كلمة قداسة البابا فرنسيس
الأحد، 29 يناير / كانون الثاني 2014
ساحة القديس بطرس
الإخوة والأخوات الأعزاء صباح الخير!
يحدثنا إنجيل هذا الأحد عن بداية الحياة العامة ليسوع في مدن وقرى الجليل. فرسالته لم تنطلق من أورشليم، أي من المركز الديني، والمركز الاجتماعي والسياسي أيضًا، وإنما تنطلق من منطقةٍ نَائِيَةٍ، منطقة بعيدة يقطنها اليهود المتشددون، نظرا لتواجد شعوب أجنبية متعددة فيها؛ ولهذا أطلق عليها النبي اشعيا: “جليل الأمم” (أش 8، 23).
إنها أرض حدودية، ومنطقة عبور، حيث يلتقي أشخاص ينتمون إلى أعراق وثقافات وديانات مختلفة. وقد باتت منطقة الجليل هكذا مكانا رمزيا لانفتاح الإنجيل على كافة الشعوب. من هذا المنظار، تشبه الجليل عالم اليوم: حيث تتواجد ثقافات متعددة، وحيث تبرز الحاجة إلى الحوار والحاجة إلى اللقاء. فنحن أيضا منغمسون يوميا في “جليل الأمم”، وفي هذا السياق يمكننا أن نخاف وأن نستسلم لتجربة بناء الجدران من حولنا لنشعر بالأمن والحماية. لكن يسوع يعلمنا أن البشرى السارة، التي يحملها هو، ليست مخصصة لجزء من البشرية، بل لابد من إعلانها للجميع. إنه خبر سار يتوجه للذين ينتظرونه، بل وربما للذين لا ينتظرون شيئا بعد، وللذين لا يتمتعون بالقوة اللازمة للبحث عما يطلبون.
يعلمنا يسوع، منطلقًا من الجليل، أن خلاص الله لا يستثني أحدا، بل ويؤكد لنا أن الله يفضل الانطلاق من الضواحي ومن المناطق النَائِيَة، من عند الآخِرين، ليصل إلى الجميع. يعلمنا يسوع نهجًا، نهجه هو، نهجا يعبّر عن المضمون، أي عن رحمة الآب. “ينبغي على كلّ مسيحي، وعلى كل جماعة أن تميِّز النهج الذي يطلبه الرب منه/منها، فكلنا مدعوون لقبول هذه الدعوة. دعوة الخروج من مناطق الراحة وامتلاك شجاعة الذهاب نحو المناطق النائية والمحتاجة لنور الإنجيل” (إرشاد رسولي “فرحة الإنجيل” (Evangelii gaudium)، عدد 20).
لم يبدأ يسوع رسالته من منطقة نائية عن المركز وحسب، بل انطلق من رجال، قد يُطلق عليهم، “متواضعين”. فيسوع، ليختار تلاميذه الأولين ورسله المستقبليين، لم يتوجه إلى مدارس الكتبة وعلماء الشريعة، بل توجه إلى الأشخاص المتواضعين والبسطاء، إلى الذين كانوا يستعدون بجدية لمجيء ملكوت الله. لقد ذهب يسوع ليدعوهم في مكان عملهم، على ضفاف البحيرة: كانوا صيادين. دعاهم، وتبعوه فورا. فتركوا شباك الصيد وذهبوا معه: فاضحت حياتهم عبارة عن مغامرة مذهلة وفائقة العادة.
أيها الأصدقاء والصديقات الأعزاء، إن الرب يدعو اليوم أيضًا! الرب يسير في دروب حياتنا اليومية. إن الرب اليوم أيضا، في هذه اللحظة، هنا، يسير في هذه الساحة. يدعونا للذهاب معه، وللعمل معه من أجل بناء ملكوت الله، في “جليل” زماننا. ليفكر كل واحد منا: الرب يمر هنا اليوم، وينظر إليَّ، ينظر إليَّ أنا! فماذا يقول لي؟ إن شعر أحدكم بأن الرب يقول له: “اتبعني”، فليكن شجاعًا وليتبع الرب! لأن الرب لا يخيّب الآمال أبدا. لتشعروا في قلوبكم بأن الرب يدعوكم لاتّباعه. ولنترك نظرته وصوته يبلغاننا ولنتبعه! “كي يصل فرح الإنجيل إلى أقاصي الأرض، وكي لا تبقى منطقة نائية محرومة من نوره” (ن.م.، 288).
ثم صلاة التبشير الملائكي
نحتفل هذا الأحد باليوم العالمي لمرضى داء البرص. وهو مرض حتى يومنا هذا، وبرغم أنه في تراجع، إلا أنه مازال للآسف يصيب العديد من الأشخاص الموجودين في أوضاع شديدة البؤس. من المهم أن يحتفظ الجميع بروح التضامن مع هؤلاء الإخوة والأخوات. والذين نؤكد لهم صلاتنا؛ كما نصلي كذلك من أجل الذين يوفرون لهم بشتى الطرق العناية، ساعين بجدية للقضاء على هذا الداء.
قريب أنا بالصلاة من أوكرانيا، وخاصة من الذين فقدوا أرواحهم في الأيام الماضية ومن عائلاتهم. وأتمنى أن يُعزَّز الحوار البناء بين المؤسسات والمجتمع المدني، بهدف الحيلولة دون اللجوء إلى أي نوع من أنواع العُنف، وكي يسود في قلب كل شخص روح السلام والبحث عن الخير المشترك!
يوجد اليوم العديد من الأطفال في هذه الساحة! العديد! وأود معهم أن أفكر بالطفل كوك كامبولونجو (Cocò Campolongo) صاحب الثلاثة أعوام، والذي مات حرقا في السيارة بمدينة كاسانو (Cassano allo Jonio). فما أبشع هذه الجريمة ضد طفل صغير، والتي أظنها غير مسبوقة في كل تاريخ الإجرام. لنصلي من أجل هذا الطفل، والذي هو يقينا الآن موجود مع يسوع في السماء، ومن أجل الأشخاص الذين قاموا بهذه الجريمة، كي يتوبوا عن فعلتهم ويرتدوا إلى الرب.
سيحتفل الملايين من الأشخاص – الذي يعيشون في أقصى الشرق وفي العديد من مناطق العالم، لا سيما الصينيين والكوريين والفيتناميين – خلال الأيام المقبلة ببدء السنة القمرية. اتوجه لهم جميعا بالتمني بوجود مفعم بالفرحة وبالرجاء. ليجد التعطش العميق للإخوة – الساكن في قلوبهم – في العلاقة العائلية العميقة مكانا متميزا لاكتشافه، ولتعليمه، ولتحقيقه. سيكون هذا إسهاما قيِّمًا في بناء عالم أكثر إنسانية، يسود فيه السلام.
لقد تم يوم أمس، في نابولي، الاحتفال بتطويب ماريا كريتسينا دي سافويا، ملكة الصقليتين، والتي عاشت في النصف الأول من القرن التاسع عشر. لقد كانت امرأة تتمتع بروحانية وتواضع عميقين، فعرفت كيف تأخذ على عاتقها آلام شعبها، فأضحت أمنا للفقراء. ليكن مثالها الرائع في عيش المحبة شهادة بأن عيش حياة الإنجيل الطيبة ممكنا في كل بيئة وفي جميع الأوضاع الاجتماعية.
أتوجه بتحية قلبية إليكم جميعًا، أيها الحجاج الأعزاء من مختلف رعايا إيطاليا ومن بلدان أخرى، وكذلك الهيئات، والمجموعات المدرسية وللجميع. أحيي بطريقة خاصة طلاب مدرسة كونكا (Cuenca) بأسبانيا والشباب القادم من بناما (Panamá). أحيي مؤمني كالتانيسيتا (Caltanissetta)، وبيرولو جارجالو (Priolo Gargallo)، وسان سيفيرينو مارتش (San Severino Marche) وسان جوليانو بميلانو (San Giuliano Milanese)، والخريجين من كلية مينوبريو (Minoprio). كما أود أيضا أن أعرب عن قربي من الأشخاص المتضررين من الفيضانات في إميليا.
أتوجه الآن إلى شبيبة حركة “العمل الكاثوليكي” في أبرشية روما! يا شبيبة حركة “العمل الكاثوليكي”، بقيادة الكاردينال المعاون، لقد جئتم بأعداد غفيرة، بعد الانتهاء من لقائكم الذي أطلق عليه: “قافلة السلام” ـ أشكركم! أشكركم جزيلا! وادعوكم الآن إلى الاستماع إلى الرسالة التي ستقرأ من أصدقائكم:
(قراءة الرسالة)
ثم تم تحرير حمامات بيضاء، ترمز إلى السلام.
أتمنى للجميع أحدًا مباركًا وغداء هنيئا! وإلى اللقاء!
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2014