الأب رفعـــت بدر – موقع ابونا
السينودس مصطلح بات يُطلق على أي اجتماع عام داخل الكنيسة ذاتها أو بين مختلف الكنائس. وفي عام 2010، دعا البابا السابق بندكتس الى سينودس خاص لمناقشة أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط، والتأكيد على اصالتهم وتأصلهم التاريخي في بلدانهم الأصلية وعلى علاقاتهم التاريخية مع أخوتهم المسلمين، كما على اسهاماتهم الحضارية في مجتمعاتهم.
ومن عام 2010 الى اليوم، حصلت تطورات شبه جذرية في منطقة الشرق الأوسط، وحدثت تغيّرات في أنظمة الحكم وثورات طالت أكثر من بلد عربي… وكان المسيحيون فيه جزءاً لا يتجزأ من حركة بلدانهم، الا انهم وفي أكثر من بلد أصبحوا أهدافاً مباشرة وأصبحت الكنائس عرضة للتفجير فوق رؤؤس المصلين، كما أصبح كبار رجال الدين عرضة للخطف والتنكيل، فأثر ذلك بالضرورة على تنامي حركات الهجرة والتهجير التي طالت أقساماً كبيرة من الشعوب، وأثرت وبشكل مباشر على حضور المسيحيين في الشرق، ذلك ان أعدادهم قد تناقصت أصلاً في العقود السابقة، فجاءت الموجات الجديدة لتشكل ضربة موجعة لهذا الحضور التاريخي.
من هنا جاء انعقاد المؤتمر الخاص – والسينودس الجديد- للوقوف على “التحديات التي تواجه العرب المسيحيين” في ظل الاوضاع الراهنة والمأساوية، بدعوة كريمة من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي استقبل الوفود المشاركة ، في قصره العامر، وصرّح أمامهم بكلمة سامية ، انّ دفاعه عن المسيحيين اليوم “ليس ترفا وانّما واجب ومسؤولية “. وكذلك ركز جلالته على التربية والتنشئة في البيوت والمؤسسات التعليمية كما وفي المساجد والكنائس، ذلك أنّ الهاجس الأكبر، كما قال جلالته هو : “أن تترسخ النظرة السلبية والانعزال بين أتباع الديانات، ما يؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي”. وليس هنالك من زعيم عربي اخر كان بامكانه اتخاذ مثل هذه الخطوة المباركة والمبادرة التاريخية، لذلك كم سمعنا من أعضاء الوفود العربية تقول لنا: “نيالكم في الاردن بهذا الملك”.
المؤتمر حضره أكثر من سبعين شخصاً من الاردن وفلسطين والبلدان العربية كما والعديد من الرسميين من بلدان أجنبية صديقة. وتم الاصغاء الى كلمات المشاركين من بلد عربي الى آخر، وكانت الصراحة والصدق سيدَي المواقف، فالاوضاع الراهنة لا وقت لديها لترديد المجاملات والكلمات المبتذلة، انها ساعة الحقيقة والصراحة: انّ المنطقة تغلي، وان العرب المسيحيين هم جزء لا يتجزأ من مجتمعاتهم، الا انهم باتوا مستضعفين ومستهدفين، لكن الذين بقيوا منهم ما زالوا مصمّمين على اكمال تاريخهم الحافل والمضي باسهاماتهم التي لا يُستغنى عنها في الشرق الواحد الذي يجمع الديانات وأتباعها في ظروف واحدة. وكان أجمل وصف لهم، هو ما جاء على لسان سمو الامير غازي بن محمد الذي حضر كامل جلسات المؤتمر ، وافتتحه باسم جلالة الملك، اذ قال: “انّ المسيحيين لما اصبحوا مضطهدين اليوم في سوريا وفي العراق وفي مصر، لم يحملوا السلاح للدفاع عن انفسهم لما احرقت الكنائس وخطف وقتل القسيسون والرهبان والراهبات، امتثالاً منهم لقول سيدنا المسيح عليه السلام “من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر ايضاً”.
ألا بورك هذا “السينودس” الجديد الذي دعا اليه جلالة الملك، وبالرغم من الحسرات والدموع التي تم بثها، وبخاصة من المشاركين القادمين من دول الصراعات الدموية الحالية ، الا انّ هنالك بصيصا من الأمل لا يخبو، مفاده أنّ الشرق لا يخلو من أصوات العقل والتنوير والارادة الحسنة والحكم الرشيد ، كما هو الحال في الدعوة الهاشمية لانعقاد المؤتمر. ومع الانتهاء يوم أمس من أعماله، كان الدعاء في القلوب وعلى الشفاه: اللهم عزّز أصوات العقل وضاعف حكماء هذا العصر.