تَنَبَّهوا واثبُتوا في الإِيمان، كونوا رِجالا، كونوا أَشِدَّاء. ١ كور ١٦: ١٣
لا جدال ان المؤمنين اليوم يواجهون تحديات كبرى وقاسية، لكن التاريخ المقدس يؤكد انه لا يوجد عصر عاش فيه الإيمان دون أن يواجه صعوبات حقيقية فنكاد نرى كلمة السيد المسيح له المجد تتحقق كل يوم “تُعانونَ الشِدَّةَ في العالَم ولكن ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم” يو ١٦: ٣٣ . فى الحقيقة لا يجب ان نطلق كلمة تحديات على الصعوبات والمتغيرات الخارجية بل بالأحرى ما يقاوم الإيمان من داخل قلب الأنسان، تلك التحديات يجب التوقف امامها وتشخيصها بعناية والتعامل معها بجدية وفى السطور التالية نحاول لمس أهم تلك التحديات وفحص قلوبنا فى ضوءها:
الخوف: شعور انسانى له جذور عميقة فى النفس البشرية، ولا عجب أن يمتلىء الكتاب المقدس بعهديه بعبارة “لا تخف” . إن الخوف هو تحد حقيقى للإيمان وإذا تجاوز الحد أهدر الإيمان، وهنا نتوقف أمام يايرس رئيس المجمع الذى واجه تجربة يعرف قسوتها البعض، الذين اختبروا مرض أحد ابنائهم الصغار مرضاً عضالاً فاقترب من الموت بعدما فشل الأطباء، لم يتبقى سوى الإيمان بيسوع وعندما لجأ إليه وجد آخرين يتسابقون لمنعه من إزعاج المعلم لأن فلزة كبده قد ماتت، يتسابقون لسحق إيمانه بالخوف الإنسانى الهائل أمام شبح الموت، فكان رد المعلم قاطعاً له ولنا جميعا “لا تَخَفْ، آمِنْ فحَسْب” لو ٨: ٥٠ فكانت حياة ابنته ثمرة الإيمان. فى الحقيقة لا يوجد إنسان لا يخاف لكن الايمان هو الدرع الصلب الذى يقهر الخوف.
الشك: لو كان الشك هو فقط للبحث عن اليقين لكان التحدى هيناً، كما كان الحال مع توما الرسول الذى صرخ مؤمنا امام الحقيقة الملموسة، لكن التحدى الحقيقى فيمن يتخذ الشك مذهباً مهما كانت الحقيقة واضحة، وللأسف هناك من يغلفون ذلك السلوك برداء الثقافة والدراية ببواطن ا|لأمور والحقيقة أنهم غير قادرين على تبنى موقف أو الإيمان باى شىء روحيا أو دنيويا خوفا مما يفرضة الإيمان من إلتزام فى الحياة فيصيرون سبب عثرة للآخرين “فلَمَّا رَأَوهُ سَجَدوا له، ولكِنَّ بعضهم ارْتابوا” متى ٢٨: ١٧ “وطوبى لِمنَ لا أَكونُ لَه حَجَرَ عَثرَة.” لو ٧: ٢٣
اليأس: هو فقدان الرجاء الناتج عن قسوة التجارب أو الخطيئة أو كلاهما، وهنا نتوقف امام بطرس وهو يعانى من محنة تسليم المسيح للموت وأيضا انكاره له، ما ذكره يسوع سابقا “سِمعان سِمعان، هُوذا الشَّيطانُ قد طَلَبكُم لِيُغَربِلَكُم كَما تُغَربَلُ الحِنطَة. ولكِنَّي دَعَوتُ لَكَ أَلاَّ تَفقِدَ إِيمانَكَ.” لو ٢٢: ٣١. لقد بقى لبطرس إيمان يسنده الرجاء حسب قول المسيح يقهر به اليأس فتجاوز التحدى على عكس يهوذا الذى قاده اليأس إلى الإنتحار والهلاك الأبدى.
ضعف المعرفة: إن الجهل بكلمة الله وتدابيره وتدخلاته فى التاريخ وعمله فى رجاله القديسين وفوق الكل معرفة يسوع المسيح هو تحدى حقيقى للإيمان، فالإنسان يعادى ما يجهل، ومن الصعب السلوك بالإيمان فى ظل معرفة روحية هزيلة، لقد كان كرينيليوس تقيا يخاف الله، يتصدق ويصلى بشهادة السماء لكنه لم يصل إلى الإيمان إلا بمعرفة يسوع المسيح على يد بطرس الرسول، وهكذا تؤكد الكنيسة المقدسة على أهمية خدمة الكلمة والتعليم المسيحى للصغار والكبار أيضاً وتدعو الجميع للتأمل المستمر فى كلمة الله. “فالإِيمانُ إِذًا مِنَ السَّماع، والسَّماعُ يَكونُ سَماعَ كَلاَمٍ على المسيح” رو ١٠: ١٧.
قساوة القلب: تبدأ فى أول الأمر بالتجاهل المتعمد للكلمة والحق الذى لا يرضينا أو يتطلب تضحيات ومع الوقت يصبح القلب متصلباً عن إدراكه أو الأحساس به وقبوله فتصير تلك القساوة تحدياً للإيمان، ومهما كانت الحقيقة واقفة ومتألقة مرأية ومسموعة وملموسة يهتف قساة القلوب مع بيلاطس فى عبث “ما هو الحَقّ؟” يو ١٨: ٣٨ ، فمن الضرورى “اليَومَ، إِذا سَمِعتُم صَوتَه, فلا تُقَسُّوا قُلوبَكم كما حَدَثَ عِندَ السُّخْط” عب ٣:١٥
عدم الشكر: الشكر هو فعل إيمانى رائع يعترف بأن الله هو مصدر كل خير وأنه مستحق للحمد على نعمه التى لا تحصى وإعتراف بضعف الأنسان واحتياجه الدائم له، كما أنه يفتح خزائن النعمة الإلهية. هنا يجب أن نراجع العشرة المصابين بالبرص المعزولين خارج القرى هؤلاء شفاهم يسوع بكلمة منه بعد تضرعهم بصراخ إليه، ولم يرجع سوى شخص سامرى واحد يشكر بالسقوط بوجهه عند قدميه! ، كان رد المسيح يوحى بانتظاره الشكر من العشرة كلهم، المهم فى النهاية قول المخلص: “قُمْ فامضِ، إِيمانُكَ خَلَّصَكَ” لو ١٧: ١٩، فلنشكر الله كل حين لأنه مستحق كل الشكر والتمجيد والتسبيح من صميم القلب.
الفصام الروحى: صار كثير من المؤمنين فى هذه الأيام يعانون من وجود فجوة متسعة بين حياتهم داخل الكنيسة وخارجها، بين ما يقولونه وما يفعلونه، فلا يتجاوز إيمانهم النطاق النظرى الشكلى، فلنتذكر أن “لَيسَ مَن يَقولُ لي ((يا ربّ، يا ربّ )) يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات” متى ٧: ٢١، لابد أن يتجاوز إيماننا فى هذه الظروف نطاق المصلحة والراحة الشخصية.
التراخى والكسل واللامبالاة: أصبح ظاهرة فى الحياة المعاصرة ككل، فى الأمور الروحية والدنيوية أيضاً، فتطول الوصايا الإلهية والكنسية، الصلاة فى أقل الحدود، الصوم بأسهل وأقل صورة وممارسة الأسرار على فترات متباعدة وكلمة الله مقاطع مشوشة فى الذهن، وبصورة عامة الأمور الجاهزة أفضل مما يتم اعدادها والراحة هدف سامى. إن هذا المسلك فى الحياة يتحدى الحياة بالإيمان، لقد أعلن الآب ميلاد ابنه الحبيب لرعاة ساهرون يحرسون الخراف مختاراً العاملين بكد واجتهاد وسهر وأمانة وليس للكسالى النائمين.
عدم الإكتفاء: إن المبالغة فى الإنشغال بالمادة وعدم القدرة على الإكتفاء يستنزف الكثير من الذهن والوقت والجهد ، “تَبصَّروا واحذَروا كُلَّ طَمَع” لو ١٢: ١٥ ، ويقود الانسان بعيدا عن طريق الله، فعلى الرغم من أهمية شئون كثيرة فى الحياة لا ننسى “أَنَّ الحاجَةَ إِلى أَمرٍ واحِد” لو ١٠: ٤٢ فلنتعلم الإكتفاء فى كل حين ولا يكون طموحنا يقابله ثمن يجرح إيماننا.
السطحية: يميل البعض للأسف الشديد إلى الحياة السهلة، الأفكار الضحلة، الترفية المستمر، بل والتضحية ببعض المبادىء والوصايا من أجل الإستمتاع بالحياة، فتحل الأمور الأقل أهمية بالأكثر أهمية ويصير ذلك نمط الحياة فيتحدى الحياة بالإيمان، لقد قال الرب لبطرس: “ابْعُدْ إِلَى الْعُمْق وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ” لو٥: ٤ فالبقاء على الشاطىء لن يأتى بثمار ولا ينمى الإيمان.
إننا نسعى للإرتداد بكل قلوبنا إلى الله بالإيمان ومن ثم يجب مراجعة النفس وتقييم التحديات التى تواجه إيماننا سواء ذكرناها هنا أم لا لأن الإيمان هو الخلاص الوحيد والأكيد لنا فى تلك الأيام القاسية، وهو القادر على قيادتنا فى قلب الظلام الحالك بل ويساعدنا على قيادة آخرين أيضاً ولنعمل بوصية الرسول بولس:
“حاسِبوا أَنفُسَكُم وانظُروا هَل أَنتُم على الإِيمان. إِختبِروا أَنفُسَكم. أَلا تَعرِفونَ بِأَنفُسِكم أَنَّ المَسيحَ يَسوعَ فيكُم؟” ٢كور ١٣: ٥.
اللجنة الأسقفية للعلمانيين و الأنشطة الرسولية