إعداد مراسل الموقع – ناجى كامل
القديس فيليبو نيري (1515 ـ 1595)
الملقب ببيبو الطيب
في العام 1500 كانت روما خالية من المدارس وكان البؤس مستشري وجحافل من الاطفال متروكين عند حافة الطريق، لصوص صغار يرتدون ثيابا رثة جائعين دائما. كانوا يحتشدون في الشوارع ويحاولون نشل أحد المارة أو سرقة بعض المواد الغذائية من على طاولات السوق
جمع شاب مثقف، متحمسا لله ويقال أنه في أول نشوة له تضخم قلبه في صدره فكسر ضلعين ومتفائل هؤلاء الأطفال من حوله. كان الشاب، المعروف بلقب ” بيبو الطيب” يتحدر من عائلة مرموقة من فلورنسا حيث ولد في 21 يوليو 1515. فقدم لهم المأوى والأسرة وتوسل في الشوارع ليشتري لهم الطعام، وعلمهم من خلال الأغاني والتعليم المسيحي في معرفة الله. وبعد 500 عاما على ميلاد القديس فيليبو نيري (ويحتفل بعيده الليتورجي في 26 مايو) لا تزال صدى ضحكاته مدوية، هو المهرج العظيم الذي كان يحمل قلب الصغار والكبار إلى الله من خلال الفرح والمرح بالبساطة
كونوا عاقلين … إذا استطعتم
كان يريد فيليبو أن يكبر أولاده في الفرح وهم يغنون: وهو نمط مختلف تماما عن الصرامة واستخدام العصا الرائج في ذاك العصر. كان يقول: “أطفالي الصغار كونوا مرحين: أنا لا أريد تردد ولا حزن، يكفيني أن تبتعدوا عن الخطيئة.” وكانت جملته المتكررة: “كونوا عاقلين … إذا استطعتم
مُتسول من أجل الحب
كان يحاول فيليبو تلبية حاجيات أولاده بكل وسيلة ممكنة، ولم يكن يتردد في الدق على أبواب قصور الأغنياء للحصول على بعض المساعدة. ويقال أن احد الأغنياء انزعج من طلباته ذات مرة، فصفعه. فلم يضطرب القديس، وقال مبتسما: “هذه الصفعة موجهةٌ لي وأنا أشكرك. أما الآن فأعطيني شيء لأطفالي. ”
ساعديني على خلع حذائي!
من الواضح أن التواضع كان بالنسبة للقديس فيليبو الفضيلة الرئيسية. عاشت في عصره راهبة كانت تتمتع بشهرة كبيرة لأنه يقال أنها كانت تعيش النشوة والوحي. أرسل البابا ذات يوم “بيبو الطيب” ليتحقق من قداسة الراهبة في دير بالقرب من روما. وبينما كان فيليبو يسير، جعلت عاصفة عنيفة الطريق موحلة فوصل القديس غير مرتب وحذاءه مثقل بالوحل. وعندما وصلت الراهبة أمامه، مشبكة الأيدي وعلى وجهها تعبير رسمي، جلس فيليبو ومدد رجليه وقال: ” ساعديني على خلع حذائي!” بقيت الراهبة، غاضبة، واقفة أمامه تنظر اليه إلا ان القديس لم يضف شيئا آخر: أخذ معطفه وعاد إلى روما ليقول للبابا أنه، وبرأيه الخاص ، لا يمكن لشخص لا يتمتع بالتواضع لخدمة المحتاج، أن يكون قديسا
الأضرار الناتجة عن الثرثرة
في يوم من الأيام، جاءت ثرثارة معروفة للاعتراف عند القديس فيليبو نيري. أصغى المعرف باهتمام اليها قبل ان يعطيها هذا الفرض: “بعد نتف الدجاج عليك الذهاب في شوارع روما وتوزيع ريشها في كل مكان! ومن ثم ارجعي لمقابلتي! “. فنفذت المرأة، مندهشة، هذا الفرض الغريب، وعادت الى القديس كما طلب. “لم ينتهي الفرض! -قال فيليبو- فعليك الآن الذهاب في كل أنحاء روما لجمع الريش الذي وزعته! ” فأجابت المرأة “ولكن هذا مستحيل! “. فقال لها فيليبو نيري: “كذلك الأمر بالنسبة للثرثرة التي نشرتها في جميع أنحاء روما! انها كالريش الذي وضعته في كل مكان! فلا علاج للأضرار التي سببتها بثرثرتك
أنا أفضل الجنة
يتذكر العديد المسلسل الذي جسد حياة القديس فيليبو نيري ببطولة جيجي برويتي في العام 2010: “أنا أفضل الجنة”. قد لا يعرف الجميع من أين يأتي هذا العنوان. تروي الأسطورة أنه عُرض على القديس، الذي لم يكن فقط صديق أطفال الشوارع والفقراء، ولكن أيضا الباباوات والكرادلة (وخاصة كاردينال ميلانو كارلو بوروميو) الذين غالبا ما التمسوا نصيحته، أن يصبح كاردينالا. ولكن فيليبو، الذي تخلى دائماً في حياته عن الثروات المادية وأي امتياز آخر، رد قائلا: “أنا أفضل الجنة.
تحتفل الكنيسة في الحادي العشرين من يوليو بعيد القديس فيليبو نيري (1515 ـ 1595) الذي تميّز بمحبته الكبيرة للفقراء، وتصادف هذه السنة الذكرى المئوية الخامسة لولادته. وكان قداسة البابا فرنسيس قد وجه رسالة للمناسبة في السادس والعشرين من مايو الماضى، أشار فيها إلى أن حياة القديس فيليبو نيري طُبعت بعمق بالعلاقة مع يسوع المسيح، وهكذا نشأ “مركز الصلاة واللقاء للشبيبة” كواقع كنسي يتميّز بحياة روحية فرحة حيث تُعاش الصلاة كإصغاء وحوار حول كلمة الله والتحضير لنوال الأسرار والتنشئة على الحياة المسيحية من خلال تاريخ الكنيسة وحياة القديسين والتربية على أعمال المحبة لاسيما تجاه الأشدّ فقرًا
أضاف البابا فرنسيس أن القديس فيليبو نيري كان مرشدًا لكثيرين من خلال إعلانه للإنجيل ومنحه للأسرار وقد كرّس نفسه بشكل خاص لسرّ الاعتراف حتى آخر يوم من حياته، كما واهتم خصوصا بمتابعة النمو الروحي لتلاميذه باستمرار ومرافقتهم في صعوبات الحياة ليفتحهم على رجاء الحياة المسيحيّة
وأشار الأب الأقدس في رسالته إلى أن القديس فيليبو نيري يبقى مثالاً منيرًا للرسالة الدائمة للكنيسة في العالم. وأضاف البابا فرنسيس: يمكن لأسلوبه في الاقتراب من الآخر ليقدّم للجميع شهادة لمحبة الرب ورحمته، أن يشكّل مثالاً فعالاً للأساقفة والكهنة والأشخاص المكرّسين والعلمانيين المؤمنين. لقد عاش منذ بدايات حياته في روما رسالة العلاقة الشخصيّة والصداقة كالطريق المفضل ليفتح الأشخاص على اللقاء بيسوع والإنجيل. لقد كان مقتنعًا بأن مسيرة القداسة تقوم على نعمة اللقاء بالرب