المساعي الوحدوية بين الكرسي الروماني والأقباط

المساعي الوحدوية بين الكرسي الروماني والأقباط

من تاريخ الأقباط المجهول«1»:

إن رغبة يسوع المسيح في الصلاة الكهنوتية من أجل الوحدة بين المؤمنين المبنية علي وحدانية المؤمنين بالثالوث الأقدس فالكرسي الرسولي الروماني سلك ثلاث مراحل مثل يسوع المسيح ليجتذب الآخرين إلى حظيرة الخراف ألا وهي التعاطف, فالمشاركة, فالوحدة. فيسوع المسيح يحققها, والروح القدس يكمّلها أمام أعمال يسوع المسيح المعبّرة. ظهر التلاميذ في موقع الصدمة, أما يسوع ففي موقع الثورة.

وفي الحقيقة أن هذه الفترة في تاريخ الكنيسة كانت صعبة جدًا، بسبب السياسة الأصعب والحروبات التي كانت بين الشرق، وقد وافانا التاريخ أن في سنة 1015 أجري سلجوق أوغلو جغري بك أول حملة أناضولية تعرف فيها على مقاومة البيزنطي في الأناضول الشرقية، وفي هذه الحملة هزم سلجوق أوغلو قتالمش بك الجيش البيزنطي في حرب باسينلر الميدانية قرب أرضروم، وأسر القائد العام ليبيرت مع 100000 بيزنطي وذلك في يوم 18من شهر سبتمبر لسنة 1049[1]. وقد انقسم البيزنطيين إلى فريقين: الفريق الأول: خاضع للكرسي الرسولي، والفريق الثاني: الروم الأرثوذكس، وبالرغم من هذه المآسي، فقد جرت مراسيم دينية بالأصول الكاثوليكية في كاتدرائية الحكمة في يوم 12من شهر يناير لسنة 1452 ترأس المراسيم الطقسية الكاردينال إيسذورو الذي أرسله الحبر الأعظم قداسة البابا نقولا الخامس(1447-1455)، وهذا الحدث جعل البيزنطيين يشمئزوا حتى قال رئيس وزراء البيزنطيين الدوق الأكبر نوراراس ”إنني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنطيين عمامة الأتراك، على أن أشاهد القبعة اللاتينية“[2]. ويكتب يلماز أوزتونا: «قد عزل السطان محمد بطريرك الروم الذي أقام المراسيم الكاثوليكية في كاتدرائية الحكمة وقد أمر هذا السلطان بانتخاب بطريرك من المجلس الروحي بدل من البطريرك المعزول الذي أيد الاتحاد مع الكرسي الرسولي، وكان ذلك في الأول من شهر يونيو لسنة 1455. وأقيمت صلاة الجمعة في كاتدرائية الحكمة، حيث تلا الخطبة آق شمس الدين باسم الفاتح»[3]. وقد اختير بطريرك للروم مخالفًا لهذا الاتحاد مع الكنيسة الغربية، وبسبب رفضه لهذا الاتحاد عومل بلين لا يتصوره العقل، ولعل أحد الأسباب لذلك، ضمان عدم اقترابه من الكنيسة الغربية وصدور الفرامانات من الدولة العثمانية له والاعتراف بسلطته وامتيازات أخري قد نالها بسبب عدم الاتحاد، وقد انتقدت الأتراك في العصر الحديث هذه الامتيازات، ولكن كان هدف هذه الامتيازات حتى لا يتحد بالكرسي الرسولي[4]. وقد حازت بطاركة الشرق من الدولة العثمانية كبطريرك إستنبول، القدس، أنطاكيا، وإسكندرية من رعايا العثمانية وكان الأول ”يسمي جهان بطريركي“(بطريرك العالم) أرفعهم منزلة. رفع إرميا بطريرك استانبول في ذلك التاريخ مطران موسكو إلي درجة بطريرك أرثوذكس خامس بعد ذهابه إلى موسكو مرات متعددة. وهكذا ظهر بطريرك ليس من رعايا العثمانية. كان ذلك أول علامة على عدم تمكن العثمانية من احتضان كامل العالم الأرثوذكسي[5].

في عهد الأحبار الرومانيين البابا غريغوريوس9(1227-1241) والبابا كليستينوس 4(28/10-10/11لسنة 1241) والبابا اينوقنيتوس التاسع (1243-1254) قامت محاولة مع الأقباط اليعاقبة للمساعي الوحدوية وذلك في عهد بطريركهم كيرلس الثالث بن لقلق ( 1235-1243) أيّ في خلال العصر الأيوبي[6]، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل[7]. وبعدها حرر الحبر الروماني اينوقنيتوس الرابع رسالة إلى الملك الصالح الذي تقبل هذه الرسالة بكل سرور وأصدر عدة فرمانات تعطي الأمان للإخوة الواعظين أي الرهبان الدومينيكان ليتجولوا في أنحاء مملكته ليقوموا بالرعاية الدينية الكاثوليكية في بقاع أرض مصر وفي هذه الحقبة كانت الجاليات الأجنبية الكاثوليكية بجانب الأقباط الكاثوليك. فكان عدد الأجانب الكاثوليك أكثر من الأقباط الكاثوليك فكان كهنة الأجانب الكاثوليك يقومون برعاية الأقباط الكاثوليك دينيا واجتماعيا[8]. مجمع ليون المنعقد في سنة 1274اشترك آباء كنيسة الإسكندرية في هذا المجمع مثل سائر الآباء وتلوا قانون الإيمان باليونانية أثناء الذبيحة التي كان يقدمها البابا غريغوريوس العاشر وكرروا معهم ثلاث دفعات أن الروح القدس منبثق من الآب والابن واقسموا يمينا عظيمة أن يستمروا متحدين بالبابا خليفة القديس بطرس هامة الرسل ولا يحيدوا قط عن الإيمان الروماني مهما كانت الظروف والأحوال أما عدد الآباء الذين اشتركوا في المجمع فكان 1220أبًا.

وفي عام 1237 اتحد مطران القدس للأقباط اليعاقبة للكنيسة الكاثوليكية، وذلك علي يد الأخ فيلبس رئيس دير عبد الأحد فأوكلت إليه رعاية الأقباط الكاثوليك الكائنين في مصر وفي سنة 1320 قدم الآباء الرهبان الفرنسيسكان إلى مصر، وفي أيام الصيام كانوا يعظون الشعب وعام 1325 شيد لهم ديرًا في مدينة الإسكندرية[9]، ويهيمن في هذه الحقبة كاهن قبطي يعقوبي يدعي رافائيل ويكتب ردًا مختصرا على شخص كاثوليكي حول: «المعتقد الصحيح لليعاقبة، فيما يخص الثالوث الأقدس، وطبائع السيد المسيح»، وهذا الكتاب في مخطوط فاتيكاني عربي107 وهذا دليل على الكاثوليك لم ينقطعوا من تاريخ مصر العظيم.

 

القسم الأول

مجمع فلورنسا المسكونى ومساعي الاتحاد

وفى أيام البطريرك القبطي متاؤس الأول (1378-1408) الذي كان وسيطا بين الملكيين المصريين وأمور الدولة بهم[10]. وفى منتصف القرن الخامس عشر, جرت مراسلات بين البطريرك القبطي الأرثوذكس يوأنس الحادي عشر (1427-1452) وباباوات الكنيسة الكاثوليكية على أثرها قبل هذا البطريرك المشاركة في مجمع فلورنسا المسكوني(1439-1445)[11] للكنيسة الكاثوليكية وذلك بتاريخ 7من شهر يوليو لسنة 1439 وقد مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في المجمع المذكور بواسطة مندوبيها الذين أعلنوا صحة إيمانهم واقروا بأولوية البابا وقد اجتمع الأنبا يؤانس المذكور وجميع الأساقفة واستشار الشعب بأمور مساعي الاتحاد مع كرسي القديس بطرس الرسول هامة الرسل وقد وقع الاختيار على الكاهن أندراوس رئيس دير القديس أنطونيوس بالبحر الأحمر على وفد مؤلف من 22 راهب من الكنيسة القبطية اليعقوبية والكنيسة الحبشية[12]. واصطحب هذا الفريق المندوب البابوي الأب ألبرتو دي سارتيانو الذي كان قد أجري مع البطريرك الإسكندري عدّة محادثات[13] وقد كتب له البطريرك يؤانس رسالة ليحملهما إلى قداسة البابا أوجينيوس الرابع (1431-1447) بابا روما.وهذه الرسالة قد حررت بتاريخ 12 سبتمبر 1440 أيّ أول توت 1157ش. وها نص الرسالة:

رسالة البطريرك يوأنس الحادي عشر إلى البابا أوجينيوس

يوحنا عبد يسوع المسيح الحقير وخادم الكرسي المرقسي أعنى به كرسي الإسكندرية العظمى وسائر القطر المصري مع ليبية والحبشة والخمس مدن الغربية وجميع شعوب الكرازة المرقسية الصغير بنسبة خطاياه التي يطلب من الله الصفح والحل عنها يجثو إلى الأرض أمامك أيها الأب الكلى قدسه الذي هو كمال الكهنوت والراعي الكلى الصلاح أمير الشرف والقداسة والمرشد الكلى التقوى للسائرين في طريق هذا السفر للوصول إلى الوطن السماوي السيد أوجانيوس بابا رومية العظمى والراعي الرسولي لجميع الكنائس المسيحية والرئيس الوحيد لجميع كراسيها وطبيب الأنفس المريضة.

ليحفظ الله جميع رعيته بموازرة صلوات وأدعية قداستكم وليرشدها إلى نور مشابهتكم كما أرشد قديمًا المجوس بضوء النجم. أسأله تعالى أن لا تضل هذه الرعية عن مواعظكم وإرشاداتكم الأبوية التي أنتم مستعدون لأدائها لها وليثبت كرسيكم ويرتفع به شرف الكهنوت يا أحسن الآباء. ثم إني أعلم قدسكم أن رسائلكم الشريفة قد دفعها إلى يدنا ابنكم المبارك القسيس المحترم الأخ ألبرتو وبتلاوتها قد ارتقت عقولنا إلى أشرف الأفكار وأسماها وكم اعتبرنا تلك الرسائل مقدسة بعيوننا حتى أنه لدى فض ختمها ظننا أننا نستنشق أزكى الروائح العطرية وننظر نحن تلك اليد المباركة التي خطت أناملها المقدسة تلك الأسطر المحترمة وبعد أن ترجمناها من اللاتينية إلى العربية ترجمة دقيقة ما أمكن بمعرفة أشهر النزلاء البندوقيين جمعنا أخوتنا الأساقفة وأولادنا الكهنة والشمامسة بكنيسة العذراء بحارة زويلة وتلونا الرسائل علينا وعلى جميع الشعب. أيها الأب زينة الكهنوت إني أرى نفسي عاجزًا عن أن أعبر لقداستكم عن مقدار الفرح الذي شمل جميع القلوب. والشعب الذي كان قد شعر في نفسه بسعادة لا توصف مجد الله وصاح بأصوات التهليل حتى كان هذا اليوم لنا من أسعد الأيام وهو بلا شك ذلك اليوم الذي قال عنه النبي:«هذا هو اليوم الذي صنعه الرب لنفرح ونتهلل به» ولم يسعنا إلا أن رطبنا الوجه بالدمع سائلين الله بصوت واحد أن يتنازل ويرفع عن عقولنا وقلوبنا ونيتنا حجاب الظلام وأن يجعلنا نسير في النور الحقيقي.

وبعد أن حمدنا الله، أخذ كهنة المسيح والمسيحيون أجمعون يتلون آيات الثناء والشكر على قداستكم وقدمنا الصلوات الحارة لبارى الأنام كي يحفظ شخصكم ويمهد طريق السلام في جميع النصرانية كي تقبل ما يعلمها السيد المسيح بنفسه تعاليمكم المقدسة. وتضرعنا لله الآب أن يوحى في جميع القلوب قبول الاتحاد واعتناق الإيمان الحقيقي كي يقبلنا ابن العذراء الإله في بلاطه السماوي مع الطوباويين الذين اختارتهم محبته. قد ازداد فرحنا وانتعشت أفئدتنا حين ما نظرنا عربون محبتكم الأبوية الذي قد سلمنا إياه ولدكم ألبرتو المحترم والذي هو عبارة عن صورتين باسم قداستكم مع مطرزات ثمينة الأشياء التي قبلنها كذخائر سماوية وهدية سنية من البركة الإلهية.

وقد بلغنا الأب المذكور أن يبلغكم ما لم يمكنا أن نأتمن الورق عليه ولكوني أنا نفسي الوضيع والحقير لا يمكني أن أمثل بالجسم أمام قداستكم فقد أرسلت الأخ أندراوس المحترم رئيس دير مارى أنطونيوس وهو رجل عالم في الدين وشهير في التقوى وكلفته أن ينوب عنى فيبلغكم أشياء كثيرة بعضها خصوصية وبعضها عمومية وعليه أرجو قداستكم أن تثقوا ثقة تامة بجميع ما يقوله لكم باسمي. وليحفظكم الرب القادر على كل شيء ويطيل أيامكم ذخرًا للمنافع وعقدًا للاتحاد التام لجميع المسيحيين.

تحريرًا في القاهرة بتاريخ اثني عشر سبتمبر سنة 6940 حسابًا يونانيًا وسنة 1157 للشهداء حسابًا قبطيًا وسنة 1440 مسيحية[14].

وتمت كتابه هذه الرسالة بعد أن تقابل البطريرك المذكور مع مندوب البابا ألبرتو الذي كان مرسل من قبله وتمت قراءة الخطاب المرسل علانية في كنيسة العذراء مريم بحارة وويله بالقاهرة. وأسرعت البطريركية لتنشر تقبلها لهذه الوثيقة وبعد إن استلم الأب أندراوس الرسالة من بطريركية اصطحبه مندوب البابا الأخ ألبرتو وغادروا القاهرة حتى وصلوا إلى فبرنس يوم الخميس 31 أغسطس 1441 الساعة 30: 11 صباحًا. وأعلن قداسة البابا أوجينيوس الرابع حضورهما في فنائه. واستقبلهما في مدينة روما بكل حب وعطف.

وفي حفلة المجمع العمومية تحت رئاسة قداسة البابا أوجانيوس الرابع وبحضور الآباء المحترمين ونيافة الأساقفة وكرادلة الكنيسة الرومانية المقدسة ومعلمي الكنيسة من قسوس ورهبان وعاميين المؤلفين للمجمع المقدس حضر أندراوس رئيس دير مارى أنطونيوس ونطق بالخطاب الأتي:

«أيها الأب الأقدس حين ما أنظر لعلو عظمتكم واستوعب حقارتي يأخذني الرعب فلا عجب إذن إذا صدر منى بعض هفوات في القليل من الكلام الذي أنطق به مرتعشًا. وعلى هذا أرجوكم صفحًا لتلك الهفوات على أنى لست أختشى الآن إلا الرعشة فما أنا إلا إنسان أي تراب ورماد فكيف أتكلم أمام حضرتكم وأنتم إله أرضى وفى الواقع ونفس الأمر أنت إله على وجه الأرض أنت المسيح أنت نائبه أنت خليفة بطرس أنت أب ورئيس ومعلم الكنيسة العمومية إليك سلمت مفاتيح الفردوس لتقفله وتفتحه لمن تريد أنت ملك الملوك وأكبر السادات فحينما أفتكر بهذه الأشياء كلها وبآخر نظيرها تأخذ الرعشة فرائضى إذ أوجه الكلام لقداستكم وعلى الأخص حينما ألقى ناظري ليس فقط على قداستكم بل وعلى حكم اللاتنيين الذين إذ قد انصبوا منذ البداءة على مطالعة النواميس الإلهية وتعاليم السيد يسوع المسيح هم محافظون على ما نقله منذ البدء هامتا الرسل المغبوطان بطرس وبولس. وأما الكنائس المحرومة من هذه الحكم وذلك التعليم فلم يحافظن على الأساس الأول وفصلوا عن الكنيسة الرومانية التي هي أمهن وسيدتهن ولذا فقد صيرهن الله عارًا عند الأمم وسلط الغير مؤمنين على سلبهن كما يشاهد ذلك جليًا في اليونانيين والأرمن وفينا أيضًا نحن الأقباط اليعقوبيين من عهد انفصالنا عنكم أي منذ نحو تسعمائة سنة.ولكن لنا الآن ما يفيدنا ويخفف حزننا ألا هو أملنا بأن الإله الذي أعطاك أن تضم اليونانيين والأرمن إلى الإيمان الكاثوليكي والذي أوحى إليك أن تدعونا بهذا الاتحاد عينه بواسطة ألبرتو ابنك العزيز من رهبنة الفرنسيسيين الأصاغر إله الجودة هذا نفسه إلهنا يمنحنا النعم لأن يشاركنا فى معتقدات كنيسة الله الكاثوليكية وهذا سيكون إن شاء الله تمامًا أما أنا فكما ترى قد جربتنى الأيام وسافرت من بلدي لأتوصل بعد مكابدتى مخاطرة كثيرة برًا وبحرًا أن أتشرف بالمثول أمام قداستكم بصفتى نائبًا عن بطريركى بدون استحقاق كما ترى فى هذه الرسائل وكما يؤكد لك الأخ ألبرتو الذى تحمل معى أخطارًا كثيرة وأثقالاً من أجل اتحاد الإيمان المسيحي المقدس”.

وفى ذلك العهد نفسه أرسل نيقوديموس رئيس دير الحبشة فى أورشليم وفدًا إلى المجمع الفيورنسى المذكور باسمه وباسم ملك الحبشة تحت رئاسة بطرس الشماس الإنجيلى الذى سلم إلى قداسة البابا رسالة محررة من نيقوديموس وهذا نص الرسالة:

رسالة نيقوديموس رئيس دير الحبشة فى أورشليم

«باسم الثالوث الأقدس هذه الرسالة مرسلة من نيقوديموس رئيس الأمة الحبشية بأورشليم لتسلم إلى أوجانيوس بابا مدينة رومية الأعظم رئيس جميع الكراسى.

السلام لعظمتكم أيها الحبر الجالس على كرسى الرسولين بطرس وبولس ذلك الكرسى الذى نوره يضئ العالم. في أى نقطة من الدنيا أكون فإنى أجثو أمام قدسكم وليس أنا وحدي بل وجميع البطاركة والأساقفة والملوك يخضعون أمامك.

إن وصول رسولك الباباوى قد سبب لنا فرحًا عظيمًا وتعزية ننتظرها من زمن طويل وتلك التعزية هي أن نكون جميعًا باتحاد واحد حسب كلام الرسول القائل (لنا رب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة) هذا وإن ملكنا يسر كثيرًا حيث أن جل رغبته اتحاد الجميع فى الإيمان الواحد. وكنت أود الحضور بنفسي للقيام بهذه المهمة على أنه منعني من ذلك الخوف من تحريك الوساوس فى قلوب المسلمين ولذا قد أرسلت أولادي لينوبوا عنى وإني أنتظر رجوعهم بفروغ الصبر ليسلموا إلى ملكنا خبر ما تقررونه.بالحقيقة إنه لكى أن ترعى كل قطيع المسيح قد أقامك الله أبًا لجميع البطاركة وأيدك على كرسى هامة الرسل الذى هو رأس كل الكراسى ولا شك أن الله هو الذى يوحى إليك. وإنك لجدير بالتغبيط لإقدامك على هذه العظائم اقتداءً بالرسل من أجل إيمان المسيح ولسبقك بغيرتك جميع سلفائك.ينجح الله مقاصدك.

أن الأمم باتحاد مع اليهود قتلوا السيد له المجد فكل مسيحى ينفصل عن جسم الكنيسة تاركًا حكم الرسل وخلفائهم الأطهار ويسيروا فى طريقه الخاص يصلب المسيح ثانية بطاعته لوسواس عدو النعمة إذ أن الشقاق من عمل الشيطان.فأنت إذًا اجمع المتشتتين ورد وحدانية الإيمان كى أن المسيح برجله يطرد الأمم من أرض الموعد ويجعل أعدائنا كالهباء الذى تذريه الريح وأننا نقدم لقداستكم كل قوتنا وكل اجتهادنا واعتنائنا لنجعل ملكنا الذى منه وبه نجاح هذا الأمر يقبل الاتحاد ويخضع إليه بخلوص نيه وقد سعينا عنك وعن الكنيسة الرومانية قد سقطوا بالكلية إلا أن من الكنائس التى أنفرزت عن الكنيسة الرومانية كنيستنا وحدها قد مكثت قوية وقادرة وحرة ومن هذا الفرق يعلم أن السبب فى ذلك هو أن انفصال الكنائس الأخرى كان قد سلم التابعون لها إلى العبودية والموتوأما ابتعادنا عن كرسيكم فلم ينتج عن خبث ولا عن طيش بل بالنظر لبعد البلاد ومخاطر السفر ومن إهمال الأحبار الرومانيين سلفائكم حيث أننا نتذكر أن راعيًا قبلكم قد تنازل واعتنى بتفقد الخراف البعيدة عن السيد المخلص ومشهور عندنا أنه منذ ثمانمائة سنة لم يعتنى أحد من الأحبار الرومانيين أن يحيينا ولا بكلمة واحدة.وما يكمل مجدك ويتمم فرحنا هو إنك أنت الوحيد والأول الذى أهتممت بضم ملكنا وأمتنا إلى الإيمان الكاثوليكى وإلى شخصكم وذلك باهتمام هذا المجمع ورئيسنا نيقوديموس خادمكم بأورشليم الذى يلتمس مع أولاده شموله بأنظار قداستكم وهو ينتظر أن يرسلوا له أوامر كى يقوم بالأشغال المتممة لهذا الاتحاد المقدس ومما يؤكد ذلك هو أن ملك الحبشة لا يهمه على الأرض أكثر من اتحاده إلى الكنيسة الرومانية وخضوعه أمام أقدامكم المقدسة حيث أن العظمة الرومانية وإيمان اللاتينيين عظيمان عنده».

رسالة فيلوثاوس البطريرك السكندري الملكي التي بعث بها إلى الحبر الروماني البابا أوجانيوس الرابع[15]

«رحمة الله بابا[16] وبطريرك الإسكندرية المدينة العظيمة وسائر البلاد المصرية

أيها الآب الكلى القداسة والطوبى والجزيل التقوى والبر الملك الأرضي والإنسان السماوي يا من هو مزين بنعمة الله متشح بالحلل المقدسة أيها الراعي الصالح لرعية صالحة يا من بتعلمه يطرد الذئاب الخاطفة بعيدًا عن أغنام الرعية العمومية بحماية يسوع المسيح المحسن إلينا وبطرس الرسول يا من هو صخرة الإيمان ورأس كل الكنائس المسيحية يا من بتوليه السلطان المقدس من يسوع المسيح مخلصنا وصيرورته بابا مدينة الرومانيين العظيمة ومحامى سائر البطاركة يا من هو معنا خادم كنيسة وأخونا بالروح القدس يا أيها السيد القديس البابا أوجانيوس لتكن معك النعمة والعظمة والمجد من قبل الله القادر على كل شيء وسيدنا يسوع المسيح الذى خول السلام في غرفة صهيون حين قال لهم «سلامى أعطيكم سلامى أستودعكم» وأرسل لهم الروح القدس لا بنوع عادى بل بشكل ألسنة نارية وفتح قلوبهم وملأها من النعمة كل على نحو وسعه وبعد أن أناهم أرسلهم إلى المسكونة كلها وبقدر ما كانوا يجهلون الفلسفة الطبيعية والعالمية بقدر ذلك نالوا مواهب العلم الحقيقي والبر. فسأل هذا الروح القدس نفسه أن يتنازل فيفيض هذه النعمة والبركة مضاعفة أولاً على غبطتك السامية ثانيًا على جميع إخوتي الأحبار والكهنة وجميع النصارى الذين في أبرشيتي وذلك بواسطة الملكة الكلية الكمال مريم أم الله والطوباوي مرقص الرسول الإنجيلي وجميع قديسي الله آمين.

لقد علمت حقارتنا بالأعمال الشهيرة التي صنعتها قداستك المبجلة وبلغت إلينا مع ولدنا بالروح الأخ ألبرتس أحد رهبان القديس فرنسيس الذى دفع إلينا كتاب قداستك فلدى ترجمته عرفنا منه ما كان في المجمع المسكوني المقدس وكيف جميع الآباء ونواب البطاركة القديسين مع ملكنا الكلى الجلال يوحنا باليولوغ وكل أحبار وعلماء الشرق والغرب قد احتفلوا بالاتحاد والسلام في الكنيسة الكاثوليكية كلها بالمحبة الكاملة بنفس واحدة وإيمان واحد ونبذوا الشقاق والعداوة. وهكذا محبة الله والسلام قد سطعا في عبادة الله المشتركة بنعمة ورحمة ورأفة ربنا يسوع المسيح الذى له المجد إلى أبد الآبدين آمين.

فلما صفحنا أيها الأب الكلى الكمال رسالتكم المقدسة حمدنا وشكرنا يسوع المسيح على هاته الموهبة العظيمة التي منحها كنيسته الكاثوليكية وما أعظم ما كان فرحنا أيضًا إذ عند قدوم الأخ ألبرتس إلى الإسكندرية انتهت إلينا الرسائل من مدينة القسطنطينية العظيمة من قبل الملك الكلى الجلالة ومن الآباء نوابنا ومن كثيرين من النبلاء الأعيان فقرأنا كتابكم وكتاب الملك باللاتينية واليونانية وقابلناهم عبارة عبارة وكلمة كلمة فوجدناهما متفقين كل الاتفاق مذيلين بتوقيع الآباء والأخوة القديسين المطارنة الشرقيين والغربيين وبختم قداستك الجليلة وختم الملك الكلى العظمة فعقدنا العزم نحن وسائر أساقفة القطر المصري أن نذكر اسم غبطتك في كل كنائس المسيح قبل كل البطاركة كما هو مسطر في القوانين المقدسة. أما أنا أيها الأب الكلى الغبطة فأقبل بمزيد الاحترام والإكرام مراسيم المجمع المقدس وأرسمها على صفحات قلبي بأحرف لا تمحى قاصدًا اقتفاء آثار قداستك والمجامع والقوانين الرسولية. وفضلاً عن ذلك نؤدى الشكر مع كل الشعوب المسيحية لله الكلى الصلاح على افتقادنا بهذه الهبة العظيمة وإنعامه علينا أن نكون مسوسين تحت سلطة وقوة قداستك وأن نكون معلمين تحت أفياء غيرة تقواكم. أما أنت أيها الأب الكلى الغبطة فإن جميع الأمم يقولون طوبى لك لأن ينبوع الحياة يقول طوبى لفاعلي السلامة فإنهم أولاد الله يدعون. فبلا شك طوبى لك أيها الأب الكلى الغبطة لأن كثيرين من الأحبار القديسين والملوك رغبوا أن يروا ما رأيت من نعمة الاتحاد هذا فلم ينالوا على أنك لا تحرز هذا فقط زيادة على الآخرين بل ستنال الثواب العظيم وستتوج بإكليل الحق مع جميع الأبرار آمين.

إن حقارتنا كتبت إلى القسطنطينية للملك الكلى العظمة وإلى بعض المطارنة معلنة أنه إذ وجد أحد يرفض قبول ما رسمه المجمع المقدس يعتبر عاتيًا وهرطقيًا ويسقط من شركة الكنيسة الكاثوليكية المقدسة. وها أنا الآن أنحنى على موطئ قدمي قداستك وآمل أن تصحبك النعمة والغبطة والسلام أنت وجميع من تحت سلطانك من الطغمتين ولتكن بركة غبطتك معنا دائمًا آمين».

فيلوثاوس برحمة الله تعالى

بابا وبطريرك مدينة الإسكندرية العظيمة وسائر القطر المصري

فلما وصل نائب البطريرك القبطي الأب اندراوس رئيس دير القديس أنطونيوس إلى فلورنسا قبله البابا (وقد كان باقيًا في المجمع) بالسرور والإكرام فدفع إليه كتاب بطريركه في غاية آب وتلا بين يديه خطابًا عربيًا فترجم إلى الإيطالية ثم إلى اللاتينية إليك لمعة منه:

«إني لدى مقابلتي بين عظمتك السامية ودناءتى أيها الأب الكلى الغبطة يأخذني الرهب والاندهاش فإن قصرت بهذا الكلام الذى أنطق به التمس أن تشملني بذيل العفو. كيف لا أجزع وما أنا إلا تراب ورماد أتكلم أمامك أنت وكيل الله على الأرض ونائب المسيح وخليفة بطرس وأبو ورأس ومعلم الكنيسة العامة الذى أعطى مفاتيح الفردوس لتفتح وتغلق السماء لمن تشاء أنت رئيس الملوك وأعظم المعلمين. فعند افتكارى بهذه الأمور ارتجف مذعورًا في المثول بحضرة قداستك وأمام أكابر الكنيسة الرومانية التي أشربت منذ أوائل النصرانية حكمة الإلهيات وتعليم يسوع المسيح الحقيقي الذى حفظته حتى اليوم ولا تزال تحفظه كما سلمه الطوباويان هامتا الرسل بطرس وبولس. لكن الكنائس الخصوصية التي نسيت مدة من الزمن هذه الحكمة وهذ التعليم لم تبق على الأساس الأول بل افترقت عن الكنيسة الرومانية أمام سائر الكنائس ومعلمتها قد سمح الله أن تكون رذالة للأمم وغنيمة للغير المسيحيين كما نرى ذلك بأعيننا في فريق من الروم والأرمن وفينا نحن الحبشيين والقبط وقد انفصلنا عنكم من نحو تسعة قرون. على أن لنا في أحزاننا تعزية عظيمة وأملاً كبيرًا لأن الله الذى من عليك بضم الروم والأرمن إلى وحدة الإيمان الكاثوليكي هو نفسه الذى ألهمك أن تدعونا إلى الاتحاد بواسطة ابنك العزيز ألبرتس الراهب الفرنسيسى. فنتأمل أنه يفيض بركته لنكون وإياكم على رأى واحد في كنيسة الله الكاثوليكية. فإن الذى تكلمه وتراه طاعنًا في السن قد هجرت وطني مقتحمًا الأهوال والأخطار لآتى وانطرح على قدمي قداستك رسولاً ونائبًا غير مستحق عن بطريركي المحترم كما تتأكد ذلك من الأوراق التي أقدمها لك من قبل البطريرك عينه وكما يؤيد ذلك أيضًا الأخ ألبرتس الذى عانى معي مشاق جمة ابتغاء هذا الاتحاد الكلى الشرف في الإيمان المسيحي.

فوقع هذا الخطاب موقع القبول في قلب الأب الأقدس وسائر أعضاء المجمع وتعجبوا كل التعجب من ارتياح الأمة القبطية إلى الاتحاد مع رأس الكنيسة وهى ساكنة في بلاد بعيدة فأمر البابا بإنشاء رسالة باسمه إلى بطريرك القبط.

وفيما كان المولجون يهتمون بإعداد هذه البراءة وصل إلى فلورنسا وفد من الحبشة باسم ملك الحبشة قادم من أورشليم رأسًا بإذن الأب نيقوديموس الراهب رئيس جميع الحبشيين ساكني القدس الذى دفع للمجمع بعض رسائل لا يتيح لنا المقام ذكرها بل جل ما نقوله عنها أنها مع إرسالها دون علم بطريرك القبط المصري تشف عن إخلاص في الانضمام إلى كنيسة رومية وتثبت أن ملك الحبشة يرغب من كل قلبه في الاتحاد مع أم الكنائس ورئيس المؤمنين[17]».

وقد أعاد نشر رسالة البطريرك يؤانس الحادي عشر والبابا أوجينيوس الرابع مع ترجمة لها ودراسة فيليب لوذي وفى بداية النصف الثاني من الجيل الخامس عشر أصدر البطريرك القبطي الأرثوذكسي متاؤس الثاني(1452-1465) في بداية تنصيبه للبطريركية كتب رسالة رعوية دعا فيه رجال الدين والشعب في المحافظة على الإيمان وعلى وصايا الله والكنيسة والرسالة محفوظة في مخطوط فاتيكاني عربي560[18]. وفى المجمع المذكور تم اتحاد الكنيسة الشرقية بالغربية وعاد من بعد ذلك لحضن الكنيسة الكاثوليكية بروما جزء من كنيسة الأرمن عام 1439. وكنيسة اليعاقبة 1442. وكنيسة مابين النهرين 1444. والكلدان أو النساطرة وموارنة قبرص1445[19] .وهذه هي ثمار المجمع الفلورنسى المسكونى هو أن وقع على قراراته وقرارات الوحدة الأب أندراوس والبابا أوجينيوس الرابع وأيضا وقع الأب نيقوديموس رئيس دير الأحباش بالقدس. وظل باباوات روما يكتبون حاثين الأقباط على الوحدة مع روما, حتى بعد الغزو التركي(1516-1517) وفى خلال انعقاد المجمع المسكوني ترانت (1545-1563) استمرت المحاولات الوحدوية بين الكنيسة الكاثوليكية وابنتها الكنيسة الأرثوذكسية عن طريق المراسلات والمندوبين ولاسيما في عهد البطريرك غبريال الرابع(1525-1568) الذي له رسالة مع البابا بولس الرابع(1555-1559 ) بتاريخ 1555موله رسالة أيضا إلى البطريرك الأنطاكي إغناطيوس.

واستخرج طلاب الاتحاد من مختلف الاقتراحات نصًا واحدًا للاتحاد وافقوا عليه في جلسة السبت في الرابع من شهر يوليو سنة 1439 وأعلن هذا النص رسميًا يوم الاثنين في السادس من شهر يوليو في قداس حبري أقامه البابا افجانيوس الرابع. فتلاه باللاتينية الكردنيال سيزارينى يمين البابا وباليونانية بيساريون متروبوليت نيقية ثم تعانقا. وإليك تعريب النص كما جاء في منشور البطريرك كيرليس التاسع لمناسبة الذكرى المئوية الخامسة لمجمع فلورنسا.

أوجينيوس الأسقف خادم خدام الله

“اكتب هذا للذكر المؤبد

“برضى ولدنا الأعز بيسوع المسيح يوحنا باليولوغوس إمبراطور الروم ورضى ممثلي أخواننا البطاركة الشرقيين وبقية أخواننا الأساقفة الحاضرين هنا بالأصالة عن نفوسهم وبالنيابة عن الكنيسة الشرقية جمعاء لتفرح السموات وتبتهج الأرض! فقد أنهدم الحائط الفاصل بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية وأقيم السلام والاتفاق ثانية على حجر الزاوية يسوع المسيح الذي ضم الشعبين إلى واحد جامعًا كلا الحائطين برباط السلام والمحبة الذي لا ينحل. وقد اضمحلت غيوم الحزن المديد وتبدد ظلام الخصومة المزمن وأضاء لنا كوكب الاتحاد البهي الشهي. فلتفرح الكنيسة أمّنا فإن أبناءها الذين كانت تشاهدهم متخاصمين تراهم اليوم راجعين إلى الوحدة والسلام.

وتلك التي كانت تذرف دموعًا سخينة على انفصالهم لتشكر الآن بفرح لا يوصف الإله القدير على اتفاقهم العجيب. ليفرح به المؤمنون في العالم أجمع وليهنئ المسيحيون أمهم الكنيسة الجامعة. فها أن آباء الغرب والشرق بعد مرور حقبة طويلة من الاختلاف والشقاق قد ركبوا أخطار البر والبحر وتغلبو على المتاعب وبادروا بسرور إلى هذا المجمع المسكونى المقدس راغبين في تجديد الاتحاد المقدس والمحبّة القديمة. ولم تخب آمالهم لأنهم بعد الأبحاث الطويلة الشاقة بلغوا برأفة الروح القدس إلى الاتحاد المقدس المرغوب فيه. فمن يستطيع أن يرفع للقدير الشكر الوفي على هذا الإحسان ومن لا يتعجب من كل قلبه من غنى مراحم الله. هل من قلب صخري لا تلينه مشاهدة رأفة الله هذه غير المتناهية. حقًا إنها لأفعال إلهية لا اختراعات الضعف البشرى. إذن يجب علينا قبولها بالاحترام العظيم والاعتراف بها بالترانيم المقدسة. لك المديح لك المجد لك الشكر يا يسوع المسيح يا ينبوع المراحم الذي أوليت عروسك الكنيسة الجامعة هذا الخير العظيم وأظهرت في جيلنا عجائب حنوك حتى يتحدث الجميع بمعجزاتك. فقد رأينا بعيوننا ما طالما تاق السلف إليه فلم يروه. فإن اللاتين واليونان التأموا في هذا المجمع المسكونى المقدس وبحثوا بمنتهى الجهد والتدقيق قضية انبثاق الروح القدس موردين آيات الكتب الإلهية ونصوصًا كثيرة لملافنة الغرب والشرق الآباء القديسين الذين منهم من يقول أن الروح القدس منبثق من الآب والابن ومنهم من يقول إنه منبثق من الآب بالابن إنما كلهم يرمون إلى مقصد واحد بألفاظ مختلفة. وبالواقع أكد الروم إنهم بقولهم أن الروح القدس ينبثق من الآب لا ينفون انبثاقه من الابن. ولكن بما إنهم كانوا يظنون أن اللاتين بقولهم من الروح القدس إنه ينبثق من الآب والابن يسلمون بمبدأين ونفختين امتنعوا عن القول بأن الروح لقدس ينبثق من الآب والابن. على أن اللاتين أكدوا أتهم بقولهم عن الروح القدس أنه ينبثق من الآب والابن لا ينفون كون الآب ينبوع كل اللاهوت ومبدأ للابن والروح القدس ولا ينكرون أن الابن يأخذ من الآب بثق الروح القدس. ولا يجعلون مبدأين أو نفختين بل يعتقدون بمبدأ واحد فقط وبنفخة واحدة باثقة للروح القدس كما أعتقدوا على الدوام. وبما أن مرجع هذه التعابير كلها إلى معنى واحد فقد اتفقوا أخيرًا وأقروا برضى شامل الاتحاد التالي المقدس المحبوب من الله:

“بسم الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس وبتصديق هذا المجمع المسكونى المقدس المنعقد في فلورنسا نوجب على المسيحيين بأجمعهم أن يقبلوا حقيقة إيماننا هذه ويؤمنوا بها معترفين كلهم أن الروح القدس هو منذ الأزل من الأب والابن وأنه يأخذ جوهر هو كيانه الخاص من الآب والابن معًا منبثقًا انبثاقًا أزليا من كليهما كمن مبدأ واحد ونفخة واحدة. ونصرح بأن الآباء القديسين الذين يقولون عن الروح القدس أنه ينبثق من الآب والابن لا يقصدون سوي هذا المعني أيّ أن الابن مثل الآب علة أقنوم الروح القدس كما يقول الروم أو مبدأه كما يقول اللاتين كما أن الآب هو علة الابن ومبدأه وبما أن الآب عند ولادته لابنه الوحيد منحه كل ما يملك ما عدا الأبوة هكذا أخذ الابن أزليًا من الآب أن يبثق الروح القدس. ونحدد أن زيادة لفظة والابن في قانون الإيمان هي حسنة وشرعية وصوابية لأنها توضح حقيقة من حقائق الإيمان وقد اقتضتها الضرورة.

“ونحدد أن جسد يسوع المسيح يقدس حقًا في خبز الحنطة سواء أكان فطيرًا أو خميرًا علي الكهنة أن يستعملوا هذا أو ذاك بحسب طقس كنيستهم غربية كانت أو شرقية.

“ونحدد أن نفوس الذين تابوا توبة حقيقية وماتوا في حال محبة الله قبل أن يكفروا عما اجترموه أو أهملوه بأفعال توبة لائقة تتطهر بعد الموت بعذابات المطهر وتتخلص منها بإسعافات المؤمنين الأحياء كذبيحة القداس والصلوات والصدقات وغير هذه من أفعال المحبة التي اعتاد المؤمنون ممارستها لأجل المؤمنين حسب أصول الكنيسة. وأن نفوس الذين بعد قبولهم سر المعمودية لم يتدنس قط بأدناس الخطيئة أو نفوس المؤمنين الذين بعد ارتكابهم الخطيئة قد تطهروا منها إذا كانوا في الجسد أو بعد الموت علي النحو المتقدم أعلاه تدخل حالاً السّماء لتشاهد بوضوح الإله الواحد المثلث الأقانيم كما هو. وإنما تتفاوت درجة هذه المشاهدة بحسب اختلاف درجات الاستحقاق وأن نفوس الذين يموتون في حال الخطيئة المميتة مفعولة كانت أو أصلية فقد تهبط حالاً إلي الجحيم لتتعذب بعذابات مختلفة متفاوتة.

“ونحدد أيضًا أن الكرسي الرسولي المقدس والحبر الروماني له أولية التقدم في المسكونة كلها وهو خليفة الطوباوي بطرس هامة الرسل ونائب المسيح الحقيقي ورأس الكنيسة كلها وأبو المسيحيين بأجمعهم ومعلمهم. وقد أعطاه سيدنا يسوع المسيح بشخص الطوباوي بطرس ملء السلطان ليرعي ويدبر ويسوس الكنيسة الجامعة كما تتضمن ذلك أعمال المجامع المسكونية والقوانين المقدسة. ثم نجدد النظام الذي رسمته القوانين لبقية البطاركة المكرمين وهو أن الثاني بعد الحبر الروماني الأقدس بطريرك القسطنطينية والثالث بطريرك الإسكندرية والرابع بطريك أنطاكيا والخامس بطريرك أورشليم علي أن تحفظ كل امتيازاتهم وحقوقهم”[20].

ووجه الحبر الروماني أوجانيوس رسالة إلى يوحنا بطريرك الأقباط اليعاقبة والحبشة يدعوهما إلى الإتحاد. فأم فلورنسا في شهريّ أغسطس وسبتمبر لسنة 1441 من فاوض مجمعها في الإتحاد. وفي الرابع من شهر فبراير أعلن الحبر الروماني صكًا آخر وتليّ هذا الصك باللغتين اللاتينية والعربية[21]. وها نصه كما نشر في كتاب«الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها»:

1330- 1353- براءة في الاتحاد مع الأقباط والأحباش “Cantate Domino” 4 من شهر فبراير لسنة 1442(أو 1441 حسب مجمع فلورنسا)[22]

«قرار لليعاقبة

1330- الكنيسة المقدسة الرومانية، التي تأسست بصوت سيدنا ومخلصنا، تؤمن إيمانًا ثابتًا، وتعترف، وتبشر بإله حقيقي واحد، كلى القدرة، غير قابل التحول، وأزلي: الآب والابن والروح القدس؛ واحد في الجوهر، ثلاثي في الأقانيم، الآب الغير مولود، والابن المولود من الآب، والروح القدس المنبثق من الآب والابن؛ الآب ليس الابن أو الروح القدس؛ والروح القدس ليس الآب أو الابن؛ ولكن الآب هو الآب فقط؛ والابن هو الابن فقط، والروح القدس هو الروح القدس، الآب وحده ولد من جوهر الابن؛ الابن وحده ولد من الآب وحده؛ الروح القدس وحده ينبثق من الآب والابن. هذه الأقانيم الثلاثة هي إله واحد، لا ثلاثة آلهة، لأن الجوهر في الثلاثة واحد، والإنيّة واحدة، والطبيعة واحدة، والألوهة واحدة، واللامحدودية واحدة، والأزلية واحدة، وكل الأمور واحدة، وليس هنالك تناقض في العلاقة.

1331- «بسبب هذه الوحدة الآب كله في الابن، كله في الروح القدس، والابن كله في الآب، كله في الروح القدس، والروح القدس كله في الآب، كله في الابن. لا أحد يسبق الآخر في الأزلية، أو يتفوق عليه في العظمة أو في السلطة؛ إذ أن الابن يولد من الآب أزليًا وفى غير بدء، والروح القدس ينبثق من الآب والابن أزليًا وفى غير بدء». كل ما هو الآب وما له هو منه لا من سواه، وهو المبدأ الذي لا مبدأ له. كل ما هو الابن وما له هو من الآب، وهو مبدأ من مبدإ. كل ما هو الروح القدس وما له هو من الآب والابن معًا. ولكن الآب والابن ليس مبدأين للروح القدس، بل مبدأ واحد؛ كما أن الآب والابن والروح القدس ليسوا ثلاث مبادئ للخليقة بل هم مبدأ واحد.

1332- إذن فجميع الذين يفكرون تفكيرًا مناقضًا أو مخالفًا تشجبهم الكنيسة وتنكرهم وتحرمهم، وتعلن أنهم خارجون عن جسد المسيح الذي هو الكنيسة. ثم أنها تشجب سابليوس الذي يخلط بين الأقانيم وينكر ما بينها من تميز حقيقي، وتشجب الآريوسيين والأونوميين والمقدونيين الذين يقولون أن الآب هو الإله الوحيد الحقيقي، ويجعلون الابن والروح القدس في مرتبة الخلائق. وهى تشجب أيضًا جميع الآخرين الذين يجعلون في الثالوث درجات وعدم مساواة.

1333- إنها تؤمن إيمانًا ثابتًا وتعلن وتعلم أن الإله الواحد الحقيقي، الآب والابن والروح القدس، هو خالق كل شئ منظور وغير منظور، وهو الذي، عندما شاء، خلق بصلاحه وعطفه جميع المخلوقات الروحية والجسدية، فكانت حسنة لأنها صدرت عن الخير المطلق، ولكنها قابلة التحول لأنها خلقت من العدم؛ وهى تثبت أن الشر ليس من الطبيعة، لأن الطبيعة، في كونها طبيعة، هي صالحة.

1334- وهى تعلم أن الإله الواحد ذاته هو واضع العهدين القديم والجديد، أي الناموس والأنبياء، والأناجيل، إذ أنه، بوحي من الروح القدس، تكلّم قديسو العهدين الذين تعترف الكنيسة وتشيد بكتبهم التي تحتويها العناوين التالية:

1335- خمسة لموسى هي التكوين، الخروج، الأحبار، العدد، تثنية الاشتراع، يشوع، القضاة، راعوث؛ كتب الملوك الأربعة؛ اثنان لأخبار الأيام، عزرا، نحميا، طوبيا، يهوديت، أستير، أيوب، مزامير داود، الأمثال، الجامعة، نشيد الأناشيد، الحكمة، يشوع بن سيراخ، أشعيا، أرميا، باروك، حزقيال، دانيال، الأنبياء الاثنا عشر الصغار: هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان، ميخا، نحوم، حبقوق، صفنيا، حجاي، زكريا، ملاخى، كتابا المكابيين، الأناجيل الأربعة لمتى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، الرسائل الأربع عشر لبولس، إلى الرومانيين، الرسالتان إلى الكورنثيين، إلى الغلاطيين، إلى الأفسسيين، إلى الفيليبين، الرسالتان إلى التسالونيكيين، إلى الكولسيين، الرسالتان إلى تيموثاوس، إلى تيطس، إلى فليمون، إلى العبرانيين. الرسالتان لبطرس، الرسائل الثلاث ليوحنا، الرسالة ليعقوب؛ الرسالة ليهوذا؛ أعمال الرسل، رؤيا يوحنا.

1336- لهذا تحرم تهور المانويين الذين قالوا بمبدأين أولين، أحدهما للأشياء المرئية، والثاني لغير المرئيتة، وقالوا بوجود إله للعهد الجديد، وإله للعهد القديم.

1337- وهى تثبت وتعلم أن أقنومًا واحدًا من الثالوث، الإله الحقيقي، ابن الله، المولود من الآب، الواحد في الجوهر والأزلي مع الآب، في ملء الزمان المحدد في عمق التصميم الإلهي الذي لا يسبر غوره، اتخذ لخلاص جنس البشرى، في حشا العذراء مريم، طبيعة بشرية حقيقية وكاملة، وارتبط بها في وحدة الشخص، وحدة عميقة إلى حد أن كل ما فيها من الله هو غير منفصل عن الإنسان، وكل ما فيها من الإنسان هو غير منفصل من الألوهه؛ فهو الغير المنفصل وحدة وذاتا، كل طبيعة فيه قائمة بما لها من خصائص، إله وإنسان، ابن الله وابن الإنسان.”مساو للآب في الألوهة، ودون الآب في البشرية”[شهادة الإيمان المنسوبة إلى أثناسيوس:76] غير قابل الموت وأزلي بطبيعة الألوهة، وقابل الآلام وزمني بالطبيعة البشرية التي اتخذها.

1338- وهى تؤمن إيمانًا ثابتًا، وتعلم أن ابن الله، في ما اتخذ من بشرية، ولد حقيقة من العذراء، وتألم حقيقة، ومات حقيقة ودفن، وقام حقيقة من بين الأموات، وصعد إلى السماء، وهو يجلس إلى يمين الآب، وسيأتي في أخر الأزمان ليدين الأحياء والأموات.

1339- وهى تحرم وتمقت وتشجب كل هرطقة تقول بخلاف ما تعلم. فتشجب أولاً أبيون، وسرنتوس، ومرقيون، وبولس السمصاتى، وفوتينوس، وجميع الذين يشبهونهم فى التجديف، الذين لم يستطيعوا إدراك الاتحاد الشخصي للبشرية في الكلمة، سيدنا يسوع المسيح، فأنكروا أن يكون إلهًا حقيقيًا، وقالوا بأنه إنسان فقط حظي باشتراك عظيم جدًا في النعمة الإلهية التي نالها بفضل حياته الزائدة القداسة، وتسمى بالإنسان الإلهي.

1340- وهى تحرم أيضًا مانى وأتباعه الذين تخيلوا أن ابن الله لم يتخذ جسدًا حقيقيًا، بل اتخذ جسدًا في الظاهر، فقضوا بذلك على حقيقة المسح قضاءً كاملاً.

1341- وكذلك فالونتيوس الذي يدعى بأن ابن الله لم يتخذ شيئًا من العذراء مريم، بل اتخذ جسدًا علويًا ومر في رحم العذراء كما يجرى ماء القناة.

1342- وكذلك آريوس الذي ادعى بأن الجسد الذي اتخذ خرج من العذراء بدون نفس، وأن الألوهة قامت مقام النفس.

1343- وأبوليناريوس أيضًا الذي رأى أنهم إذا أنكروا وجود نفس تعطى الجسد صورته لم يكن المسيح بشرية حقيقة، ولكنه قال بأن فيه نفسًا حسية فقط وبأن ألوهة الكلمة قامت عنده مقام النفس العاقلة.

1344- وهى تحرم أيضًا ثيودورس المصيصى ونسطوريوس اللذين يدعيان بأن الناسوت اتحد بابن الله بالنعمة، فكان في المسيح بسبب ذلك شخصان، وهما يقولان بالطبيعتين، إلا أنه لم يكن باستطاعتهما أن يدركا إن ما جرى هو اتحاد أقنومى للناسوت بالكلمة ولهذا كانا ينكران أنه تقبل جوهر الكلمة. فبحسب هذا التجديف يكون أن الكلمة لم يصر جسدًا، ولكن الكلمة بالنعمة سكن الجسد، وهذا يعنى أن ليس ابن الله هو الذي صار إنسانًا. ولكن ابن الله سكن في الإنسان.

1345- وهى تحرم أيضًا وتمقت وتشجب الأرشمندريت أوتيخا الذي إذ أدرك، بحسب تجديف نسطوريوس القائم على أن حقيقة التجسد قد أبعدت، وأنه من ثم كان لابد للناسوت من الاتحاد بكلمة الله بحيث يكون شخص واحد للاهوت والناسوت، وقد تعذر عليه أن يتصور وحدة الشخص في تعدد الطبيعتين؛ وكما أنه ذهب إلى أن في المسيح شخصًا واحدًا للاهوت والناسوت، كذلك ذهب إلى أن فيه طبيعة واحدة، معتقدًا بتجديف وكفر لا حد لهما، أن يكون الناسوت قد تحول إلى ألوهة، أو أن يكون اللاهوت قد تحول إلى بشرية.

1346- والكنيسة تحرم أيضًا وتمقت وتشجب مكاريوس الأنطاكي وجميع الذين يعلمون تعاليم مشابهة، وقد قال بحقيقة ثنائية الطبيعة ووحدة الشخص، ولكنه شط جدًا في موضوع أفعال المسيح، قائلاً أن للطبيعتين في المسيح فعلاً واحدًا وإرادة واحدة. والكنيسة الرومانية المقدسة تحرم هؤلاء الرجال مع هرطقاتهم، مثبتة أن في المسيح إرادتين وأن له فعلين.

1347- وهى تؤمن إيمانًا ثابتًا، وتعتقد، وتعلم أنه لم ينج قط كائن حبل به من رجل وامرأة، من ربقة الشيطان إلا بالإيمان بربنا يسوع المسيح، الوسيط بين الله والناس،(راجع1تيم2: 5)، الذي إذ حبل به، وولد ومات بلا خطيئة، تغلب وحده بموته على عدو الجنس البشرى، ماحقًا خطايانا، وفتح من جديد مدخل الملكوت العلوي الذي كان الإنسان الأول قد خسره بخطيئته الخاصة مع جميع ذريته؛ والذي بشرت بمجيئه الآتي جميع الذبائح المقدسة في العهد القديم، وأسراره، واحتفالات طقوسه.

1348- وهى تؤمن إيمانًا ثابتًا، وتعلن وتعلم أن فرائض العهد القديم الشرعية التي تقسم إلى طقوس، وذبائح مقدسة، وأسرار، وضعت لتدل على شئ مستقبلي، وإن كانت معدة إذ ذاك للعبادة الإلهية، فعندما جاء سيدنا يسوع المسيح الذي كانت ترمز إليه، توقفت وابتدأت أسرار العهد الجديد. فمن يجعل أمله، بعد آلام المسيح، في فرائض الناموس، ويخضع لها حاسبًا أنها ضرورية للخلاص، وكأن الإيمان بالمسيح لا يمكنه التخليص بمعزل عنها، يقترف خطيئة مميتة. والكنيسة لا تنكر مع ذلك أنه، منذ آلام المسيح إلى إعلان الإنجيل، ربما بقيت محترمة بقدر ما كان يظن أنها ضرورية للخلاص. ولكن بعد إعلان الإنجيل تثبت الكنيسة أنه لا يمكن احترامها إلا بخسارة الخلاص الأبدي.

1349- في شأن الأطفال وبسبب خطر الموت الذي كثيرًا ما يكون موجودًا، وإذ كان من غير الممكن مساعدتهم بدواء غير سر المعمودية الذي ينتشلهم من سيطرة الشيطان ويجعلهم أبناء الله بالتبني، فالكنيسة تحذر من إرجاء المعمودية أربعين أو ثمانين يومًا أو أكثر، كما يفعل البعض، وتطلب أن تمنح في أقرب وقت ممكن وموافق، ولكن إذ دهم خطر الموت، أن تمنح حالاً وبلا تأخر، يمنحها في حال غياب الكاهن، علماني أو امرأة بحسب صيغة الكنيسة، على ما ورد مفصلاً في القرار للأرمن [1315][23].

1350- وهى تؤمن إيمانًا ثابتًا، وتعترف وتعلم أن كل ما خلقه الله حسن«ولا شئ للطرح مما يتناول بشكر»[1تيم 4:4] لأنه بحسب كلام الرب«ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان»[متى 11:15] وهى تثبت أن الفرق الذي تجعله شريعة موسى بين ما هو طاهر ونجس من الأطعمة هو من قبيل الطقسيات، وأنه بظهور الإنجيل قد امّحي وزال مفعوله. وهى تقول أيضًا أن تحريم الرسل«ما ذبح للأصنام، والدم، والمخنوق»[أع 15 :19] هو من مقتضيات ذلك الزمان الذي كان يعيش فيه يهود وأمميون بطقوس وأخلاق مختلفة، وعندما ظهرت الكنيسة كان الأمميون يقومون مع اليهود بممارسات مشتركة، فكانت الدعوة للاجتماع على عبادة واحدة لله وعلى إيمان واحد، وحسم الخلاف القائم، إذ كان اليهود، جربًا على تقليدهم القديم، يمقتون دم المخنوق ولحمه، وكان من الممكن أن يروا في أكل لحم المذبوح رجوعًا من قبل الأممين إلى الوثنية. ولكن عندما انتشرت الديانة المسيحية إلى حد بعيد لم يبق فيها يهودي بلحمه ودمه، بل كان كل من ينضمون إلى الكنيسة يشتركون في طقوس الإنجيل نفسها، معتقدين«أن كل شئ طاهر للأطهار»[تى1 :15]، وهكذا توقف تحريم الرسل بزوال أسبابه.

فهي تعلن أن لا طعام مما يتناوله الجنس البشرى مشجوب، وأن ليس لأحد من الرجال أو النساء أن يقيم فرقًا بين الحيوانات، وأن يقيم وزنًا للميتة التي تموتها، مع أنه يجب تجنب الكثير منها، وإن غير ممنوع، لأجل صحة الجسد، وممارسة الفضيلة، والانضباط القانوني والكنسي، إذ إنه، على حد قول الرسول«كل شئ مباح لي ولكن ليس كل شئ ينفع»[1كو6 :12؛ 10 :23].

1351- وهى تؤمن إيمانًا ثابتًا، وتعلم أن«جميع من هم خارج الكنيسة الكاثوليكية، ليس الوثنيين فقط، بل اليهود أيضًا أو الهراطقة والمنفصلين لا يمكنهم أن يكونوا مشتركين في الحياة الأبدية، ولكنهم يذهبون«إلى النار الأبدية التي أعدت لإبليس وملائكته»[متى25 :41]، ما لم ينضموا إليها قبل نهاية حياتهم؛ وهى تعلم أيضًا أن لوحدة جسد الكنيسة سلطانًا هكذا عظيمًا إلى حد أن أسرار الكنيسة غير ذات جدوى للخلاص إلا للذين يثبتون فيها، وهؤلاء وحدهم ينعمون بالثوابات الأبدية التي تؤتيها أصوام الجماعات المسيحية، وصدقاتها، وسائر أعمال البر والتقوى فيها؛ كما تعلم أن«لا خلاص لأحد، مهما عظمت صدقاته، وإن ضحى بدمه في سبيل اسم المسيح، إلا إذا ثبت في حضن الكنيسة الكاثوليكية ووحدتها».

[تتبع هنا مراسيم لليونان والأرمن].

1352- ولكن بما أنه في القرار للأرمن الوارد آنفًا لم تفسر الصيغة التي دأبت الكنيسة الرومانية المقدسة المستندة إلى تعليم الرسولين بطرس وبولس وسلطتهما، على استعمالها في تقديس جسد الرب ودمه، فإننا نرى من الضروري إدخالها في ما نحن فيه. ففي تقديس جسد الرب تستعمل الصيغة التالية:«هذا هو جسدي»؛ وفى تقديس الدم: «إذ أن هذا هو كأس دمى، العهد الجديد والأزلي، سر الإيمان، الذي يهراق عنكم وعن كثيرين لمغفرة الخطايا».

وفى ما يتعلق بخبز الحنطة الذي يتم فيه السر، فليس من المهم أن يكون خبز في اليوم عينه أو في يوم سابق، فإذا كان الخبز قائمًا في جوهره لا يعود هنالك مجال للشك، بعد إذ يفوه الكاهن بالكلام الذي أوردناه لتقديس الجسد، مع نية تحقيقه، في تحول هذا الخبز جوهريًا إلى جسد المسيح الحقيقي.

1353- بما أن البعض، على ما يقال، يذهبون إلى شجب الزوجات الرابعة، ولكي لا يظن أن هنالك خطيئة حيث لا خطيئة وتمشيًا مع كلام الرسول القائل أن الرجل متى مات برئت المرأة من ناموسه، وصارت حرة، ولها أن تتزوج من تشاء في الرب [رو7: 2، 1كو7: 32]، وهو لا يميز هل الرجل الذي مات هو زوجها الأول، أو الثاني، أو الثالث نعلن أنه من الجائز عقد الزواجات ليس فقط الثانية والثالثة، بل الرابعة وأكثر، ما لم يحل دون ذلك مانع قانوني. إلا أننا مع ذلك نقول أن أولئك اللواتي يتوقفن عن الزواج ويلبثن في حال العفة هن أجدر بالمديح، لأن البتولية في نظرنا أولى من الترمل، كما أن الترمل العفيف أفضل من العودة إلى الزواج».

كانت البراءة مذيلة بتواقيع البابا واثنى عشر كردينالاً كان عاشرهم الكردينال بساريون

وبعد أن تليت هذه البراءة علانية باللاتينية والعربية قال نائب بطريرك الأقباط[24]:

«أيها الأب الكلى القداسة أوجانيوس الرابع الحبر الأعظم في الكنيسة المقدسة الرومانية والجامعة نائب المسيح الحقيقي وخليفة الطوباوي بطرس وأنتم يا آباء مجمع فلورنسا المسكوني الكلى القداسة أنى أنا اندراوس رئيس دير القديس أنطونيوس المرسل من الأب الموقر السيد يوحنا بطريرك القبط بعد اطلاعي على هذه القضايا التي قرئت على مسمع منكم وعلى قضايا اتحاد الروم والأرمن وبعد أن تمعنت فيها طويلاً أُقر وأعترف أن كل ما في هذه القضايا مطابق للحقيقة الإلهية والكاثوليكية. فإذن باسم البطريرك المشار إليه وباسم جميع القبط وباسمي أقبل وأرضى بالتقوى والاحترام الفائقين ببراءة المجمع المقدس الكلية الإفادة وبكل ما فيها وأيضًا بكل ما يؤمن ويعلم الكرسي الرسولي المقدس والكنيسة الرومانية واستشهد على ذلك قداستكم وأقبل باحترام الآباء والعلماء القديسين الذين تقبلهم الكنيسة الرومانية وأنبذ وأرفض الناس والأشياء الذين تنبذهم وترفضهم وأعد أن البطريرك والقبط وأنا أيضًا نطيع كأبناء خاضعين دائمًا بأمانة لقوانين وأوامر قداستكم والكرسي الرسولي».

توقيعات آباء الشرق على المجمع المسكوني بفلورنسا[25]

وكتب صك الاتحاد على صفيحة كبيرة باللغة اليونانية من الجانب الأيمن واللاتينية من ورؤساء الجانب الأيسر وتحت النص اللاتيني تواقيع الآباء اللاتينيين من كرادلة ومطارنة وأساقفة أديرة وعددهم 116في مقدمتها توقيع الحبر الأعظم هكذا:

«أوجانيوس أسقف الكنيسة الكاثوليكية قد حددت ذلك ورقعته»

وتحت النص اليوناني تواقيع آباء الروم بخط أيديهم في أولها توقيع ملكهم يوحنا هكذا:

«يوحنا باليولوغوس الملك الأمين امبراطور الروم بالرب يسوع المسيح» وهذا النص نفسه قد حفظ ككنز ثمين في كنيسة فلورنسة ولايزال فيها حتى يومنا هذا.

وكان في ودنا أن نذكر أسماء جميع آباء هذا المجمع لما يترتب على ذلك من الأهمية ولاسيما في ذكر الرهبانيات التي كانت وقتئذ مزهرة لكن لما كان كاتبنا هذا للشرقيين خصوصًا عدلنا عن تسمية الآباء اللاتينيين مكتفين أن نذكر بالتفصيل أسماء الآباء الشرقيين واحدًا واحدًا وهى :

1-أنطونيوس الحقير رئيس أساقفة هيرقلية ورئيس كنيسة مكدونية كلها والنائب عن الكرسي الرسولي كرسي الكلى القداسة فيلوثاوس البطريرك الإسكندري وقعت.

2- غريغوريوس الراهب المنقطع لله البروتسنجلوس الكبير معلم اعتراف التائبين (وكان أيضًا معلم اعتراف الملك) النائب عن الكرسي الرسولي كرسي سيدنا فيلوثاوس البطريرك الإسكندري وقعت.

3-إيسيدورس رئيس أساقفة كياف وكل الروسية نائب الكرسي الرسولي كرسي دوروثاوس بطريرك أنطاكية القديس قد وقعت مثبتًا ومادحًا.

4-دوسيتاوس رئيس أساقفة مونمبازية نائب الكرسي الرسولي كرسي يواكيم بطريرك أورشليم القديس وأنا وقعت أيضًا.

5-دوروثاوس رئيس أساقفة طرابزون وأنا وقعت.

6-مطروفانس رئيس أساقفة كيزيك وقعت.

7-بساريون برحمة الله رئيس أساقفة نيقية وقعت.

8-مكاريوس رئيس أساقفة نيقوميدية وقعت.

9-متوديوس الحقير رئيس أساقفة لقدمونة وقعت.

10-إغناطيوس رئيس أساقفة طرنو وقعت أيضًا.

11-دوروثاوس رئيس أساقفة ميتلين ونائب رئيس أساقفة صيدا وقعت أيضًا.

12-داميانس رئيس أساقفة الفلاخ والبغدان ونائب رئيس سبسطية وقعت.

13-يوسف الحقير رئيس أساقفة أماصيا وقعت.

14-ناثانائيل رئيس أساقفة رودس وجزائر سكلاد (اليونانية) وقعت.

15-كالستس رئيس أساقفة درستاس وقعت أيضًا.

16-متى رئيس أساقفة مللينيك وقعت.

17-جناديوس رئيس أساقفة ساوى وقعت.

18-دوسيتاوس رئيس أساقفة دراما وقعت أيضًا.

19-بيساريون رئيس أساقفة نيقية بموجب وثيقة في يدى مذيلة بختم مانويل كبير قيمى الكنيسة شماس كريسوكوكو أوقع هنا رأيه وأعلن أنه مطابق لنا وتابع لكل الذين هنا.

20-تاوذوريكس الشماس كبير الاحتفالات (سكيفوفيلكس سكنتينوبولوس) وقعت.

21- ميخائيل بلسمون كبير محافظي الأوراق رئيس الشمامسة (خرطوفيلكس) وقعت.

22-سيلفسترس أسيوبولوس كبير قيمي الكنيسة (ديخيوفيلكس) وقعت.

23-جرجس الكبادوكى الشماس (بروتوذيكوس) وقعت.

24-قسطنطين كبير الكهنة والنائب فى الفلاخ والبغدان وقعت.

25-موسى راهب مكرس وقيم كنيسة مكرم من الجبل المقدس من الدير الكبير وقعت.

26-دوروثاوس راهب مكرس ونائب مكرم من الجبل المقدس الكبير من فاتباد وقعت.

27-جيرونتيوس راهب مكرس ورئيس سابقًا على دير المسيح القادر على كل شيء وقعت.

28-أثناسيوس رئيس دير وقعت.

29- جرمانوس رئيس دير القديس باسيليوس سابقًا وقعت.

30- باخوميوس راهب مكرس ورئيس دير القديس بولس وقعت.

31-أندراوس رئيس دير الأنبا أنطونيوس ونائب عن البطريرك القبطي.

هؤلاء هم آباء المجمع الشرقيون كلهم وقعوا صورة الإيمان والاتحاد النهائية ولم يبق منهم إلا مرقص مطران أفسس فطلب البابا حينئذ أن يبسله المجمع كأنه متمرد لا يخضع لأوامر الكنيسة فالتأم مطارنة الروم واستدعوا مرقص ليوضح أمامهم سبب رفضه للمجمع المسكوني فخاف مرقص من عاقبة هذه الدعوة وانطرح على أقدام الإمبراطور يستجير به طالبًا أن يتوسط بينه وبين الأساقفة فلا تفضح شيبته أمام اللاتينيين الذين يهزؤون به إذا غير رأيه فمست الملك الشفقة عليه فأمهله حتى يرجع إلى القسطنطينية وهناك يفحص أمام الأساقفة.

وبعد أن تم الاتحاد على هذا المنوال بغاية الحب والاتفاق اشتاق الملك أن يسافر إلى العاصمة لتدبير شئونها بعد أن تركها نحوًا من عشرين شهرًا أي منذ 24 من شهر نوفمبر لسنة 1437 فودع البابا الذى أعرب له عن عواطفه الأبوية وارتياحه الشديد إلى عضده ولم يدعه ينفق درهمًا من ماله فى إيابه إلى تخت سلطنته وعلاوة على ذلك أرسل معه 300جندى لخدمته إلى حيث شاء دون أن يكلفه بأداء شيء لهم وأهدى إليه مركبين حربيين كبيرين للدفاع عن القسطنطينية ووعده أنه يبعث إليه بعشرين مركبًا من أقوى السفن الحربية منها عشرة يبقيها عنده ستة أشهر وعشرة أخرى سنة كاملة ووعده أيضًا بـأن يبذل ما فى وسعه من الوسائل لدى ملوك المغرب لينجدوه على محاربيه. فخرج يوحنا من عند البابا قرير العين طيب الخاطر شاكرًا مما سمع ورأى وسافر من فلورنسة صحبة جميع الشرقيين في 26 من شهر أغسطس لسنة 1439 فشيعه إلى بابا المدينة جميع الكرادلة ورافقه ثلاثة منهم إلى آخر تخوم فلورنسة فسار برًا إلى البندقية ومنها ركب البحر في 11 من شهر أكتوبر.

فعلى هذا النحو تم هذا المجمع العظيم الذى جدد عرى الاتفاق بين كنيستي الشرق والغرب وكان الفرح شاملاً الجميع لاتحاد الأمتين بالإيمان والسلام فانشرح صدر الحبر الأعظم أبى المؤمنين كلهم ولم يكن سرور الملك يوحنا بـأقل منه حتى أفضى به إلى أن أمر تخليدًا لذكرى هذا المشروع الجليل بعمل صفيحتين من القلز نقشت على إحداهما صورة جلسة المجمع الأخيرة التي أبرم فيها الاتحاد تمثل البابا جالسًا من الجهة الواحدة على عرشه لابسًا تاجه الثلاثي والملك من الأخرى مستويًا على منصته بإزاء البابا وعلى رأسه خوذته الملكية مرصعة بالألماس والحجارة الكريمة وفى مقدمها حد طويل كالسنان. وفى وسط الصفيحة منبر عليه وقف الكردينال دي سنتاسابينا والمطران بيساريون يقرأن صك المجمع النهائي (براءة البابا). وفى الصفيحة الثانية صورتان إحداهما تمثل الملك ممتطيًا جواده محفوفًا بجميع الأساقفة الشرقيين والكبراء خارجًا من فلورنسة والأخرى تمثل الملك نازلاً إلى البحر من البندقية ليسير على مركب عظيم يقله وحاشيته إلى القسطنطينية.

وهاتان الصفيحتان الثمينتان لا تزالان حتى اليوم فى رومية فى كنيسة القديس بطرس على بابها الكبير وقد أهداهما إليه البابا أوجانيوس الرابع تخليدًا لهذا الاتحاد.

وأقلعت المراكب بالشرقيين من البندقية في 11من شهر نوفمبر ولم يصادفوا في رجوعهم أخطارًا جسيمة لكن طالت إقامتهم بالبحر ولم ويصلوا إلى القسطنطينية إلا في غرة فبراير لسنة1440 فدخل إليها جميع الآباء الذين خرجوا منها إلا البطريرك يوسف وديونيسيوس مطران صرده اللذين توفيا فى المجمع وما عدا بيساريون مطران نيقية وإيسيدور مطران الروسية اللذين أبقاهما البابا فى رومية ليرقيهما إلى مصف الكرادلة.

فهكذا قد انضمت كنيسة الأقباط إلى وحدة الكنيسة الكاثوليكية إلا إننا لا نعلم بالتدقيق كم دام هذا الاتحاد في تلك البلاد بل نستدل من بعض الآثار أنه بقى محفوظًا أمد مديدًا لأن أحد ملوك الحبشة، واسمه داود كتب بعد نحو مائة سنة للبابا اكليمنضس السابع(1523-1534) رسالة يقول فيها: «إنه يعرف بابا رومية راعيًا عموميًا للكنيسة كلها ويطلب إليه أن يرسل إلى الحبشة آباء وكهنة ليعلموا شعبه قواعد الإيمان والحقائق النصرانية. لكن لم يتسنّ إرسال أحد إلى الحبشة إلا في أيام البابا يوليوس الثالث(1550-1555) الذى أوعز إلى القديس إغناطيوس مؤسس الرهبانية اليسوعية بإرسال ثلاثة من رفقائه للقيام بأعباء هذه المهمة العظيمة فرضى إغناطيوس ولو ضدًا للقانون الذى رسمه في منع اليسوعيين عن تولى المناصب الكنسية وعين الأب يوحنا نونييس ليكون بطريركًا لاتينيًا على القبط وأصحبه بالأبوين أندراوس أوبتييدو وملكيور كرنير كأسقفين مساعدين له ليخلفاه في كرسيه بعد موته ولكن طرأت حينئذ ثورة شديدة في بلاد الحبشة فحالت دون مساعي هؤلاء الآباء ولم تأت رسالتهم بثمرة»[26]. ويكتب الأب دي لانفرس اليسوعي: «ثم تابع المجمع أعماله، من بعد 6 من شهر يوليو لسنة 1439، في فلورنسا أولا مع موفدي الأرمن. ثم في رومة حيث دونت قرارات الاتحاد مع سائر الكنائس المنفصلة من يعاقبة، وكلدان وقبطة، ومنفصلي القبارصة[…]وبفضل ما بذله البابا من الجهود، توصل تأليف لجنة لاهوتية يشترك فيها عشرة من الروم وعشرة من اللاتين، فيجتمعون في كنيسة الفرنسيسكان لدرس الموضوعات المختلف عليها. وسرعان ما أتفق على أن يحصروا في أربعة مواضيع أهم نقاط الخلاف وهي: انبثاق الروح القدس – الفطير – المطهر – رئاسة الحبر الأعظم. وهي النقاط التي خاض فيها واضعوا التحديات»[27]. وأخيرًا بعض عرض كل هذه الوثائق التاريخية أتساءل لماذا القمص فيلوثاؤوس إبراهيم بغدادي صالح، في كتابه «الحجة الأرثوذكسية ضد اللهجة الرومانية»، القاهرة، 1895 رأي في هذا المجمع كله أوهام وإضغاث أحلام لا حقيقة له ولا أثر محتجبا بأن البابا أوجانيوس لم يكن موجودا في منتصف الجيل الرابع عشر لكن في منتصف الجيل الخامس عشر؟ وأن المؤرخين الغربيين نفوا أعمال هذا المجمع؟ وهكذا أخذ كتّاب هذه الكنيسة عنه وإنني أطرح هذه الأسئلة:

  • لماذا أطمس المؤرخون هذه الحقائق وزيفوا أن هذا المجمع المسكوني لا فائدة له؟
  • لماذا سطّر المؤرخون أن هذا المجمع لم يحظ بالقبول في المشرق وأن الاتحاد لم يتم؟
  • لماذا حجبوا في كتاباتهم هذا المجمع رغم الحقيقة الساطعة كالشمس؟
  • لماذا طمسوا الوثائق التاريخية الصادرة من البابا والبطريرك وأعمال المجمع المذكور؟

هؤلاء المؤرخون هم أعداء لأعمال هذا المجمع، هذا بحث اختلاق ومحض بهتان وكفى بما سبق بيانه إلى الآن له تفنيدًا وتزيده دحضًا بما سنأتي من البينات المسفرة عن أن الاتحاد لم يتوطد فقط في مملكة الشرق وكل كنيسة الروم بل قد امتد إلى الأرمن والأقباط والكلدان وأهل الحبشة حتى يمكن أن يقال أن الكنيسة في ذاك الحين صارت يومًا كلها كاثوليكية وعم الرأي القويم الشرق بأسره.

ويجدر بنا هنا أن نبين أن مجمع فلورنسا العظيم قد جاء بفائدة كبرى لا لكل هذه الطوائف الشرقية الخاضعة لصولجان ملك الروم فقط بل امتدت أيضًا إلى سائر أطراف الشرق المجاورة المملكة الرومانية وذلك بعناية وهمة القيصر يوحنا باليولوغ الذى أراد أن يعم الاتحاد جميع كنائس الله في المسكونة بأسرها.

ومن الغريب إننا وجدنا أكثر مؤرخي هذا المجمع قد ذهلوا عند ذكر رجوع القيصر وقتئذ إلى حضن الكنيسة إلا إننا بعد البحث والتنقيب رأينا أنهم ذكروه. وإنني أقول مع المتنيح مثلث الرحمات الأنبا إغناطيوس برزي: «كان بطاركة كنيسة الإسكندرية من بعد اتحادهم بالكرسي البطرسي في المجمع الفلورنتيني ويتباهون بتسطيره في رسائلهم فلماذا لا يتشبه الأبناء بآبائهم؟ لماذا لا يسلكون سبيل أجدادهم الكرام ويخضعون لسلطة الحبر الروماني؟[28]». ويقول المهندس وجيه فوزي[29]: «في عام 1442 أعلنت الكنيسة القبطية وحدتها مع روما في مؤتمر فلورنسا، ومنذ ذلك الحين اتبع عدد من المصريين المسيحيين كنيسة روما، وكان الفرنسيسكان هم المبشرين الوحيدين(الكاثوليك) في مصر من الربع الأول من القرن الثالث عشر إلى حوالي النصف الأول من القرن التاسع وهي فترة تربوا على 600 عام»

وبنعمة الله نستكمل القسم الثاني «المساعي الوحدوية بين اليسوعيين والأقباط في القرن السادس عشر» معتمدين على مخطوطة «خطاب من بطريرك الأقباط غبريال الخادم»، مخطوط 1860 عربي، رقم الميكروفيلم 61815، بدرا الكتب المصرية، باب الخلق، القاهرة.

 

بنعمة الله

أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس عبد المسيح

خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما – سوهاج

stfanos2@yahoo.com

 

[1]راجع، يلماز أوزتونا، تاريخ الدول العثمانية، ترجمة، المجلد الأول، تركيا، استانبول، 1988، ص66.

[2] راجع، يلماز أوزتونا، المرجع السابق، ص132.

[3] راجع، يلماز أوزتونا، المرجع السابق، ص141.

[4] راجع، يلماز أوزتونا، المرجع السابق، ص180-183.

[5]راجع، يلماز أوزتونا، المرجع السابق، ص297و298.

[6]راجع، جاك تاجر(دكتور)، أقباط ومسلمون منذ الفتح العربي، القاهرة، 1951، ص197.

[7]راجع, إسكندر(الأنبا), تاريخ الكنيسة القبطية, الجزء الثاني, القاهرة , 1962, ص57

[8]راجع, سهام إبراهيم الخوري, اتحاد الكنيسة القبطية الكاثوليكية, بحث لنيل دبلوم الفلسفة واللاهوت, كلية العلوم الدينية, حي السكاكيني, القاهرة, 1996-1997, ص14.

[9]راجع, فرتوناتو الفرنسيسكاني (الأب), السيف القاطع والبرهان الساطع ردًا على مفتريات كشف النقاب عن فضل الخطاب, القاهرة, 1900, ص71.

[10]راجع، ثيؤدور هول باتريك، تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ترجمة، القاهرة، 2005، ص98.

[11]راجع، عزيز سوريال عطية، تاريخ المسيحية الشرقية، ترجمة: إسحاق عبيد، المجلس الأعلى للثقافة = 892، القاهرة، 2005، ، ص120.

[12]راجع، ملاك حنا (الأب), «لمحات تاريخية تسلسل أساقفة وبطاركة الكرسي الأسكندري», مجلة صديق الكاهن, القاهرة, مارس, 1950, ص 93.

[13]راجع، أثناسيوس المقاري(القس)، فهرس كتابات آباء كنيسة الإسكندرية الكتابات العربية، الجزء الثاني، الدرة الطقسية للكنيسة القبطية بين الكنائس الشرقية، مصادر طقوس الكنيسة9/1، القاهرة، 2012، ص838.

[14]راجع، فرتوناتو الفرنسيسكاني(الأب)، السيف القاطع والبرهان الساطع ردًا على مفتريات كشف النقاب عن فصل الخطاب، القاهرة، 1900، ص50-53، وأيضًا راجع برنابا سيفين(الأب)، «ساعة مع نيافة مطران الجيزة… عسي أن تهتدي للحقيقة بكلمة وجيزة»، مجلة الصلاح(2: 23)، فبراير، القاهرة، 1952، ص71-73.

[15] راجع، «كشف المكتوم في تاريخ آخري سلاطين الروم تابع لما قبل»، مجلة الكنيسة الكاثوليكية، الجزء الحادي والعشرون، 15 تشرين الثاني 1889، السنة الثانية، بيروت، ص675-678.

[16] يثبت المؤرخ نيكيفورس المشهور أن البابا قِلسطينُس الأول(422-432) قد منح القديس كيرلس لقب بابا وجعله في المجمع الثالث نائبًا عنه فحفظ خلفاؤه من بعدِه هذا اللقب.

[17]راجع، المرجع السابق، ص681-683.

[18]راجع، وديع أبو الليف الفرنسيسكاني، «مقدمة في الأدب العربي المسيحي للأقباط2»، مجلة المسرة(831: 84)، بيروت، آيار – حريزان، 1998، 379.

[19]راجع، عبد المسيح دانيال جرجس، «في تلخيص مرسوم في الكنائس الشرقية الكاثوليكية»، بحث لنيل درجات في مادة المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، كلية العلوم الإنسانية واللاهوتية، المعادي، القاهرة، مارس، 2003، ص2.

[20]راجع، أسد رستم (الدكتور)، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمي، مجموعة الدكتور أسد رستم=21، الجزء الثاني، منشورات المكتبة البولسية، لبنان، 1988ص365، 366.

[21]راجع، المرجع السابق، ص371.

[22]راجع، دنتسنغر – هونرمان، الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها، الجزء الأول، ترجمة، الفكر المسيحي بين الأمس واليوم=27، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، لبنان، 2001، ص358-265.

 

[23]وينص هذا البند الآتي: «خادم هذا السر هو الكاهن الذي تفرض عليه وظيفته أن يعمد؛ ولكن في حال الضرورة يستطيع منح هذا السر ليس الكاهن أو الشماس الإنجيلي وحدهما، بل العلماني أو المرأة أيضًا، بل الوثني والهرطوقي، بشرط التقيد بصيغة الكنيسة وعقد النية على عمل ما تعمله الكنيسة» (دنتسنغر – هونرمان، الكنيسة الكاثوليكية في وثائقها، الجزء الأول، ترجمة، الفكر المسيحي بين الأمس واليوم=27، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، لبنان، 2001، ص353و354.

[24]راجع، «كشف المكتوم في تاريخ آخري سلاطين الروم تابع لما قبل»، مجلة الكنيسة الكاثوليكية(22: 2)، 30 تشرين الثاني1889، بيروت، ص715و716.

[25] راجع، «كشف المكتوم في تاريخ آخري سلاطين الروم تابع لما قبل»، مجلة الكنيسة الكاثوليكية(20: 2)، 30 تشرين الأول 1889، بيروت، ص650-655.

[26] راجع، «كشف المكتوم في تاريخ آخري سلاطين الروم تابع لما قبل»، مجلة الكنيسة الكاثوليكية(22: 2)، 30 تشرين الثاني1889، بيروت، ص716و717.

[27] راجع، دي لانفرس اليسوعي(الأب)، «في سبيل اتحاد الكنائس المجمع الفلونتيني(1439)=3»، مجلة صديق الكاهن(12)، مايو – يوليو،1960، القاهرة، ص19و20.

[28]راجع، إغناطيوس برزي(الأنبا)، سقوط الحجة اليعقوبية أمام الصخرة البطرسية، القاهرة، 1896، ص27.

[29]راجع، وجيه فوزي يوسف(المهندس)، «تطور تصميم الكنائس القبطية الأرثوذكسية بمصر»، بحث للحصول على درجة الماجستير في العمارة من كلية الهندسة – قسم الهندسة المعمارية- جامعة عين شمس -القاهرة، 1957، ص27.