للأخت سامية صموئيل
من راهبات القلب المقدس – مصر الجديدة
مقدمة
إستطاع عاموس أن يرى أنه تحت المظهر الخارجي للقوة والإزدهار في إسرائيل يكمن فساد في الأمة حتى النخاع. إن الخطايا التي يوبخ عاموس الشعب بسببها متعددة وكثيرة: إهمال كلمة الله، وعبادة آلهة متعددة، عبادة أوثان، الطمع، فساد القادة وإقماع الفقراء. بدأ عاموس بإعلان الدينونة على كل الأمم المحيطة، ثم على يهوذا أمته، وأخيراً أعلن أقسى الدينونة على إسرائيل. أعلنت كل الرؤى التي أعطاه إياها الله نفس الرسالة المشددة: قد إقتربت الدينونة. وينتهي السفر بوعد الله لعاموس بإسترداد البقية الباقية في المستقبل.
ولمعرفة المزيد عن الأحداث كان لنا مع عاموس الحوار التالي:
س: عرفنا بنفسك ، ولماذا كتبت هذا السفر؟
أنا اسمي عاموس، ومعناه: المحمل أوالمثقل، لانني كنت أحمل رسالة ثقيلة إلى شعب ساقط هي رسالة الدينونة .نشأت في بلدة تقوع الواقعة علي بعد عشره أميال من أورشليم وخمسه أميال من بيت لحم، وعرف أهل هذه البلدة بالغيرة الشديدة لبناء سور أورشليم. كنت اعمل كراعي غنم وجاني جميز ودعاني الرب رغم انني ليس من بيت نبوي ولم أنحدر من سلاله أنبياء لكني اظهر طاعة للدعوة ولم اكن معاندا له (عا : 7 14-15).
دعاني الله بالرغم من إفتقاري للتعليم أو الخلفية الكهنوتية. كانت مهمتي موجهة إلى جيراني الشماليين، أي إسرائيل. ولكن رسالتي المحملة بالدينونة القادمة والأسر للأمة بسبب خطاياها كانت غير مقبولة أو مسموعة على نطاق واسع لأنه منذ أيام سليمان الملك لم تكن الأمور أفضل مما هي عليه في ذلك الوقت. جاءت خدمتي أثناء حكم الملك يربعام على إسرائيل والملك عزيا على يهوذا. وكتبت هذا السفر ما بين عام 760 ق.م. وعام 753 ق.م.
س: حدثنا عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والدينية التي عاصرتها؟
لقد كان لهذا الزمان سماته الخاصة والتي يمكن تحديدها في بعض النقاط:
أولا: الجانبي الاقتصادي والاجتماعي:
لقد تطورت الامة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية اذ ان اساس البلاد تغير من الزراعة التي كانت منتشرة قبل ذلك الى التجارة. فكان هنالك تبادل تجاري بين الدول ساعد الطبقة الحاكمة في السامرة على الاثراء السريع، وبذلك انقسم الشعب الى طبقتين طبقة التجار اي الاغنياء وطبقة الفلاحين اي الفقراء. فقد استغل الاغنياء للفقراء فقسوا عليهم وباعوهم عبيداً وجردوهم اراضيهم. اما الاغنياء فقد بنوا بيوت من الحجر (5: 11) وشيدوا القصور (3: 10) فقد عاشوا حياة الرخاء واللهو (4: 1) واكلوا الخراف وشربوا الخمر وكان فرشهم من الريش (6: 4)، لكن باقي الشعب المسكين كانوا ينامون في العراء دون لقمة الخبز (6: 6). وبتأثير من الامم المجاورة دخلت على اسرائيل عبادة الالهة الغريبة وصنعوا لانفسهم الصنم والمذابح، وأصبحت عبادة الرب مزيفة وفاسدة ، مجرد طقوس لا أكثر ولا أقل. لذلك فالعدالة الاجتماعية شكلت محور رسالتي.
وبالنسبة للقضاء، فقد انحاز للطبقة الغنية، فعندما يتعرض المسكين لقسوة الأغنياء لا يصبح أمامه سوى اللجوء للقضاء، وكان القضاة في تلك الأيام يجلسون في أبواب المدن يقضون للشعب، ولكن للأسف هؤلاء الجالسون في الأبواب كانوا يبغضون مَن ينذرهم بالحق ويكرهون المتكلم بالصدق، إذا أتاهم المسكين في مسألة يدوسونه أكثر ويأخذون منه رشوة ليبنوا لأنفسهم بيوتاً من حجارة منحوتة، وأما البائس العاجز عن دفع الرشوة فيضايقونه ويصدُّونه حتى وإن كان باراً يستحق الانصاف . (5: 10-12)
ثانيًا: الجانب الديني
أن أكثر ما يجعل الزمن رديئاً هو ازدياد الممارسات الدينية بصورة شكلية بالتوازي مع الانحطاط الأخلاقي المتفشي في المجتمع، كلما أمعن الأغنياء في ظلم المساكين، كلما بالغوا في الممارسات الدينية بشكل ملفت للنظر، وربما كان السبب في هذا هو التغطية على سلوكياتهم الخاطئة المملوءة ظلماً، وما أسوأ استخدام الدين كستار لتغطية انحرافات السلوك!! وما أبلغ كلمات الرب التي أرسلها على فمي «بغضتُ وكرهتُ أعيادكم ولست ألتذ باعتكافاتكم، إني إذا قدمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا أرتضي وذبائح السلامة من مسمناتكم لا ألتفت إليها، أبعد عني ضجة أغانيك ونغمة ربابكم لا أسمع» (5: 21-23).
كما ادى الرخاء والتطور الاقتصادي إلى ابتعاد الشعب عن الله فقد كانت علاقتهم به شبه معدومة، فقد انجرفوا وراء الملذات متناسين نداء الرب. لقد وصل الشر لمرحلة مستحيل العفو فيها فالشر عميق ولا دواء له. اذ صرخت بهم: ان الله لا يسر بصلاتنا وتنقلنا من معبد الى آخر وشروعنا في الخطيئة، بل أن نطلب الخير وأن نقيم العدالة فهذه هي الديانة الحق:
” فاطلبوا الخير لا الشر لتحيوا، فيكون الرب اله القوات معكم كما قلتم، ابغُضوا الشر، وأَحبّوا الخير، وأقيموا الحق في الباب…..” (عاموس 5: 14 – 15)
وليجر الحق كالمياه، والعدل كنهر لا ينقطع” (عاموس 5: 24).
س: بلغنا أنه كان هناك مشكلة بينك وبين أمصيا، من هو أمصيا ؟ وما نوع المشكلة؟
أمصيا هو كاهن بيت ايل ، رأى في شخصي تهديدا لمجده وكهنوته، ومركزه وسط الشعب، فحاول طردي من أرض أسرائيل، بدعوى أنني من المملكة الجنوبية، وأن رسالتي لا يجوز أن تتعدى أرض يهوذا أي المملكة الجنوبية، فكان ردي عليه بالقول:
“إنّي لست نبيًا ولا ابن نبي، إنما أنا راعيَ بقر وجاني جمَّيز، فأخذني الرب من وراء الغنم وقال لي الرب انطلق وتنبأ لشعبي اسرائيل” (7 /14- 15).
ولم تدم رسالتي بضعة أشهر حتى منعني الكاهن امصيا من التنبؤ في بيت ايل، لانني أنبأت بموت الملك وبجلاء اسرائيل عن أرضه. “فالارض لم تعد تطيق احتمال جميع كلامي”. (7 /10- 13) . فقد كنت من الأنبياء المتنبئين بالسبي، وطوال السفر كنت أؤكد لشعوب يهوذا واسرائيل أن قضاء الرب آتٍ لا محالة، وأن الرخاء المؤقت الذي يعيشونه هو الهدوء الخادع الذي يسبق العاصفة، وأن يوم قضاء الرب سيأتي عليهم ظلاماً لا نوراً وقتاماً لا نور له (5: 16-20)!.
س: لماذا ناديت بالعدالة الاجتماعية؟
كانت الصدمة قوية والدهشة عنيفة لما وصلت إلى السامرة ووجدت فيها الترف والبزخ والفجور، فمن أين للشعب المختار بحبوحة العيش هذه بعد حياة البداوة؟! وكانت الصدمة أعنف لمّا رأيت ذلك الفرق الشاسع بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء. ومَثَله كمثل من يزور العواصم الكبيرة ويكتشف بلوعة اكواخ الفقراء بجوار ناطحات السحاب.
من هنا كان جوهر رسالتي هو العدالة الاجتماعية ببعديها الرأسي والأفقي، العدالة الإلهية والعدالة الاجتماعية. فقد دافعت عن العدالة الالهية واضعًا اسرائيل في قفص الاتهام فكشفت جرائمه وفضحت أساليبه واكدت أن من حق الله الامين لوعوده أن يتخذ كل الاجراءات تجاه من خان العهد ونكر الجميل: “اياكم وحدكم عرفت من بين جميع عشائر الارض. فلذلك سأعاقبكم على جميع آثامكم” (3 /2.)
ودافعت أيضًا عن العدالة الاجتماعية مطالباً بالنزاهة والصدق ومحبة القريب والعدل: “الويل لكم، انكم تحوِّلون القضاء علقما، وتهملون العدل على الأرض” (5 /7 و6 /13).
سفر عاموس وحياتنا
س1: يا عاموس، ماذا تريد أن تقول لنا اليوم؟
أحياناً نعتقد أن الرب يدعو العظماء والأشخاص الذين نراهم مهمين في نظرنا بسبب حالتهم الاجتماعية، فيرى الشخص نفسه أنه مجرد بائع، أو مزارع أو ربة منزل. ولكن الرب دعاني أنا عاموس رغم أني لم أكن نبياً أو كاهناً أو إبن أي من هؤلاء، فقد كنت مجرد راعي غنم، عامل بسيط في يهوذا. فمن ذا الذي يصغي إليُ؟ ولكني بدل أن اختلق الأعذار، أطعت وأصبحت صوت الله القوي الداعي للتغيير.
لقد إستخدم الله أناساً “بسطاء” مثل الرعاة والنجارين وصيادي السمك في الكتاب المقدس. ومهما كانت مكانتك في هذه الحياة، يستطيع الله أن يستخدمك أنت. لم أكن ذا شأن. كنت مجرد… خادم لله. وهذا أمر جيد.
س2: هل يمكنك أن تقول لنا في سطور ما هي خلاصة نبوتك؟
نعم يمكنني أن اوضح لكم خلاصة نبوتي فيما يلي : 1- . ان الهيئة الاجتماعية مؤسسة على العدل والحق. 2- ان الذين ينالون خيرات الرب مسؤولون عن استعمالها. 3- ان الذين لا يستعملون هذه الخيرات كما يريد الرب يعاقبون وافضل هذه الخيرات معرفة الحق. 4- ان أجمل عبادة وأحسن طقوس ليست الا اهانة للرب، ان كانت بلا قلوب طاهرة وسلوك حسب مشيئته.
س: يقال أن رسالتك دعوة معاصرة ، ما معنى ذلك؟
حقًا أن رسالتي دعوة معاصرة ، حيث أن زمن الأنبياء لم ينتهِ ، فلكل عصر أنبياؤه يحملون المشعل من أسلافهم ويتابعون السير كي ينيروا طريق الانسانية مبشرين بكلام الرب. وهذه البشارة تستحيل إلى صراخ يتمخض عنه عالم الغد. فرسالتي لم يطوها الزمان وهي لا تزال تدعونا اليوم بلسان جديد ولغة عصرية لنحقق كلام الله في حياتنا اليومية.
إنّ المسيحي يجد عن حق في الله أبًا محبًا وربً، ولكن لا ينسى أنه سيَمثل أمام هذا الاله الديان العادل، فتصبح التوبة المبنية على الثقة والرجاء طريقًا ضروريًا للسير قدماً في الحياة الروحية. “لأن كل شجرة لا تثمر ثمراً طيباً تقطع وتلقى في النار” (متى 3 /8). فليس للمسيحي أي فضل، ولا تكفيه الهوية المسيحية إن لم يتحمل مسؤولية خلاصه بحفظ الوصايا وإتمام مشيئة الله، لان من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي” (متى 12/50).
إن الكنيسة، أم ومعلمة، لا تستطيع اهمال العدالة الاجتماعية لأنها ضرورة ملحة في عالم تخلّفت فيه شعوب لتستفيد شعوب أخرى، وفي مجتمعات مبنية على التفاوت الطبقي حيث يتنعم الغني على حساب الفقير، وفي مؤسسات تفشت فيها الرشوة والربح الحرام وروح الاستغلال والاحتكار… فأنَّى للمسيحي أن يقف مكتوف الأيدي وملجوم اللسان أمام الظلم والجشع واللامساواة وكل أنواع القهر والحرمان التي تمارَس على الأفراد والشعوب. إنّ العدالة والرحمة هما من صميم الحياة الانجيلية. فعبثاً يدّعي المسيحي بالمسيحية إن لم يسعَ إلى تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي طريق السلام.
لقد ساهم الأنبياء في صنع التاريخ لأنه تاريخ الله، وسعوا إلى تطوير الأحداث وقلب المفاهيم لأن الشعب هو شعب الله، فهم من المجتمع وإليه. ولم يكن بوسعي أن أتكلم عن الله وباسم الله دون الكلام عن الناس ومشاكلهم ، لأن الله في قلب كل انسان وكل انسان في قلب الله. إنّ نبوتي لم تفقد قوتها ومغزاها، بل تدعوكم إلى قراءة الازمنة بعين جديدة، بعين الله. والآن أوجه كلماتي اليكم من عمق التاريخ بكل قوتها الآنية وقيمتها الثابتة ونضارتها الخالدة:
“اطلبوا الله فتحيوا… “اطلبوا الخير لا الشر لتحيوا”، (5 /13).