هل حرّف المسيحيون الأناجيل؟

هل حرّف المسيحيون الأناجيل؟

الجواب العلمي انطلاقًا من واقع المخطوطات

بقلم الدكتور روبير شعيب

الفاتيكان, 14 مايو 2013 (زينيت)

يتهم البعض المسيحيين بأنهم قاموا بتحريف الأناجيل وجعلوها تقول ما لم يكن موجودًا في المخطوطات الأولى. إن الأبحاث العلمية الكثيرة في هذا المجال قد أصدرت الكثير من المواد. في هذه المقالة القصيرة سنسلط الضوء باقتضاب على بعض المعطيات العلمية التي تسمح لنا بالإجابة على السؤال المذكور أعلاه إنطلاقًا من الوقائع، لا من وقع العواطف والمواقف الغوغائية: هل حرّف المسيحيون الأناجيل؟

للإجابة سنعتمد على وسائل الباحثين التاريخيين. فما هي الوسائل التي يعتمدها الباحثون؟ – الوسائل كثيرة، ولكن أهم هذه الوسائل معيارين:

1 – البحث عن المخطوطات القديمة وقرب هذه المخطوطات من الحدث الذي تخبر عنه.

2 – تعدد المخطوطات وانتشارها. فمع ازدياد عدد المخطوطات، يصعب بديهيًا التحريف لا بل حتى يستحيل.

القرب الزمني بين حدث المسيح والمخطوطات الأولى المتوفرة

إذا ما نظرنا في المعيار الأول لوجدنا أن نصوص الأناجيل تشكل أكثر النصوص القديمة قربًا من الحدث الذي تشير إليه. سنقدم بعض الأمثلة:

أقدم مخطوط لمؤلفات أفلاطون يعود إلى العام 900. بما أن أفلاطون مات نحو العام 427 قبل المسيح، هذا يعني أن المسافة الزمنية بين الحدث والمخطوط هي 1200 سنة!

أقدم مخطوط لمؤلفات أرسطو يعود إلى العام 1100. بما أن أرسطو مات نحو العام 384 قبل المسيح. هذا يعني أن المسافة الزمنية بين الحدث والمخطوط الأقدم هي 1400 سنة!

أقدم مخطوط للشاعر الإغريقي الشهير، هوميروس، يعود إلى العام 400 قبل المسيح. بما أن هوميروس عاش نحو القرن التاسع قبل المسيح. هذا يعني أن المسافة الزمنية بين الحدث والمخطوط عي نحو 500 سنة!

أقدم مخطوط للقرآن يعود إلى القرن الثاني للهجرة، أي نحو العام 800 ميلادية، وذلك بحسب العالم الإسلامي أحمد فون دنفر في كتاب “علوم القرآن”. المسافة بين الحدث والمخطوط هي 200 سنة تقريبًا. وقد تم عرض المخطوط الأقدم في المتحف البريطاني في عام 1976 خلال المهرجان الإسلامي العالمي.

ماذا عن العهد الجديد؟

إن المخطوطات الأقدم للعهد الجديد تعود إلى نحو العام 125 (نحن بصدد البابيروس عدد 52 المعروف باسم “بابيروس رايلاندس”)، أي بعد أقل من 75 سنة من أحداث المسيح. وإذا قبلنا بالمعطيات التي ترجح موت آخر الرسل نحو العام 100، هذا يعني أن المسافة بين أقدم المخطوطات والعصر الرسولي هي قصيرة جدًا. وهذا يعني أن أتباع الرسل الأولين، لو كان هناك أي تحريف، لكانوا أوقفوه وأشاروا إليه فورًا.

علمًا بأن هناك مخطوطات أقدم من المذكورة أعلاه وهي تعود إلى الجزء الثاني من القرن الأول، ولكنها عبارة عن جمل صغيرة ولا نود أخذها بعين الاعتبار، رغم أهميتها الكبيرة.

عدد هائل من المخطوطات

إلى جانب القرب الزمني من الحدث، حدث يسوع المسيح وبشارة الرسل، هناك شهادة عدد هائل من المخطوطات، لا تفسح أي مجال لأطروحة التحريف. فلنقدم بعض الأعداد:

هناك 11 مخطوطًا فقط لمؤلفات أفلاطون.

هناك 49 مخطوطًا فقط لمؤلفات أرسطو

يزداد العدد بعض الشيء إذا ما نظرنا إلى كتابات هوميروس، لدينا 643 مخطوطًا.

ماذا عن العهد الجديد؟

لدينا أكثر من 5600 مخطوط يوناني، 8000 مخطوط لاتيني، آلاف المخطوطات بالسريانية، الأرمنية، القبطية… يبلغ مجمل المخطوطات نحو 15000 مخطوط!! وهذه المخطوطات هي في لغات مختلفة، في أماكن مختلفة، وُجدت في أزمنة مختلفة، من قبل منتمين لديانات مختلفة وليس فقط من قبل بحاثة مسيحيين.

هذا وإن نسبة الدقة هي بليغة بحد ذاتها. فمخطوطات هوميروس الـ 643 تبلغ دقتها 95 %.

أما دقة مخطوطات العهد الجديد ومطابقتها فتصل إلى 99.5 %، وذلك معدل كبير جدًا نظرًا لعدد المخطوطات البالغ 5600 مخطوط.

إن سلسلة المخطوطات اليونانية الكاملة هي موجودة في مؤلف Nestle – Aland, “Novum Testamentum graece”, 27^ ed. Stuttgart, 1993.

كل هذه المعطيات تجعلنا ندرك أنه كان مستحيلاً أن يتم تحريف الأناجيل إن من الناحية الزمنية وإن من الناحية العددية.

هل كان هناك داعٍ للتحريف؟

إلى جانب البراهين العلمية التي قمنا بتلخيصها، نطرح السؤال التالي: هل كان من مصلحة للرسل، لأتباعهم وللمسيحيين بعدهم أن يقوموا بتحريف الأناجيل؟

سنجيب على بأسلوب يسوع، أي من خلال طرح أسئلة:

ما المصلحة في تحريف مكنونات لا تشكل جزءًا من التقليد اليهودي وعليه تشكل مشكلة أمنية للمقرين بها؟

ما المصلحة في إعلان ألوهية إنسان، الأمر الذي حمل إلى اضطهاد من قِبل اليهود ومن قِبل الرومانيين؟

لو شاء التلاميذ تحريف الأناجيل، ألم يكن من الأنسب أن يزيلوا كل الشهادات التي تُكدّر صورة الرسل مثل خيانة بطرس وجبن سائر الرسل، إلخ؟

إن الأناجيل كما نعرفها الآن هي شهادة سامية لمحبة الله ولقصور البشر والرسل تجاه هذه المحبة، الإنجيل يتضمن تعليمًا لا يرغب أي شخص أن يحمله على عاتقه نظرًا لمتطلباته التي ترمي الأنانية عرض الحائط وتعطي الأولية لله، للمحبة. لو لم يتلق الرسل هذا التعليم ولو لم يكونوا شهودًا عيان لكلمات وأفعال يسوع لما كانوا ابتكروا هذه “الطريق”.

خلاصة

إن كتابات العهد الجديد هي شهادة أمينة لحدث المسيح، تأتي تعبيرًا عن إيمان ثابت بألوهية المسيح وعن أمانة ثابتة للمكنونات. نرى التعبير الملموس عن هذه الأمانة في مطلع إنجيل لوقا، في إنجيل يوحنا، في رسائل يوحنا، في تعليم بولس، في رسائل بطرس، وفي الكتاب الأخير من العهد الجديد نقرأ ما يلي:

“أشهد أنا لكل من يسمع الأقوال النبوية التي في هذا الكتاب: إذا زاد أحد عليها شيئا زاده الله من النكبات الموصوفة في هذا الكتاب. وإذا أسقط أحد شيئا من أقوال كتاب النبوءة هذه، أسقط الله نصيبه من شجرة الحياة ومن المدينة المقدسة اللتين وصفتا في هذا الكتاب” (رؤ 22، 18 – 19).