وداعا أبونا كريستيان
إنتقل للمجد السمائي
الأب الفاضل/ د. كريستيان فان نسبن
Christian Van Nespen
الراهب اليسوعي.
إختار إسم “اﻷب عبد المسيح” لسيامته الكهنوتية.
من أصل هولنديّ، ولد في 15 مارس 1938. تلقى تعليمه في مدرسة داخليّة تابعة للرهبانيّة اليسوعيّة، ثم إلتحق بالرهبانية ذاتها في هولندا سنة 1955، بعد أن أتمّ تعليمه الأساسيّ. إنتقل إلى مصر للتخصّص في الفلسفة العربيّة والإسلاميّة -بجامعة عين شمس، ثاني أكبر جامعات مصر- ثمّ حصل على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1987 حول “مفهوم سنن الله في تفسير القرآن الكريم” (تفسير المنار) للشيخ محمد عبده، والسيد محمد رشيد رضا.
عمل الأب كريستيان:
+ أستاذاً للفلسفة في إكليريكيّة المعادي “للعلوم الإنسانية واللاهوتية” بالمعادي،
+ ودرّس الإسلاميات في معهد “دار كمبوني” بالقاهرة،
+ وكان عضوا في الجمعية الفلسفيّة المصريّة،
+ وعضوا في المجلس الأعلى للثقافة المصريّة لجنة الفلسفة،
+ عضوا بلجنة الفلسفة والديانات بمكتبة الإسكندريّة.
+ كما اشترك في العديد من الجمعيّات الهادفة للحوار بين الأديان منها:
– جماعة “إخوان الصفا”،
– جمعيّة ” الإخاء الدينيّ”.
إستطاع الأب كريستيان أن ينظر إلى الواقع المصريّ العربيّ الإسلاميّ نظرة منفتحة ملؤها الجدّيّة، والتفهّم، وهدفها خير الإنسان، وهي تعتمد على الصداقة كخطوة أولى للوصول إلى معرفة الآخر في إنسانيّته، ثم الفهم، والدراسة المنهجيّة.
+ في هولاندا:
أمّا سرّ انجذاب الأب كريستيان إلى الإسلام فيعود إلى أيّام الابتداء في الرهبنة اليسوعيّة. فقد تعرّف هناك، وهو لا يزال راهباً شابّاً، على الإسلام عندما كلّمهم أحد الرهبان عن عمل الرهبانية اليسوعيّة في الوسط الإسلاميّ بمنطقة الشرق الأدنى، فتأثّر عندئذ بكلامه أيما تأثّر، وامتلأ حماساً للعمل مع المسلمين. ويعبّر الأب كريستيان عن هذه الخبرة بقوله: “كانت هذه هي المرّة الأولى التّي فيها يدخل الإسلام إلى حياتي بصورة مباشرة وصريحة. أخيراً صار المسلمون أشخاصاً أحياء من لحمٍ و دمٍ وليسوا مجّرد مفهوم”. وتأثّر الأب كريستيان بالحركة الروحيّة الّتي اقترحها “لويس ماسينيون” للتضامن مع المسلمين من خلال فكرة “البدليّة” – الاحترام العميق للإسلام والمسلمين، وبالتالي إحترام ثقافتهم وحياتهم الدينية.
+ في لبنان:
بعد سنتين من دراسة اللغة العربيّة في بكفيا “لبنان”.
+ في مصر:
أُرسلت الرهبانية اليسوعية الراهب الشابّ كريستيان إلى مصر للتخصّص في الفلسفة العربيّة والإسلاميّة بجامعة عين شمس عام 1962. وهناك التقى بصديق عمره “محمود رجب” وهو شابّ سليل أسرة متديّنة، فوالده شيخ أزهريّ. إستقبلت عائلة محمود اﻷب كريستيان كأحد أفراد العائلة، فاختبر الراهب الشابّ في هذا البيت إيمان المسلمين من خلال الشيخ رجب وابنه الّذي كان يختلف كلّ منهما عن الآخر في طريقة إيمانه، ومع ذلك كانا “معاً أمام الله”. واختبر كريستيان إنسانيّة الإسلام عند مؤمنين أتقياء آخرين، ولعبت الصداقة دوراً هامّاً في فهمه للدين الإسلاميّ، إذ إنّه يعتبر العلاقات الإنسانيّة باب الولوج إلى فهم دين الآخر من خلال مشاعره.
+ في الكنيسة القبطية اﻷرثوذكسية:
تعرّف الأب كريستيان أيضاً إلى إيمان الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة وما تحمله هذه الكنيسة من خصوصيّة مصريّة خالصة. كان يحضر اجتماعات للصلاة ينظّمها الطلاب في الجامعة فتعرّف على عقليتّهم وحساسيتهم الخاصّة وطريقتهم في الصلاة والتعبير عن إيمانهم، فكوّن فكرة عميقة عن إيمان المصريّين، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيّين.
لقد جمع كريستيان في نظرته إلى الإسلام والمسلمين الدراسة مع النقد والصداقة، فجاءت نظرته واقعّية حيّة تنبض بالحياة وبعيدة عن جمود الأحكام المسبقة. واكتشف الأب كريستيان أنّه بوسع حياة المؤمنين الروحيّة أن تقرّبهم أكثر من العقائد إذ تضعهم معاّ أمام الله. وهذا ما سمح له بالاشتراك في مختلف الجمعيات التي تهدف إلى الحوار ومن أهمّها جمعية “إخوان الصفا” الّتي طبعت لائحتها في مطابع الإخوان المسلمين بموافقة خطّيّة من المرشد العام الشيخ “حسن البنّا”.
لم يعتبر كريستيان نفسه أبدا مستشرقاً، فالمستشرق في رأيه هو”من ينظر إلى الشرق من الخارج”، أمّا هو فقد اعتبر نفسه مصريّاً بالتبنّي (طوال فترة خدمته في مصر سعى وتمنى الحصول على الجنسية المصرية)، فهو ينظر إلى الشرق كشرقيّ. فقد تمكن الأب كريستيان من زيارة بلاد عربيّة وأخرى غير عربيّة ذات أغلبية مسلمة مثل الجزائر وإندونيسيا ممّا أتاح له اكتشاف مسلمين متفرّدين في خبرتهم عن التجربة المصريّة.
لقد شرع الأب كريستيان ببناء جسرٍ في سبيل تعرّف الإنسان على الآخر عبر تخطّي الخوف من المجهول الّذي يجعل الإنسان يتّخذ مواقف عدائيّة تجاه الآخر بدون سبب حقيقيّ. وقدّم الصداقة باباً أساسيّاً للولوج إلى الآخر بدون هواجس ولا خوف من الضياع في الآخر. إذ إنّ الكلّ “مسلمين و مسيحيّين إخوة أمام الله”. إذا تساوى الكلّ صارت النظرة إلى الآخر نظرة إنسانيّة تُساعد على الحوار.
غادر الأب كريستيان الشرق الأوسط مطلع عام 2010 عائدًا إلى وطنه الأم هولّندا، لكنّ روحه بقيت حاضرة بيننا خاصة الدارسين الشباب الّذين قضوا معه فترة التنشئة الأولى “الابتداء” في دير شبرا الشهير، وكذلك الكثير من اليسوعيّين ممن عملوا معه في حقل الحوار الإسلاميّ المسيحيّ، لنكمل هذه الرسالة الّتي أوكلنا بها في الشرق بطرق عدّة.
وداعا أبونا كريستيان، شكرا لكل ما قدمته لنا من روحانية وعمق وعلم وإنفتاح على اﻵخر.
صلي من أجلنا
تقيم الرهبانيّة اليسوعيّة قدّاس على راحة نفس الأب الحبيب
كريستيان فان نسبن اليسوعي
ويترأسه غبطة أبينا البطريرك الأنبا أبراهيم أسحق
وذلك يوم الأحد 22 مايو
في السابعة مساءً
بكنيسة مدرسة العائلة المقدّسة بالفجّالة – 151 ش رمسيس – مترو الشهداء
ويتقبل الآباء اليسوعيّون التعازي بعد القدّاس