الدور الفيزيولوجي الذي يكوّن ببساطة سببا للعقد فقط . لذلك،يجب أن يكون للصفة ثقل كبير،ليس على الصعيد الشخصي وحسب،بل ومن الناحية الموضوعية أيضاً . أقرَّ البابا يوحنا بولس الثاني في خطابه أمام أعضاء محكمة الروتا الرومانا في 1993:”الغلط في صفة الشخص” يمكن أن يبطل الرّضى فقط عندما تكون الصفة مقصودة مباشرة و بشكل رئيسيّ. يترتب على ذلك، أنّ التقييم القضائي لمفهوم الصفة سيكون طبقاً للموضوعية أكثر من معايير الشخصية. أي لكي يطبق القانون 1098، الصفة يجب أن تكون ذات أهمية موضوعية، على الأقل ذات تقدير اجتماعي مشترك”. وفي خطابه أمام أعضاء المحكمة الروتا الرومانا بتاريخ 22 كانون الثاني سنة 1996 تحدث عن أهمية معرفة النص الثقافي الذي تعالج فيه القضية وكذلك الأهمية الموضوعية للصفات (رقم 5): “منذ بداية حبّريّتي، رغبت توضيح الحقيقة حول الكرامة الإنسانيّة، أشرت أنّ الإنسان هو كائن وفريد لا يتكرّر. هذا الطابع الفريد يتعلّق بالفرد الإنساني، لا يؤخذ بالمجرّد، لكنه منغمس في الواقعة الاجتماعية، العرقية، التاريخية وقبل كل شيء الثقافية التي تميّزه بفرديته” .
أمّا الاجتهاد القضائي الروتالي فقد أكّد بالإجماع تقريباً أن الصفة يجب أن تكون مهمّة موضوعياً وذاتياً. وكمعيار لتقييم أهمية الصفة، يمكن الإشارة إلى المعايير التالية: أن تكون بطبيعة الأشياء واضحة لممارسة الحقوق والواجبات الجوهريّة للزواج؛ أن تكون مهمّة بشكل موضوعي حسب عادات المكان. فقد يحدث وجود صفة، ويبدو أنها عرضية، لها ثقل وأهمية خاصّة ومن الممكن محددة في بيئة اجتماعية، بينما في مجتمعات وثقافات أخرى هي غير مهمّة. الصفة يجب أن تكون مهمّة بشكل موضوعي في المجال العائلي، الاجتماعي والديني .
لذا الموضوع المتعلّق بالصفة قد يكون مشتركاً وشائعاً، فلا يكفي أن تكون صفة جدية، أي غير ساذجة أو تافهة، بل يجب أن تتداخل أيضاً مع موضوع الرّضى، مما ينتج إرادة مرجحة للغلط. لا يكفي أن تكون الصفات المرجوة عامة مجرد فرضيات في الشريك، بل ويجب أن تشكّل موضوع الفعل الإرادي عند الشخص وان تكون الحجة الرئيسية لاختياره ذاك الشريك المعين . وتشيرالجملة “وإن كان سبباً للعقد”إلى ما سميّ في السابق بغلط مسبق error antecedens، وهو الغلط الذي يسبب الفعل والتصرّف بطريقة تنشىء الدافع الأساسي والذي من أجله حدّدت الإرادة ،وهو يتطابق مع الواقعة التالية: “إذا كان شخص ما،لديه مثل هذه النيّة في لحظة إظهاره الرّضى، مع علمه بالحقيقة، لما أراد أن يتزوج”. إنه يتعلّق بالإرادة التفسيرية التي هي بحدّ ذاتها غير كافية لبطلان الزواج. أما إذا قال الشخص: “أيضاً إذا كنت على علم قبل الزواج أنّ ذلك الشخص كان عدوانياً لتزوجته”. هنا نجد أنفسنا أمام تعبير آخر للغلط وهو الغلط المقترن ؛ أي الغلط الذي يصطحبّ فعل الإرادة لكن لا يهتم بالدافع الاساسي الذي من أجله أقيم الفعل . يريدالمشرّعأنيؤكّد على المبدأ العام: الغلط في الصفة لا يبطل الزواج، حتى في حالة كان الطرف الخاطىء، على علم بالحقيقة حول تلك الصفة، لقرر عدم الزواج .
لم يسمح الاجتهاد القضائي أبداً أنّ القانون يقصد به تغطية صفات واسعة وعامّة كما يتمنّى كلّ شخص أن يجدها في زواج شريكه. بكل تأكيد من لا يريد أن يكون زوجه المستقبلي متميّزاً بصفات حسنة كثيرة؟ وبالتأكيد الكثير من الناس يتزوجون لأنهم يعتقدون أنّهم وجدوا في الشخص الشريك مواهب عديدة. ومن المحتمل أن يظهربسهولة أنّ اختيارهم الزوجيّ كان مدفوعاً بهذا الاعتقاد؛ لكن هذا يختلف تماماً عن الإثبات بأنّ في رضائهم قصدوا تلك الصفة أكثر من الشخص. بخصوص الصفة على سبيل المثال أن تكون “مخلصاً” “مسؤولاً” “صادقاً” “مبتهجاً”، الخ.. ، الادّعاء أنّ شخصاً أراد بشكل مباشر ورئيسي مثل هذه الصفة في الاختيار الزوجيّ وأخطأ حول الشخص ومعتقداً بامتلاكه إيّاها، فلن يعطي أسباباً لإعلان بطلان الزواج. من هذا المنظور الدقيق، نجد ثلاثة حلول بعلاقتها مع امتداد الصفة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. الأول تلك التي تميّز فيها صفة المتعاقد بشكل سابق على الاحتفال بالزواج وسوف تميّزه بعد ذلك. الثاني، التي تكون فيها الصفة حاضرة مسبقاً قبل الاحتفال بالزواج، لكن من الممكن أن لا تبقى هذه الصفات في الأوقات التي تلي الزواج. الثالث، أخيراً، تلك التي طرأت فيها الصفة بشكل مفاجئ بعدالاحتفال بالزواج .
اعتبر الغلط في الصفة، حسب التشريع الجديد، واقعة بمفردها غير مرتبطة بالغلط في الشخص، والذي قد يكون ظاهرياً فيخصّ الكمالية الجسدية، النفسيّة والأخلاقية (على سبيل المثال العقم، أمراض معديّة، أمراض عقلية، الكحول) كما أيضاً الغلط حول الظروف الاجتماعية والقانونيّة (على سبيل المثال الجنسيّة، المهنة، الديانة، الوثاق الزواج المدني السابق، صفة دراسة) .
2-4-الصفة مقصودة بطريقة مباشرة ورئيسيّة:
يستخدم الشرع الكنسي الحالي فعل intendere في نصّ القانون اللاتيني 1097 والشرقي 820، ولقد تُرجم إلى اللغة الفرنسية بفعل “visé” وكأن المترجم يريد أن يقول أن المشرّع لم يقصد إستخدام فعل “اراد”. وحسب اللغة اللاتينيّة intendere لا يستدعي فقط الإدراك بالمعنى العقلي، لكنّه يعني propositum”ينال هدف”،”تحديد لنفسه هدف” ،لذا يقتضي فعل الإرادة . فالصفة يجب أن تكون مرغوبة بشكل مباشر بفعل الإرادة، أي لها الموضع الأول في العلاقة مع الشخص وليس بعنصر إضافي أو جانبي. وهنا تكون الصفة هي التي تشكل الموضوع المباشر لفعل الإرادة.
وتعبير “مباشرة” يعني أن الصفة قصدت ليس لبعض توسطات، كحالة إذا أراد شخص الزواج وفي نفس الوقت هو مسرور أن الزوج المستقبلي يتمتّع بصحة جيدة؛ الصحة الجيدة هي في تلك الحالة قصدت بشكل غير مباشر . أمّاتعبير “رئيسي”principaliter فهو يشير أن تلك الصفة، من بين الصفات الممكنة التي يمكنقصدها، وهي مقصودة بشكل قوي، حيث يتوجه الرّضى بشكل رئيسي نحو الصفة وليس نحو الشخص .فنيّة المتعاقد تضع الصفة مباشرة ضمن سياق البحث في المكان الأول. وهذا يعني أنّه يضع شخص المتعاقد في المكان الثاني .”هذا يعني أنه ليست الصفة فيحدّ ذاتها التي تشكل اساس الغلط في الصفة لكن الإرادة الذاتية للمتعاقد التي تمنح لتلك الصفة الثقل والخطورة ما يجعلها الموضوع المباشر للرّضى الزواجيّ. فالمقصود من مفهوم “صفة مقصودة قصداً مباشرا وجوهريّاً، هو أنّ الصفة هي الموضوع المباشر للإرادة. وأن تكون صفة محدّدة ليس كما هي متضمنة في الإرادة العامّة لكن كموضوع مباشر وموجّه من إرادة خاصّة. فالغلط في الصفة لا يقتضي بطلان الرّضى الزواجيّ، حتى بوجود نقص الصفة. بينما دائماً القصدية الموجّهة بشكل مباشر وبشكل رئيسي نحو صفة يقضي بطلان الرّضى . هذه القصديّة بدخولها في حدود استقلالية الشرعية للإرادة التعاقدية، تجعل تلك الصفة من محتويات موضوع الرّضى.
إنّ واقعة الغلط في صفة الشخص أثناء صدور رضى زوجيّ تعتمد على الحالة القصدية للشخص الخاطىء بخصوص الزواج، أو المتعاقد الآخر أو صفة موضوع القضية.
1-الشخص الذي يغلط قد يجد نفسه في حالة قصديّة غير مبالية أمام صفة يقع عليها فعل الغلط، بهذه الطريقة يكون الشخص جاهزاً للاحتفال بالزواج حتى وإن علم بالحقيقة (أي افتقار تلك الصفة).
2-الشخص الذي يغلط لا يعير أي انتباه لصفة محددة حتى وإن كانت مهمّة؛ مع ذلك يجد نفسه في مثل هذه الحالة القصدية وبتلك الصفة أنه لن يعقد الزواج إذا علم بالحقيقة
3-الشخص الذي يغلط يفكر أنه توجد صفة مرغوبة (خصوبة، صحة جيدة، غنى)؛ مع ذلك لم يتقدّم للزواج بإغراء من تلك الصفة، وإنه قد لا يعقد الزواج إذا علم بالحقيقة
4-الشخص الذي يغلط يفكر أنه توجد صفة مرغوبة ويتقدّم للاحتفال بالزواج بإغراء من تلك الصفة، لن يعقد الزواج إذا علم بالحقيقة.
5-الشخص الذي يغلط يفكر أن المتعاقد الآخر يمتلك صفة ينويها هو بصورة مباشرة ورئيسية .
كل هذه الاصعدة من القصدية لديها بدون شك تأثير مختلف على الرّضى الزواجيّ. وتنشأ المسألة حول تحديد حدّ الوقوع بين الأصعدة التي تجعل الرّضى باطلاً و تلك التي تترك الرّضى بدون لمس مع الفاعلية القانونيّة لإنتاج الزواج.
الصعيد الأول من القصدية تتمثّل في المصطلح الكلاسيكي، غلط متزامن error concomitans، الذي ليس له أي تأثير على صحة العقد عندما ينصب على عناصره العرضية، وليس عندما ينصب على ما يشكّل جوهر الفعل، وفي هذه الحالة الغلط ينجز واقعة البطلان بشكل مستقل عن نيّة الشخص . في هذه الواقعة ليست صحة الرّضى هي موضع المناقشة. الزواج يحتفل به بغلط في الصفة، لكنّه ليس في تعارض مع القصدية الحالية للشخص لكي يحتفل بزواج مع شخص محدّد، إن كان لديه صفة موضوع الغلط أو لم تكن لديه. لذلك يتوجّه الرّضى بشكل فعلي نحو زواج محدّد وينجز تأثيره الطبيعي. أما إذا إنصب الغلط المقترن على الشخص، يُعدّ الزواج باطلا ” إذا تناول هذا الإجراء ما هو جوهريّ في الأمر” (ق.126) . أمّا الأصعدة الثلاثة الأخرى فهي تدخل، حسب المصطلح الكلاسيكي، في الغلط المسبق error antecedens ، أي الغلط الذي يسبق القرار.
الحالة القصدية في ثلاث حالات، بعد الاحتفال بالزواج، تظهر بتعابير الندامة: لو كنت على علم بالحقيقة، لما أردت الزواج أبداً. الصعيد الثاني يفترض حالة قصديّة مألوفة بخصوص الصفة، حيث إن الشخص افتراضيا لم يعط اهتماماً لهذه الصفة. لذلك لم يستطع تشكيل قصد حالي ولا حتّى تقديريّ . الصعيد الثالث: الشخص يعتبر أن الشريك يمتلك صفة مرغوبة من قبله. مع ذلك تبقى هذه المعرفة وهذه الرغبة غير فاعلة؛ الصعيد الرابع: يتحرك الشخص للاحتفال بالزواج لأنه يعتبر الشريك يمتلك تلك الصفة. لذا الغلط هو السبب المحرك للاحتفال بالزواج . الصعيد الخامس: الشخص يميل نحو الصفة مع قصدية قوّية لجعلها عنصراً جوهريّاً لرضاه. لذا إذا افتقد هذه الصفة، ينقص الرّضى الصحيح و الزواج باطل . ينبغي التخلي عن تفسير ضيق جداً، الذي يطالب بموضوعية الصفة المعكرة، بدون الأخذ بالحسبان مختلف ظروف الشخص الذي وقع ضحية الغلط.
إذا قصد شخص بشكل مباشرصفة، هذايستوجب بشكل جوهريّة نقص الرّضى بسبب نقص موضوعه. وهذا يحدث بشكل واضح لكي لا تستطيع الصفة في حدّ ذاتها تشكّيل موضوع الرّضى الزواجيّ، لكن في كونها تتّخذ مثل هذه الميّزة في قصدية المتعاقد، أي بإرادته. فعند قيام العلاقة الاعتمادية بين نقص صفة مقصودة بشكل مباشر وبشكل رئيسي، ونقص موضوع الرّضى، فالنتيجة حول بطلان الزواج واضحة، كون موضوع الرّضى عنصراً جوهريّاً للرّضى نفسه، الذي هو علّة فاعلة للزواج. نستنتج أنّ السبب الآتي لرضى، صادر عن شخص فاعل الغلط في صفة مقصودة مباشرة ورئيسية هو قائم في إرادته .ويتضّح من النصّ التشريعي أن صحة الرّضى الزواجيّ لا تعتمد على إرادة افتراضية، أو على حالة تفسيريّة، لكن على إرادة معبّرة بشكل فعليّ؛ فليس المهمّ أن تكون ظاهرية أو باطنيّة، إنّما أن تتجّه الإرادة بشكل مباشر وبشكل رئيسي لصفة مرغوبة محدّدة .
5-إثبات الغلط في الواقع:
الغلط في صفة مقصودة بشكل مباشر وبشكل رئيسي، يجعل الزواج باطلاً بقوّة الحق الطبيعي الذي يشير إليه القانون الشرقيّ 933 والقانون اللاتيني 126 . وتحتل الصفة المقصودة بشكل مباشر ورئيسيّ، في الموضوع القصدي لرضى مكان جوهريّ خاصّ بالهوية الشخصية للمتعاقد، التي، بالرغم من أنها معروفة، تصبح ثانويّة وغير مباشرة، أي بالأحرى عرضية في موضوع الإرادة الحقيقية للمتعاقد. وهذه اللحظات المباشرة والرئيسية هي في ترابط عميق فيما بينها، ولكي يتم الإعلان عن بطلان الرّضى، يجب أن يتم البرهان عليهما في نفس الوقت . وهنا يظهر دور القاضي الذي عليه أن يتحقق من حقيقة قصد الشخص فاعل الغلط؛ أي إذا كانت إرادة المتعاقد هي بشكل فاعل موجّهة بشكل مباشر ورئيسيّ لصفة الطرف مكوّنةً العنصر الجوهريّ لرضاه. وتتبيّن هذه الإرادة الظاهرة بوساطة الاقرار القضائي للشخص فاعل الغلط مع ملحق من الشهادات تستحق المصداقية والتي تبرهن أن تلك الصفة شكلت موضوع تحيّز خاصّ قبل الاحتفال بالزواج.
ليس من السهل إظهار بيّنة الوقائع الخاصّة بالغلط في الواقع أو بسبب الخداع، لكن أوضّح البعض النقاط التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار للتحقق من حدوث الغلط في الصفة: 1-تشخيص الصفة أو الصفات التي هي في موقع التحقيق، وأنّها يجب أن تكون محدّدة في فكر المتعاقد، وإلاّ لا يفهم كيف يكون قادراً على إرادتها، وأكثر من ذلك بشكل مباشر ورئيسيّ. 2- بأنّ يتعلّق بصفة شخصية، أي ميّزة ثابتة تخصّ مباشرة الشخص وليست بظرف عرضي؛ 3- أي ثقل كان ينسبه الشخص لمثل هذه الصفة، أيّ يمكن إكتشافه على سبيل المثال إذا كان يتكلّم عنها في أغلب الأحيان، إذا وجدت محاولات مؤكّدة لتثبيت بأنّها كانت حاضرة، الخ…؛ الأمر يخصّ ما يسمّى بالمعيار التقديريcriteriumaestimationis؛4-أنّ المتعاقد يوجد في حالة الغلط في الصفة الآنفة الذكر، وليس في حالة بسيطة من الجهل، أي أنّه كان مقتنعاً فعليّاً من حضور الصفة نفسها (أو غيابها، إذا تعلق الأمر بصفة سلبيّة، على سبيل المثال الإدمان على المخدرات) ومثل هذا الحكم في الحقيقة كان زائفاً (وواضح أنه إذا كانت الصفة في الواقع حاضرة فلا معنى لطرح مسألة بطلان الزواج)؛ 5-أن يكون الغلط في الصفة سبباً مباشراً ورئيسيّاً (حتّى وإن لم يكن بالضرورة حصريّاً) للإقرار على الزواج؛ 6-ما هو ردّ فعل الشخص عندما اكتشف بأنه وقع في غلط؛ وما يسمّى معيار ردّ الفعلcriteriumreactionis .
لإثبات أنّ الإمكانيّة المقررة في القانون 1098 أنجزت بشكل واقعي، يجب أن تقرّر طبيعة الصفة المقصودة بشكل رئيسي بدقّة. فإذا ادعى شخص أنه قصد بشكل مباشر ورئيسي صفة عامة أو غامضة، يجب على القانون أن لا يأخذ ولا يستطيع أخذ مثل هذا الادّعاء كقاعدة حكم يتعلّق ببطلان الزواج. إمكانيّة بطلان الزواج بسبب غلط في الصفة ليست مرتبطة بنقص الصفة المرغوبة، لكن أيضاً باستمرارية هذه القصدية حتى لحظة الزواج. ففاعل الغلط على الرغم من إرادته الأولية، الواضحة عند بدء العلاقة قبل الزواج، يمكنها التخلي عن الإرادة الأولية و إعطاء أهمية كبرى للشخص على أن تعطى للصفة المرغوبة، وإن كان مقتنعاً بشكل خاطىء أن الشخص الآخر يحمل تلك الصفة .فيما يخصّ عناصر البرهان التي يُعدّها الاجتهاد القضائي ضرورية في قضايا بطلان الزواج بسبب غلط في صفة الشخص بصورة مباشرة ورئيسية هي: 1-الإرادة السائدة مبرهنة : -مباشرة وغير مباشرة و بالافتراض. على القاضي أن يتحقق من وجود النيّة في من يمكث في غلط، ليرى إذا كان قد ثبّتها في الشخص الآخر الذي يعتبر نفسه متمتعاً بتلك الصفة أو كانت إرادته موجّهة قبل كل شيء لصفة الشخص، لكي يحكم إذا كانت الصفة مطلوبة بشكل مباشر أو بشكل رئيسي فمن كان يستمر في غلط . 2- الصفةيجب أن تكون موضوعية ومهمّة بشكل ذاتي .
الغلط في القانون
في السنوات الأخيرة أخذت مسألة الغلط في القانون حيّزاً وانتباهاً خاصاً من قبل الاجتهادات القضائية وخصوصاً بما يتعلق بتأثير الغلط الذي كان يرتكز على مذهب فكري مادي، يؤمن بالطلاق، خال من القيم الخاصّة بالزواج والمنغلق بشكل مطلق عن حقائق الزواج فائقة الطبيعة الأسرارية. يتعلّق الغلط في القانون بالتأثيرات التي تمارسها مختلف الحالات القصدية للشخص الذي يخطئ بعناصر معيّنة التي لا تنتمي إلى الجوهر، لها ثقل في جملة قيم الفعل الذي لا يمكن أن يقام بدونها. من هذه العناصر و إن لم تكن الوحيدة هي وحدة الزواج أو لا انفصاله، صنفت من المشّرع بالجوهريّة (ق.لاتيني 1056)، يوازيها، بقدر ما للغلط من تأثير على أسرارية زواج المعمّدين.
في حالة الغلط في ما يخص الخصائص الجوهريّة للزواج الذي يقع في شرط لا بدّ منه يؤثر على الإرادة بطريقة ما ويحدّد موضوع الرّضى ويجعل الزواج باطلاً .نحن نعلم جيداً أنّ الخصائص الجوهريّة ليست بالعناصر الأساسيّة، لكن إذا حرم منه الزواج بسبب الإرادة الخاطئة، سيفقد هويته، أي لا يمكن التكلّم عن زواج صحيح. فنلاحظ أن المبدأ الموضّح في الجملة الأساسيّة في القانون 1099، أي الغلط فيما يخص الوحدة وعدم انحلال الزواج”لا يبطل الرّضى الزواجيّ” فالغلط في هذه الحالة يكون في تناغم مع المبدأ العام الموضّح في القسم الأول من القانون 126، لأنّ الخصائص الجوهريّة للزواج لا تنتمي إلى جوهرالعهد الزواجيّ .
القانون الشرقيّ 822-الغلط في ما يخصّ وحدة الزواج أو عدم انحلاله أو كرامته كسرّ(مقدّس)، لا يفسد الرّضى الزواجيّ ما لم يكن هو الدافع للإرادة. القانون اللاتيني 1099 – الغلط في وحدة الزواج أو عدم انحلاله أو في كرامته السرية، لا يبطل الرّضى الزواجيّ، ما لم يكن السبب في قبول الإرادة بالزواج.
يعرض لنا مضمون القانون 1099 واقع الغلط حول وحدة وعدم انحلال الزواج أو أسرارية الزواج، أي الغلط الذي لا يعيب رضى الزواج لكونه لا يحدّ من الإرادة. القانون 1099 يتناول الخصائص الجوهريّة فقط من الوحدة وعدم الانحلال.يقال جوهريّا، إنّ الغلط هو حالة في الفكر في حدّ ذاتها لا تؤثر بطريقة حاسمة على الرّضى الزواجيّ، لذا كمبدأ عام فهو غير ظاهري. فالموضوع يتعلّق بالغلط بدون فاعلية قانونيّة، لأنه يعيب فقط إدراك المفاعيل القانونيّة للزواج (وخصائصه الجوهريّة)، لكن دون أن يعيب الإرادة . عندما يتكلّم القانون 1099 عن الغلط الذي يحدّ الإرادة فهو يشير لحالة فيها رضى الشخص فاعل الغلط موجّه نحو نموذج من زواج متطابق مع قناعاته ومعتقداته الخاصة .معذلك،من جهة الغلط ليس دائماً وليس بالضرورة أن يحدّ الإرادة، من جهة أخرى لا يستطيع تحديدها أبداً. هذا يعني أنّ الغلط في حدّ ذاته لا يحدّ الإرادة إلى الظن بأنه لا يحدّها أبداً. المسألة قد تكون حول بيّنة أو تمييز من قبل القاضي، حول النيّة الحقيقية للخاطىء، لكن لا يكفي القول “أريد أن أتزوّج، لذا أريد زواجاً حقيقياً”.
فيما يتعلّق بقوّة الغلط بخصوص الوحدة أو عدم انحلال أو مقام أسرارية الزواج، بهدف جعل الزواج باطلا، ينبغي القول قبل كلّ شيء إنّ الزواج لا يمكن أن يكون أبداً باطلاً بسبب ما يسمى الغلط كما هو، لكن عندما يكون موضوع الرّضى محدّداً بشكل إيجابيّ ومتطابقاً مع هذا الغلط .
لذا، الغلط المقصود في القانون 822 والقانون 1099 هو غلط عقائدي ونظري، أي أنه غلط في الإدراك والمعرفة. انه خطأ حول مفهوم الزواج الكنسي . ويمكن أن يقع هذا الغلط عند كثيرين من غير المعمّدين أو من المعمّدين في كنائس وجماعات كنسية تقرّ بالطلاق أو في تشريعات لا تعدّ الزواج سراً. فالغلط العقائدي ليس بذاته سبباً مفسداً للرّضى الزواجيّ، لأن هذا الأخير هو صنيعة الإرادة وليس صنيعة العقل . حاول الاجتهاد القضائي الروتالي الروماني أن يعطي معنى دقيقاً جداً حول مضمون القانون 822 مؤكداً منذ البداية أن الغلط يجب أن يكون بعناية كبيرة مميّزاً عن فعل الإرادة الإيجابيّ، فإذا كان لدى الزوجين مفهوم خاطىء حول الصفات الجوهريّة للزواج، لكن لا أحد من الاثنين يصدر رضى الإرادة على أساس هذا الخطأ، الزواج صحيح، لأن الرّضى هو فعل الإرادة . فلكي يؤثر الغلط فيما يخص خصائص بطلان الزواج، من الضروري أن يؤثر على فعل الإرادة الذي يضعه المتعاقدون، على الأقل أحدهم.
و هذا التأثير لا يمكن أن يقوم إلا على إرادة الشخص الذي يحدّد، بالمعنى العام، رضاه إلى غياب أحد الخصائص الجوهريّة أو الأسرارية الزواج.لذلك الغلط يجب ان يحدّ الإرادة في لحظة الاحتفال بزواج معيّن، وأن لا يبقى فقط على صعيد انتماء نظري لقناعات بمبدأ؛ أي أنه يجب أن يكون مبرهناً للحصول على إعلان بطلان الزواج” .
يوجد سببان يشكلان علة وجود للقانون: 1)-أنّه يعالج موضوع الغلط ليس بخصوص جوهر الزواج لكن بخصوص خصائصه. فهو لا يعالج موضوع الغلط حول ماهية الزواج، لكن حول كيفية هذا الزواج. وهنا يمكن أن نلاحظ نوعاً من التوازي مع الغلط في الوقائع التي تخصّ صفة الشخصية: فإنّ موضوع الرّضى الزواجيّ هو الزواج نفسه (جوهره)، ليس خصائصه. 2)-كون الرّضى الزواجيّ فعل إرادة والغلط هو حالة العقل، فلا يمنع الغلط من وجود رضى زواجيّ صحيح في حال لم يمرّ من الفكر إلى الإرادة، محدّداً موضوع إرادته “aliud est cogitare, aliud velle”.. أي أن الشخص بإمكانه أن يريد الزواج مع شخص ما، بالرغم من أنّه يعتقد أنّ الزواج قابل للانحلال أو متعدد.
لا بد من الحديث عن الاختلاف في المعنى مع القانون 1101 بند2 حيث إنّ سبب الاستبعاد هو فعل إرادة إيجابيّ، لأنه لا يتطابق بببساطة مع النيّة الظاهرية، لأن مثل هذا الفعل يمكن أن يعلن حتى من النيّة الداخلية، أي بوساطة طريقة سلوكية الفرد المستبعد. ويمكن مقارنة القانون 1099 والقانون 825 بالتلجئة حسب القانون 1101 بند 2، مع عدم نسيان أنّ الرّضى الزواجيّ هو فعل إرادة يخصّ الشخص بالكامل بكل مؤهلاته. ففي الحالات التي فيها كانت الإرادة محدّدة من الغلط حول الوحدة وعدم الانحلال أو الكرامة السّريّة، أو أنّ هذا الغلط كان سبباً للتلجئة من خلال فعل إرادة إيجابيّ، نجد أنفسنا أمام رضى غير صحيح، كون الفعل نفسه للاعراب عن الرّضى كان فارغاً من مضمونه بسبب الغلط المحدّد. “ليس من السهل الإدراك بطريقة وحيدة لمحتوى فعل الإرادة، المتميّز منnota positivitatis” .بينما في حالة الغلط، السبب هو في الغلط الذي يحدّ الإرادة. المسألة لا تعالج كيف للغلط أن يحرك بشكل فاعلي الإرادة لتحديد أو لاستبعاد خاصة جوهريّة إذا اقتنع الشخص الذي قام بفعل الغلط، على أساس الغلط، أن الزواج في حد ذاته قابل للانحلال. إذا كان الشخص متأكداً، على أساس حكم مغلوط، أن الزواج قابل للانحلال، كيف يمكنه نفسياً، تبادل رضى مشروط(محدد)؟ كيف يمكنه عقد زواجه بشرط أن يكون زواجه قابلاً للانحلال؟ إذا كان الغلط متأصّلا في ذهن الشخص بحيث لا يمكنه أن يتصرّف إلا وفقاً لقناعاته، فعندها يكون الغلط سببا دافعاً للإرادة التي تعلن رضى فاسداً .
البابا الراحل يوحنا بولس الثاني اعطى توجيهات تفسيرية موحّدة وعمليّة بهذا الخصوص في خطابه أمام أعضاء محكمة الروتا الرومانا 29 كانون الثاني 1993، وميّز بشكل واضح بين التلجئة المذكورة في القانون 1101 بند 2 عن الصورة “الغلط في القانون” المتضمّنة في القانون 1099، مع الإصرار على ضرورة البحث عن إرادة في كلا الواقعتين ،التي تظهر بطريقة مختلفة في كليهما. قال البابا: “فهو قد يسبّب أذى جدّياً إلى استقرار الزواج وأيضاً إلى طبيعته المقدّسة، إذا لم تصبح حقيقة التلجئة ملموسة من طرف الملتجىء بفعل إيجابيّ من الإرادة (ق.لاتيني 1101 بند 2)؛ أو إذا الغلط في القانون بخصوص خاصيّة جوهريّة للزواج أو أنّ كرامته المقدّسة لم تعل لمثل هذا الثقل حتى تحديد فعل الإرادة، محدّداً لبطلان الرّضى(ق.لاتيني 1099) .في هذه الحالات، الاختلاف بين الغلط والتلجئة الخطأ ضعيف جداً. إنّ غلطاً في الرأي هو طوعي بقدر ما هو متمسك بمقترح زائف (ليس بقدر ما هو زائف بشكل موضوعي لكن بقدر ما هو حقيقي بشكل ذاتي). في كلتا الحالتين هناك تلجئة: في الغلط يستبعد على الصعيد العقلي أن يكون العكس حقيقياً أو عادلا أو مصححاً؛ في التلجئة هذا الغلط يعطي مكاناً إلى فعل استبعاد إيجابيّ؛ في الغلط الاقتناع بماذا يفكر قد يستبعد بشكل ضمني في فعل التقبل ما قد رفض بشكل عقلاني.
من جانب التفاعل بين العناصر العقلية والعناصر الإرادية للرّضى، نجد إختلافاً بين الغلط الذي يحدّ الإرادة determinans voluntatem والتلجئة الجزئية، ليس من جانب الإرادة بقدر ما هو من جانب العقل. في الحقيقة، كما في كلّ ظاهرة تلجئة، أيضاً في الغلط determinans، يريد المتعاقد نموذج زواج مختلف عن الذي أراده المشرّع: يريد زواجاً يفتقد لواجب عدم الانحلال. الاختلاف هو في الافتراض العقلي. ففي حالة الغلط، يعتقد المتعاقد بشكل خاطئ أنّ النموذج المقصود من الكنيسة هو زواج قابل للانحلال؛ بينما في حالة التلجئة، المتعاقد يعرف بأنّ الكنيسة تطلب خاصة عدم انحلال، وهو على أساس هذا العنصر العقلي يستبعده من زواجه الخاص .فالتلجئة الجزئية يمكن أن تحتوي كموضوع الوحدة وعدم الانحلال،لكن يجب أن يقوم على الاستبعاد الإيجابيّ لرضى، ليس في جهلهم أو في تقييمهم الخاطىء فقط. فتطالب التلجئة بأنّ تعرف الخاصّة التي هي موضوع فعل الاستبعاد الإيجابيّ.
وبين الغلط والتلجئة ارتباط صريح، لأنهما لديهم تاكيدات متناقضة بشكل كامل: من يسقط في غلط هو مقتنع بانحلال الزواج، بينما من يلتجىء فهو مقتنع بعدم انحلال الزواج ولكن يستبعده. يعتبر Villeggiante أنّ “بين صورة الغلط التي تحدّ من الإرادة، وصورة فعل الإرادة الإيجابيّ المناسب لتجسيد ظاهرة التلجئة، لا يوجد فقط إختلاف لكن عدم انسجام: الغلط والتلجئة هما فئتان قانونيتان مختلفتان منطقيّاً وعمليّاً، بمعنى حيث يوجد الغلط المحدّد (أي مستبعد) الإرادة الزواجيّة، ليس للتلجئة مكان (أي الإرادة المستبعدة) .أمّا بخصوص الشرط في الوحدة وعدم الانحلال، قد يوجد التباس أحياناً مع التلجئة، كونه يطالب بفعل إرادة إيجابيّ، لكن ليس مع الغلط، لأنّ الشرط يقتضي شكّاً أو عدم يقين بينما يقتضي الغلط عكس ذلك.وهنا نطرح السؤال: ماذا يعني غلط محدّد error determinans؟ متى ولماذا الغلط في الخصائص الجوهريّة يجعل الرّضى باطلاً؟
1-3-الغلط يحدّ الإرادة:
يقوم الإنسان كل يوم باختيارات بدون إدراك نتائجها الحقيقية: هو يريد شيئاً ما تجاه تلك الحقائق المتلازمة مع تلك الاختيارات. هذه خاصية الاختيار يجب أن تطبّق على الاختيار الزواجيّ المتعلّق بالخصائص الجوهريّة للزواج . وأثناء كل فعل إرادي، كذلك في الرّضى الزوجيّ، يجب أن يتحقق مبدأ أساسي من مدرسة السكولاستيكا: وهو أنّ لا أحد يستطيع إرادة شيء إذا لم يعرفهnihil volitum quin praecognitum, “. بقوّة هذا المبدأ يبدو أنّ الإرادة في حالة الغلط لا تستطيع أن تقصد تلك العناصر غير القابلة للانفصال بشكل فاعل، أي الخصائص الجوهريّة، لأنها غير معروفة من قبلها، بل تخطىء بمضمونها. فمن يعرف موضوعاً بجوهره ويريده بشكل فاعل فهو يريد ضمنيّاً جميع الحقائق المرتبطة بشكل غير منفصل مع هذا الموضوع. الموضوع المعروف مراد في حدّ ذاته (volitum in se) بينما الحقائق المرتبطة بشكل غير قابل للانفصال هي مرادة بشكل باطني في نفس الفعل (volitum in alio). لذلك ينجم عن عدم إمكانيّة الفصل بين الجوهر والخصائص الأساسيّة صعوبة التوافق في نفس الفعل وجود إرادة عقد الزواج (volitum in se) وإرادة محدّدة بغلط بعدم عقده خصوصاً إذا كان خالياً من الخصائص الأسرارية .
في الواقع أن لايريد المبادئ التي تنطلق منها الخصائص الجوهريّة، أو إرادتها بطريقة مختلفة جوهريّاً، يعني أنه يريد جوهراً مختلفاً بشكل اساسي. لذلك الفعل نفسه، لأن تلك المبادئ نفسها مميّزة وهي لا يمكن إبعادها عن الجوهر، ليس بتشكّلها في نفسها، لكن بتصوّرها في خصوصية طريقة وجودها” . مع ذلك، الإرادة العامّة للاحتفال بزواج صحيح حسب تأسيسها بموجب إرادة الربّ يسوع المسيح، تجعل من الغلط في القانون أن يكون مستوعباً بشكل كامل في المجال العقلي، دون أي إسقاط للبعد الإرادي. إذاً إن سبب عدم أهمية الغلط بخصوص الخصائص الجوهريّة تشكّل من الاختلاف الموجود بين هوية الزواج وخصائصه الجوهريّة، المرتبطة بشكل غير قابل للانفصال مع الجوهر، تبقى شكليّاً متميّزة عنه: الغلط يبقى في المجال العقلي فقط ولا يمارس أي تأثير في البعد الإرادي؛ الرّضى غير مشوب بعيب، وهو في حدّ ذاته صحيح . فالخصائص وإن لم تستبعد صراحةً، هي ضمنيّاً وبشكل غير مباشر متضمّنة في الإرادة الزواجيّة: فمن يرد الجوهر، يرد بالضرورة الخصائص.
أكّد التشريع السابق أن الغلط المذكور لا يفسد الرّضى الزوجيّ ولو كان الغلط سبباً للعقد، وهذه الجملة ألغيت في التشريع الجديد؛ فقد استبدل بالخاتمة” لم يكن هو السبب أو الدافع للإرادة . “ففي التعبير الأول كان المشرّع يريد أن يقول إنّ الغلط ليس له تأثير حتى و إن كان الطرف لم يرد عقد الزواج إذا لم يكن في حالة غلط، أي إذا عرف الحقيقة، أو أنّه عقد الزواج لأنّه كان في غلط: لكن كل هذا لم يزد شيئاً على القانون حسب تفسيره العام” .
يجب أن نلاحظ الاختلاف في المعنى بين التعبير”ما لم يكن هو الدافع للإرادة” المتضمّن في القانون 1099 والتعبير “وإن كان سبباً للعقد” المتضمّن في القانون 1097 بند 2 الذي يستدعي النيّة التفسيرية. من الممكن أنّ في فكر من يتزوّج يوجد اعتقاد إمكانيّة الطلاق، في مقابل النيّة الموجّهة للزواج توجد نيّة موازيّة موجّهة لنموذج من زواج يقبل بالطلاق؛ أي “أنه يريد الزواج، فقط بقدر ما بإمكانه أن يطلّق” . فالقانون 1099 عندما يتكلّم عن الغلط الذي يحدّ من الإرادة، فهو يشير للحالة التي فيها الرّضى الخاطىء موجه لنموذج من الزواج يتطابق مع قناعاته ومعتقداته. وهذه الواقعة لا يمكن تطبيقها في مادة الغلط المسبب، الذي يعطي مكاناً للنيّة الافتراضية وخصوصاً لتلك الحالة من الغلط التي يكون فيها التمثيل الزائف شكّل أحد الأسباب المحددة للرّضى. فالتعبير “وإن كان سبباً للعقد” يشير إلى غلط تأمليّ. نحن أمام حالة فيها التمثيل الزائف لأحد عناصر الزواج هو الوحيد والحصريّ المحرّك، يدفع المتعاقد للزواج مختلفاً عن ذلك المقصود والمتعاقد لم يلتزم في إرادته بمضمون خاصّ .
تظهر الجملة الختامية في القانون 1099 أن في مادة الغلط في القانون حول الخصائص الجوهريّة والكرامة الأسرارية للزواج، الغلط كعيب المعرفة والإدراك، هو غير ظاهري في حدّ ذاته، إنما هو ظاهري فقط لتأثيره على الإرادة .
وهذا يتطابق مع نظام القانون الكنسي،الذي لم يعالج الغلط الأساسي،ويتطابق مع مؤسّسة الزواج بشكل ملائم، والذي يرتكز على الرباط الزواجيّ أي الرّضى الشخصي غير القابل للانحلال (ق.لاتيني 1057 بندين 1و2؛ ق.ش 776 بند 1، ق.ش 817 بند1). لذلك الرّضى الزواجيّ، كونه فعل إرادة المتعاقدين لا يمكن أن يكون مستبعداً أو مشوباً بعيب من الغلط في القانون الذي لا يتمحور على الجوهر أو على هوية الزواج على أن لا يحدّ هذا الغلط الإرادة .
جاء القانون الجديد ليبدل عبارة “ولو كان” عبارة” مادام لا”. لتعبير “ما دام” معنى محدّد في الحق القانوني، يريد أن يقول المشرّع بهذا التعبير إن ما من غلط آخر غير ذاك الذي يحد الإرادة، من شأنه أن يفسد الرّضى. بالنسبة إلى بعض الشرّاح، وان كان الموضوع مختلفاً، فإنّ القانون 1516 يعطي مفتاح شرح تعبير “ما دام”.
نص هذا القانون على ما يلي: “الشروط التي ترد في الإعمال الإرادية لا تعتبر مضافة لأجل الصحة إلا إذا تم التعبير عنها بأدوات الشرط: إذا، مادام، أو أية أدوات أخرى أعطيت في اللغات الجارية وكان لها المعنى عينه”. بعض المختصّين القانونيين لا يقبل بأن يكون الغلط المحدّد الإرادة شكلاً مستقلاً كفاعلية قانونيّة يقدّم كسبب جديد لبطلان الزواج، فالكلمة الختامية في القانون 1099 “ما لم يكن”، حسب البعض، تتضمّن “نداءً بسيطاً للزوم الأخذ بعين الاعتبار بالعنصر النفساني للغلط في تقييم فعل الإرادة الإيجابيّ ضد جوهر الزواج، للإقرار إذا كان باستطاعته عدم تحديده مسبقاً، لكنه يؤثر على تكوينه .فالقانون 1099 لايعرض سبباً جديداً مستقلاً للبطلان، إنما هو تدوين مختلف للقانون 1084 من الشرع اللاتيني السابق. مع ذلك، يجب أن نؤكّد أن الرأي المسيطر اليوم يقبل بالاعتراف بغلط محدّد الإرادة كصورة مستقلّة للغلط في القانون بفاعلية قانونيّة خاصّة مبطلة الرّضى الزواجيّ .
نطرح تساؤلا: ما معنى جملة “تحديد الإرادة”، من منطلق العلاقة مع الغلط حول الطابع الأسراري؟ كيف يمكن للإرادة أن تكون محددة من الغلط أن الرّضى يظهر غير صحيح؟ ليس من السهل بأي طريقة رؤية الإرادة التي تكون محدّدة من غلط حول الأسرارية (الغلط، على سبيل المثال، الاعتقاد بأنه خاصية أو عنصر الزواج، أو أنه يعتمد على الإيمان الفعلي للأطراف، أو ينشق من رتبة في كنيسة أو دينيّة بحضور ضروري لكاهن).
قد تكون إرادة المتعاقد في لحظة تبادل الرّضى: “أنا أرغب زواجاً حقيقياً خالياً من الأسرارية”؛ لكن كما قلنا، مثل هذه الإرادة غير كافية، لان الاختيار لتدبير متناقض غير ممكن-زواج صحيح بين شخصين معمدين ليس سرياً-لا يقيم في السلطة الفاعلة للمتعاقد. فإرادة فعل مثل هذا الاختيار تظهر بدون شك فهماً خاطئاً لما هو ممكن؛ لكن كيف يمكننا القول إن مثل هذا الغلط يحدد الإرادة لرضى غير صحيح؟ عدم الصحة قد تنشأ ليس من غلط التقييم، لكن من الاختيار اللاحق: “أنا أريد زواجاً حقيقياً خالياً من الأسرارية؛ وإذا لم يبد هذا ممكناً وعليه أن يقبل زواجاً سريّاً، إذاً لا أريد أصلا زواجاً حقيقياً”. من الواضح أن هذا الاختيار، بعيد عن أن يكون نتيجة غلط حول الأسرارية، وهنا يظهر بشكل صريح وواضح أن الزواج بين المسيحيين والأسرارية مرتبطان بشكل وثيق. إنّ أفكاراً متأصلة تشجع الطلاق وتدافع عنه مثلا يمكن أن تتحد مع الفعل الضمني للإرادة التي تهدف إلى استبعاد عدم انحلال للزواج .
الغلط الذي يحدّ من الإرادة وفقاً للقانون 1099 ينصب في صورة الاستبعاد الإرادي للمضمون الجوهريّ للزواج. لأنّ الزواج لا يمكن أن يكون صحيحاً إذا كان المتعاقد ينوي في الحقيقة إقامة زواج مختلف لا يتطابق مع النموذج المقدّم من الكنيسة ويتطابق في الوقت نفسه مع التنظيم الطبيعي. وسميّت نيّة ضد جوهر الزواج وأطلق عليها تسمية قانونيّة التلجئة. ويؤكّد البابا في خطابه بتاريخ 21 كانون الثاني 2000 (رقم 5): “الغلط المتعلّق بعدم انحلالية، بطريقة استثنائية، يمكن أن يحتوي على تأثير مبطل للرّضى إذا حدّد بشكل إيجابيّ إرادة المتعاقد بقيام فعل اختيار ضدّ عدم انحلالية الزواج (ق.1099) .
أنيحدّالغلط الإرادة، هذا يعني أن الغلط ينتقل من إطار الفكر إلى إطار الإرادة ليوجهها نحو اتجاه معين. وبهذا الانتقال الذي يوجه الإرادة إلى ابتغاء زواج لا يتصف بالوحدة أو بعدم الانحلال أو بالكرامة السرية، لا يكون الغلط مجرد غلط بسيط بل يكون غلطاً حدّ من الإرادة ووجهها في فعلها الداخلي نحو رضى فاسد . لذلك،القانون 1099 يشكل سبباً قانونياً مستقلاً في نظام البطلان. فالاستقلالية القانونيّة للغلط الموصوف، يمكن ان يؤسس على نوع من العلاقة المنظمة بين عيب العقل (الغلط) وعيب الإرادة المحدّدة .
عزيزى الآب الدكتور / ريمون
بعد التحية
احيط علم قداستكم ان المقال عسير الفهم للغاية وان الاسلوب صعب جدا” ولم استطع تلخيص ماورد به او حتى الاستفادة منه بشىء
معذرة ياسيدى برجاء اعادة كتابتة باسلوب سهل وبسيط ومختصر حتى نتمكن من الاستفادة واعتقد أن هذا هو الغرض الذى تصبو اليه قداستكم
للعلم انا متزوج منذ ثلاون عاما” وأحب أقرأ كل مايكتب بخصوص الزواج
واشكركم على اتاحة هذه الفرصة للتعليق
أين الرد
مازلنا جميعا في انتظار رد مؤلف المقال