خاص بموقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي
ينفرد طقس كنيسة الإسكندرية دون طقوس الكنائس الأخرى بذكر كلمة «ذاق» حسب نص القداس الباسيلي لكنيسة الإسكندرية، وبكلمة « ذقتَ » حسب نص القداس الغريغوري للكنيسة عينها. ونص القداس الكيرلسي بكلمة « ذاق » للكنيسة ذاتها، وتعتقد ليتورجية هذه الكنيسة السكندرية أن المسيح ذاق أثناء حضوره وسط تلاميذه في العشاء السري الإلهي. وأننا في هذه المقالة نسلسل كلام التقديس بخصوص الكأس ورشوماته وما يليه من التقليد الكتابي والتقليد الرسولي إلى عصرنا هذا.
أولا :- التقليد الكتابي:-
1- نص رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنتوس, حوالي 50-52:
«فإِنِّي تَسَلَّمتُ مِنَ الرَّبِّ ما سَلَّمتُه إِلَيكُم، وهو أَنَّ الرَّبَّ يسوع في اللَّيلَةِ الَّتي أسلِمَ فيها أخَذَ خُبْزًا وشَكَرَ، ثُمَّ كَسَرَه وقال: هذا هو جَسَدي، إِنَّه مِن أَجْلِكُم .اِصنَعوا هذا لِذِكْري. وصَنَعَ مِثلَ ذلكَ على الكَأسِ بَعدَ العَشاءِ وقال: هذه الكَأسُ هي العَهْدُ الجَديدُ بِدَمي. كُلُّمَا شَرِبتُم فاصنَعوه لِذِكْري»1 كو 11/23-25.
2- نص الإنجيل كما رواه القديس مرقص, حوالي 70 :-
« ثُمَّ أخَذَ كأَساً وشَكَرَ وناوَلَهم، فشَرِبوا مِنها كُلُّهم، وقالَ لَهم: هذا هو دَمي دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجلِ جَماعَةِ النَّاس الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ الآنِ مِن عَصيرِ الكَرمَة، حتى ذلك اليَومِ الَّذي فيه أَشرَبُه جديداً في مَلَكوتِ الله. ثُمَّ سَبَّحوا وخَرَجوا إِلى جَبَلِ الزَّيتون» مر14/23-26.
3 – نص الإنجيل كما رواه القديس لوقا, حوالي80 :-
«ثُمَّ تَناوَلَ كأساً وشَكَرَ وقال: (( خُذوا هذا واقتَسِموهُ بَينكم، فإِنِّي أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ اليَومِ مِن عَصيرِ الكَرمَةِ حتَّى يَأتيَ مَلَكوتُ الله» 22/17.
4- نص الإنجيل كما رواه القديس متى, حوالي 80-90 :-
«ثُمَّ أَخَذَ كَأساً وشَكَرَ وناوَلَهم إِيَّاها قائلاً: اِشرَبوا مِنها كُلُّكم فهذا هُوَ دَمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجْلِ جَماعةِ النَّاس لِغُفرانِ الخَطايا. أَقولُ لكم: لَن أَشرَبَ بعدَ الآن مِن عَصيرِ الكَرْمَةِ هذا حتَّى ذلك اليَومِ الَّذي فيهِ أَشرَبُه مَعَكُم جَديداً في مَلكوتِ أَبي» متى 26/27-29.
ثانياً :- التقليد الرسولي:-
1 ـ يوستينوس 165:-
« فقد سلمنا الرسل في مذكراتهم التي تدعى بالأناجيل ما قد أمروا به.ألا وهو أن المسيح أخذ خبزا(…) وأيضا اخذ الكأس وشكر قائلا لهم هذا هو دمى وأعطاها لهم وحدهم … »
2 ـ الديداكية حوالي 100_150 :-
« أشكرك, يا أبانا من أجل الكرمة المقدسة التي لداود خادمك .لقد أعلنتها لنا بيسوع ابنك.المجد لك أبد الدهور»
3ـ التقليد الرسولي للقديس هيبوليتس +235 :-
«وبينما كان يسلّم ذاته إلى الآلام التي ارتضاها, لكي يدمر الموت ويحطم حبائل الشيطان ويطأ الجحيم بإقدامه ,ويصحب الأبرار إلى النور, ويثبت قاعدة الإيمان ويظهر القيامة, أخذ خبزا وشكر (…) وهكذا الكأس, قائلا: هذا لذكرى المسفوك لأجلكم.عندما تصنعون هذا اصنعوه لذكرى»
ثالثاً :- التقليد الآبائي:-
1ـ القديس اكليمنضس الإسكندري (150-215):-
« المسيح بارك الخمر قائلا خذوا اشربوا هذا هو دمى لمغفرة الخطايا »
2ـ العلامة أوريجانوس الإسكندري (185-253):-
«والشراب الذي في الكأس الذي خصصه الله الكلمة (المسيح) ليكون دمه هو الكلمة الذي يسكر القلب ويشبعه»
3ـ القديس أثناسيوس الرسولي (298-373):-
«والمسيح المخلص بينما هو يغير ما كان مثالا إلى ما هو روحاني, وعدهم أنهم لن يأكلوا لحم خروف فيما بعد بل لحم هو قائلا:خذوا كلوا هذا هو جسدي, واشربوا هذا هو دمى»
رابعًا :- الأنافورات حينذاك :-
1- أنا فورا الرسولين أداى ومارى سريانية ليس لها أصل يوناني معين :-
«وهكذا الكأس شكر وأعطاها لهم قائلا :هذا هو دمى الذي للعهد الجديد, الذي يسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا»
2- أنا فورا سيرابيون أسقف تمويس في القرن الرابع :-
«نقدم هذه الكأس وهى صورة العشاء وقال لتلاميذه :خذوا واشربوا منها كلكم لان هذا هو العهد الجديد ,هذا هو دمى الذي يسفك لمغفرة الخطايا ولذالك نقدم الكأس وهو صورة الدم»
3- أنا فورا تنسب للقديس اكليمنضس الروماني, كتبت ما بين عامي 370-380:-
«هكذا أيضا أخذ الكأس ومزجها من خمر وماء وقدسها,وأعطاها لهم قائلا: اشربوا منها كلكم هذا هو دمى الذي يسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا اصنعوا هذا لذكرى»
4- بردية أنا فورا ديرا البلايزة أسيوط, كتبت في القرن 6 م :
«وهكذا أيضا من بعد العشاء أخذ كأسا وبارك وشرب منة وأعطاه لهم قائلا: خذوا اشربوا منة كلكم, هذا هو دمى المسفوك عنكم لمغفرة الخطايا»
5- رقوق مانشستر من القرن 6, والتي ضم بعضها إلى بعض رايلاند:
«وهكذا أيضا من بعد العشاء أخذ كأس وشرب منة وأعطاه لهم… »
6- ترتيب الكهنوت،المنسوب للأنبا ساويروس ابن المقفع , أسقف الأشمونيين , في القرن 10:
«ثم بعد الخبز أخذ كأسا وشكر وأعطى تلاميذه وقال:خذوا هذا الكأس اقسموه بينكم هذا هو دمى العهد الجديد الذي يسفك عنكم لمغفرة خطاياكم هذا اصنعوه لذكرى» …
خامسًا : ـ المخطوطات:-
1 ـ مخطوط لندن شرقي ,1239,من القرن 12:
«وذاق وأعطى خاصته …»
2 ـ مخطوط فاتيكان قبطي17, من القرن 13:
«وذاق وأعطى خاصته …. »
3 ـ مخطوط برايتمان من القرن 13 :
« وذاق وأعطاها أيضا لتلاميذه الكرام القديسين … »
4 ـ مخطوط موسكي 461, من القرن 14:
«وذاق ودفع أيضا لخواصه … »
5- مخطوط ترتيب القداس ,للبابا غبريال الخامس البطريرك الثامن والثمانون (1409-1427):
«خذوا اشربوا منها كلكم… »
6- مخطوط خولاجي بدير البراموسي , نسخ البطريرك كيرلس الخامس :
«وذاق و أعطي…»
7- مخطوط خولاجي بتاريخ 1580للشهداء,1864للميلاد:
«وذاق وأعطي …»
8- مخطوط خولاجي بتاريخ 1600للشهداء,1884للميلاد رقم 2/242:
«و ذاق و أعطي …»
9 – مخطوط خولاجي بتاريخ 1603للشهداء,1887للميلاد:
«وذاق وأعطي …»
10- مخطوط خولاجي بتاريخ 1628 للشهداء,1912للميلاد رقم 2/242,و رقم 2/249 :
«وذاق وأعطي … »…
سادسًا:- الأفخولوجيات :
والآن نلقى نظرة على الأفخولوجيات الخاصة بطقس كنيسة الإسكندرية , والخاصة ببعض الكنائس الأخرى .
ويمكن تقسيم هذه الأفخولوجيات على النحو التالي :
1 ـ أفخولوجيات الكنيسة القبطية وتنقسم كالآتي :
أ- أفخولوجيات الكنيسة القبطية الكاثوليكية:
1-أفخولوجيون, للأنبا روفائيل ميخائيل الزيات طوخي, طبع بروما سنة 1736:
القداس للقديس كيرلس
السكندري
(340-444)
وذاق وأعطاها أيضا لخاصته المكرمين التلاميذ القديسين …, صـ317
القداس للقديس غريغوريوس
النازينزي أسقف القسطنطينية
(330-390)
وذقت وأعطيتها أيضا لخواصك
الكرام القديسين…, صـ 212
القداس للقديس باسيليوس
أسقف قيصرية كبادوكية
(329-379)
وذاق وناوله أيضا لخواصه
التلاميذ القديسون…, صـ11
2-أفخولوجيون, للأنبا كيرلس مقار, طبع بالقاهرة, سنة 1898:
وذاق وأعطاها أيضا لخاصته المكرمين التلاميذ القديسين …, صـ 21
وذاقت وأعطيتها أيضا لخواصك الكرام القديسين…, صـ 28
وذاق وناولها أيضا لخواصه التلاميذ القديسين…, صـ 63
3- أفخولوجيون, للأب ملاك حنا, طبع بروما, سنة 1971:
وذاق وأعطاها أيضا لتلاميذك المكرمين القديسين …, صـ627
وذقت وأعطيتها أيضا لتلاميذك المكرمين القديسين …, صـ 498
وذاق وأعطاها أيضا لتلاميذه القديسين …, صـ 305
ب- أفخولوجيات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية:
1-أفخولوجيون ,للقمص عبد المسيح صليب المسعودى البر موسى ,طبع بالقاهرة ,سنة 1902:
وذاق وأعطاها أيضا لتلاميذه الكرام القديسين …, صـ642
وذقت وأعطيتها أيضا لتلاميذك المكرمين القديسين …, صـ494
وذاق وأعطاها أيضا لتلاميذه القديسين …, صـ 335
2- أفخولوجيون ,لجمعية أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ,قداسا القديسين باسيليوس و غريغوريوس,طبع بالقاهرة ,سنة 1927:
وذقت وأعطيتها لتلاميذه المكرمين ورسلك الأطهار …, صـ263
وذاق وأعطاها أيضا لتلاميذه القديسين …, صـ131
3- أفخولوجيون ,للقمص عطاللة أرسانيوس المحرقى, طبع بالقاهرة سنة 1959 :
وذاق وأعطاها أيضا لتلاميذه الكرام القديسين …, صـ630
وذقت وأعطيتها أيضا لتلاميذك المكرمين …, صـ484
وذاق وأعطاها أيضا لتلاميذه القديسين …, صـ329
جـ ـ أفخولوجيات الكنيسة الإثيوبية, تعريب القس مرقس داود, القاهرة, 1959:
1ـ قداس الرسل: « قال لهم:خذوا اشربوا هذه الكأس هي دمى الذي يسفك عنكم… »صـ74
2- قداس الرب: « وهكذا الكأس وضعت فيها خمر وشكرت وباركت وقدست وأعطيتها لهم حقا أن هذا هو دمك الذي يسفك من أجل خطايانا… »صـ103
3- قداس يوحنا ابن الرعد: « وقال هذه الكأس هي دمى الذي للعهد الجديد, خذوا واشربوا منها كلكم… »صـ122
4- قداس القديسة مريم: « وهكذا أيضا الكأس بعد العشاء أشار وقال: خذوا اشربوا من هذه الكأس هي دمى الذي سوف تسفكه الحربة من أجلكم … »صـ144
5- قداس الثلاثمائة: « وهكذا أيضا الكأس: بارك وقدس وقال:خذوا, اشربوا, هذه الكأس هي دمى الذي سوف يسفك عنكم لمغفرة الخطايا… »صـ164-165
6- قداس القديس أثناسيوس: « وهكذا أيضا الكأس إذ مجت فيها خمرا و ماء شكرت وباركت وقدست وأعطيتها إليهم قائلا: خذوا اشربوا هذه الكأس هي دمى … »,صـ190-191
7- قداس القديس باسيليوس: « وهكذا أيضا الكأس, بعد أن مزج فيها خمر وماء شكر وبارك وقدس وذاق وأعطاها لتلاميذه … »,صـ201
8- قداس القديس غريغوريوس: « ونظر أيضا إلى هذه الكأس , ماء الحياة مع خمر, وشكر وبارك وقدس وأعطاها لرسله وقال لهم خذوا اشربوا, هذه الكأس هي دمى الذي هو شراب الحياة بالحق من يشرب منه فله حياة أبدية. خذوا اشربوا منها كلكم لكي يكون للحياة والخلاص (…)خذوا اشربوا انتم الذين اجتمعتم في بيت الصلاة … », ص222
9- قداس القديس أبيفانيوس: « وقال لهم خذوا ,اشربوا هذه الكأس هي شركة دمى … », صـ241
10- قداس القديس يوحنا فم الذهب: « وقال لهم هذا الكأس هو دمى (…)خذوا اشربوا … », صـ254
11- قداس القديس كيرلس: « وقال لتلاميذه خذوا اشربوا هذه الكأس … », صـ271.
12- قداس القديس يعقوب السروجي: « ومزجت أيضا كأس الخمر بالماء لتعطى لتلاميذك الأطهار… », صـ284
13- قداس القديس ديسقورس: « وقال لهم خذوا اشربوا ,هذه الكأس هي دمى … », صـ297
14- قداس القديس غريغوريوس الثاني: « وهكذا أيضا تحدثت إليهم عن الكأس خذوا, اشربوا هذه الكأس هي دمى … », صـ308
د- قداس يوحنا الحبيب, نشر بمجلة الصلاح, يوليو /أغسطس, القاهرة, 1981, صـ200«وقال هذه الكأس هي دمى للعهد الجديد خذوا واشربوا منها كلكم»
2 ـ أفخولجيات بعض الكنائس الأخرى وقد نقسمها على النحو التالي :
أ- أفخولوجيات الطقس البيزنطي :-
ا- قداس القديس باسيليوس الكبير :-
«ومثل ذالك الكأس بعد العشاء قائلا اشربوا من هذا كلكم هذا هوة دمى … »
2- قداس القديس يوحنا فم الذهب :
«ومثل ذالك الكأس بعد العشاء قائلا اشربوا من هذا
كلكم هذا هو دمى العهد الجديد»
ب-أفخولوجيون الطقس الكلداني :
«وهكذا من بعد العشاء (…)وناول تلاميذه قائلا :خذوا فاشربوا منها كلكم هذا هو دمى … »
جـ – أفخولوجيون الطقس الماروني :
«وكذالك بعد العشاء اخذ بيديه الطاهرتين, الكأس النفيسة وشكر وبارك وقدس وأعطي تلاميذه قائلا: خذوا اشربوا جميعكم, فهذه الكأس دمى العهد الجديد… ».
د -أفخولجيون الطقس اللاتيني الروماني :
«لذالك من بعد العشاء, أخذ هذه الكأس الجليلة (…) وناول تلاميذه قائلا خذوا فاشربوا منها كلكم هذه هي كأس دمى, دم العهد الجديد الأبدي… »
وبعد أن ألقينا نظرة سريعة متواضعة على التقليد الكتابي، والرسولي، والآبائي، والأنافورات آنذاك، والأفخولوجيات في كنيسة الإسكندرية والكنائس الأخرى.
والآن نجاوب على السؤال الآتي :
هل ذاق المسيح أثناء الشركة المقدسة ؟ ولماذا أضاف الطقس القبطي من دون الطقوس الأخرى كلمة ذاق ؟
يسوع المسيح لن يذوق من عصير الكرمة ليلة عشاء الفصح نهائيا, ويسرد لنا انجيل القديس لوقا في الفصل 22 الآيات 15 حتى 18 « فقالَ لَهم: اِشتَهَيتُ شَهْوَةً شديدةً أَن آكُلَ هذا الفِصْحَ مَعَكم قَبلَ أَن أَتأَلَّم. فإِنِّي أَقولُ لَكم: لا آكُلُه بعدَ اليَومِ حتَّى يَتِمَّ في مَلَكوتِ الله ثُمَّ تَناوَلَ كأساً وشَكَرَ وقال: خُذوا هذا واقتَسِموهُ بَينكم، فإِنِّي أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ اليَومِ مِن عَصيرِ الكَرمَةِ حتَّى يَأتيَ مَلَكوتُ الله» وينفرد هذا الإنجيل اللوقاوى دون الإنجيلين متى ومرقص بالآيات هذه قبل تقديس الخبز والخمر.
وبعد تقديس الخبز والخمر عند إنجيل القديس مرقس الفصل 14 الآية 25 «الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ الآنِ مِن عَصيرِ الكَرمَة، حتى ذلك اليَومِ الَّذي فيه أَشرَبُه جديداً في مَلَكوتِ الله » وأيضا لدى أنجيل القديس متى الفصل 26 الآية 29«أَقولُ لكم: لَن أَشرَبَ بعدَ الآن مِن عَصيرِ الكَرْمَةِ هذا حتَّى ذلك اليَومِ الَّذي فيهِ أَشرَبُه مَعَكُم جَديداً في مَلكوتِ أَبي » ولكن من ناحية نبوءة يسوع حول الامتناع عن الشرب من عصير الكرمة, هي حديث سبق عن موته القريبة قيامته وانتصاره في نهاية الأزمنة, وهكذا آلا يكون عشاء الرب تذكارا فقط, بل نبوءة وأيضا: «أَقولُ لكم: لَن أَشرَبَ بعدَ الآن مِن عَصيرِ الكَرْمَةِ هذا حتَّى ذلك اليَومِ الَّذي فيهِ أَشرَبُه مَعَكُم جَديداً في مَلكوتِ أَبي» متى 26/29, إنجيل العبرانيين المنحول, الجزء السابع, في ايرينيموس الرجال المشهورين 2«حلف يعقوب أنه لن يأكل من هذه الساعة التي فيها شرب كأس الرب حتى يراه.قائما من بين الراقدين وإن إعلان يسوع الاحتفالي بالامتناع عن الشراب,يربط العشاء الأخير بالوليمة الأخروية (هذا اليوم –يوم الرب الأخروي ) »
ستتحول الجماعة إلى ما يسميه الوحي عشاء زواج مع الحمل.وعندما تحدث يسوع عن خمر الكأس الافخارستى الذي لن يشرب منة« الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ الآنِ مِن عَصيرِ الكَرمَة، حتى ذلك اليَومِ الَّذي فيه أَشرَبُه جديداً في مَلَكوتِ الله» (مر14/25), بسبب موته القريب, قبل أن يقوم نظام جديد للأشياء في ملكوت السماوات .إذن هذا العشاء الأخير لما يكن فقط احتفالا بموت المسيح, بل احتفال الفرح بمجيئه القريب على أساس هذه العودة المضاعفة إلى ماضي الصليب التاريخي, ومستقبل المجيء الذي يتجاوز التاريخ.
فإصرار الطقس القبطي منذ القرن السادس الميلادي بالحفاظ على أن المسيح ذاق أو شرب كما أسردنا في أول مقالنا البسيط هذا, في أنا فورا دير البلايزة بأسيوط, ورقوق مانشستر من القرن 6 والتي جمعها رايلاند, ثم بعد ذالك الحين أخذت تنتشر في الأفخولوجيات الكنيسة القبطية من دون الأفخولوجيات الكنيسة الإثيوبية ,والبيزنطية والمارونية …الخ
كما نعلم أن أنا فورا دير البلايزة المنسوخة في القرن 6 م , هي تمثل طقس ما بين السنة 200-300, ربما يتساءل أحد: لماذا في هذه الفترة أضيف في الطقس القبطي كلمة ذاق في الأنافورات ؟
أضيفت كلمة ذاق في الطقس القبطي في هذه الحقبة المذكورة لأن التاريخ الكنسي يسرد لنا أن أول اضطهاد في الإسكندرية في عهد سبتيمس ساويرس سنة202.ويصف لنا أوسابيوس القيصري المؤرخ المشهور بل أبو التاريخ الكنسي,شجاعة الشهداء ويتكلم على عددهم وعلى أنواع العذابات التي قاسوها.واشتد الاضطهاد في عهد داقيوس وعذب الكثيرون وسجنوا وكثيرون من كل جنس وعمر ماتوا بالسيف أو حرقا أو تحت السياط .
وامتد الاستشهاد إلى الصعيد في القرى في عهد جالوس وفاليريانس. وكانوا يسيقون المسيحيين إلى الموت كالحيوانات عشرات ومئات .فالسيف في انتظارهم؟ وكذالك أنياب الوحوش؟ وأشغال المناجم؟ .
من الإمبراطور داقيوس (249-251) إلى الإمبراطور فاليريانس (253-260).ففي هذه الفترة عدد كبير من المسيحيين قد استشهد ولكن هناك عدد كبير أخر قد ذبح للإلهة.وعندما استلم دقلديانوس الحكم سنة 284 ,فقسم هذا الإمبراطور العالم إلي قسمين هما :-
1- القسم الغربي:-
وتم تعين الإمبراطوران مكسيميانوس (286-305) ومقره في ميلانو,كونستانس كلور (305-306), بلقب قيصر , في بريطانيا , وغاليا و أسبانيا و هو والد الإمبراطور قسطنطين
2- القسم الشرقي:-
وكان فيه الإمبراطور دقلديانوس (284-305) وبلقب أوغست وكان مقره نيكوميديا, والإمبراطور غاليريوس (305-311) ومقره في ايليريا (البلقان) أيّ صهر دقلديانوس. وبلقب قيصر .
دعي عصر دقلديانوس بعصر الشهداء الذي كان الدم يسيل في كل مكان ,وقد ذهب في عصره ألوف وألوف من الضحايا والمسيحيين من أجل اسم فاديهم ,حتى قال أحد الآباء في عصره «بالاضطهادات تغلق الأرض ولكن …السماوات تفتح» وإن تاريخ الأقباط هو تاريخ الصمود والحفاظ على الإيمان القديم,وتاريخ سجل على جدران الزمن بالدم والدموع, حتى كانوا يقولون أثناء اضطهادات دقلديانوس «لا نستطيع أن نعيش بدون الإفخارستيا»[1]
وقد وضع الآباء كلمة ذاق في هذه الفترة لكي يقووا ويرسخوا إيمان المسيحيين بالفادي الذي سمر على خشبة الصليب,أمام هذه الاضطهادات.وأخذت تنتشر فيما بعد بسبب الاضطهادات التي مرت على الكنيسة المصرية . وكان الهدف من كلمة ذاق هو أن المسيح ذاق هذه الآلام فوق عود الصليب من الإهانات. والبصق على الوجه واللطم,والضرب بالسياط ,وإكليل الشوك على رأسه وطعنة بالحربة في جنبه المقدس[2]. والدليل على ذلك أن الهدف من ذاق هو آلام المسيح وليس المسيح شرب أو ذاق من عصير الكرمة أثناء تأسيس سر الإفخارستيا,لأنه تسرد لنا قطع الساعة التاسعة الأولى من يوم الجمعة العظيمة (الجمعة الكبيرة ), والساعة عينها في الأجبية. يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة…, وبداية هذه القطعة من الساعة التاسعة يوم الجمعة العظيمة أو الأجبية تؤكد أن المسيح لن يذوق من عصير الكرمة بل ذاق الآلام على عود الصليب وتاريخ هذه القطع يرجع إلى القرن الحادي عشر الميلادي, لأنها وردت أول مرة في مخطوط 355 بالمتحف القبطي مؤرخ 750 للشهداء, 1034 الميلادي .
وفى رأيي الشخصي أن المسيح لن يذوق من عصير الكرمة نهائيا وأن كلمة ذاق أضافوها الآباء في حقبة الاضطهادات التي عاصروها المؤمنين وسفكوا دماءهم من أجل المسيح, عملا بقول طرطليانوس الشهيد «دماء الشهداء بزار للمسيحيين».ويقولوا للمؤمنين ويشجعونهم بأن المسيح تألم وذاق الآلام وسال دمه على خشبة الصليب ويسوع في ليلة العشاء الأخير «اشتهيت شهوة شديدة أن أكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم فأنى أقول لكم :لا أكله بعد اليوم حتى يتم في ملكوت الله » لو 22/15و16, إذن كلام المسيح صريح وواضح أنه قد اشتهى أن يأكل معهم الفصح ,وهذا يدل على رغبة يسوع ,ويوَد يسوع أن يعطى الكأس للرسل ,ولكنة لم يوَد أن يشرب منها ويسوع يشرب الكأس فقط في الملكوت .وفى بردية 75 والمخطوط السينائي ,الإسكندراني الفاتيكاني:لا آكل فزادت بعض الترجمات :من بعد ,من جديد .هذا ما نجده في المخطوط البازي (أوكاتى )حتى إلى أن يستحيل القول أن المسيح ذاق من الكأس قبل أن يوزعها على الرسل[3] .
لن أشرب من ثمرة الكرمة لسنا هنا أمام امتناع غير معلن, ولا أمام نذر نذره يسوع على نفسه بان لا يشرب الخمر بعد اليوم. فشرب الخمر يقابل أكل حمل الفصح.ودم يسوع هو حياته التي تعطى لنا, وتحدث يسوع عن الخمر, الكأس الافخارستى الذي لن يشرب منة ,بسبب موته القريب[4].
ولكن رأينا هذا يتعارض مع المتنيح الأب متى المسكين لأنة يقول «أن المسيح اشترك في أكل الفصح مع تلاميذه واكل الخبز وشرب الكأس المسفوك معهم …»[5].
نعطى نظرة نقدية لجناب الأب المذكور كيف المسيح يأكل ويشرب من العشاء الأخير ؟
أن كان المسيح هو الجسد والدم وهذا ما يقوله الكاهن قبل صلاة الاعتراف في القداس القبطي «جسد مقدس ودم كريم حقيقي ليسوع المسيح ابن إلهنا أمين» فكيف المسيح يأكل جسده ويشرب دمه؟ ويقول المسيح في إنجيل القديس يوحنا 6/53-57« فقالَ لَهم يسوع: الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِذا لم تَأكُلوا جَسدَ ابنِ الإِنسانِ وتَشرَبوا دَمَه فلَن تَكونَ فيكُمُ الحَياة. مَن أَكل جَسَدي وشرِبَ دَمي فلَه الحَياةُ الأَبدِيَّة وأَنا أُقيمُه في اليَومِ الأَخير. لأَنَّ جَسَدي طَعامٌ حَقّ وَدمي شَرابٌ حَقّ . مَن أَكَلَ جَسدي وشَرِبَ دَمي ثَبَتَ فِيَّ وثَبَتُّ فيه. وكما أَنَّ الآبَ الحَيَّ أَرسَلَني وأَنِّي أَحْيا بِالآب فكَذلِكَ الَّذي يأكُلُني سيَحْيا بي. هُوَذا الخُبزُ الَّذي نَزَلَ مِن السَّماء غَيرُ الَّذي أَكلَهُ آباؤُكُم ثُمَّ ماتوا. مَن يأكُلْ هذا الخُبْز يَحيَ لِلأَبَد» ونستشف من كلام الرب يسوع هذا حينما نشترك في الجسد والدم نحن نأكل جسد المسيح ونشرب دمه .وهذا الاشتراك في الإفخارستيا هو ما يقول الشماس في المرد الثاني لصلاة الشكر حسب الطقس القبطي «اطلبوا لكي يرحمنا الله (…) ويجعلنا مستحقين أن ننال من شركة أسراره المقدسة المباركة…» فكيف يذوق المسيح من عصير الكرمة وهو دمه المقدّس؟… وهناك قول مشهور عند القديس إكلمنضس الإسكندري عندما يخاطب النفوس بلسان المسيح يقول:« أنا الذي أغذيك,أعطى نفسي طعامك لك,والذي يذوقنى لا يذوق الموت بعد, وأعطى نفسي لك شرابا كل يوم كدواء لعدم الموت».
وفى كتاب سيادته عن الإفخارستيا يقول:تمسك الأقباط بكلمة ذاق في الليتورجية المرقسية دون الليترجيات الأخرى وأن ليترجية القديس باسيليوس أضافت بعد ذالك كلمة ذاق وهذا ما تم عرضه في الأفخولوجيات في مقالنا البسيط هذا.ويسرد سيادته أيضا أن كلمة ذاق طقس صميم وقديم لدى الأقباط وهذا ما يفعله الكاهن أثناء توزيع المناولة الكاهن يناول نفسه أولا ثم المؤمنين[6] ونعطى نظرة نقدية أيضا لذلك الكتاب في منوالنا هذا ,سبب تمسك الأقباط بكلمة ذاق في الليتورجية المرقسية,هو عصر روحي أي أضافوها في عصر الاستشهاد وسبق هذا وشرحناه أنفا.ومن ناحية ليترجية القديس باسيليوس الذي أضاف كلمة ذاق فيما بعد فأضافوها الآباء في مصر وأيضا أضافوها للقداس الغريغوري لطقس الكنيسة عينها .لأننا لم نجدها في الأفخولوجيات للكنيسة الإثيوبية إلا في القداس الباسيلي .وهناك يعتقد البعض أن القديس مرقس عندما أتى لمصر سلم هذا الطقس للمصريين (الأقباط) ويستشفوا أولئك أن المسيح ذاق والتلاميذ سلموا لمرقص هذا التقليد[7] . إذ كان أنجيل القديس مرقس كتب سنة 70 لم يذكر أن المسيح ذاق من عصير الكرمة في إنجيله, فكيف نقول أن التلاميذ سلموا لمرقص هذا التقليد؟ مع أن نص القديس بولس الرسول الرسالة الأولى لأهل كورنتوس 11/23-25 الذي كتبه بولس قبل ذالك أي حوالي 50 -52 « فإِنِّي تَسَلَّمتُ مِنَ الرَّبِّ ما سَلَّمتُه إِلَيكُم، وهو أَنَّ الرَّبَّ يسوع في اللَّيلَةِ الَّتي أسلِمَ فيها أخَذَ خُبْزًا وشَكَرَ، ثُمَّ كَسَرَه وقال: هذا هو جَسَدي، إِنَّه مِن أَجْلِكُم .اِصنَعوا هذا لِذِكْري. وصَنَعَ مِثلَ ذلكَ على الكَأسِ بَعدَ العَشاءِ وقال: هذه الكَأسُ هي العَهْدُ الجَديدُ بِدَمي. كُلُّمَا شَرِبتُم فاصنَعوه لِذِكْري », وهذا النص واضح وصريح.
وأما من جهة أن الكاهن أثناء توزيع الأسرار في الطقس القبطي يتناول أولا أي يذوق قبل المؤمنين وهذا الطقس هو الذي فعلة يسوع أثناء العشاء السري فيمثله الكاهن في الطقس القبطي أيضا تسرد لنا الأناجيل الأربعة في معجزة تكسير الخبز.
1- معجزة تكسير الأرغفة الأول:
أ- في بشارة القديس مرقس الإنجيلي 6/30-44:
« واجتَمَعَ الرُّسُلُ عِندَ يسوع، وأَخبَروه بِجَميعِ ما عَمِلوا وعلَّموا. فقالَ لهم: تَعالَوا أَنتم إِلى مَكانٍ قَفرٍ تَعتَزِلونَ فيه، واستَريحوا قَليلاً. لأَنَّ القادِمينَ والذَّاهِبينَ كانوا كَثيرينَ حَتَّى لم تَكُنْ لَهم فُرصَةٌ لِتَناوُلِ الطَّعام. فمَضَوا في السَّفينَةِ إِلى مَكانٍ قَفرٍ يَعتَزِلونَ فيه. فرآهُمُ النَّاسُ ذاهبين، وعَرَفَهُم كثيرٌ مِنهُم، فأَسرَعوا سَيراً على الأَقدامِ مِن جَميعِ المُدُن وسبَقوهم إِلى ذلك المَكان. فلَمَّا نَزَلَ إِلى البَرّ رأَى جَمعاً كثيراً، فَأَخذَتْه الشَّفَقَةُ علَيهم، لِأَنَّهم كانوا كَغَنَمٍ لا راعِيَ لها، وأَخَذَ يُعَلَّمُهم أَشياءَ كثيرة. وفاتَ الوَقْت، فدَنا إِلَيه تَلاميذُه وقالوا: المَكانُ قَفْرٌ وقد فاتَ الوَقْت، فَاصرِفْهُم لِيذهَبوا إِلى المَزارِعِ وَالقُرى المُجاوِرَة، فيَشتَروا لَهم ما يَأَكُلون. فأَجابَهم: أَعطوهُم أَنتم ما يَأكُلون. فقالوا له: أَنَذهَبُ فنَشتَريَ خُبزاً بمِائَتي دينار وَنُعطِيَهم لِيَأكُلوا ؟ فقالَ لهم: كَم رغيفاً عِندَكُم ؟ اِذهَبوا فَانظُرُوا. فتحقَّقوا ما عِندَهم، ثُمَّ قالوا: خَمسَةٌ وسَمَكتان. فأَمَرهم بأَن يُقعِدوا النَّاسَ كُلَّهم فِئَةً فِئَةً على العُشبِ الأَخضَر. فقَعدوا أَفواجاً مِنها مِائة ومِنها خَمْسون. فأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمكَتَين ورَفعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسرَ الأَرغِفَة، ثُمَّ جعَلَ يُناوِلُها التَّلاميذَ لِيُقَدِّموها لِلنَّاس، وقسَّم السَّمَكَتَيْنِ علَيهم جَميعاً. فأَكَلوا كُلُّهم حتَّى شبِعوا. ورَفعوا اثنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مُمتَلِئَةً مِنَ الكِسَرِ وفَضَلاتِ السَّمَكَتَين. وكانَ الآكِلونَ مِنَ الأَرغِفَةِ خَمسَةَ آلافِ رَجُل».
ب- في بشارة القديس لوقا الإنجيلي 9/10-17:
« ولمَّا رَجَعَ الرُّسُل أَخبَروا يسوعَ بِكُلِّ ما عَمِلوا، فمَضى بِهِم واعتَزَلَ وإِيَّاهم عندَ مَدينَةٍ يُقالُ لَها بَيتَ صَيدَا، لكِنَّ الجُموعَ عَلِموا بِالأَمْرِ فتَبِعوه، فاستَقبَلَهم وكَلَّمَهُم على مَلَكوتِ الله، وأَبرأَ الَّذينَ يَحتاجون إِلى الشِّفاء. وأخَذَ النَّهارُ يَميل، فدَنا إِلَيهِ الِاثنا عَشَر وقالوا لَه: اِصرِفِ الجَمعَ لِيَذهَبوا إِلى القُرى والمَزارِعِ المُجاوِرَة، فيَبيتوا فيها ويَجِدوا لَهم طَعاماً، لِأَنَّنا هُنا في مَكانٍ قَفْر. فقالَ لــَهم: أَعطوهُم أَنتُم ما يَأكُلون. فقالوا: لا يَزيدُ ما عِندَنا على خَمسَةِ أَرغِفَةٍ وسَمَكَتَيْن، إِلاَّ إِذا مَضَينا نَحنُ فاشتَرَينا لِجَميعِ هذا الشَّْعبِ طَعاماً. وكانوا نَحوَ خَمسَةِ آلافِ رَجُل. فقالَ لِتَلاميذِه: أَقعِدوهُم فِئَةً فِئَةً، في كُلِّ واحِدةٍ مِنها نَحوُ الخَمسين. ففَعلوا فَأَقعَدوهُم جَميعاً. فأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمَكَتَيْن، ورَفَعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، ثُمَّ بارَكَها وكَسَرَها وجَعلَ يُناوِلُها تَلاميذَه لِيُقَدِّموها لِلْجَمع. فأَكَلوا كُلُّهم حتَّى شَبعوا، ورُفِعَ ما فَضَلَ عَنهُمُ: اثنَتا عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الكِسَر».
ج – في بشارة القديس متى الإنجيلي 14/13-12:
« فلَمَّا سَمِعَ يسوع، اِنصَرَفَ مِن هُناكَ في سَفينةٍ إِلى مَكانٍ قَفْرٍ يَعتَزِلُ فيه. فعَرَفَ الجُموعُ ذلك فتَبِعوهُ مِنَ المُدُنِ سَيراً على الأَقدام. فلَمَّا نَزلَ إِلى البَرِّ رأَى جَمْعاً كَثيراً، فأَخَذَته الشَّفَقَةُ علَيهِم، فشَفى مَرضاهُم. ولَمَّا كانَ المَساء، دَنا إِليه تَلاميذُهُ وقالوا لَه: المكانُ قَفْرٌ وقَد فاتَ الوَقْت، فَاصرِفِ الجُموعَ لِيَذهَبوا إِلى القُرى فيَشتَروا لَهم طَعاماً. فقالَ لَهم يسوع لا حاجَةَ بِهِم إِلى الذَّهاب. أَعطوهم أَنتُم ما يأكُلون. فقالوا لَه: لَيس عِندَنا هَهُنا غَيرُ خَمسَةِ أَرغِفةٍ وسَمَكَتَيْن. فقالَ: علَيَّ بِها. ثُمَّ أَمَر الجُموعَ بِالقُعودِ على العُشْب، وأَخَذَ الأَرغِفَةَ الخَمسَةَ والسَّمَكَتَيْن، ورَفَعَ عَينَيه نَحوَ السَّماء، وباركَ وكسَرَ الأَرغِفة، وناوَلَها تَلاميذَه، والتَّلاميذُ ناوَلوها الجُموع. فأَكلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا، ورَفعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَر: اِثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مُمتَلِئةً. وكانَ الآكِلونَ خَمسَةَ آلافِ رَجُل، ما عدا النِّساءَ والأَولاد».
د- في بشارة القديس يوحنا الإنجيلي 6/1-15:
« وعبَرَ يسوعُ بَعدَ ذلك بَحرَ الجَليل أَي بُحَيَرَةَ طَبَرِيَّة. فتَبِعَه جَمعٌ كثير، لِما رَأوا مِنَ الآياتِ الَّتي أَجْراها على المَرْضى. فصَعِدَ يسوعُ الجَبَل وجَلَسَ مع تلاميذِه. وكانَ قدِ اقتَرَبَ الفِصحُ، عيدُ اليَهود. فرَفَعَ يسوعُ عَينَيه، فرأَى جَمعاً كثيراً مُقبِلاً إِلَيه. فقالَ لِفيلِبُّس: مِن أَينَ نَشتَري خُبزاً لِيأكُلَ هؤلاء . وإِنَّما قالَ هذا لِيَمتَحِنَه، لِأَنَّهُ كانَ يَعلَمُ ما سَيَصنَع.أَجابَه فيلِبُّس: لوِ اشتَرَينا خُبزاً بِمَائَتي دينار، لما كفَى أَن يَحصُلَ الواحِدُ مِنهُم على كِسرَةٍ صَغيرة. وقالَ له أّحَدُ تَلاميذه، أَندَراوَس أَخو سِمْعانَ بُطرُس: ههُنا صَبِيٌّ معَهُ خَمسَةُ أَرغِفَةٍ مِن شَعير وسَمَكتان، ولكِن ما هذا لِمِثلِ هذا العَدَدِ الكَبير ؟ فقالَ يسوع: أَقعِدوا النَّاس. وكان هُناكَ عُشبٌ كَثير. فَقَعَدَ الرِّجالُ وكانَ عَدَدُهم نَحوَ خَمسِةَ آلاف. فأَخَذَ يسوعُ الأَرغِفَةَ وشَكَر، ثُمَّ وزَّعَ مِنها على الآكِلين، وفَعَلَ مِثلَ ذلك بالسَّمَكَتَين، على قَدْرِ ما أَرادوا. فلَمَّا شَبِعوا قالَ لِتلاميذِه: اِجمَعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَرِ لِئَلاَّ يَضيعَ شَيءٌ مِنها. فجَمَعوها ومَلأُوا اثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الكِسَرِ الَّتي فَضَلَت عنِ الآكِلينَ مِن خَمسَةِ أَرغِفَةِ الشَّعير. فلَمَّا رأَى النَّاسُ الآيةَ الَّتي أَتى بِها يسوع، قالوا: حَقاً، هذا هوَ النَّبِيُّ الآتي إِلى العالَم. وعَلِمَ يسوعُ أَنَّهم يَهُمُّونَ بِاختِطافِه لِيُقيموهُ مَلِكاً، فانصَرَفَ وعادَ وَحدَه إلى الجَبَل ».
2- معجزة تكسير الأرغفة الثاني:
أ- في بشارة مرقس الإنجيلي مر 8/1-10:
« وفي تِلك الأَيَّامِ احتَشَدَ أَيضاً جَمعٌ كثير، ولَم يَكُنْ عِندَهم ما يأَكُلون، فدَعا تَلاميذَه وقالَ لَهم: أُشفِقُ على هذا الجَمْع، فَإِنَّهُم مُنذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يُلازِمونَني، ولَيسَ عِندَهم ما يَأكُلون. وإِن صَرَفتُهم إِلى بَيوتِهم صائمين، خارَت قُواهم في الطَّريق، ومِنهُم مَن جاءَ مِن مَكانٍ بَعيد. فأَجابَه تَلاميذُه: مِن أَينَ لأَحدٍ أَن يُشبِعَ هؤُلاءِ مِن الخُبزِ ههُنا في مَكانٍ قَفْر؟ فَسأَلَهم: كَم رَغيفاً عِندكم؟قالوا: سَبعَة. فأَمَرَ الجَمْعَ بِالقُعودِ على الأَرض، ثُمَّ أَخَذَ الأَرغِفَةَ السَّبعةَ وشَكَر وكسرَها، ثُمَّ جعلَ يُناوِلُ تَلاميذَه لِيُقَدِّموها، فقَدَّموها لِلجَمْع .وكانَ عِندَهم بَعضُ سَمَكاتٍ صِغار، فبارَكَها وأَمَرَ بِتَقديمِها أَيضاً. فأَكَلوا حَتَّى شَبِعوا، ورَفَعوا مِمَّا فَضَلَ مِنَ الكِسَرِ سَبعَ سِلال. وكانوا نَحوَ أَربعَةِ آلاف. فصَرَفَهم، ورَكِبَ السَّفينَةَ عِندَئِذٍ مَعَ تَلاميذِه، وجاءَ إِلى نواحي دَلْمانُوتا».
ب- في بشارة متى الإنجيلي15/32-39:
«فدَعا يسوعُ تَلاميذَه وقالَ لَهم: أُشفِقُ على هذا الجَمْع، فإِنَّهم مُنذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يُلازِمونَني ولَيسَ عِندَهُم ما يأكُلون. فلا أُريدُ أَن أَصرِفَهم صائمين لِئَلاَّ تَخورَ قُواهُم في الطَّريق. فقالَ لَه التَّلاميذ: مِن أَينَ لَنا في مَكانٍ قَفْرٍ مِنَ الخُبزِ ما يُشبعُ مِثلَ هذا الجَمْع ؟ فقالَ لَهم يسوع: كَم رَغيفاً عِندَكُم ؟ قالوا لَه: سَبعَةٌ وبَعضُ سَمَكاتٍ صِغار. فأَمَر الجَمْعَ بِالقُعودِ على الأَرض. ثُمَّ أَخذَ الأَرغِفَةَ السَّبعَةَ والسَّمَكات، وشكَرَ وكسرَها وناوَلَها تَلاميذَه، والتَّلاميذُ ناوَلوها الجُموع. فأَكَلوا كُلُّهم حتَّى شَبِعوا، ورَفعوا ما فَضَل مِنَ الكِسَر: سَبعَ سِلالٍ مُمتَلِئَة. وكانَ الآكِلونَ أَربَعَةَ آلافِ رَجُل، ما عدا النِّساءَ والأَولاد. ثُمَّ صرَفَ الجُموعَ وركِبَ السَّفينَةَ وجاءَ إِلى أَرضِ مَجْدان».
نستلهم من ذلك آن التلاميذ هم يوزعون الأكل على الجميع إلا يوحنا ينفرد بأن المسيح هو الذي وزع, فيوحنا دائما يبرز دور يسوع في المعجزات إذا نستلهم من معجزة تكسير الأرغفة عن الأناجيل الأربعة( متى مرقس لوقا) (كما ظهر بالآيات التي بالبنط الأحمر في النصوص الإنجيلية المسرودة سابقًا)أن التلاميذ هم الذين قاموا بتوزيع الأكل وليس المسيح. وحتى في طرح الساعة الحادية عشرة من يوم الخميس من طقس أسبوع الآلام للكنسية القبطية« بعد هذا أمسك كأس الخمر ومزجها بالماء ,وناولهم قائلا خذوا اشربوا جميعكم من هذه الكأس فان هذا هو دمى الذي للعهد الجديد … »[8]
وعندما ظهر يسوع على طريق عماوس في أنجيل لوقا 24/29-31 « فأَلَحَّا علَيه قالا: أُمكُثْ مَعَنا، فقد حانَ المَساءُ ومالَ النَّهار. فدَخَلَ لِيَمكُثَ معَهما. ولمَّا جَلَسَ معَهُما لِلطَّعام أَخذَ الخُبْزَ وبارَكَ ثُمَّ كسَرَهُ وناوَلَهما. فانفَتَحَت أَعيُنُهما وعرَفاه فغابَ عنهُما» ونستشف من هذا اللقاءان هما عرفا المسيح من خلال التناول « ولمَّا جَلَسَ معَهُما لِلطَّعام أَخذَ الخُبْزَ وبارَكَ ثُمَّ كسَرَهُ وناوَلَهما. فانفَتَحَت أَعيُنُهما » إذن عرفا التلميذان المسيح من خلال طقس العشاء السري الذي قد فعلة أثناء ليلة العشاء السري قبل آلامه. ويسرد لنا القداس الباسيلى الكبير (المنقح من قبل السينودس المقدس للكنيسة القبطية الكاثوليكية)، القاهرة, 1993, صـ25: «وأعطى تلاميذه القديسين خذوا اشربوا منة … » إذن تم حذف كلمة ذاق.
وإذا شاهدنا فيلما سينمائيا لحياة يسوع المسيح وفى تأسيس سر الشكر لم نشاهد المسيح يذوق من عصير الكرمة. والذي يدهش في ذلك, أننا إذا سمعنا تلحين نغمة كلمة ذاق ,نجد لحنها يميل بالحزن العميق وهذا يعبر على الذي علق على عود الصليب وسال دمه ونستشف من ذالك أن الآلام الجسدية والنفسية التي تحملها المسيح وذاقها هكذا يعبرون الآباء عن أن المسيح ذاق الآلام في يوم الجمعة الكبيرة, ويثبتوا المؤمنين بذالك في عصر الاضطهادات التي مرت على الكنيسة المصرية وإذا رأينا طقس هذه الكلمة في الطقس القبطي هو أن الكاهن يمسك فم الكأس بثلاث أصابع من ناحية الغرب والبعض يمسكه بيده من الخارج وهو يقول وذاق …وبعض الكهنة ينفخ في الكأس في كلمة وذاق والبعض الأخر ينفخ في موضع أخر أي في« يسفك عنكم وعن كثيرين… »[9] . وشرح طقس هذه الكلمة هو الآتي :أن تحريك الكأس من الغرب إلى الشرق حيث الفردوس المفقود وفى ذالك يقول بولس الرسول في أفسس 2/13 « أَمَّا الآن ففي المسيحِ يَسوع، أَنتُمُ الَّذينَ كانوا بالأَمْسِ أَباعِدَ، قد جُعِلتُم أَقارِبَ بِدَمِ المسيح ».ثم من الشمال إلى اليمين يرمز إلى أننا كنا جداء مرفوضين وبالصليب والدم صرنا على اليمين كخراف للراعي الصالح محبوبين ومقبولين لدية وتحريك الكأس على مثال الصليب أشارة إلى أن المسيح أهرق دمه على الصليب لخلاص جميع الناس في أربعة أقطار المسكونة وهذا ما يقوله يوحنا الإنجيلي في رسالته الأولى 2/2 « إِنَّه كَفَّارةٌ لِخَطايانا لا لِخَطايانا وحْدَها بل لِخَطايا العالَمِ أَجمعَ».
بنعمة الله
مراسل الموقع بإيبارشة سوهاج
أخوكم الأب إسطفانوس دانيال جرجس عبد المسيح
خادم مذبح الله بالقطنة والأغانة – طما
stfanos2@yahoo.com
1 راجع في ذالك, مقالنا المنشور, «الإسكندرية عبر التاريخ», مجلة الصلاح, أغسطس, 2004, القاهرة, صفحة 220 -221, وأيضًا مقالنا المنشور، «الحياة الرهبانية عبر الأجيال», الصلاح, يناير- فبراير,2005, القاهرة, صفحة33-38.
2 راجع, مقالنا المنشور, « تأمل في سر الإفخارستيا», مجلة رسالة الدعوات, العدد 85، 2005, القاهرة، صـ15.
3 راجع, بولس الفغالي (الخوري )، « إنجيل لوقا يسوع في أورشليم الآلام والقيام»ة,الجزء الثالث =دراسة بيبلية =13, المكتبة البوليسية, لبنان ,1996, صـ277.
4 راجع، « المرجع السابق», صـ278-279.
5 راجع, الأب متي المسكين, «الإنجيل بحسب القديس متى دراسة وتفسير وشرح», القاهرة،1999, صـ764.
6 راجع,الأب متى المسكين, «الإفخارستيا عشاء الرب بحث في الأصول الأولى لليترجيات ومدخل لشرح القداس وتطوره من القرن الأول حتى عصرنا الحالي», القاهرة, 2000, صـ552-557, صـ664-665.
7 مقابلة مع الدكتور رشدي واصف بهمان دوس, مدرس بالكلية الاكليريكية بالأنبا رويس – العباسية, يوم 21/12/2005، الساعة 11 صباحًا.
[7]
8 راجع مكتبة المحبة, « طقس أسبوع الآلام وأفراح القيامة المجيدة وعيد حلول الروح القدس», القاهرة, 1996, صـ283.
9 راجع ,تادرس البر موسى (القمص), « طقس القداس الإلهي ورفع بخور عشية وباكر», القاهرة, 1998, صـ56-57.