“فقال له : إنسان صنع عشاء عظيما ودعا كثيرين وأرسل عبده في ساعة العشاء ليقول للمدعوين : تعالوا لأن كل شيء قد أعد فابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون. قال له الأول: إني اشتريت حقلا، وأنا مضطر أن أخرج وأنظره أسألك أن تعفيني وقال آخر: إني اشتريت خمسة أزواج بقر، وأنا ماض لأمتحنها. أسألك أن تعفيني وقال آخر: إني تزوجت بامرأة ، فلذلك لا أقدر أن أجيء فأتى ذلك العبد وأخبر سيده بذلك . حينئذ غضب رب البيت ، وقال لعبده : اخرج عاجلا إلى شوارع المدينة وأزقتها ، وأدخل إلى هنا المساكين والجدع والعرج والعمي” لأني أقول لكم : إنه ليس واحد من أولئك الرجال المدعوين يذوق عشائي”( لوقا 14: 16-24)
العُرس والوليمة من رموز ملكوت الله، وأنا وأنت نتوقع أن يهرول المدعوون لتلبية الدعوة فهي حلم كل إنسان وهي أمنية غالية. ولكنهم يرفضون الدعوة بلا مبرر أو بمبررات تافهة، ويفضّلون عليها أشياء أخرى… المثل يشرح حدثين تاريخيين هما رفضُ السلطات اليهودية ليسوع، ورفضُ الشعب اليهودي لرسالة المسيحية. ولكن المثل لا يقف عند هذين الحدثين.
لنستعرض المثل عن طريق شخصياته وأعمالهم:
الرجل العظيم (الملك):هو بطل القصة وسيد الموقف وصاحب كل مبادرة ونعمة وفضل،
الوليمة أو العُرس: هو ملكوت الله، ملكوت الفرح والرجاء والحياة والسعادة.
المدعوون: يرفضون الدعوة، وينشغلون عن الوليمة بما هو تافه وعابر وقابل للتحقيق لاحقا في أحسن الأحوال إذا كان ضروريا فلا مجال للتشتت والتردد تجاه دعوة الله ولا يوجد ما هو أهم من قبولها وتلبيتها. لا الخيرات الزمنية الفانية ولا تحقيق الذات في المجال المهني العابر ولا الإشباع الحسي بملذات الحياة.
الأول: “رمز الخيرات الزمنية”: اشتريت حقلا: لا مجال للأوهام. هل سيختفي الحقل او ينتقل من مكانه؟ لو دام لغيرك ما صار لك. هو فان وأنت ذاهب فلم تفضله عن حياتك الأبدية.
الثاني: “رمز الانشغال المهني”: اشتريت بقرا وأريد ان أجربه: وهل سينتهي العمل أم سيهرب البقر، تستطيع ان تؤجل التجربة إلى وقت آخر، أم أنك تحن إلى العجل الذي عبدته في البرية وقد صار العمل صنمك الجديد الذي يشغلك عن خالقك.
الثالث: “رمز الملذات الحسية”: تزوجت إمرأة: وهل ستطلقها غدا وهل صار البحث عن الشهوات الجسدية والتنعم بلذة الحواس الوقتية هو هدف حياتك؟ التي من يشرب منها يجوع أيضاً ومن يأكل منها يجوع أكثر ومن ينغمس فيها لأ يجد مفرا من مزيد الإنغماس حتى إلى الهاوية.
الحكم الرهيب: “لقد أكلنا وشربنا أمامك، لقد علمت في ساحاتنا” “لا أعرف من أين أنتم؟” “يارب، أما باسمك تنبأنا؟ وباسمك طردنا الشياطين؟ وباسمك أتينا بالمعجزات الكثيرة؟ فأقول لهم علانية: ما عرفتكم قط. إليكم عني أيها الأثمة” (مت 22:7-23).
الخلاصة: أن الساعة قد أتت فكل شيء مُعدّ، وستطال دينونة الله كل إنسان. طالت بني إسرائيل وتطالنا نحن أيضاً كمسيحيين حيث لا يكفي أن ننتمي إلى الشعب المختار أو أن نفتخر بميراثنا الديني: فما يعطينا حق الجلوس مع الله ليس الانتماء إلى شعب أو ملة ولا طائفة أو فئة أياً كانت، بل هو الإيمان والأعمال. حقاً الجميع مدعوون ولكن ليس الجميع مختارين. يجب أن يظل المسيحي مطيعا وفي موقف ساهر دائم.
أما زلت مشغولاً؟ أقول لك انك مرتبك ومشغول بأمور كثيرة والحاجة إلى واحد. فأترك كل شيء واتبعه……….
الأب بولس جرس