الأب د. نجيب بعقليني – عن زينت
عيد الغطاس (اعتماد يسوع المسيح) أو عيد الدنحهو عيد ظهور سرّ يسوع الناصريّ للعالم، بصفته المسيح إبن الله الحقيقيّ، وظهور سرّ الثالوث الأقدس ألآب والإبن والروح القدس، في آنٍ معًا. ذلك بشهادة يوحنّا “هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم”، كما بانفتاح السماء، ظهر عهدٌ جديد بين السماء والأرض، ودخل الله في شركةٍ جديدة مع البشر، بشخص يسوع المعتمد. ونزول الروح القدس، بمسحه بطابع الملكية والنبوءة والحبريّة؛ وبصوت الآب “أنتَ إبني الحبيب الذي به سُرِرت”. فهذا يدلّ على رباط وثيق بين عماد الربّ بالماء والروح، وعماد الربّ بالدم في آلامه وموته وقيامته. من هنا يُعطى عيد الدنح طابع عيد القيامة.
بولادة يسوع، ظهر الله للبشر بصورة إنسان. فتمّ اللقاء بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه. وباعتماد يسوع، في نهر الأردّن، تمّ ظهوره للعالم، كما ظهر سرّ الثالوث الأقدس، ففاض الروح القدس على يسوع والبشريّة جمعاء.
عيد الدنح، أي عيد الظهور والإعتلان والإشراق، تعبير لاهوتيّ عن عيد الغطاس. فالغطاس هو النزول في الماء للمعموديّة.
اعتمد يسوع، على يد يوحنّا المعمدان، الذي كان يردّد “أنا أعمّدكم في الماء من أجل التوبة، وأمّا الذي يأتي بعدي فهو أقوى منّي ]…[ وهو يعمّدكم في الروح القدس والنار” (متّى 3: 11). ومع هذا، وبالرغم من أنّه الإله، اعتمد، متضامنًا معنا، في فقرنا وضعفنا، لكي يُنهضنا من كبوتنا وخطيئتنا. إنّه انحدر إلى مستوانا ليرفعنا إلى مستواه. أخذ ما لنا ليهبنا ما له. افتقر ليُغنينا. تواضع ليرفعنا. أخذ صورتنا فطبع فينا صورته. تعمّد الربّ يسوع، لكي يخلّصنا من الغرق، واليأس والخوف، ويُعطينا الرجاء، بأنّنا دخلنا طريق الخلاص، بواسطة موته على الصليب. “هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت”. من هنا، نتبرّر ونخلص، بحصولنا على النعمة، التي نحصل عليها من سرّ المعموديّة.نعم، حظينا برضى الآب ونلنا الخلاص، عندما آمنّا وتعمّدنا وكسرنا الخبز معًا.
اعتمد يسوع بالماء فكرّسه. أصبحنا بظهور الإله، على نهر الأردّن، أبناء الآب، وإخوة الإبن، وأصدقاء الروح. فلنجدّد معموديّتنا، بالوعي الكامل لعمل الروح القدس، الذي يمنحنا حياة إلهيّة، فتشفينا من أمراضنا، أي الخطيئة والضعف (الهوان). يعطينا الله من حياته الإلهيّة، ويُشركنا فيها، فنصبح أقوياء ممتلئين من قوّة الآب، وعضد الإبن، ومرافقة الروح القدس.
ظهور الإله، على نهر الأردّن، أدخلنا بحالة تواصل مع يسوع، من خلال الصلاة: التضرّع والتمجيد، والتقرّب من التوبة والمصالحة مع الذات والآخر.
عمّدنا أيّها الربّ يسوع، “بالنار والروح”، فنتزيّن بمواهب الروح. جدّد فينا “مواعيد” العماد المقدّس، لكي نكون هياكل الروح القدس، فنصبح خليقة جديدة ومتجدّدة، فنحوّل حياتنا “الداخليّة”، والروحيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة. وننتقل من حالة البؤس والبُعد عن الله، إلى حالة الفرح والقُرب من الآب السماويّ.
فليكن ظهور الثالوث الأقدس، في يوم اعتماد يسوع، حافزًا للدخول في المعموديّة المقدّسة، لنيل الحياة الجديدة مع الله وابنه والكنيسة وإخوتنا البشر “أنظروا كم يحبّون بعضهم بعضًا”.
لنترك عمل الروح القدس، يعمل في حياتنا، بالرغم من دخولنا في بعض الأحيان في الظلمة، لنولد من جديد، ولنصبح أبناء الله بالتبني والنعمة. ليغفر الله خطايانا لنؤهّل للدخول إلى الفردوس أي الملكوت، “الحقّ الحقّ أقول لكَ إن كان أحدٌ لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله”.
فليضئ نوركَ أيّها المسيح على عالمنا. وليكن حدث ظهورك كإله، على نهر الأردّن، حافزًا للدخول في حياتكَ الإلهيّة، من خلال طهارة القلب والجسد والفكر، وغسل هفواتنا وإعطائنا القوّة والحكمة، للعودة إلى نعيم ملكوتكَ، الذي نعيش من أجل تحقيقه، من خلال توبةٍ صادقةٍ ورجاءٍ حيّ وإيمانٍ صادق، ومحبّةٍ حقيقيّة.