الفاتيكان – أ ف ب
يفاجئ البابا فرنسيس العالم منذ اسبوع بحملته القوية من اجل الحوار وضد اطالة النزاع في سوريا، مذكرا برفض البابا الراحل يوحنا بولس الثاني للحرب في العراق العام 2003 بحسب محللين.
وقد تكون الكنيسة الكاثوليكية امام فرصة لعودة دبلوماسيتها النشطة كما كانت الحال في حقبة البابا البولندي الراحل الذي تحرك بقوة في نزاعات دولية كبرى، من المعسكر السوفياتي السابق الى العراق مرورا بالبلقان.
وقال الخبير في الشؤون الفاتيكانية ماركو بوليتي لوكالة فرانس برس “اننا نشهد عودة السياسة الخارجية التي اختفت في ظل البابا السابق بنديكتوس السادس عشر، ويشكل هذا الامر انتصارا لكارول فويتيلا”، وهو الاسم الاصلي للبابا البولندي يوحنا بولس الثاني الذي توفي في 2005.
وياتي ذلك في الذكرى العاشرة لاعلان يوحنا بولس الثاني ال”لا” التاريخية للحرب في العراق. ومنذ الاول من ايلول/سبتمبر، اطلق البابا فرنسيس تصريحات يومية علنية او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، عن الازمة في سوريا.
ودان البابا الارجنتيني استخدام الاسلحة الكيميائية معتبرا ان المذنبين سيواجهون “حكم الله وحكم التاريخ”، الا انه لم يسم المذنبين معتبرا ان ذلك من صلاحيات المحققين والعدالة الدولية.
ودون تسمية بلد بعينه، وجه البابا رسالة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال استضافته لقمة مجموعة العشرين، طالبه فيها ب”التخلي عن السعي غير المجدي لحل عسكري”، وذلك في وقت كانت واشنطن وباريس تضاعفان الجهود لاقناع شركائهما بضربة عسكرية ضد النظام السوري.
ويعمل الفاتيكان في عهد البابا فرنسيس في اطارين: الدبلوماسية، وتحريك الراي العام العالمي. والمجال الدبلوماسي هو المجال التقليدي الذي لم يتخل عنه البابا السابق بنديكتوس السادس عشر، ولكن دون استخدام التصعيد.
ودعم البابا السابق مبادرات متقدمة باتجاه الملف السوري، بما في ذلك ارسال وفد من الكرادلة في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، الا ان المبادرة فشلت بعد عدم موافقة دمشق. وجه ايضا البابا الالماني السابق عدة نداءات من اجل السلام في سوريا، كما عمل السفير البابوي ماريو زيناري بقوة من اجل حماية المصالح المسيحية من التطرف.
وقدم وزير خارجية الفاتيكان الكاردينال دومينيك مابيرتي الجمعة خطة من ست نقاط الى سفراء 71 دولة، مظهرا ان الكرسي الرسولي يعمل منذ فترة طويلة في ملف مستقبل سوريا. وقال مصدر مقرب من الفاتيكان انه “في ظل الفراغ الحالي في القيادة العالمية، اننا نشهد مناورة من رجل لا يخشى شيئا من اجل اعادة الكرسي الرسولي الى اللعبة”.
اما المجال الثاني، اي تحريك الراي العام، فهو المفضل للبابا فرنسيس بسبب قلة خبرته في المجال الدبلوماسي الذي لا يشكل اولوية بالنسبة له شخصيا. وفاجأ البابا العالم في الاول من ايلول/سبتمبر بدعوته الى يوم صلاة في السابع من الشهر الجاري من اجل السلام، ما شكل يوما تاريخيا بالنسبة للبابا الذي يعلم من دون شك مدى شعبيته.
وفي نهاية يوم الصلاة السبت، استعاد البابا نصوصا تاسيسية في الديانات السماوية الثلاث، لا سيما نص قايين وهابيل، ليتوسع في تأمله في فكرة الخلق المحبوب من الله والذي افسده الانسان، وهو ما يشكل لغة يفهما جميع الناس.
وكان للبابا الجرأة الكافية ليدعو اكثر من مليار كاثوليكي اضافة الى باقي المسيحيين والمسلمين وحتى الملحدين، ليوم صلاة ضد التدخل العسكري الخارجي في سوريا. ونظمت مئات تجمات الصلاة في القارات الخمس تلبية لدعوته، كما شارك اكثر من مئة الف شخص بينهم مسلمون في ساحة القديس بطرس السبت، في صلاة حول البابا.
وكما في 2003، نجحت الكنيسة في تحريك الشارع حول موضوع السلام. ويمكن تفسير قوة هذا التحرك بعدة عوامل: اجماع بطاركة الشرق على الطلب من البابا التدخل، وتعاطف المسلمين المعتدلين في لبنان وسوريا والاردن، فضلا عن طبيعة الدعوة للسلام التي تتخطى الحدود بين الاديان.
ويسود في الفاتيكان شعور بالارتياح ازاء نجاح مبادرة البابا في وقت تتوالى التصريحات في العالم من واشنطن الى موسكو مرورا بباريس، دون الاخذ في الاعتبار العامل الديني الاساسي في التوازنات الاقليمية في الشرق الاوسط.