مريم أُمّ الرجاء
تأمل في قراءات الخميس الموافق 28 أغسطس الموافق اليوم الخامس من النسيء 1730
الأب/ بولس جرس
نص الإنجيل
الحق الحق أقول لكم: إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. أنتم ستحزنون، ولكن حزنكم يتحول إلى فرح المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد ولد إنسان في العالم فأنتم كذلك، عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم أيضا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئا. الحق الحق أقول لكم: إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم إلى الآن لم تطلبوا شيئا باسمي. اطلبوا تأخذوا، ليكون فرحكم كاملا قد كلمتكم بهذا بأمثال، ولكن تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال، بل أخبركم عن الآب علانية في ذلك اليوم تطلبون باسمي. ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم لأن الآب نفسه يحبكم، لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أني من عند الله خرجت، خرجت من عند الآب، وقد أتيت إلى العالم، وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب قال له تلاميذه: هوذا الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلا واحدا الآن نعلم أنك عالم بكل شيء ، ولست تحتاج أن يسألك أحد . لهذا نؤمن أنك من الله خرجت أجابهم يسوع: الآن تؤمنون هوذا تأتي ساعة، وقد أتت الآن، تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته، وتتركونني وحدي. وأنا لست وحدي لأن الآب معي قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم. (يوحنا 16: 20 – 33).
نص التأمل
إذا أردنا ان نبدأ بتعريف الرجاء كفضيلة من الفضائل الإلهية
سنجد اننا إزاء ضرورة حياتية وليست فقط إيمانية
فإذا كان القول المشهور على مستوى الوطن واللغة والسياسة والحياة يقول:
” لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة” فهو صورة مبسطة لما يجب ان نحياه بالإيمان
فالرجاء فضيلة تنبثق وتتمحور حول الإيمان وتجعلنا نرجو ونأمل ونتوقع ممن نؤمن به كل شيء
كل شيء ضروري لخيرنا الجسدي والروحي، المادي والمعنوي، الزمني والأبدي
النتيجة البديهية هي انه كلما قوي الإيمان وتعمق؛ نما الرجاء وازداد وتعملق.
1والآنَ هكذا يقولُ الرَّبُّ، خالِقُكَ يا يعقوبُ وجابِلُكَ يا إسرائيلُ: “لا تخَفْ لأنِّي فدَيتُكَ.
دَعَوْتُكَ باسمِكَ. أنتَ لي.
2 إذا اجتَزتَ في المياهِ فأنا معكَ، وفي الأنهارِ فلا تغمُرُكَ. إذا مَشَيتَ في النّارِ فلا تُلذَعُ، واللَّهيبُ لا يُحرِقُكَ.
3 لأنِّي أنا الرَّبُّ إلَهُكَ قُدّوسُ إسرائيلَ، مُخَلِّصُكَ. جَعَلتُ مِصرَ فِديَتَكَ، كوشَ وسبا عِوَضَكَ.
4 إذ صِرتَ عَزيزًا في عَينَيَّ مُكَرَّمًا، وأنا قد أحبَبتُكَ. أُعطي أُناسًا عِوَضَكَ وشُعوبًا عِوَضَ نَفسِكَ.
5 لا تخَفْ فإنِّي معكَ. مِنَ المَشرِقِ آتي بنَسلِكَ، ومِنَ المَغرِبِ أجمَعُكَ.
6 أقولُ للشَّمالِ: أعطِ، وللجَنوبِ: لا تمنَعْ. ايتِ ببَنيَّ مِنْ بَعيدٍ، وببَناتي مِنْ أقصَى الأرضِ.
7 بكُلِّ مَنْ دُعيَ باسمي ولمَجدي خَلَقتُهُ وجَبَلتُهُ وصَنَعتُهُ.
8 أخرجِ الشَّعبَ الأعمَى ولهُ عُيونٌ، والأصَمَّ ولهُ آذانٌ.” (إشعياء 43: 1-8).
وهذا النص ينطبق كليا وجزئيا على مريم كما على شعب الله
فهو نموذج على اقتران الإيمان بالرجاء بدرجة لا يمكن فصلهما…
اما في حياة مريم أم الرجاء فقد ظهرت علامات الرجاء وقوته منذ اللحظة الأولى لوجودها:
– هي رجاء ابويها العقيمين يواقيم وحنا وهي التي نزعت عارهما من بين الناس
– هي من ضمن المنتظرين والمنتظرات لتعزية إسرائيل كسمعان الشيخ وحنا النبية
– هي ابنة الناصرة الساجدة في خشوع المصلية في رجاء ان تكتمل إرادة الله
في حياتها وفي حياة شعبها الجالس في الظلمة وظلال الموت…
– هي بإيمان عميق قوي ورجاء لا يعرف الشك على مثال ابيها ابراهيم بل وفاقته
حين نطقت بكلمتها السرمدية الخالدة ” ليكن” تحقيقا لرجاء اسرائيل والبشرية بجميع اجناسها
– وهي في كل ما مر بها من ظروف ومصاعب ومشاكل وعقبات
لم تصرخ ولم تشتكي ولم تشك ولم تتردد في الخضوع الكامل
وقبول المشيئة الإلهية بكل الإيمان والثقة وبكامل الرجاء
أن الله قادر أن يخرج من الظلمة نورا ومن العظام اليابسة حياة لا تعرف الموت
– وهي في حياتها مع الرب يسوع واتباعها غياه في حياته العلنية لم تفقد الرجاء لحظة
– وحين علق ابنها على الصليب دفعها إيمانها بإلوهية من مات على التمسك بالرجاء
فاستحقت تطويبة أليصابات ” طوبى للتي آمنت لأنه سيتم ما قيل لها من قبل الرب”
وهي تطويبة تحوي فضيلتي الإيمان ” التي آمنت” والرجاء ” سيتم لها”
وقد حققتهما مريم بل وتحققا فيها بأجمل صورة وأبدع كشف وتجلي
لذا لم تذهب مريم إلى القبر فجر الأحد… ما منعها هو قوة الرجاء
التي تحققت بالفعل في القيامة دون حتى انتظار وقوعها…
حقا يا مريم إنك لفضيلة الرجاء ام ومعلمة
حيث ظللت حياتك كلها وثيقة الإيمان وطيدة الرجاء
فليس عجيبا أن يحقق الله لك كل رجاء حتى المستحيل منها
إذ سبق فنقاك من وصمة الخطيئة الأصلية قبل الحبل بك
وسبق ونجاك من كل خطيئة فعلية طوال حياتك
وعند وفاتك استبق البشرية بنقلك إلى السماء بالنفس والجسد
أعتقد اماه أنه لم يعد لديك سوى رجاء واحد واثق انه سيتحقق في حينه
ألا وهو خلاص جميع البشر وإقبالهم إلى معرفة الطريق والحق والحياة، ابنك يسوع
وحيث هذه هي إرادة الله الآب منذ البدء؛ فسوف يتم لك ما ترجين حتما يا مريم.