بتصريح خاص من نيافة الانبا يوحنا قلته للموقع
1 – ازدواجية الشخصية تصنع ازدواجية الحياة والسلوك والأخلاق ، وفي الثقافة العربية تراث أدبي يسمى “كتاب ألف ليلة وليلة” ترجم إلى أكثر لغات العالم ، وأزعم أن هذا الكتاب الضخم وأملك نسخه منه بالفرنسية ونسخة بالعربية ، هو سبب شيوع ثقافة الازدواجية ، بمعنى هناك فصل وهوة بين حقيقة الشخص وأفكاره ورغباته المكبوتة وبين ظاهر الشخص ومحاولة تمثيل شخصية لا تمت إلى جوهره وكيانه الداخلي ، ففي الكتاب والذي انتشر في الشرق انتشاراً رهيباً وكذلك في الغرب تزدحم بروايات المؤامرات والكذب والخداع ، وسبل تحقيق الأهداف وإشباع الغرائز بغض النظر عن القيم الدينية والأخلاقية أشاع مناخاً فيه كثير من الانفلات الأخلاقي، أنه الكتاب الذي أصبح مدرسة لكثير من الرذائل التي كان يأباها الخلق الإنساني فبعد أن كان الكرم والعطاء والشهامة والنبل سمات المجتمع الشرقي أستطاع هذا الكتاب أن يغير وجدان الإنسان العربي ليصبح الكذب فناً وذكاءاً ، والتعدي على الأعراض شجاعة وبطولة ، ونهب حقوق الناس تفوقاً وبسالة ، ويكفي القول أن اسم ليلة وليلة مصدره قصة شهريار الملك الماجن ومعه شهرزاد التي سخرت منه زماناً طويلاً ، بل أصبح ملهماً لكثير من الروايات والأفلام والمسرحيات بعيدة كل البعد عن الفن الأصيل .
* * * * *
2 – ورث الشرق ميراث الازدواجية في الشخصية وفي الحياة اليومية ، لم يعد الكذب رزيلة ، والخبث عيباً والنفاق وسيلة مشروعة ، مما كان في زعمي أحد أسباب انهيار توهج الحضارة العربية والسقوط في الكسل والتواني ، وبينما كان الغرب ممزقاً متصارعاً وليس بأحسن حال من الشرق ، بدت بوادر نهضة في القرن الخامس عشر شملت كل نواحي الحياة ، رواد النهضة الذين تحملوا كل ألوان الصعاب والعذاب هم المفكرون والفلاسفة والأدباء أو قل عقل الأمم ومنارتها من جهة ، ونهضت الرهبانيات لتجديد فكرها وقوانينها ونشأت جماعات رهبانية جديدة تدعو إلى الإصلاح والعودة غلى المعنى الروحي لوجود الإنسان ، ثم تحولت هذه النهضة الغربية إلى عطش حاد للعلوم ولاكتشاف الطبيعة وطبقوا مبدأ “فلاحة الأرض قبل فلاحة الغيب وأهم ما قدمته الحضارة إسقاط الازدواجية وإطلاق الحرية إلى حد التطرف فيها مما أنتج مذاهب الإلحاد والمادية والنفعية وحضارة المتعة والمجتمع الاستهلاكي ، وبينما الغرب يحاول الخروج من العصور الوسطى عصور الدين والحرب كما يطلق عليها ، غرق الشرق تحت سلطان حكام مستبدين وراح يجتر الماضي وظل أسيراً له .
* * * * *
3 – وأول سمات الازدواجية الفصل بين الحياة وبين الإيمان ، مثلاً : نؤمن بالله ولا نخاف الله أو تحفظ شرائعه في حياتنا الخفية ، نؤمن بالعدل ولا نمارسه مع أقرب الناس إلينا ، نؤمن بحقوق الإنسان ونطمع في ماله وعرقه ، تهزني جداً آية نطق بها المسيح له المجد إذ قال “ليس كل من يقول يارب ، يارب يدخل ملكوت السموات بل من يعمل مشيئة أبي الذي في السموات” وهذا العالم الذي نعيش فيه ، له قديسوه والصالحون من أبناء البشر ، ومشروعات الخير والمحبة والحدب على الضعيف والمريض والمسن والطفل هذا أمر لا ينكر ، ولكن يغلب على العالم وبخاصة في بلدان الشرق سمة التدين الظاهري والعبادة اللفظية والتشدق باسم الله وحفظ آيات الكتاب وننسى أن الشيطان كان يحفظ آيات الكتاب المقدس وحاور المسيح بها ، يقول الوحي : يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك وصاياي .
وختاماً أقول سيدي الإنسان : مهما حاولت إخفاء محبتك لآخر ، أو كراهيتك له مهما تأنقت كلماتك ثق أن للعيون لغة الصدق تكشف عن خباياك ، الإنسان يدرك مهما داريت محبتك الصادقة كما يدرك مراوغتك الكاذبة .. لماذا ؟ لأن من القلب إلى القلب رسول
ترى من أنا ؟ سؤال لكل إنسان
هل إيماني خالص للمسيح ، واجتهادي لحفظ وصاياه متصل لا يأس من نفسي ، أم أن ثقافتي ثقافة فولتير الذي قال : اكذب . أكذب . أكذب . سوف يصدقك الناس يوماً .
د. الأنبا يوحنا قلته