1- يا مريم ، يا أم المسيح ، يا ممتلئة نعمة ، لازلتِ على عرش العفة والشفاعة ، تمضي القرون تلو القرون وأسمك يا عذراء متوهج بالنور فليس في تاريخ البشر امرأة مثلك ، الملكات والأميرات والجميلات ، ذهبن كلهن إلى ذاكرة التراث والتاريخ إلا أنت يا مريم ، لازلت يا أم النور الشفيعة القوية ، ظهوراتك ، معجزاتك في كل عصر تعلن أنك ملكة السماء والأرض على يمين أبنك الحبيب ، كانت حتشبسوت ملكة مصر وقلدت الرجال في مظهرها لتظهر قوتها ثم مضت بعد أن ثار عليها الناس ، كليوباطرة جميلة الجميلات في عصرها ، انتهت حياتها بالانتحار لأنها لا تملك إلا سلاح أنوثة الجسد لم يكن لها سلاح من الروح ، وفي عصرنا ظهرت أنديرا غاندي الشجاعة والسياسية القديرة وانتهت كما ينتهي سراب السلطة والقوة المادية قتلها العنف والتطرف ، ومارلين مونرو أجمل نساء العالم في زمانها ، يتودد إليها الجميع ، يبوس الملوك والحكام أقدامها ، انتحرت بعد أن اكتشفت أن ذلك كله باطل وقبض الريح الجمال الجسدي ، واكتناز المال ونفاق الرجال ، أوهام باطلة ، قتلت بنظير بوتو رئيسة الوزراء لأنها عبدت السلطة ، لمعت نجوم من أهل الفنون والآداب ثم طواها الموت وكاد التاريخ أن ينساهم .
إلا أنت يا مريم ، إلا أنت يا عذراء بيت لحم
إلا أنت يا أم المسيح ، إلا أنت يا حواء الثانية
* * * * *
2 – الله الكلمة ، المسيح ضياء مجد الله وصورة جوهره أختارك أنت لتكون له أماً ، بك تقدست الأمومة ، وبك سما معنى الأنوثة ، بك أصبح جسد المرأة هيكلاً للمسيح الكلمة ، وحاضناً للاهوت ، بك أدركنا معنى روحانية الجسد ، وقداسة الغرائز ، وهدف وغاية خلق المرأة أجمل المخلوقات لتحمل رسالة الحياة ، والأسرة ، والأجيال الصاعدة ، فأنت يا مريم عذراء بتول ، وأنت أم حملت سر اللاهوت ، وحب الله للبشر ، وأنت يا مريم “المرأة” التي قدسها الله ، وملأها بروحه وأعاد لها الكرامة التي أفقدتنا إياها أمنا حواء ، فيا لك من معجزة المعجزات كافة .
* * * * *
3 – شبهك الأنبياء والقديسون بالشجرة التي رآها موسى في برية خاوية خالية كما كانت الدنيا خاوية خالية من الروح ، لم تلحق بها النار أذى بل حملت جمر اللاهوت ، شبهك الآباء بسلم يعقوب الذي ربط بين السماء والأرض ، وبتابوت العهد الذي حفظ وصايا الله العشر ، شبهوك بنجمة الصبح ، تتوهج قبل الفجر لتعلن ولادة الكون من جديد ، شبهوك بنجمة البحر التي تهدي المسافرين عبر الأمواج إلى ميناء الخلاص ، حتى أخذ الجنون ببعض الخاشعين أمام المسيح ليجعلوا من “المريمية” بدعة للعبادة وأصلحت الكنيسة هذا الخلل في الإيمان وصاغت العقيدة منطلقة من عبارتك ها أنا آمة للرب ومذاك لا يخلو بيت مسيحي في العالم من أيقونة للعذراء ، ومن صورة لك ، ترسمك أوروبا ملكة الجمال والبهجة ، وترسمك أفريقيا سمراء سوداء كطبيعة أفريقيا ، وترسمك آسيا بعينين ضيقتين كأهل اليابان والصين ، ورسمك الفن القبطي كامرأة قبطية على رأسها الطرحة وفي حضنها أبنها القدوس ، كل الشعوب تفننت للتعبير عن جمالك الروحي وعن بهائك الذي طبعه بهاء أبنك ، وملايين المؤمنين كتبوا عنك ولازال العالم يقف أمام أسمك في إعجاب ، لأنك إنسانة ، أبنة آدم وحواء ، وأم المخلص والفادي ، وشريكته في الفداء بحياتك وطاعتك ، وقداسة سيرتك كما نحن أيضاً شركاء في الفداء إن سرنا على درب المسيح في المحبة والعطاء والصفح .
يا مريم ، يا أمنا ، يا أم المسيح ، ألق بنظرة حب ، على عالمنا ، فعلى سطحه مئات الأطنان من القنابل الذرية ، وفي مخازنه أسلحة الدمار والخراب ، والملايين جياع ، والفقر شديد ، والتعصب الغبي والتطرف الموحش يحيط به ، فيا مريم تشفعي لنا أمام أبنك الحبيب ليرحم جنس البشر من الخطيئة والأنانية والتطرف تشفعي ليرحم الإنسان أخاه الإنسان ، وكأننا نراك ونحن على عتبة الألف الثالثة منتقلة إلى السماء في موكب المجد حتى بعد قرون فمريم هي هي في القرن الأول وفي القرن الواحد والعشرون .
د. الأنبا يوحنا قلته