نص التأمل
رحلة من اللمس إلى المشاعر
الأب/بولس جرس
سبق وتأملنا هذ النص لذا سنستأنف تأملنا عن ظهور المسيح لتلاميذه وتوما بعد القيامة
وقد شاهدنا بالأمس عذوبة الرب الممجد وسعي قلب الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن خرافه ولا يريد ان يهلك منهم احد لذا فهو:
1- برغم السذاجة المتمثلة في الرغبة الحسية لإيمان توما: أري- ألمس-أضع
2- برغم قسوة القلب: الذي لا يترأف بجراح الحبيب ولا يسترها ولا يشفق عليه من تعريتها ولمسها
3- وبرغم الحجود المتمثل في رفض تصديق الأخوة الذين رأووه والشهادة التي قدموها…
نرى الرب الحاضر بلا جسد الذي سمع ورأى وشاهد وأدرك لا يغضب ولا يتركه لمحدوديته الساذجة ليهلك، بل يترفق ويتأنى ويرحم وياتي ويتفقد ويتفهم وينادي بل هو مستعد أيضا ان يتحمل نكأ اصابع الشك في الجراح التي مازالت طرية تنزف…
كل ذلك في سبيل أن يكون التلميذ مؤمن لا غير مؤمن والفرق كما تعلمون شاسع شاسع…
تعالوا اليوم نتأمل في النوعية الثانية من الإيمان
إيمان العواطف والمشاعر والأحاسيس والوجدان:
الإيمان الإحساسي او المشاعري أو العاطفي: وهو عند الكثيرين النوع المفضل والمعاش
وبه ومعه وفيه وعن طريقه يحيون الإيمان ويمارسون عبره كل انواع العواطف
من ارقها كالرحمة والرفق والرأفة والحنان والعطف والتواضع والبشاشة والإغاثة…
إلى أبشعها كالقسوة والقتل والإرهاب والتعدي على حقوق الآخر واستعباده والحرب باسم الدين
تغذي كل تلك الأفعال والأعمال من أرقها إلى اغلظها مشاعر دينية محضة
ويستخدم القادة الدنيين تلك المشاعر فيغذونها وينمونها ويوجهونها ويعيشون عليها
فهم مستعدون ان يدفعوا شعوبهم الى الحروب باسم الله والى الجهاد في سبيله
ولا نستغرب ان نراهم يقطعون الرؤوس ويسلخون ويذبحون إخوتهم حتى في نفس الدين وهم يهللون لله ويكبرون إسمه ويسبحونه بل ويعتقدون جازمين انهم يقدمون له ذبائح مرضية ” ستأتي ساعة يظن فيها كل من يقتلكم انه يقدم لله قربانا”…
وهذا ما عاشته الديانات على مر العصور
– فالوثنية تلاعبت بالعواطف فقدمت الذبائح البشرية وضحتت بالبشر الأحياءلإرضاء الآلهة
– واليهودية استخدمت قانون افبسال الرهيب في فتح وحرق وتدمي وقتل كل المدن التي فتحتها
وكان ذلك بأمر مباشر من يهوه الذي كان يصب جام غضبه على الشعب والجيش معا متى خالف أحد هذا القانون الرهيب وكأن شرط الله لإراحة شعبه المختار وتحقيق الوعد لإبراهيم بالأرض والنسل هو إبادة باقي الشعوب وحرق حضارتهم
– ولم تسلم المسيحية بعد تخلصها من عصور الظلم والإضطهاد من استخدام تلك المشاعر عينها في التعدي على الآخر وابرز مثال على ذلك كانت الحروب الصليبية التي تزرعت بالدين ” دين المحبة والتسامح والغفران” وبالصليب رمزا” علامة البذل والحب والمصالحة” … لتغزوا بلادا وتقتل شعوبا وتسفك دماء
– وجاء الإسلام لا سيما افسلام المتأسلم الحديث ليجسد ابشع صورة لكيفة استخدام تلك المشاعر في سبيل تاجيج روح الكراهية وإرهاب الآمنين مسلمين كانوا ام غير مسلمين… فاخترع إختطاف الطائرات والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والقنابل الموقوته… ليبيد “باسم الدين وباسم الله الرحمن الرحيم” وباسم العدل والحق والجهاد… إخوة في الإنسانية والوطن بل والدين والمذهب…
– هكذا هو الإيمان العاطفي المبني على المشاعر والأحاسيس وهو ما يرفضه المسيح من أتباعه وتلاميذه ويحذرهم منه… يقول لبطرس الذي يصرح أنه لفرط حبه مستعد ان يبذل ذاته في سبيل المعلم ” لا تعتمدن كثيراً على عاطفتك، فقبل ان يصيح الديك مرتين ستنكرني ثلاث مرات” فامام تأجج عاطفة الحب في صدرك نحوي هناك عواطف أقوى واكثر بقاء… عاطفة حب البقاء ستجعلك تنكرني
– ولللتلاميذ الذين أكدوا جميعا نحبك ولن نتخاى عنك ابدا قال: ” الحق اقول لكم ستتركوني جميعا “
– ولنساء أورشليم اللواتي كن يبكينه مصلوبا ” لا تبكين ولا تحزنن عليّ بل وجهوا عواطفكم نحو من يستحق البكاء … بنيكم العمي الأغبياء الذين يصلبون ملكهم
– وللذي لشدة إعجابه بالمعلم فقال: “اتبعك يا رب إلى حيث تمضي” قال: للثعالب اوجرة…أما انت فامض وبشر بملكوت الله” فالحب يجب ان يوجه لله وللرسالة لا لشخص تستطيع ان تنكره حال يختفي عن ناظريك
– لا يحتاج الرب غلى عواطف متاججة في إتباعه والإيمان به بل إلى اشخاص متزنين ثابتي القدام غير متذبذبين بين الإشهار والإنكار… يدركون معنى الإيمان وهو اليقان بما لا يرى وتصديق ما يقال وتسليم الحياة والإرادة بين يدي أب خالق حنون رحيم يعتني بنا ويحبنا ولو نسيت الأم رضيعها فلن ينسانا…
أمام أنفعال توما اليوم في اليوم الثامن للقيامة أمام شعوره بالعري والخجل اما إحساسه بانكشاف سذاجة إيمانه رغم كل ما عمل يسوع وعلم به في حضوره…نراه ينتقل سريعا من الإيمان الحسي المادي المحسوس إلى لحظة إيمان شديدة العاطفية والإنفعال فيلقي بنفسه أمام قدمي يسوع ساجدا ومعترفا: ” ربي وإلهي”…هذا أيضا جيد وحسن وجميل لكنه ليس كافيا لإتباع يسوع، فماذا عساه يطلب الرب من مزيد؟؟؟
هذا ما سنراه غدا في التأمل الثالث