مدرسة داعش .. مقال لنيافة الانبا يوحنا قلته

1 –   دهشت في ألم وأنا أستمع إلى ما قاله وزير الخارجية القديم هنري كيسنجر ( 94 سنة ) ومما قاله : أن البشرية على أعتاب حرب عالمية ثالثة ، روسيا ومعها إيران وكوريا الشمالية في جبهة ، وأمريكا وإسرائيل في جبهة ثانية ، وباقي الدول قد تتوزع على الجبهتين ولكنه كأمريكي يرى أن النصر سيكون حليفاً لأمريكا وحلفائها والهزيمة الساحقة والدمار الهائل والخراب الشامل سيكون من نصيب الجبهة الأخرى ، هزتني صدمة شديدة وتساءلت هل ينقص العالم من العذاب والمآسي والجوع والمرض والتطرف حتى تصيبه حرب ذرية ساحقة ماحقة ؟ وتراءت أمام عيني مشاهد رأيناها في السينما عن الحروب كافة وعن حربين عالميتين راح الضحية فيها أكثر من مئة مليون إنسان ، وقلت ربما أصاب الرجل مرض الخرف فهذا كلام لا يتحمله عالمنا ولا يصدقه عقل فيه ذرة من إنسانية أو ثقة بالله الرحمة والمحبة ولكن الرجل يبدو عاقلاً ، يدرك تماماً لما يقول .

* * * * *

2 –   ومن ناحية أخرى تأملت فيما تنشره وسائل الإعلام العالمية والمحلية عن “مدرسة” ليس لها حدود جغرافية فهي منتشرة في بقاع العالم ، وليس لها موطن أو جنسية محددة فهي تضم عناصرها من كل جنسيات الدنيا هذه المدرسة تضم آلاف الأطفال وتدربهم على الأسلحة وتزج بهم في اتون الحروب المشتعلة دون رحمة لطفولتهم ودون ضمير يخشى الله ودون أي احترام لمواثيق الأمم المتحدة ولا رأفه بهذه الآلاف من الأطفال الذين لم يتجاوز عمرهم العاشرة ، فهل داعش ثمرة لتطور الحضارة وانقسام العالم إلى أغنياء وإلى فقراء أم هو صراع الأيديولوجيات والأديان والمذاهب ، أم أن داعش حزب شيطاني له سبع رؤوس كما وصفه سفر الرؤيا ، وهل للعالم العربي ذنب في ولادة داعش وقيمها وأخلاقها ورؤاها الظلامية الكئيبة ، وأني أصلي كما أطلب من كل مؤمن بالله أن يصلي حتى لا يتحقق هذا الكابوس الأسود الخانق وأشك في أن ما قاله كيسنجر هراء وسخف وأن تسرب داعش بعد هزيمة مدمرة قد توزع الباقي من اتباعه في أنحاء العالم مما أثار قلق وخوف العالم لن يبقى طويلاً .

* * * * *

3 –   أنا مسيحي وخادم للإنجيل ، أدرك بشاعة حيل الشيطان وتربصه بالبشر ، وأدرك مدى سقوط القيم الروحية وغياب النبض الفائق للطبيعة والحس بنعمة الله وعنايته ، كما أدرك مدى الفساد الذي استشرى بين الأمم فضاعت هيبة الأسرة وقيمة الشخص البشري وسمو الحياة الروحية وصدق وعمق إيمان الملايين بالله وبوصاياه وبشرائعه ، لكني اعترف أن العالم يمضي في طريق هدم الإيمان بالله وثمرة ذلك هدم قيمة الإنسان والحياة فمن أسقط الله من حياته اسقط كرامة الإنسان ومعنى رسالته في المسيرة الدنيوية وأدرك أن داعش “مشروع” شيطاني يلتحف بأكاذيب دينية وأوهام وثنية ، إن حرباً طويلة المدى ستخوضها البشرية ضد هذه الإخطبوط الشيطاني الشرير ، ولكن الخيال لم يصل إلى توقع جنون حاكم يشن حرباً عالمية بأسلحة نعرف بعضها ولا نعرف أكثرها فما خفي كان أعظم ، ولو تحقق قول كيسنجر فمعناه انتحار الإنسانية أو لعله يوم القيامة قد أزف واقترب .

* * * * *

4 –   وأعجب أشد العجب أن يغيب عن فكر كيسنجر وعن فكر داعش أن الحل لقضايا الإنسانية كافة أبسط مما تظن ، أنه كامن في إشاعة المحبة وإقامة العدل والمساواة بين البشر ، واحترام حقوق الفقراء والمعوقين واليتامى واللقطاء ، الحل في محاربة “إله الأنانية” وصنم عبادة اللذة ، والمنصب والمال ، أنني إنسان بسيط مثل مليارات البشر لا أملك سلطاناً أو اتخاذ القرار ولكني أملك ثقتي في الخالق ومحبته وفي أخوتي البشر الذين يحملون الرجاء والأمل للمستقبل ، لن تنتصر الخطيئة على النعمة ، ولن يسحق الظلام النور ، ولن يعود الشيطان سيداً للعالم ، بئس ما قاله كيسنجر ، وبئس ما تفعله داعش ، ولنصلي جميعاً ليسكب الله حكمته على عقول حكام العالم .

د الأنبا يوحنا قلته