كلمة غبطة البطريرك ميشيل صباح أمام قداسة البابا بندكتس السادس عشر

كلمة غبطة البطريرك ميشيل صباح أمام قداسة البابا بندكتس السادس عشر

روما، 30 يناير 2008 (zenit.org).

ننشر في ما يلي نص الكلمة التي ألقاها رئيس مجلس الأساقفة اللاتين في البلدان العربية، البطريرك ميشيل صباح، لدى زيارة اساقفة اللاتين في البلدان العربية الى قداسة البابا بندكتس السادس عشر في الثامن عشر من الجاري، وقد وصلتنا هذه الكلمة عبر موقع abouna.org

صاحب القداسة ،

1 أسعدتنا دعوة قداستكم لنا للقدوم إلى روما لنضع بين يديكم تقاريرنا عن مختلف كنائسنا، في هذه الأيام التي ما زالت تملأها نعمة الميلاد والسنة الجديدة. وإننا نسأل الله أن يجعل العام الجديد عاما مليئا بالنعم والبركة لقداستكم وللكنيسة الجامعة.

إننا نمثل بلدانا مختلفة: الأرض المقدسة أي الأردن وفلسطين وإسرائيل، والبلدان المجاورة للأرض المقدسة أي قبرص ومصر والعراق وسوويا ولبنان، وبلدان الخليج العربي أي الكويت واتحاد الأمارات العربية وسلطنة عُمان وقطر والبحرين واليمن والعربية السعودية، وأخيرا القرن الإفريقي أي جيبوتي والصومال.

2 في بلدان الخليج العربي والقرن الإفريقي، المسيحيون كثيرون، ولكنهم كلهم وافدون وضيوف، جاؤوا للإسهام في تنمية البلدان وفي البحث عن رزقهم فيها. بعض هذه البلدان يسمح لهؤلاء الوافدين بحرية دينية نسبية ومراقبة، ويسمح لها ببناء كنائسها ومدارسها، وما زال بعضها الآخر مغلقا دون تلك الحرية للإنسان المؤمن غير المسلم، فلا يتاح له أن يقيم شعائر دينه حيث يعمل وحيث البلد نفسه بحاجة إلى عمله.

وحيث توجد الحرية الدينية ولو كانت نسبية، فإن حياة الجماعات المسيحية مزدهرة، يخدمها رجال دين من الرهبان الكرمليين في الكويت أو الكبوشيين في سائر بلدان الخليج ورهبان السالزيان وراهبات الأم تريزا في اليمن. والمؤمنون العلمانيون ناشظون ملتزمون خدمةَ كنائسهم، يقومون بمهمة تعليم الأطفال والشبان وإعدادهم لقبول المقدسات أي المعمودية والتثبيت والمناولة والتوبة والزواج….

في القرن الإفرييقي، الجماعة المسيحية في جيبوتي صغيرة وهي من خارج البلاد من فرنسا أو من بلاد الحبشة، وتنعم بطمأنينة واستقرار نسبيين. وأما الصومال فيعاني منذ سنين عديدة من الحروب وعدم الاستقرار. والحضور المسيحي فيه تضاءل حتى أصبح صلاة ومحبة ترافقانه من بعيد وتسأل الله له السلام والطمأنينة.

3 في سائر بلدن الشرق الأوسط، في مصر والعراق وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل، المسيحيون هم أبناء الأرض، مواطنون مع مواطنيهم، ويوجد معهم أيضا عدد من المسيحيين القادمين من أنحاء العالم، رهبانا وراهبات، أو عمالا في مختلف مجالات العمل، ولا سيما في مجال الخدم البيتية، وجُلُّ هؤلاء من الفيليبين او السريلنكا.

في كل هذه البلدان، نخدم المؤمنين جنبا إلى جنب مع الكنائس المختلفة الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية. والتعاون بين الكنائس يزداد يوما بعد يوم، بفضل المجالس الأسقفية والبطريركية ضمن الكنائس الكاثوليكية. ففي كل بلد مجلس بطاركة وأساقفة، بالإضافة إلى مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك السبعة في مصر والعراق والقدس ودمشق وبيروت. وهناك مجلس كنائس الشرق الأوسط بين جميع الكنائس، بالإضافة إلى اللقاءات المحلية في كل بلد من بلداننا.- وإلى جانب البطريركية اللاتينية والكنائس المختلفة الخادمة في الأرض المقدسة، لا بد من ذكر حراسة الأرض المقدسة بكل رهبانها الفرنسسكان والرسالة الفريدة الموكولة إليهم أي حراسة الأماكن المقدسة والخدمة الرعوية والاجتماعية في الرعايا حولها.

4 نحن مسيحيون في بلداننا العربية المسلمة. والديانة هي في صلب حياة المجتمع وجزء أساسي في هوية كل فرد سواء كان مسلما أم مسيحيا. ودين الدولة هو الإسلام. والدساتير تساوي بين المواطنين من غير تفرقة من حيث الدين. لنا الحرية الدينية لنعيش إيماننا ونبني كنائسنا ومدارسنا. ومع ذلك قد تقع أحيانا أحداث بين أفراد أو جماعات لسبب أو لآخر كما يحصل في كل مجتمع، وقد تتخذ طابعا طائفيا وجماعيا. ومعظم الأحداث التي تبرزها الصحافة العالمية هي ما يحصل منها اليوم في العراق، مع عدم الاستقرار السياسي فيه، وفي فلسطين للفراغ الأمني الذي انتشر فترة من الزمن وبدأت السلطة الفلسطينية تحسره في هذه الأيام الأخيرة، وفي مصر بين الأقباط والمسلمين….

الاتزان أو الخلل في العلاقات في بلداننا يعود إلى أحداث عامة كما يحدث في كل بلد، وإلى عوامل طائفية، سواء بين مسلمين ومسلمن، أو بين مسلمين ومسيحيين، كما هو الأمر في العراق بين السنة والشيعة او بين المسلمين والمسيحيين، وبين الطوائف المتعددة في لبنان…. عوامل طائفية، هذا يعني أنها مسيرة طويلة وتربية لا بد من تجديدها باستمرار لتوجيهها نحو الانفتاح وقبول الآخر المختلف في دينه، والمساوي للآخر في انتمائه الى الوطن نفسه. هي مسير طويلة وبطيئة سيبقى فيها عقّال وجهّال، وعناصر مسؤولة وأخرى غير مسؤولة تثير الأحداث، وسيبقى فيها وسطاء خير يطفئون النار إذا ما اشتعلت.

وهناك تحدٍّ آخر يواجهنا في بلداننا كما يواجه العالم كله، وهو التطرف الذي يستثيره من جهة فهم مخطئ للدين بتحويله إلى عامل مقاومة سياسية وبإحلال الذات والهوية السياسية محل الله سبحانه وتعالى، ويستثيره من جهة أخرى الشعور بمظالم تفرض على الإنسان في أرضه وبلده…. مقاومة الإرهاب والتطرف أمر واجب، ولكن المقاومة الحقيقية تبدأ من جهة بتربية دينية سليمة، ومن جهة أخرى، باستئصال المظالم المفروضة على الشعوب.

.
5 وفي الأرض المقدسة، قضية السلام الذي يبدو “أمرا مستحيلا” والتي أجمعت الأسرة الدولية على معالجتها في هذه الأيام بصورة خاصة. وهي قضية ترعونها، قداستكم، بصورة مباشرة ومتوالية.

وفي إطار الصراع العام، لا بد من ذكر وضع خاص بات يهدد المسيحيين وهو تصعيب السلطات في إسرائيل في منحها تأشيرات الدخول لرجال الدين الخادمين في الأرض المقدسة. ما زالت القضية عالقة تنتظر الحل المناسب، بالرغم من المداولات الكثيرة وبالرغم من الوعود الكثيرة. وهي قضية تشكل تهديدا جدّيًّا وخطيرا للبقاء المسيحي في الأرض المقدسة.

6 قداسة الحبر الأعظم

مع إخوتي الأساقفة في مجلس الأساقفة اللاتين في البلدن العربية، ومع أعضاء مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأرض المقدسة، نجدّد دعوتنا إلى قداستكم لزيارتنا في الأرض المقدسة، آملين أن تزول جميع العقبات التي تحول دون زيارتك لنا والتي نرى فيها بركة لبلداننا ولكنائسنا.

وإننا لنجدد شكرنا ومحبتنا ونؤكد على استمرار صلاتنا لقداستكم.

البطريرك ميشيل صباح