عدي توما
لا يمكننا إعطاء جميع الشروحات والتفاسير حول موضوع جبّار كــ ” قيامة المسيح ” ، فهذا يحتاجُ إلى دراسات ومؤلّفات وكُتب كثيرة . لكن ، لا بدّ من كلمة حول موضوع القيامة ، وخصوصًا ما نريدُ شرحه الآن ألا وهو ” جسد القيامة الممجّد ” ، كيف هو ؟
كما هو معلومٌ لدى الكثيرين ، هو أننا لا يمكننا (في موقع كبير ومسؤول كزينيت) ، أن نضع مقالات ٍ إجتهاديّة لا تمتّ بصلة للتعاليم الرسميّة الكنسيّة ولا لتعاليم الباباوات والآباء . لهذا ، في نهاية كلّ مقالة ، وضعتُ مراجع الموضوع .
هذا السؤال : كيفيّة قيامة ، وخاصّة كيف يقومُ الأموات وبأيّ جسد ٍ يقومون (أو بأي هيئة ) ، شغلَ العديد من اللاهوتييّن في تاريخ اللاهوت المسيحيّ . ويشغلُ فكرنا اليوم دائمًـــــا .
كانت في أيام الكورنثيّين ، فلسفات كثيرة أثّرت فيهم ، فصحّح بولس مفاهيمهم الخاطئة . كانت هناك النظريّة الفيثاغوريّة القائلة بإتحاد النفس بجسد جديد ، إذ أنّ الجسد القديم ينحلّ . وكانت هناك النظرة الهلينية المسيحيّة التي كانت تعتقد ، بناءً على خلود النفس ، ان الإنسان يسترجعُ الجثّة التي تركها عند موته .
وأما بولس فقد أكّد أنه سيحدث ” تحول للجسد ” : ” نتبدّل ” (1كو 15 : 52) . فلن يفنى الجسد كما كان يعتقده اليونانيّون ، أو كما يظهر في إنحلاله الماديّ الطبيعيّ عند الموت . فالجسد في شكله الظاهر ينحلّ دون ريب ، إلاّ أنه ، عند قيامة الأموات ، يتحوّل، وتحوّل جسد المسيح القائم الممجّد عربون لذلك .
يشرح بولس ذلك التحوّل من خلال ثلاثة نقائض :
1- الحالة عند الموت مختلفة عنها عند القيامة : ” ما تزرعه أنت لا يحيا إلاّ إذا ماتْ . وما تزرعه هو غير الجسم الذي سوف يكون .. إنّ الله يجعل .. جسمًا كما يشاء ” (37 – 38) . فحالةُ الجسم تتغيّر … ويشرح ذلك قائلا :
– الطبيعة تتغيّر ، ” يكونُ زرع الجسم بفساد ،والقيامة بغير فساد . يكون زرع الجسم بضعف ، والقيامة بقوّة ” . ” لا بدّ لهذا الكائن الفاسد أن يلبس ما ليس بفاسد ، ولهذا الكائن الفاني أن يلبس الخلود . فالطبيعة تتحوّل من جسم ٍ فاسد إلى جسم غير فاسد ، من جسم فان ٍ إلى جسم خالد . ويتابع …
– الأصل نفسه يتغيّر ، ” يُزرع جسم بشريّ ، فيقوم جسمًا روحانيّا ، الإنسان الأوّل من التراب فهو أرضيّ ، والإنسان الثاني الآخر من السماء ، كما لبسنا صورة الأرضيّ ، فكذلك نلبسُ صورة السماويّ .
فأصل الجسد البشريّ يتبدّل من بشريّ أو جسديّ إلى روحيّ ، من أرضيّ أو ترابيّ إلى سماويّ . ولغير الكورنثيّين يقول بولس الكلام نفسه .
إنّ الموت ليس بإنحلال ، بل هو تحوّل وتبدّل في الحالة الطبيعيّة والأصل ، كالزرع الذي يموت ليعطي حياة جديدة . هذا وقد مات يسوع المسيح عن العالم القديم ليحيا حياة جديدة ، حياة القيامة ، ويُحيي بها .
ونقولُ ، مع تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة ، إنّ قيامة المسيح مختلفة (لا تشبه) قيامة لعازر ؛ ففي قيامة لعازر ، تمّ إحياء جثة هامدة رجعت إلى حياتها الطبيعيّة . وأمّا حالة يسوع المسيح فمختلفة جذريّا ، بحسب قول بولس نفسه : ” بعدما أقيم من بين الأموات ، لن يموت ثانية ولن يكون للموت عليه من سلطان ” (رو 6 : 9). فجسد يسوع ، لم يعد خاضعا للزمكانيّة ، وللعناصر الطبيعية ، ولحدود التاريخ البشريّ ، بل عبر خارج كلّ الحدود والقوانين والقيود والشروط .” يتراءى والأبواب مغلقة ” .
القيامة ، التي عملُ من الله ذاته ، بدّلت جسد يسوع من جسد خاصّ إلى جسد كليّ شامل ” دامج ” .. وكما يقول بولس ” الجسد الروحانيّ ” . جسدُ شفاف . لكن ، ليس جسدًأ روحانيّا بحتـــًا ينتمي لعالم الأرواح والخيال ! بل هو جسدٌ ممجّد شامل . جسد يسوده روح الله . فجسدانيّة القيامة هو أنّ شخص الربّ كلّه هو عند اللهل نهائيّا . فلا يزالُ القائم على علاقة بالعالم وبنا ، كمن هو الآن عند الله . هو حاضرٌ عندنا بطريقة إلهيّة .
فبولس يستطيع القول إنّ جسد الربّ هو ” جسد لأجلنا ” .. ووجود يسوع هذا الدائم والجديد لأجلنا ومعنا ، يجد التعبير الأوضح عنه في ” الإفخارستيّا ” ، حيث يمنحنا المسيح وينيلنا ذاته . (إن إختفاء جثمان يسوع ، ليس هو تبخّرا للمادة ، بل هو تحوّلها إلى الله ) (فرنسوا فاريون).
“يسوع ليس شخصا استرجعَ حياته البيولوجيّة العاديّة ، وكان عليه بعد ذلك ، بحسب قوانين البيولوجيا ، أن يموت يومًا من جديد ” .
“ليس يسوع شبحًا (روحا) . يعني هذا أنّه ليس شخصًا ينتمي حقيقة إلى عالم الأموات ، لكنه يستطيع الظهور ، بطريقة ما ، في عالم الحياة ” .
” المادّة نفسها تحوّلت إلى نوع جديد من الحقيقة ـ ومذ ذاك ، انتمى يسوع الإنسان نفسه ، وبكليّته ، إلى الدائرة الإلهيّة وإلى الأبديّ . وإنطلاقا من تلك اللحظة ، صار ” للروح والدم ” مكانٌ في ذات الله ، كما قال (ترتليانوس) يومًا . (بنديكتوس السادش عشر)
ماذا يحدث ليسوع كشخص بين الأموات ، إذا ما حصرنا أنفسنا بهذا العالم الذي يحكمه الموت ؟ يتساءل سبستيان مور في كتابه
جسد المسيح ” ؟! ويقول : إنه لا يعود ” واحدًا بين الأموات ” في اللحظة التي نستقبل فيها رؤيته قائمًا ، وبالتالي نصبح فكريّا خارجَ العالم المحكوم بالموت الذي يقسّمه أيضا . ولكنّ جثته العلامة المنظورة والسحيقة الدالّة على أنه بين الأموات . لذا ، فبما أنه ليس بين الأموات ولا يمكن أن يكون بينهم ، فتلك العلامة غائبة .
المراجع
يسوع المسيح ، فالتر كاسبر ، نقله للعربية المطران يوحنا منصور
مدخل لرسائل بولس ، الأب فاضل سيداروس اليسوعي
يسوع الناصريّ (ج2) ، البابا بنديكتوس السادس عشر
جسد المسيح ، سبستيان مور – مع كايت ولسن
فرح الإيمان بهجة الحياة ، فرنسوا فاريون اليسوعي