ماجد كامل فهمي
الشروق الجديد
الموسيقى القبطية تراث مصري أصيل، فهي الوريث الشرعي للموسيقى المصرية القديمة، وتدلنا الآثار المصرية على أن الشعب المصري القديم عرف الموسيقى، كما نقلت لنا اللوحات الجدارية المنقوشة على المعابد الفرعونية أمثلة للآلات الموسيقية المستخدمة عند الفراعنة، كذلك ذكر هيرودوت عندما زار مصر نحو عام 460 ق.م أن المصريين كانوا ينشدون ألحانا حزينة، وتذكر بعض المراجع العلمية أن فيثاغورس (القرن السادس قبل الميلاد) أستقى معلوماته الموسيقية من مصر الفرعونية، وإن السلالم الموسيقية المنسوبة إليه قد أخذها من مصر التي عاش فيها اثنتين وعشرين سنة.
أما الفيلسوف اليهودي السكندري “فيلون” (20ق.م-55ق.م) فقال عن المسيحيين المصريين الأوائل “إن جماعة المسيحيين الأوائل قد أخذوا من ألحان مصر القديمة وجعلوها لعبادتهم الجديدة، وسواء أخذوا منها كما هي أو أخذوها منها وجعلوا فيها عمقا روحيا أو لم يأخذوا، فعند بدء المسيحية كان اللحن القبطي مصريا لحما ودما”، ويذكر عالم المصريات الفرنسي الشهير إيتين دريتون آخر مدير أجنبي لمصلحة الآثار المصرية قبل أن يتولاها المصريون، “يوجد مفتاح سر الموسيقى الفرعونية في طابع حسن في الموسيقى القبطية الكنسية المستخدمة في أيامنا هذه”.
ويذكر كثير من العلماء مثل الأسقف الراحل نيافة الأنبا غريغوريوس (1919-2001) وكذلك عالم الموسيقى القبطية الراحل الدكتور راغب مفتاح (1898-2001) أن لحن “بيكثرونوس” ومعناه “عرشك يا الله” والذي ترتله الكنيسة في يوم الجمعة العظيمة هو بعينه نفس اللحن، الذي كان يزف به الفرعون عند موته، حيث كان ينزل من القبر إلى مركب الشمس ليدور مع الشمس في الخلود، والحياة الأبدية.
كذلك لحن “غولغوثا” ومعناها “الجلجثة” “وهو الجبل الذي صلب عليه السيد المسيح”، هو بعينه نفس اللحن الذي كان يستخدم عند تحنيط جسد الملك الفرعون بعد موته، والموسيقى القبطية موسيقى صوتية خالصة.
حيث لا تسمح الكنيسة باستخدام أي آلات موسيقية فيها باستثناء الدف والمثلث، وذلك إيمانا منها بأن الحنجرة الصوتية هي أعظم آلة موسيقية خلقها الله، أما عن الطرق المستخدمة حاليا في الألحان القبطية فهي:
1- الطريقة الفرايحي: وتستخدم في الأعياد الكبرى الخاصة بالسيد المسيح، كذلك في الخماسين المقدسة.
2- الطريقة الحزايني: وتستعمل في الأسبوع الذي يسبق عيد القيامة، ويعرف حسب الإصطلاح الكنسي “أسبوع الآلام” أو “البصخة المقدسة”.
3- اللحن الصيامي: ويستخدم في ألحان الصوم الكبير ومدته 55 يوما، وهو الصوم الذي يسبق عيد القيامة، ويعتبر من أقدس الأصوام وأهمها عند الأقباط.
4- اللحن الشعانيني: ويستخدم في يوم أحد الشعانين أو “أحد السعف” وكلمة شعانين مشتقة من كلمة “هوشعنا” بالعبرانية ومعناها “خلصنا”، وهو الهتاف الذي صرخ به الشعب عند دخول السيد المسيح إلى أورشليم، ويستخدم أيضا في عيدي الصليب 10 برمهات، 17-19 توت.
5- اللحن السنوي: وهو اللحن المستخدم في بقية أيام السنة خارج هذه المناسبات الأربع.
أما عن الأساليب، التي تستخدمها الكنيسة القبطية في التسابيح والصلوات فهي:
1- التسبيح في خورسين: هو ما يعرف بالغناء التبادلي أو التقابلي، أو الأنتيفونا، حيث تنقسم الكنيسة إلى خورسين، خورس قبلي وخورس بحري، ثم يقوم الخورسان بتلاوة كل قطعة من التسبحة بالتبادل.
2- التسبيح بطريقة المرد: حيث يقوم المرتل بأداء اللحن الصولو، بينما يرد عليه بقية أفراد الخورس “أو الشعب” بالمرد الثابت مثل “أمين” أو “الليليويا”.. إلخ
3- التسبيح الجماعي: حيث يقوم الشعب كله بالتسبيح والترنيم، بينما يكون دور المرتل الرئيسي هو ضبط النغمات بالناقوس “أو الدف”.
4- التسبيح المنفرد: وفيه يقوم المرتل بأداء الألحان كاملة منفردا.
ومن أشهر الألحان القبطية المستخدمة حاليا نذكر:
1- اللحن السنجاري: نسبة إلى بلدة سنجار، التي تقع شمال محافظة الغربية، ويستخدم في الأعياد الخاصة بالسيد المسيح عيد الميلاد، عيد الغطاس، عيد القيامة.. إلخ.
2- اللحن الأتريبي: نسبة إلى بلدة أتريب، وتقع بالقرب من الديرين الأبيض والأحمر بمنطقة أخميم بسوهاج، ويستخدم في توزيع المزامير أثناء أسبوع الآلام والجمعة الكبيرة.
3- اللحن الشامي: نسبة إلى جبل شامة بالقرب من نجادة بمحافظة قنا، وهو اللحن الذي يرتل به مزمور “بيك أثرونوس” أو “عرشك يا الله”.
أما عن القداسات المستعملة في الكنيسة القبطية حاليا فهي:
1- القداس الباسيلي: نسبة إلى القديس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة الكبادوك “القرن الرابع الميلادي”، وهو يتميز بسهولة ألحانه واختصار صلواته، وتصلى به الكنيسة في الأيام السنوية المعتادة.
2- القداس الغريغوري: نسبة إلى القديس غريغوريوس المعروف بالناطق بالإلهيات في القرن الرابع الميلادي، وتصلى به الكنيسة غالبا في الأعياد السيدية، وتتميز الحانه بالطول والعمق.
3- القداس الكيرلسي: واضع هذا القداس هو القديس مار مرقس الرسول، ثم جاء القديس كيرلس الكبير البطريرك الرابع والعشرين من بابوات الكنيسة القبطية، حيث قام بتنقيحه وإضافة بعض الألحان والصلوات إليه، وللاسف كثير من ألحان هذا القداس قد فقدت لقلة استعماله، وتصلى به الكنيسة غالبا أثناء الصوم الكبير.
ولا يمكن أن نكتب عن الموسيقى القبطية دون أن نشير إلى جهود العالم الكبير الدكتور راغب مفتاح (1898-2001) فهو الرجل الذي صرف كل ما يملك من مال ووقت وجهد من أجل الحفاظ على الموسيقى القبطية، ففي عام 1927 سافر إلى إنجلترا ،وهناك تعرف على عالم الموسيقى العالمي الكبير البروفسير إرنست نيولاند سميث، وأتفق معه على الحضور إلى مصر لمدة سبعة شهور سنويا خلال الفترة من 1 اكتوبر حتى 30 أبريل خلال المدة من عام 1928 إلى عام 1936.
وطلب منه الإستعانة بأحد المرتلين الموهوبين، فلم يجد أقدر ولا أجدر من المرتل ميخائيل جرجس البتانوني (1873-1957) الذي وصفه الموسيقار نيولاند سميث بالمايسترو العظيم، فكان إذا ردد مقطعا عدة مرات فلا تلمس الأذن الموسيقية أي تغيير على الإطلاق، وقام بتدوين الألحان القبطية في ستة عشر مجلدا، وعندما دعت الحكومة المصرية إلى مؤتمر عالمي للموسيقى الشرقية شارك فيه نحو 29 عالما من كبار الموسيقين في العالم، وجهت الدعوة للدكتور راغب مفتاح كممثل للكنيسة القبطية.
حيث قدم بعض الأسطوانات كان قد سجلها المرتل ميخائيل بصوته، وفي عام 1992 قام بإهداء كل إنتاجه إلى مكتبة الكونجرس الأمريكية، وفي عام 1995 قامت مكتبة الكونجرس برئاسة مديرها السيد جيمس بيلنجتون بإقامة حفل تكريم له بمناسبة تخصيص ركن بالمكتبة للموسيقى القبطية.