بمناسبة الذكرى السنوية الأولى
لنزوح أبناء سهل نينوى من قراهم
صباحُكِ خيرٌ يا سيدتي، يا سيدةَ السماء، يا قديسة، يا عذراء
صباحُكِ خيرٌ من المهجَّرين النازحين، يا أمَّ التعساء
إليكِ أشكو حالي، هذا الصباح، يا مزيلةَ الشقاء
فالأرضُ قد دُنِّسَتْ، والترابُ يناجيكِ صباحاً ومساء
وأهلي قد رحلوا، ولم يبقَ منهم إلا أنا والفقراء البؤساء
قتلوا شعبَنا، وأهانوا رموزَنا والأبرياء
بإطلاقةٍ صامتة، وبعبوةٍ لاصقة… إنهم جبناء
زرعوا في النفوسِ خوفاً، وأقاموا فزعاً في حي الأقوياء
والبشر أمرُهُم عجيب، يحتفلون بالظلم نصراً، وهم في ذلك سعداء
ويقتلون الحقيقةَ والحرفَ والكلمة، وعيونُهم عمياء
ويقدّسون الفاسدَ والظالمَ باسم رايةِ السماء
يقولون إنه نزيه… أليس ذلك بئسَ الثناء
من أجل مصالِحِهم ومراكزِهم… فما هم إلا تُعساء
حقدٌ وبغضٌ وكراهية، وجورٌ في غيرةٍ حمقاء
فالحقيقةُ شُيِّعت بعدما أدانها زوراً كبارُ الرؤساء
نشروا عني وكتبوا ما شاءوا… صوراً ورسائلَ ونداء
واليوم مصالح ودولار وقصور… وما تلك إلا حالة وجفاء
ومع هذا سيبقى قلمي يحكي الحقيقة، ولكنهم عن ذلك غرباء
وأسأل قلمي: هل أنتَ رمزٌ، أم قتلوكَ لأنكَ عطاء
أمشي وحدي وسريعاً كالبرق، كي لا أنظر إلى الوراء
وأُنشدُ هذه أرضُنا، وهنا أصلُنا، وسنبقى فيها أوفياء
لا زلتِ يا مريم هذا الصباح، كما في عرسِ قانا، مع العروس السمراء
هناكَ كانت كلمة وحقيقة، وأعجوبة من الناصرة الخضراء
تاجَرْنا بكلِّ شيء، حتى القضية ضاعت بين الفرقاء
قتَلْنا الإنسانية، ومزَّقنا الهوية، وكأنه لا حياةَ ولا بقاء
وهنا كما هناك، فالموصل مدينتُنا، وفيها تُشرقُ شمسُ الحدباء
إحفظيها يا مريم، يا سيدةَ العالمين، يا أُمَّ الكونِ والرجاء
ففي أُمّ الأعجوبة، كنتِ للزائرين حمايةً وحصناً وشِفاءْ
فاليوم نناجيكِ، لتكوني لنا سَدّاً منيعاً، وللشرفاء
فبغدادُ بغدادُنا، والعراقُ وطنُنا، والتكبيرُ يُرفَعُ في كربلاء
فمهما طالت مدةُ العَثَرات، وانفجارُ العبوات على الأبرياء
لن نرحلَ عن بلدِنا، فقد كُتِبَ باسمِ الأحفادِ والأبناء
فبلدُنا أيقونةٌ، وصورتُكِ يا مريم عليها نُقِشَتْ… بإرادةِ العلياء
سنبقى نزرعُ الفرحَ، مهما كَبُرَت أرضُ اليَبسِ ومياهُ الجَفاء
سنبقى نَنشُدُ البسمةَ، ونزيّنها على الثغور، فلا بكاء
فاجعلي وطني لا يموت، ولن يموت، ما دمتِ أنتِ مريمَ العذراء
فلا تحوّلي ساحاتِنا إلى دمار، وأحياءَنا إلى ضياع، فكلُّنا معكِ أحبّاء
رطّبي قلوبَ الحاضرين يا مريم، وامنحي الشجاعةَ والدواء
للمرضى والحزانى، والمسافرين والباكين، فأنتِ لهم ضياء
يا رسولةَ الصلاة، تحت ظلِّ جِلبابِكِ استُرينا، دونكِ نحن بؤساء
يا أمَّ العالَمين، ازرعي الأملَ في القلوب، فأنتِ سيدةُ النساء
ومهما ارتفعتْ أسِنَّةُ الحِراب، وامتُشِقَت السيوف، سنبقى معكِ شهوداً وشهداء
ومهما أُضيعت الحقيقةُ، وهوجِمت البرارةُ، ستبقى الأسماء
فالقلوبُ تعشقُ الحقيقةَ، والعيونُ لا تحتاج إلا إلى حبٍّ وضياء
فحينما أركعُ أمامَ تمثالِكِ، أرى في عينيكِ ذلك البهاء
فأتأمّلُ العراقَ بشعبِهِ وأرضِهِ، بأطفالِهِ وشيوخِهِ الأبرياء
وأرسمُ أمامَ وجهي خارطةً، ملؤها سلاماً يا عراق
أنتِ السلامُ… أنتِ أُمُّ الحنا… فاذكرينا يا مينا الضعفاء
وقولي له: ألا يكفي العذابُ لأبناءِ بلدٍ، ارتوتْ جداولُهُ من دماء
فرياح الخريفِ، وحرُّ الصيف اللاهب، ما هي إلا فناء
نحن نضحك على أنفسِنا، والعيون تبكي على سوءِ الحالِ والبلاء
وسأظلُّ أحرقُ البخورَ، وأُوقِدُ الشموعَ، وأصلّي بكلِّ حناء
ومهما خنقَتْني أشواكُ التُهَم، وإهلاكُ الآخر من السُفَهاء
أرفضُ الاستسلامَ لليأسِ والكذبِ والاتّهام، وما ذلك إلا إدّعاء
ومهما بُنيت الجدرانُ والحدودُ العازلة، أمام السكان والأحياء
سأبقى جسراً للمحبةِ والتسامحِ والغفران، فأنتِ أمّي يا عذراء
أريد من هذا النهار، أنْ تتشابكَ أيادينا، وبكلِّ صفاء
وفي ذلك أصوغُ لكِ تاجاً، وأضعه إكليلاً على رأسِكِ، يا أُمَّ الأولياء
فأنا لا أبيع المفردات ولا الكلمات، بل أنا كلمةٌ صامتةٌ وصمّاء
فَبِصَمتي أقولُ حقيقةً على السامعين والسامعات، يا أُمَّ الشرفاء
فالعراقُ سيبقى يفتخرُ بأعجوبةِ وحمايةِ، سيدة العالمين والسماء
فأنتِ الطبيبُ لجُرحي، وأنتِ الحبيبُ لحبّي، ومن أجلي دون عناء
أبحثُ عنكِ في الطرقات، وأكتبُ عنكِ الذكريات
أنحني إجلالاً وحباً وشكراً، حيث كنا في النهار معكِ، سعداء
فيا مريم، يا سيدةَ الرافدين، يا أُمَّ النهرين، يا أُمَّ العراق
أنتِ سيدةُ الشهداء، أنتِ أمُّ الضحايا، وكل الأبرياء
إحفظي شعبَنا، وباركي بلدَنا، وقدسي ترابَنا، يا قديسةَ السماء
ختاماً، مهما جارتِ الدنيا علينا والزمان، وإنْ كنا تعساء
فاليوم يوم رجاء، مهما قال عنا الإرهابُ التعساء
سأبقى أُحبُّ العذراء، وأقولُ لها دوماً، نهارُكِ سعيد
نعم، نهارُكِ سعيد، يا سيدتي، يا عذراء
نعم، نعم، نهارُكِ سيدتي، سعيدٌ، يا سيدةَ السماء، يا مريم، يا قديسة، يا عذراء