– كان لدينا أمل أن تكون ثورة ثلاثين يونيه 2012 نقطة تحول وتطور في العقل المصري ، فإن لم تكن قسوة الحروب ونار الثورات تطهر العقول والوجدان ، فما الذي يدفع الإنسان إلى الرقي والتقدم ، أقول هذا بعد قراءة ما كتبه الدكتور محمد عمارة عن المسيحية الديانة الفاشلة في كتيب وزعته مجلة الأزهر ، أما عن السيد عمارة فأعرفه معرفة واسعة ، التقيت به في ندوات عدة ، وعلى الأثير في مداخلات إذاعية ، وأخر لقاء كان قبل الثورة في نقابة الصحفيين التقينا لنناقش الكتاب المثير مؤلفه كاثوليكي اسمه هانس لنتج يعلن في الكتاب أنه ثابت على عقيدته الكاثوليكية ، وهو سويسري الأصل من علماء اللاهوت والأديان والحضارة أما كتابه فهو : لماذا مقاييس عالمية للأخلاق ، ترجمة الأستاذ ثابت عيد وأهداه إلىّ وبصراحة لم يصلني كتاب بمثل هذا الجمال في الإخراج والدقة ..
عقدت ندوة لمناقشة الكتاب والمتحدثان فيها دكتور عمارة والأنبا يوحنا ، ولم يتزحزح السيد عماره عن فكره الكاره للمسيحيين ولكل ما هو مسيحي ، شن هجوماً على عقيدة التجسد والفداء ، وصحة الكتاب المقدس ، والكنيسة ، لم يترك جانباً من جوانب الديانة المسيحية إلا وأمطرها بوابل من النقد والهدم …
وقمت بواجبي كمسيحي ثابت الإيمان أؤمن بالمسيح إلهي ومخلصي وحاولت أن أشرح سر التجسد وقلت له : كلمة الله تجسدت في المسيحية إنساناً سوياً أشبهنا في كل شيء ما خلا خطايانا ولم تتجسد كتاباً وحروفاً ، فقل لي أيهما أكثر سمواً ونفعاً للبشر ، التجسد الإنساني أم التجسد الورقي ؟ واحتدت المناقشة ، لم يكن ليقبل كلمة دفاع أو شرح ، وأنا أعلم تماماً بخلفية ثقافته المحدودة الضيقة وبكراهيته للحوار وسماع الرأي الآخر ..
وها هو الآن يثبت كلامي في كتابه المسيحية الفاشلة أقول له : ألا ترى بعينك توهج المسيحية في كل مكان بقديسيها ، بشهدائها الذين يصعدون إلى موكب المجد في آسيا ، وأفريقيا ، رافضين كل غنى متمسكين بإيمانهم بالرغم من أن حياتهم كانت عطاء وتضحية وفداء على مثال معلمهم .
ألا تسمع بأذنيك أناشيد الشكر والأمتنان للكنيسة المسيحية في كل مكان تهتم بالمرضى ، بالمهمشين ، بالمعاقين ، بالفقراء ، دون التمييز بينهم في الدين أو الوطن أو اللون ، ألم تسمع عن الأم تيريزيا كلكتا التي تركت أربعين مشروعاً إنسانياً في كل أنحاء الدنيا .
ألم تقرأ عن الجامعات المسيحية التي تخرج منها مسلمون ومسيحيون وعرب وآسيويون ، أناروا مجتمعاتهم وبنوا ثقافات أممهم ، والمدارس المسيحية في كل القرى والمدن في أنحاء العالم تربي أجيالاً على الحب والسلام والتعايش .
ألم تلتقي يوماً براهب جزويتي أو عالم دومينكاني أو زاهد فرنسيسكاني أو راهبة من عشرات الجمعيات بشر كرسوا حياتهم لخدمة الإنسان ولمجد الله وحده ، ألا تعرف يا سيد عمارة أن أكثر من سبعين بالمئة من المثقفين المسلمين في العالم العربي هم من أبناء وخريجي المدارس المسيحية ، ألم تسافر إلى أنحاء الدنيا لترى مراكز البحوث ، ومراكز الجمعيات الخيرية ، أذكرك فقط بأن للمسيحيين جامعات في اليابان ومراكز أبحاث في الصين وعلاقات دبلوماسية مع أغلب البلدان الإسلامية وأن المسيحية تقيم المستشفيات والمدارس في قلب باكستان وأفغانستان ، ألم تلتقِ يوماً بقبطي جار لك أو مدرس أو تاجر أو عامل ، يعيش في مواطنة ومحبة لوطنه يعيش إيمانه بدون فشل أو إحباط .
المسيحية ديانة فاشلة ، أنه لكشف خطير وجديد اكتشفه أستاذ ولكن به حول بصري وحول عقلي لا ينظر إلا في مرآة عقله وثقافته فلا يرى إلا ذاته .. المسيحية يا سيد عمارة منارة الدنيا ، والمسيح هو المخلص الفادي والإنجيل هو دستور الحقيقة والحب والسلام .
يبدو أن مصر لازالت تتألم وتئن
د. الأنبا يوحنا قلته
*المقال نشر امس بجريدة حامل الرساله ليمساجي