نقلا عن موقع ابونا
دشّن البابا القديس يوحنا بولس الثاني يوماً للصلاة من أجل المكرسين والمكرسات في العالم في عام 1997، لتسليط الضوء على نعمة الحياة المكرسة للكنيسة كلها. وليس مصادفةً أن يُحتفل بهذه المناسبة بالتزامن مع أقدم الأعياد المسيحية، وهو عيد تقدمة يسوع إلى الهيكل في الثاني من شهر شباط من كل عام. خصوصاً إذا علمنا بأن قداسة البابا المذكور أكد في رسالته لليوم العالمي الأول للحياة المكرسة على الأهداف الثلاثة التالية:
الأول: شكر الرب على نعمة الحياة المكرسة، فهي تُغني حياة الجماعة المسيحية.
الثاني: تعزيز المعرفة لدى الشعب المسيحي وبالتالي تقديره للحياة المكرسة.
الثالث: دعوة جميع المكرسين والمكرسات لاكتساب وعي أكبر برسالتهم ودورهم.
من هم المكرسين:
المكرس او المكرسة، شخص قدَّم نفسه وحياته “طوعاً” لله من أجل خدمة الاخرين. وما يميز المكرسين، أنهم من المدعوين الذين أصغوا الى نداء الله ولبّوا دعوته بكامل حريتهم وارادتهم (على مثال مريم العذراء) فسمحوا لعمل الله ان ينمو ويتجسد في حياتهم اليومية ناشرين بذلك رسالة المسيح (كما فعل التلاميذ والرسل) ومقدمين الشهادة الحقيقية عن المسيح، بعيش الانجيل. وليس بالضرورة ان ينتمي المكرسين الى مجموعة كهنوتية او رهبانية معينة، فقد نجد الكثير من غير الاكليريكيين يمتلكون روح الاستعداد للخدمة بسخاء وفرح ويقدمون خدمات كثيرة.
بعض التحديات والمخاطر التي تواجه المكرسين اليوم
تناقص الدعوات:
من التحديات الكبرى التي تواجه المكرسين هو تناقص عدد الدعوات الكهنوتية والرهبانية وخاصة في بلدان الشرق الاوسط لأسباب عديدة وفي مقدمتها تناقص عدد المسيحيين والهجرة وعدم الاستقرار في المنطقة، إضافة الى غياب “المثال الذي يُحتذى به” في الكاهن والراهب أو الراهبة المعاصرين. لذا يتوجب علينا اللجوء الى طرق جديدة للتنشئة، وربما البدء بتنشئة “المُنشئ” واعداده ليكون قادراً على توجيه جيلٍ واعٍ من المكرسين الذين يتمكنون من عيش الانجيل وحمل رسالة التبشير بمثالِهم، وتفاصيل حياتهم اليومية، وضمن إطار عصري ومتمدن.
الهجرة وتداعياتها:
بدأت هجرة المسيحيين نحو الغرب بشكل واضح وبالتحديد في السنوات الاخيرة بسبب ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات، ورغبة الوالدين في التوجه الى بلدان اكثر استقرارا، بحثاً عن مستقبل أفضل لأطفالهم. إضافة الى تسلل “الضعف” الى المؤسسات الكنسية والرهبانية بسبب نقص الكوادر المؤهلة والكفوءة.
الروتين اليومي:
التعود على نمط معين في الحياة المكرسة يؤدي الى الملل ويُفقد الامور قيمتها الجوهرية، لذا علينا ابتكار اساليب جديدة من شأنها ان تنعش حياتنا وتجعلنا اكثر تفاعلاً مع دعوتنا وتماشياً مع متطلبات العصر، بدلاً من التقوقع والتمسك الأعمى بعادات وتقاليد وقوانين “عفا عليها الزمن” ولم تعد صالحة في القرن الواحد والعشرين، مع الحرص الشديد على الاحتفاظ بروح الرسالة وجوهرها. بشرط أن لا ننسى بأن هذه القوانين “ليست سماوية” ووضعتْ يوماً ما من قبل أشخاص معينين لخدمة الرسالة في ذلك الزمن، والتي قد لا تكون صالحة الى الأبد.
المرشد الروحي:
دور المرشد الروحي مهم جدا في التنشئة الروحية وخاصة في حقل الإرشاد والاعتراف وفحص الضمير. لذلك يجب ان يكون هناك مرشد روحي لكل رهبانية، بل لكل مكرس، والأهم من ذلك هو انتقاء المرشد المناسب، نظراً للدور الكبير الذي يلعبه في تهيئة المكرّس لمواجهة تحديات عالم اليوم. كما يجب ان لا يغيب عن بالنا دور المرشد في “التمييز” بين ما يخدم الكنيسة والمؤمنين وبين ما يسعى اليه الأشخاص (من أنانية فردية قد تدمر المجموعة). كذلك يتوجب على المرشد، مد جسور التواصل والتفاهم بين القائمين على إدارة المؤسسات الاكليريكية وبين المكرسين، لما له من أهمية في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ومنع التكتلات وكل ما من شأنه ان يركّز على المكاسب الشخصية، بعيداً عن روح الانجيل.
التنشئة الدائمة:
التنشئة الدائمة والتعليم المستمر، هما من العناصر المهمة جداً للمكرس في عصرنا هذا، فهو بحاجة الى تثقيف دائم من خلال دروس لاهوتية وعلوم انسانية ودورات وندوات تساعده على مواكبة العصر وعلى اداء خدمته بشكل أفضل وهذا ما نسمّيه بالتنشئة الدائمة، ذاتيّةً كانت أم جماعية، فهي التي تُساعد على الانفتاح “بذهنية مرنة” على الأشكال الجديدة للرسالات التي تلبي حاجات المجتمع وتُشبع جوعه المستمر الى الروحانيات.
وسائل التواصل الاجتماعي:
إنّ اكتشاف عالم الإنترنت قد حوّلنا إلى قرية صغيرة، فبإمكان الجميع أن يتواصلوا مع بعضهم البعض ويتعرّفوا على تفاصيل حياة الآخرين وطريقة تفكيرهم..الخ. فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين، كما يقال، حين يتوفر التوجيه الصحيح والتثقيف اللازم عن كيفية استخدامها ايجابياً، وإلا فقد تترتب عليها تداعيات خطيرة لمن يقع فريسة لسوء استخدامها ومن يُضيِّع الوقت في السلبيات بدلاً من استخدامه لمجالات أخرى مفيدة.
العلمنة وفقدان القيم:
اليوم نعيش في مجتمع سيطرت فيه الماديّة على حساب الرُّوحانيّة، والعقلانيّة على حساب الإيمان، بدأ بعض الشباب يفضل حضارة الموت على الحياة، من خلال موت الرَّغبة بالحياة الأمر الذي يؤدّي بهم للانتحار وتفشّي روح المتعة على حساب معنى المحبة الحقيقية! علينا العودة الى الجذور ونشر المبادئ المسيحية التي تربَّينا عليها: المحبة غير المشروطة والخدمة المجانية والتواضع المبني على ما ورد في يوحنا (3: 30) “لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر. ولا بُدَّ لي مِن أن أَصغُر”.
ختاماً علينا ان نعرف بان الحياة المكرسة لا تخلو من الصعوبات والعقبات، ولكن عندما تُعاش الدعوة بأمانة ومحبة وصدق مع الصلاة والعلاقة الحقيقية مع الله، تزول كل هذه العقبات!
اليوم، كل المكرسين والمكرسات مدعوين أكثر من أي وقت مضى، الى نشر الامل والرجاء عند المؤمنين وخصوصا في الظروف الصعبة التي يمرون بها.