تأملات للمونسنيور د. يوأنس لحظي جيد
لم يتعامل المسيح بقسوة وحزم كما تعامل مع المرائيين، ولم يكن مُعنِفًا لأحد بقدر ما عَنف مِرارًا وتكرارًا الكتبة والفريسيين المنافقين، واصفًا إياهم بأشد الكلمات: “وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ” (مت 23: 27)، وقد وصفهم المسيح بأنهم كالْحَيَّات أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! وصرخ في وجوههم: كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟
فما هو النفاق؟ ولماذا أدان المسيح النفاق بهذه الشدة والقسوة؟ ولماذا يسقط في تجربة النفاق الكثيرون من المؤمنين وحتى من المكرسين؟ وماذا تقول الكنيسة عن النفاق؟ وكيف ننتصر عليه؟
تعريف النفاق:
النفاق هو أن يتظاهر الإنسان بأنه ما ليس عليه، ويسعى للسلوك بمظهر الإنسان الصالح اجتماعيًا ودينيًا كي يخفي حقيقته، التي غالبًا ما تكون بغيضة ومريعة وسلبية وسوداوية وخاطئة. المنافق هو الشخص الذي يؤدّي دورًا، وينتحل مظهرًا مغايرًا لمظهره، ويرتدي قناعًا لإخفاء طبيعته الحقيقية. المنافق هو إنسان مزيف يُظهِر غير ما يُبطن، ويُعلِم الآخرين خلاف ما يفعل، ويحي حياة مزدوجة: واحدة أمام الآخرين والأخرى في الخفاء، واحدة يدافع فيها عن الحق والفضيلة بقوة وصرامة قد تصل للعنف وللقتل، وحياة أخرى ملؤها الخطيئة والإثم والملذات والأهواء الدنيوية والأرضية. والنفاق هو من أخطر الأمراض الروحية التي إذا أصابت وتمكنت من الإنسان دمرته إنسانيا وروحيا واجتماعيا وكنسيا، وحولته إلى كائن يحلل لنفسه وبأريحية أبشع الجرائم ويحكم على الآخرين ويدينهم بقسوة لا تعرف الرحمة.
لماذا أدان يسوع النفاق بقسوة وصرامة؟
رفض السيد المسيح سلوك الكتبة والفريسين المرائيين وحذر سامعيه منهم بل ولعن بالويلات تصرفاتهم، فقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: “احْذَرُوا مِنَ الْكَتَبَةِ الَّذِينَ يَرْغَبُونَ الْمَشْيَ بِالطَّيَالِسَةِ، وَيُحِبُّونَ التَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالْمُتَّكَآتِ الأُولَى فِي الْوَلاَئِمِ. اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ الصَّلَوَاتِ. هؤُلاَءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ!” (لو 45، 20-47 + مت 23 + مر 38، 12-40). ويمكننا تلخيص أسباب رفض المسيح لهذا السلوك في:
أولًا التدين الكاذب والظاهري:
الكتبة والفريسيون، وبرغم كونهم خبراء في الشريعة إلا أن حياتهم وتصرفاتهم كانت مزدوجة، تحفظ الشريعة ظاهريًا وتحتقر الآخرين وتدينهم علانية. كانوا مهتمين بالمظاهر الخارجية أكثر من صدق القلب ونقاوة النفس، وبحفظ السبت أكثر من ممارسة الرحمة، وقد لامهم يسوع لأنهم كانوا يصلون طويلًا في الأماكن العامة، ويقدمون صدقات سخية فقط ليراها الناس، وكانوا يرتدون ملابس فضفاضة وطويلة ومزينة ليظهروا أكثر تدينًا، ويمسكون عصا الرعاية ويرتدون التيجان فقط للتحكم بالناس وإخفاء حقيقتهم.
لامهم لأن تدينهم كان مزيفًا، وتقواهم كانت شكلية، وورعهم كان ظاهريًا، وأعمال الخير التي كانوا يقومون بها كانت من أجل الحصول على مكاسب والتحكم بالناس وخداع الله والآخرين.
ثانيًا عدم تطابق القول والفعل:
دعا يسوع اتباعه لعيش حياة مبنية على الإخلاص ومحبة الله والقريب والاتساق بين الأقوال والأفعال. وحذر من النفاق لأنه نقيض الأصالة والاتساق والوَفاء والأَمانَة والإخْلاص والصِدْق، وهو ممارسة الكذب باسم الله وباسم الشريعة، لتمجيد الذات بعيدًا عن الحب الحقيقي. المراؤون يعيشون في مسرحية مستمرة، لا عَلاقة فيها بين ما يقولون وما يفعلون.
ثالثًا فتور القلب وتحجره:
النفاق كمرض السرطان يبدأ صغيرًا ولكنه يلتهم رويدًا رويدًا كل صلاح ويحول صاحبه إلى أعمى لا يستطيع الإحساس بفظاعة الخطيئة أو الشعور بالآخرين، لدرجة تبرير الخطيئة لنفسه وإغلاق العين والقلب أمام التوبة، وعدم الاعتراف بالحاجة إلى الله. فالمراؤون يتظاهرون بالصلاح لدرجة أنهم لا يشعرون بالحاجة إلى التوبة.
رابعًا إدانة الآخرين بعنف:
النفاق يدفع صاحبه للسلوك بقسوة مع الآخرين لتبرير وخداع نفسه. المراؤون يدينون الآخرين دائمًا ولا يشعرون بأي خجل في تقديم التصريحات والمحاضرات والتعاليم وتدريس العفة والتكلم عن ضرورة الطهارة والطاعة والصلاة والتقوى. إنهم غالبًا كاللصوص الذين يتكلمون عن النزاهة والأمانة والشرف، ويرجمون الآخرين دون رحمة أو رأفة.
خامسًا الإساءة إلى الله واستخدامه لأغراض شخصية:
النفاق هو إهانة ضد الله لأنه شكل من أشكال عبادة الأوثان. فالمنافق يعبد نفسه وصورته، بدلًا من الله. يقول يسوع أن المنافقين يفعلون كل شيء ليحصلوا على إعجاب الناس، لكنهم لا يبغون رضى الله بل تصفيق الآخرين لهم. والمراؤون غالبًا ما يستخدمون اسم الله القدوس ليتسلطوا على الآخرين ويحصلوا على منافع شخصية.
لماذا يسقط في تجربة النفاق الكثيرون من المؤمنين حتى من المكرسين؟
النفاق هو ظاهرة معقدة للغاية ولها جذورها في الطبيعة البشرية ولا يوجد إنسان غير مُعرض للسقوط في تجرِبة النفاق بما في ذلك المؤمنين والمكرسين. ويمكن تلخيص أسباب السقوط فيه إلى:
أولًا الضغط الاجتماعي:
يمارس المجتمع ضغطًا قويًا على أفراده للامتثال له وللتصرف حَسَبَ بعض المعايير السلوكية. هذا الضغط يسبب الخوف من حكم الآخرين، والرغبة في الظهور بشكل مثالي ومقبول مما يدفع البعض إلى إخفاء نِقَاط ضعفهم وإظهار صورة مثالية عن أنفسهم. المجتمعات التي تتبنى الاهتمام بالمظاهر الشكلية هي أكثر المجتمعات المريضة بوباء النفاق، وهي البيئة الحاضنة للمرائيين على كافة المستويات، لدرجة أن المنافقين والمتظاهرين بالعلم وبالتدين والتقوى هم من يقودون تلك المجتمعات لمزيد من المرض والظلام.
عندما تمرض الجماعات بوباء النفاق تختار حكامها بين الأكثر رياء ودهاء وخبثا ولؤما وبذلك تدخل في دائرة شيطانية يصعب الخروج منها.
ثانيًا السعي إلى السلطة:
يخفي التظاهر والنفاق رغبة المنافق في الحصول على السلطة والتسلط على الآخرين والتقدم في المكانة الاجتماعية والدينية. ويسقط الكثيرون في تجرِبة النفاق للحصول أيضًا على مكاسب مالية أو معنوية، وهذا يفسد حتى أكثر الناس ورعًا وتقوى.
رجال الدين والمكرسين هم أكثر عرضة لاستخدام الرياء كأداة للتلاعب بالآخرين وتأكيد سلطتهم وإظهار خلاف ما بداخلهم. ليس من الغريب أن السيد المسيح أدان رجال الدين المرائين الذين يحرمون البعوضة ويبلعون الجمل. وليس من الغريب أن من حكم على المسيح بالصليب والموت هم أنفسهم رجال الدين الذين، وباسم الشريعة، ادانوا رب الشريعة ومكملها.
ثالثًا هشاشة الإنسان:
لا أحد محصن تمامًا ضد خطيئة الرياء فحتى أكثر المؤمنين إخلاصًا يمكن أن يقعوا في تجرِبة النفاق وأكثر المكرسين أمانة قد يكونون غارقين في النفاق حتى دون أن يدرون. لاسيما وأن النفاق في بعض الأحيان يكون رد فعل دفاعي لإخفاء مشاعر عدم الكفاءة أو عدم الثقة في النفس. ويسقط في النفاق الكثيرون لأن نتائجه تخدر القلب وتخفي بشاعة النفس وتجعل المنافق يحصل بسرعة على ما لا يستطيع الحصول عليه إذا اتخذ درب الصدق والنزاهة الوعر والطويل. “مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!” (مت 7: 14). كلما زاد شعور الشخص بالدونية وعدم الكفاءة وقلة الإمكانيات كلما زادت لديه تجربة النفاق كمخرج وكلما ازداد عنفا وتوبيخا للأشخاص الأكثر كفاءة منه لأنه ببساطة يشعر أمامهم بأنه عريان. المنافقون هم أكثر الناس اتهاما للآخرين بأبشع الصفات.
رابعًا الروحانية كوسيلة للتربح:
في بعض الأحيان، يمكن أن تصبح الروحانية والدروشة طريقة بسيطة، ووسيلة سهلة لإخفاء مشكلات المرء وعدم رضاه، وللتربح وللتحكم في الآخرين. في هذه الحالات، يتم استخدام الدين كذريعة لكسب الموافقة الاجتماعية أو لتبرير السلوك الأناني، والسيطرة على الآخرين والتستر خلف أقنعة التقوى والتدين والتربح مهما كان الثمن.
خامسًا عدم فحص الضمير:
ليس من السهل دائمًا التمييز بين البحث الصادق عن الله والالتزام الحقيقي بالممارسات الدينية الرسمية. ويمكن أن يؤدي عدم التمييز إلى خلط الناس بين التفاني الخارجي والإيمان الحقيقي. فالإرهابيون هم في كثير من الأحيان صادقون في إرهابهم لدرجة تفجير أنفسهم ولكنهم ضحية لخداع أنفسهم بأفكار أو معتقدات يظنون بصحتها لدرجة العمى. أصعب شيء في النفاق أنه يصيب صاحبه بالعمى الروحي والإنساني ويدفع المنافق لارتكاب أفظع وأبشع الجرائم دون تأنيب ضمير. المراؤون هم أيضًا ضحية نفاقهم الذي أوهمهم بأنه من خلاله سيصلون لأرفع المراتب ولكنهم في النهاية يبيعون أنفسهم للشيطان وغالبًا ما يجدون أنفسهم بآخر الطريق عراة يبحثون على ورقة توت لستر بشاعة جرائمهم وتخاذلهم وخيانتهم.
ماذا تقول الكنيسة عن النفاق؟
أدانت الكنيسة دائمًا النفاق، معتبرة إياه خطيئة شديدة الْخَطَر تسيء إلى الله وتُبعد الناس عن الإيمان. وحاولت دائمًا تذكير المؤمنين بكلمات السيد المسيح القاسية إلى الفريسيين، واتهامه إياهم بأنهم مثل “قبور بيضاء”، تُظهر القداسة كي تخفي قلوبًا فاسدة.
كيف نحارب النفاق؟
لمكافحة النفاق، من الضروري:
أولًا تنمية فضيلة التواضع:
إن إدراك المرء لحدوده ونقاط ضعفه هو الخطوة الأولى للتغلب على النفاق. وهذا لا يتم إلا بتطوير عَلاقة حقيقية وشخصية مع الله تقوم على الصلاة والتأمل والمشاركة في الأسرار، مما يحررنا من الخوف من دينونة الناس ويمنحنا القوة لنكون صادقين مع أنفسنا ومع الله الذي يعرف خفايا قلوبنا. وتعلم “أَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟” (مر 8: 36)
ثانيًا السعي لعيش الإيمان باستمرار:
السعي اليومي لعيش الإيمان والمقاربة بين أقوالنا وأفعالنا وفقًا لقيّم وتعاليم الإنجيل. والسعي لعيش ما نُعلمه للآخرين وتطبيق القاعدة الذهبية: “َكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هَكَذَا” (لو 6: 31).
ثالثًا كن صادقًا مع نفسك والآخرين:
من المهم التحلي بشجاعة الصدق مع الذات ومع مشاعرنا وتجاربنا، حتى عندما يعني ذلك الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، لأن التعالي والتكبر يزيدان المرض سوءً وتدهورا. فخطورة النفاق في أنه يدفع المنافق حتى لخداع نفسه وتبرير تصرفاته وأخطائه وخطاياه وجرائمه، وما من طريق للخروج من هذه الدائرة الشيطانية إلا بالصدق مع الذات ومع الآخرين ومع الله.
رابعًا فحص الضمير الشخصي والجماعي:
ضرورة ممارسة فحص الضمير اليومي لمراجعة الذات ويمكن للجماعة المسيحية أن تقدم دعمًا كبيرًا على طريق النمو الروحي وأن تساعدنا في التغلب على تجارِب النفاق بممارسة المراجعة الجماعية والتقييم المستمر ومواجهة نِقَاط الضعف بشجاعة وعدم إخفاء العيوب.
إن النفاق هو مشكلة خطرة تُصيب الأشخاص والكنيسة والمجتمع ككل وهو آفة خطيرة يتعرض لها حتى المكرسين، ومع ذلك، من الممكن التغلب عليه من خلال الالتزام المستمر والصادق والتواضع والإخلاص ونعمة الله.
ختامًا أدعو الجميع لقراءة الإصحاح 23 من أنجيل متى حيث خاطب يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَتَلاَمِيذَهُ قَائِلًا:
“عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ، فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ. فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالًا ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ، وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ، وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ: فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ، وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي! … وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَب الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ. أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ. أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ! وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ، وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً. أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلًا دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ، وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ. فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. فَأمْلأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ. أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ لِذلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هذَا الْجِيلِ!”.