رفقا بعقلي أيتها الجمعة العظيمة
ألف وألف كيف وكيف؟
تأمل الجمعة العظيمة المباركة من البصخة المقدسة الموافق 18 إبريل 2014
الأب/ بولس جرس
نص الإنجيل
أحداث الجمعة الرهيبة حسب إنجيل متى الفصل السابع والعشرين
يهوذا يشنق نفسه
ولَمّا كانَ الصّباحُ تشاوَرَ جميعُ رؤَساءِ الكهنةِ وشُيوخُ الشَّعبِ علَى يَسوعَ حتَّى يَقتُلوهُ، فأوثَقوهُ ومَضَوْا بهِ ودَفَعوهُ إلَى بيلاطُسَ البُنطيِّ الوالي. حينَئذٍ لَمّا رأَى يَهوذا الذي أسلَمَهُ أنَّهُ قد دينَ، نَدِمَ ورَدَّ الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ إلَى رؤَساءِ الكهنةِ والشُّيوخِ4قائلاً:”قد أخطأتُ إذ سلَّمتُ دَمًا بَريئًا”. فقالوا:”ماذا علَينا؟ أنتَ أبصِرْ!”. فطَرَحَ الفِضَّةَ في الهيكلِ وانصَرَفَ، ثُمَّ مَضَى وخَنَقَ نَفسَهُ. فأخَذَ رؤَساءُ الكهنةِ الفِضَّةَ وقالوا:”لا يَحِلُّ أنْ نُلقيَها في الخِزانَةِ لأنَّها ثَمَنُ دَمٍ”. فتَشاوَروا واشتَرَوْا بها حَقلَ الفَخّاريِّ مَقبَرَةً للغُرَباءِ. لهذا سُمِّيَ ذلكَ الحَقلُ “حَقلَ الدَّمِ” إلَى هذا اليومِ. حينَئذٍ تمَّ ما قيلَ بإرميا النَّبيِّ القائلِ:”وأخَذوا الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ، ثَمَنَ المُثَمَّنِ الذي ثَمَّنوهُ مِنْ بَني إسرائيلَ، وأعطَوْها عن حَقلِ الفَخّاريِّ، كما أمَرَني الرَّبُّ”.
أمام بيلاطس
فوَقَفَ يَسوعُ أمامَ الوالي. فسألهُ الوالي قائلاً:”أأنتَ مَلِكُ اليَهودِ؟”. فقالَ لهُ يَسوعُ:”أنتَ تقولُ”. وبَينَما كانَ رؤَساءُ الكهنةِ والشُّيوخُ يَشتَكونَ علَيهِ لم يُجِبْ بشَيءٍ. فقالَ لهُ بيلاطُسُ:”أما تسمَعُ كمْ يَشهَدونَ علَيكَ؟”. فلم يُجِبهُ ولا عن كلِمَةٍ واحِدَةٍ، حتَّى تعَجَّبَ الوالي جِدًّا.وكانَ الوالي مُعتادًا في العيدِ أنْ يُطلِقَ للجَمعِ أسيرًا واحِدًا، مَنْ أرادوهُ. وكانَ لهُمْ حينَئذٍ أسيرٌ مَشهورٌ يُسَمَّى باراباسَ. ففيما هُم مُجتَمِعونَ قالَ لهُمْ بيلاطُسُ:”مَنْ تُريدونَ أنْ أُطلِقَ لكُمْ؟ باراباسَ أم يَسوعَ الذي يُدعَى المَسيحَ؟”. لأنَّهُ عَلِمَ أنهُم أسلَموهُ حَسَدًا. وإذ كانَ جالِسًا علَى كُرسيِّ الوِلايَةِ أرسَلَتْ إليهِ امرأتُهُ قائلَةً:”إيّاكَ وذلكَ البارَّ، لأنِّي تألَّمتُ اليومَ كثيرًا في حُلمٍ مِنْ أجلِهِ”. ولكن رؤَساءَ الكهنةِ والشُّيوخَ حَرَّضوا الجُموعَ علَى أنْ يَطلُبوا باراباسَ ويُهلِكوا يَسوعَ. فأجابَ الوالي وقالَ لهُمْ:”مَنْ مِنْ الِاثنَينِ تُريدونَ أنْ أُطلِقَ لكُمْ؟”. فقالوا: “باراباسَ!”. قالَ لهُمْ بيلاطُسُ:”فماذا أفعَلُ بيَسوعَ الذي يُدعَى المَسيحَ؟”. قالَ لهُ الجميعُ: “ليُصلَبْ!”. فقالَ الوالي:”وأيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟”. فكانوا يَزدادونَ صُراخًا قائلينَ:”ليُصلَبْ!”. فلَمّا رأَى بيلاطُسُ أنَّهُ لا يَنفَعُ شَيئًا، بل بالحَريِّ يَحدُثُ شَغَبٌ، أخَذَ ماءً وغَسَلَ يَدَيهِ قُدّامَ الجَمعِ قائلاً:”إنِّي بَريءٌ مِنْ دَمِ هذا البارِّ! أبصِروا أنتُمْ!”. فأجابَ جميعُ الشَّعبِ وقالوا:”دَمُهُ علَينا وعلَى أولادِنا”. 26حينَئذٍ أطلَقَ لهُمْ باراباسَ، وأمّا يَسوعُ فجَلَدَهُ وأسلَمَهُ ليُصلَبَ.
استهزاء الجنود
27فأخَذَ عَسكَرُ الوالي يَسوعَ إلَى دارِ الوِلايَةِ وجَمَعوا علَيهِ كُلَّ الكَتيبَةِ، 28فعَرَّوْهُ وألبَسوهُ رِداءً قِرمِزيًّا، 29وضَفَروا إكليلاً مِنْ شَوْكٍ ووَضَعوهُ علَى رأسِهِ، وقَصَبَةً في يَمينِهِ. وكانوا يَجثونَ قُدّامَهُ ويَستَهزِئونَ بهِ قائلينَ:”السَّلامُ يامَلِكَ اليَهودِ!”. 30وبَصَقوا علَيهِ، وأخَذوا القَصَبَةَ وضَرَبوهُ علَى رأسِهِ. وبَعدَ ما استَهزأوا بهِ، نَزَعوا عنهُ الرِّداءَ وألبَسوهُ ثيابَهُ، ومَضَوْا بهِ للصَّلبِ.
الصلب
وفيما هُم خارِجونَ وجَدوا إنسانًا قَيرَوانيًّا اسمُهُ سِمعانُ، فسَخَّروهُ ليَحمِلَ صَليبَهُ. ولَمّا أتوْا إلَى مَوْضِعٍ يُقالُ لهُ جُلجُثَةُ، وهو المُسَمَّى “مَوْضِعَ الجُمجُمَةِ” أعطَوْهُ خَلاًّ مَمزوجًا بمَرارَةٍ ليَشرَبَ. ولَمّا ذاقَ لم يُرِدْ أنْ يَشرَبَ. ولَمّا صَلَبوهُ اقتَسَموا ثيابَهُ مُقتَرِعينَ علَيها، لكَيْ يتِمَّ ما قيلَ بالنَّبيِّ:”اقتَسَموا ثيابي بَينَهُمْ، وعلَى لباسي ألقَوْا قُرعَةً”. ثُمَّ جَلَسوا يَحرُسونَهُ هناكَ. وجَعَلوا فوقَ رأسِهِ عِلَّتَهُ مَكتوبَةً:”هذا هو يَسوعُ مَلِكُ اليَهودِ”. حينَئذٍ صُلِبَ معهُ لصّانِ، واحِدٌ عن اليَمينِ وواحِدٌ عن اليَسارِ.
وكانَ المُجتازونَ يُجَدِّفونَ علَيهِ وهُم يَهُزّونَ رؤوسَهُمْ قائلينَ:”ياناقِضَ الهيكلِ وبانيَهُ في ثَلاثَةِ أيّامٍ، خَلِّصْ نَفسَكَ! إنْ كُنتَ ابنَ اللهِ فانزِلْ عن الصَّليبِ!”. وكذلكَ رؤَساءُ الكهنةِ أيضًا وهُم يَستَهزِئونَ مع الكتبةِ والشُّيوخِ قالوا: “خَلَّصَ آخَرينَ وأمّا نَفسُهُ فما يَقدِرُ أنْ يُخَلِّصَها! إنْ كانَ هو مَلِكَ إسرائيلَ فليَنزِلِ الآنَ عن الصَّليبِ فنؤمِنَ بهِ! قد اتَّكلَ علَى اللهِ، فليُنقِذهُ الآنَ إنْ أرادَهُ! لأنَّهُ قالَ: أنا ابنُ اللهِ!”. وبذلكَ أيضًا كانَ اللِّصّانِ اللذانِ صُلِبا معهُ يُعَيِّرانِهِ.
الموت
ومِنَ السّاعَةِ السّادِسَةِ كانَتْ ظُلمَةٌ علَى كُلِّ الأرضِ إلَى السّاعَةِ التّاسِعَةِ. ونَحوَ السّاعَةِ التّاسِعَةِ صَرَخَ يَسوعُ بصوتٍ عظيمٍ قائلاً: “إيلي، إيلي، لَما شَبَقتَني؟” أيْ: إلَهي، إلَهي، لماذا ترَكتَني؟ فقَوْمٌ مِنَ الواقِفينَ هناكَ لَمّا سمِعوا قالوا:”إنَّهُ يُنادي إيليّا”. وللوقتِ رَكَضَ واحِدٌ مِنهُمْ وأخَذَ إسفِنجَةً ومَلأها خَلاًّ وجَعَلها علَى قَصَبَةٍ وسقاهُ. وأمّا الباقونَ فقالوا:”اترُكْ. لنَرَى هل يأتي إيليّا يُخَلِّصُهُ!”. فصَرَخَ يَسوعُ أيضًا بصوتٍ عظيمٍ، وأسلَمَ الرّوحَ.
51وإذا حِجابُ الهيكلِ قد انشَقَّ إلَى اثنَينِ، مِنْ فوقُ إلَى أسفَلُ. والأرضُ تزَلزَلَتْ، والصُّخورُ تشَقَّقَتْ، 52والقُبورُ تفَتَّحَتْ، وقامَ كثيرٌ مِنْ أجسادِ القِدِّيسينَ الرّاقِدينَ 53وخرجوا مِنَ القُبورِ بَعدَ قيامَتِهِ، ودَخَلوا المدينةَ المُقَدَّسَةَ، وظَهَروا لكَثيرينَ. 54وأمّا قائدُ المِئَةِ والذينَ معهُ يَحرُسونَ يَسوعَ فلَمّا رأَوْا الزَّلزَلَةَ وما كانَ، خافوا جِدًّا وقالوا:”حَقًّا كانَ هذا ابنَ اللهِ!”. 55وكانَتْ هناكَ نِساءٌ كثيراتٌ يَنظُرنَ مِنْ بَعيدٍ، وهُنَّ كُنَّ قد تبِعنَ يَسوعَ مِنَ الجليلِ يَخدِمنَهُ، 56وبَينَهُنَّ مَريَمُ المَجدَليَّةُ، ومَريَمُ أُمُّ يعقوبَ ويوسي، وأُمُّ ابنَيْ زَبدي.
الدفن
ولَمّا كانَ المساءُ، جاءَ رَجُلٌ غَنيٌّ مِنَ الرّامَةِ اسمُهُ يوسُفُ، وكانَ هو أيضًا تِلميذًا ليَسوعَ. 58فهذا تقَدَّمَ إلَى بيلاطُسَ وطَلَبَ جَسَدَ يَسوعَ. فأمَرَ بيلاطُسُ حينَئذٍ أنْ يُعطَى الجَسَدُ. 59فأخَذَ يوسُفُ الجَسَدَ ولَفَّهُ بكَتّانٍ نَقيٍّ، 60ووَضَعَهُ في قَبرِهِ الجديدِ الذي كانَ قد نَحَتَهُ في الصَّخرَةِ، ثُمَّ دَحرَجَ حَجَرًا كبيرًا علَى بابِ القَبرِ ومَضَى. 61وكانَتْ هناكَ مَريَمُ المَجدَليَّةُ ومَريَمُ الأُخرَى جالِسَتَينِ تُجاهَ القَبرِ
الحراس عند القبر
62وفي الغَدِ الذي بَعدَ الِاستِعدادِ اجتَمَعَ رؤَساءُ الكهنةِ والفَرِّيسيّونَ إلَى بيلاطُسَ 63قائلينَ:”ياسيِّدُ، قد تذَكَّرنا أنَّ ذلكَ المُضِلَّ قالَ وهو حَيٌّ: إنِّي بَعدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ أقومُ. 64فمُرْ بضَبطِ القَبرِ إلَى اليومِ الثّالِثِ، لِئلا يأتيَ تلاميذُهُ ليلاً ويَسرِقوهُ، ويقولوا للشَّعبِ: إنَّهُ قامَ مِنَ الأمواتِ، فتكونَ الضَّلالَةُ الأخيرَةُ أشَرَّ مِنَ الأولَى!”. 65فقالَ لهُمْ بيلاطُسُ:”عِندَكُمْ حُرّاسٌ. اِذهَبوا واضبُطوهُ كما تعلَمونَ”. 66فمَضَوْا وضَبَطوا القَبرَ بالحُرّاسِ وخَتَموا الحَجَرَ. .( متى 27: 1- 66)
نص التامل
ألف وألف كيف وكيف؟
حقا ما اصعب التأمل في يوم الجمعة العظيمة فهو يوم مليئة ساعاته وحافلة باحداث مضى عليها أكثر من عشرين قرنا ومازال العالم يقف امامها فاغر الفم استغرابا وجزعا سواء كان رافضا مستنكرا أم قابلا متقبلا خاشعا
هكذا نستطيع أن نصفه “مندهشا” يقف العالم امام حقائق ذلك اليوم ” العظيم والرهيب” في تاريخ البشرية والكون:
كيف يقدم الله ذاته ذبيحة عن عبيده
كيف يقبل ان يرسل ابنه محبة بهم فيسفك دمه البريء ممن احبهم
كيف لا يتدخل ولو للحظة ليحطم القتلة ويرفع الصليبويحقق النصرة
كيف يتقبل إبن الله أن يخلي ذاته من كل بهاء الإبن ليُسحق
وكيف يتحمل أن يظلم وهو الكلمة ويسكت
ثم كيف وهو مازال على الصليب معلقا… يصفح ويغفر
وكيف لشعب انتظر المسيا قرونا ان يصلب مسيحه
وكيف لرؤساء كهنة يبخرون ويسجدون ان يحكموا ويدينوا
وكيف لكتبة التوراة ومفسري الشريعة وباحثي الكتاب المقدس
ان يعموا عن تحقق جميع النبوءات في شخص فيحكمون عليه ويصلبوه
وكيف لبشرية تتخبط فيي ظلام الجهل والتعصب والطغيان ان تقضي على مخلصها
كيف لرجل وثني كبيلاطس ان يصرخ في وجوه أهل المسيح:
” لست اجد في هذا الرجل علة تستوجب الموت”
ثم يقبل حكم الموت برغم مخالفته للقانون والحق والعدل
ثم يغسل يديه ويمضي مستريح الضمير برغم كل ما حدث من مخالفة وتجاوز؟
كيف لقائد جند وثني اممي جاهل دنس الجسد والشفتين ان يصرخ:
” حقا كان هذا الرجل ابن الله” بينما خرست ألسنة شعبه وخاصته الذين يفتدي
كيف وقفت مريم إذاء العود ترقب ابنها المصلوب بايدي الجنود وهي تعلم بره وطهره وبرائته
وماذا كانت تفكر في قلبها وهي نراه معلقا تلك المرأة التي سمعت بأذنيها كلام الملاك:
” إبن العلي يُدعي وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه وسيملك على بيت يعقوب إلى الأبد”!!! اين راح هذا الأبد وهي تتلقى جثمانه الطاهر بين زراعيها الطاهرتين؟!
كيف يفكر عقلها وكيف تماسكت وهي تدفنه في القبر وتمضي دامعة
وهو يتساءل مستعجاً:اين سكنت الروح القدوس وما مصير اللاهوت!!!
كيف تفرق التلاميذ الأوفياء وتبدد كل اتباع يسوع
وأين اختفي كل أؤلئك المستفيدين من معجزاته والتلاميذ
الذين عبر عن حال يأسهم تلميذا عمواس ” كنا نأمل”
كيف خاب املهم وإلى أين ذهب رجاؤهم وايمانهم
والشعب الذي آمن به وتبعه …
كيف نظروه معلقا على الصليب مكللا بالشوك
وكيف احتملوا ان يروه يجلد ويعذب ويسحق …
وأخيراً
كيف يموت القدوس وكيف يُقبر مبدأ الحياة
كيف تتطاول الخليقة خليقة هكذا على خالقها ومبدعها من العدم
كيف تهتز الأرض وتتزلزل هولا وارتياعا
ولا يخفق القلب البشري جزعا وارتياعا على ما اقترفت ايدي البشر
كيف ترتج الجبال ولا يرتج عقل من تربص ودبر
من حاك المؤامرة على الرب وعلى مسيحه وخطط ونفذ
كيف تتشقق الصخور ولا تتشقق العيون بالدموع
كيف يخرج الموتى من القبور ولا تخرج زفرة توبة واحدة من كل الآثمين؟
اللهم ارحمنا نحن البشر فلهول وبشاعة خطايانا
ليس لنا سواك من ملاذ