منذ عهد مبارك، وبعد ثورتى يناير ويونيو، وحتى الأمس القريب، وأنا أنتظرُ ذلك اليوم المتحضر الذى تُقدّم فيه مصرُ اعتذارًا سياديًّا رسميًّا لأقباط مصر المسيحيين، لقاء ما نالهم على يد الإرهاب منذ حادثة الكُشح والزاوية الحمراء وحتى حادثة كنيسة الورّاق، مرورًا بعشرات من حوادث الغيلة والتفجير والقتل والاختطاف والتهجير التى ذاق المسيحيون نارَها ومُرَّها سنواتٍ وعقودًا، وظلّوا طوال الوقت يقابلون الإساءةَ بالغفران، والإقصاءَ بالمحبة، واللعناتِ بمباركة اللاعن والصلاة لأجله. تردد ذلك الحُلمُ كثيرًا فى مقالاتى ومحاضراتى ولقاءاتى الصحفية والتليفزيونية منذ خمسة عشر عامًا. حُلمَ أن أشهد ذلك الاعتذار الرسمى فى حياتى، لكن فى الحقيقة لم أكن متيقنةً من حدوثه إلا بعد عقود طوال من السعى التنويرى الدءوب، وبعد ثورة تعليمية وتثقيفية شاملة تُطيح بالخبث الراكد وتُفسحُ المجال لزهور التحضر حتى تُشرق على أرض مصر، وليس قبل رحيل راهنة الأجيال، أجيالنا، التى تربّت على العنصرية والطائفية والأنانية والأحادية، لتحلَّ محلّها أجيالٌ جديدة نظيفةُ العقول تؤمن بحكمة الله فى الاختلاف والتنوع بين بنى الإنسان.
لهذا أخالُنى أسعدَ الناس كنتُ عشيةَ عيد الميلاد المجيد، ٦ يناير، حين ارتقى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى أمامنا منصّة الكاتدرائية ليعلن هذا الاعتذار الرسمى على بوابة المذبح، مجاورًا قداسة البابا تواضروس الثانى، ومعلنًا اعتذار مصر للأقباط المسيحيين عن كل ما لاقوه من عسف وعنف، ولم يقابلوا حمق المتطرفين والإرهابيين إلا بمزيد من الحب لهذه الأم الطيبة مصر ولأشقائهم المسلمين، ثم اعتذر مجددًا عن التأخر فى ترميم الكنائس التى تهدّمت أو احترقت بيد الإرهاب السوداء، متعهّدًا ألا يمر هذا العام ٢٠١٦ قبل تمام إصلاحها
فى عيد الميلاد ٢٠١٥، كنت جالسة جوار المستشار د. حلمى أديب المحامى الخاص بى فى الصفوف الأولى للكاتدرائية، فهمستُ فى أذنه: «لو كنتُ مكان الريس لجئتُ أهنئ مسيحيى مصر بالعيد». فرد علىّ: «لا تكلفوه بما لا يستطيع! عديدُ الموانع السياسية تمنعه». فلما رفعنا عيوننا لشاشات المونيتور الداخلية بالكاتدرائية وشاهدنا الرئيس يهبط من سيارته ويدخل، نظرتُ إلى د. أديب وابتسمنا، فقال لى: «كنتِ تعرفين؟»، فقلت له: «لا! إنه حدسُ الشعراء!» وكرر الرئيس زيارته للعام التالى على التوالى. لهذا كان أجملَ ما سمعنا ليلتها، عبارة هتف بها أحد ظرفاء المسيحيين من نهاية قاعة الكاتدرائية: «حصوة فى عين اللى ما يصلى ع النبى».
أشكرُ الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأُهديه هذه الأبيات:
مِحرابٌ ومذبح
■ ■ ■
زهرةٌ
أورقتْ
فى الأشجارِ اليابسة
حينَ خرجَ الأميرُ من مِحرابِه
حاملاً قرآنَه
وقلبَه
ليصعدَ إلى المذبحِ
ويباركَ الطفلَ الجميلَ
هذا الخبر منقول من : المصري اليوم