يهوذا الإسخريوطي اللغز المحيّر في تاريخ المسيحية..واشهر قبلة خيانة

يهوذا الإسخريوطي اللغز المحيّر في تاريخ المسيحية..واشهر قبلة خيانة

اعداد- ناجى كامل

أشهر تجسيد لصورة “الخائن” في التاريخ الديني للبشرية

– من انت يا يهوذا الإسخريوطي . آنت بالفعل اللغز المحيّر في تاريخ المسيحية؟ و الخائن الاول للمسيح ؟

يهوذا الإسخريوطي، هو واحد من تلاميذ المسيح الإثني عشر ويسمى أيضا بيهوذا سمعان الإسخريوطي ، اسمه يهوذا معناه بالعبرية (الحمد) ومن لقبه الإسخريوطي نستدل بانه كان من مدينة تسمى قريوط تقع في جنوب مملكة يهوذا والتي ذُكرت في العهد القديم  أو قد يكون من مدينة موآب الحصينة المذكورة أيضا في العهد القديم

وكان كتبة الأناجيل يركزون على ذكر لقبه لتمييزه عن الرسول يهوذا تدَّاوس ولذلك يمكننا أن نقرِّر أن يهوذا الإسخريوطي كان يهوديًا من قريوت، من مقاطعة اليهودية. إذًا فهو التلميذ الوحيد الذي انحدر من اليهودية، بينما جاء كل التلاميذ الآخرين من الجليل. لقد خرج «الإسخريوطيّ» من نفس السبط الذي طلع منه ربنا يسوع المسيح حسب الجسد.  ويا له من امتياز كان يجب أن يُشعره بالألفة والقُرب للرب يسوع المسيح أكثر من جميع التلاميذ، وهو الأمر الذي لم يحدث على الإطلاق من جانب يهوذا

بحسب الأناجيل فإن يهوذا الإسخريوطي هو التلميذ الذي خان يسوع وسلمه لليهود مقابل ثلاثين قطعة فضة  ( كانت الثلاثين فضه وقتها ثمن شراء حمل ) وبعد ذلك ندم على فعلته ورد المال لليهود وذهب وقتل نفسه، وبعد قيامة يسوع من الموت اختار الرسل متياس بديلا عن يهوذا ليكون من جملة الاثني عشر

لقد اختار الرب يسوع «يهوذا الإسخريوطيّ» تلميذًا وهو يعلم تمامًا ماذا سيفعل (يو6: 70)، وأعطاه الفرصة الكاملة، كما يُعطي لأي إنسان شرير على الأرض، لأنه لا يعاقب على إثم قبل حدوثه، ولا يمنع إنسانًا من فرصة طيبة يمكن أن يقتنصها، حتى يسكت كل فم، ولا يحتج أحد أمام الله بأنه لم يُعطَ فرصته الكاملة في أرض الأحياء .. وهنا يمكن أن نقف مشدوهين، إذ كيف يحب المسيح ذاك الخائن، ويُطعمه ويأويه، وهو يعلم أنه يقترب من الخيانة يومًا بعد يوم .. ولكن «يهوذا» يُعطينا نموذجًا عجيبًا على صبر المسيح وحنانه وإشفاقه على أشر الخطاة وأحط الأثمة

 

– نحن نعلم أن المسيح اختار تلاميذه بعد ليلة قضاها في الصلاة، وهو لم يختره اعتباطًا، ولا اختاره ليكون خائنًا. فمن المؤكد أنه كان يملك وزنات طبيعية حباه بها الله، وأحاطها الرب يسوع المسيح بكل ما يمكن أن تُحاط به الوزنات، لعلها تنمو وتُستخدم على أفضل صورة، ولكنه ـ للأسف الشديد ـ دفنها ونظر إلى سيده كما نظر صاحب الوزنة الواحدة، واتهمه بالشدة والقسوة والصرامة، من غير حق (مت25: 24-28

 

– واختيار الرب ليهوذا تلميذًا، لم يكن مجرد اختيار شكلي يُمكِّن يهوذا من الاحتجاج بأنه وضع “صورة” فحسب، دون أن يمارس المسئولية فعلاً، لأن المسيح اختاره أمينًا للصندوق، وبهذا فقد جعله الرب موضع ثقة وتقدير. ومن الجائز أنه كان أقدر التلاميذ من الوجهة المالية، وأقدر من متى العشار نفسه. في للمكانة الممتازة التي تمتع بها يهوذا بين الاثني عشر

يهوذا الإسخريوطي في الإنجيل  :

كان أول ذكر ليهوذا الإسخريوطي في الإنجيل أثناء اختيار يسوع لرسله الإثني عشر، وكان الإنجيل يصف يهوذا بالمُسلِّم من حيث أنه سلم يسوع لليهود (ويهوذَا الإسخريوطي الَّذِي صار مُسَلِّماً أَيضاً) ، وكان يسوع يعرف دائما بأن يهوذا سيخونه (أَجابهم يسوع : ((أَلَيس أَني أَنا اختَرتكم، الاِثثي عشر؟ وواحد منكم شيطَانٌ!)) قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي، لأن هذا كَان مزمعاً أَن يُسَلِّمَه، وهو واحد من الاِثني عشر)

وكان المسيح قد أوكل ليهوذا الإسخريوطي مهمة حفظ ماله ومال التلاميذ فكان صندوق المال عنده وكان يسرق منه ،

و كانت للدوافع الشخصية لطبيعته الأنانية أثر قوي في بقائه تابعا للمسيح . ومع أنه كان أمينًا  للصندوق، إلا أنه تجاهل تحذيرات الرب يسوع من الطمع و استغل الأموال لحسابه ولتغطية جشعه، وتظاهر بالغيرة على الصندوق، فعندما دهنت مريم قدمي يسوع بالطيب تساءل: “لماذا لم يُبَع هذا العطر بثلاث مئة دينارثم توزع على الفقراء؟. ولم يقل هذا لأنه كان يعطف على الفقراء، بل لأنه كان لصا، فقد كان أمينا للصندوق وكان يختلس مما يودع فيه.” (يو 12:  6,5

– استطاع يهوذا بدهائه أن يخفي “لبعض الوقت” طبيعته الحقيقية عن بقية التلاميذ، وأن يقضي على أي استياء يمكن أن يحدث بينهم (مر 14: 4)، إلا أنه شعر هنا أنه لا يمكن أن يضمن استمرار مصدر دخله.

يهوذا يسلم سيده لليهود بقبلة

– أنبأ يسوع عن خيانة يهوذا في المستقبل، فبعد الحديث عن ” خبز الحياة ” في مجمع كفر ناحوم (يو 6: 26 – 59) رجع كثيرون من التلاميذ عن يسوع و لم يعودوا يتبعونه  (عدد 66). ثم أكَّد بطرس ولاء التلاميذ له (عدد 69)، فأجابهم يسوع: ” أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان وعنى بذلك يهوذا بن سمعان الاسخريوطى وهو الذى سيسلمه ..( يوحنا 70:6)

ومن المثير للانتباه ان الانجيليين عندما اشاروا الى قيام يهوذا بتسليم الرب يسوع لليهود، عرّفوه بانه أحد الاثني عشر، بل أن الرب يسوع نفسه عندما سُئل من التلاميذ عن الشخص الذي سيسلمه، أجابهم قائلاً: انه واحد من الاثني عشر (مر20:14)، وذلك أمر غاية في الأهمّية، إذ يوضّح خطيّة الخيانة الفظيعة . فإن الذي كرَّمه مساويًا إيّاه بالبقيَّة، وزيّنه بالكرامات الرسوليّة، وجعله المحبوب وضمّه للمائدة  المقدّسة… صار طريقًا ووسيلة لقتل المسيح.

ليحمل المسيح  آلامنا ويشرب عنّا الكأس حتى النهاية – أن يتقبّل الألم على يديّ أحد تلاميذه، وخلال قُبلة ليكون الجرح غاية في المرارة. وتزداد الجراحات مرارة أنها جاءت مغلَّفة بغلاف الحب الغاش، والكلمات الليِّنة التي تحمل وراءها سُم الشرّ. فقد أعطى لهؤلاء القتلة علامة، قائلًا: “الذي أُقَبّله هو”. متناسياً تمامًا مجد المسيح، وظن أنه سيبقى متسترًا عندما يُقدم القبلة التي هي علامة الحب، بينما يحمل في قلبه خداعًا مرًا وشريرًا

تسليم يهوذا الإسخريوطي ليسوع

كما سبق و قلت  ان يهوذا استطاع  بدهائه أن يخفي – لبعض الوقت – طبيعته الحقيقية عن بقية التلاميذ، وأن يقضي على أي استياء يمكن أن يحدث بينهم (مر 14: 4)،  أما كلمات سيده التي تضمنت حديثه عن يوم تكفينه فقد كشفت لمسلمه أن يسوع قد عرف جيدًا القوى الشريرة التي كانت تعمل ضده (مت 26: 12، مر 14: 8، يو 12: 7).  وواضح مما جاء في متى ومرقس (فلوقا  لا يذكر هذه الحادثة) أن يهوذا ذهب على الفور وتآمر مع رؤساء الكهنة (مت 26: 14 و15، مر 14: 10 و11، انظر أيضًا لو 22: 3 – 6)، ولكنه اختفى إلى حين، فقد كان حاضرًا بعد ذلك عند غسل أرجل التلاميذ حيث ميزَّ يسوع مرة أخرى بينه وبين بقية الاثنى عشر دون التصريح باسمه: “أنتم طاهرون ولكن ليس كلكم”، “والذي يأكل معي الخبز رفع علَّي عقبه” (يو 13: 10 و18). ويبدو أن يسوع كان يريد أن يعطى يهوذا  فرصة للتوبة والاعتراف حتى في تلك الساعة المتأخرة. وللمرة الأخيرة عندما جلسوا للأكل، تقدم إليه يسوع بهذه الكلمات: “إن واحدًا منكم سيسلمني” (مت 26: 21، مر 14: 18، لو 22: 21، يو 13: 21). وأخيرًا وردًا على تساؤلات التلاميذ الحائرة: “هل أنا؟” أشار يسوع إلى مسلمه، لابذكر اسمه ، ولكن بالقول: ” هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه ” (يو 13: 26). وحالما أخذ اللقمة، غادر يهوذا المكان، لقد حانت الفرصة التي كان ينتظرها (يو 13: 30، مت 26: 26).

– إلا أن هناك بعض الشك فيما إذا كان يهوذا قد أخذ الخبز والخمر قبل مغادرته أم لا، ولكن معظم المفسرين يعتقدون أنه لم يأخذ من الخبز والخمر. وحالما خرج يهوذا ذهب إلى رؤساء الكهنة وأتباعهم، وعندما جاء إلى يسوع في البستان، سلّم سيده بقبلة (مت 26: 47 – 50، مر 14: 43 و44، لو 22: 47، يو 18: 2 – 5)

اتفق يهوذا مع رؤساء كهنة اليهود على أن يسلم لهم المسيح مقابل ثلاثين قطعة فضة  في مكان خلاء لأن اليهود كانوا يخشون القبض على يسوع في النهار أمام الجموع لئلا يثوروا ضدهم ، وكان يهوذا يعرف الأماكن التي اعتاد يسوع على الاختلاء بها بتلاميذه كبستان جثسيماني، وأثناء العشاء الأخير اعلن يسوع للتلاميذ عن أن واحدا منهم سيسلمه لحكم الموت لتكتمل جميع النبوات (وفيما هم يأكلون قَال: ((الحق أقول لَكم: إِن واحدا منكم يُسَلِّمني)). فحزنوا جدا ،وابتدأ كل واحد منهم يقول له: ((هل أنا هو يا رب؟)) فأجاب وقَال : ((الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يُسَلِّمُني! إِن ابن الإنسان ماضٍ كَما هو مكتوب عنه ،ولَكن ويل لذَلك الرجل الذي به يُسَلَّمُ ابن الإنسانِ. كَان خيراً لذَلك الرجل لو لم يولد!)). فسأل يهوذا مُسَلِّمُهُ وقال : ((هل أنا هو يا سيدي؟)) قَال له: ((أنت قلت))) ، ثم دخل الشيطان قلب يهوذا .

كما سبق فأنبأ عاموس النبي “لأنهم باعوا الصديق لقاء الفضة” (2: 6) كثمنٍ لبيع البار، وهو ثمن بخس يُدفع كدية عبدٍ إذا نطحه ثور وقتله “وإذا نطح الثور عبدا أو أمة، فإن صاحبه يدفع ثلاثين قطعة فضة تعويضا لمولاه” خر 21: 32

– وحتى لو كان يهوذا قد ندم ورجع عن الشر الذي ارتكبه، لكن الوقت كان قد فات. كانت عجلات خطة الله قد بدأت تتحرك. ويالها من مأساة أن ينهي يهوذا حياته يائساً دون أن يختبر عطية المصالحة التي كان يمكن أن يقدمها الله له هو أيضا في يسوع المسيح!. لأن يهوذا لم يكن يحمل عداوة ضد المسيح (مز 13:55)، بل وحتى بعد تسليمه للمخلص مدح المعلم قائلًا أنه أخطأ إذ سلم دمًا بريئًا، معترفًا بذلك أمام رؤساء الكهنة والشيوخ، بجانب إلقائه بالمال على الأرض دون الاستمتاع به. كل هذه اللمسات الجميلة تكشف أنه كان يمكنه أن يقدم توبة مقتربًا نحو المخلص، لكنه للأسف فتح قلبه للشيطان للمرة الثانية لينتحر فاقدًا الرجاء في الله مخلص البشرية.

موت يهوذا :

لا يذكر عنه شيء في أناجيل مرقس ولوقا ويوحنا، بعد أن أسلم يسوع. أما ما جاء في إنجيل متى وسفر الأعمال عن ندامته وموته، ففيه اختلاف في بعض التفاصيل، فيذكر متى أن الحكم على يسوع كان سببًا في إيقاظ إحساسه بالذنب، وفي يأسه المتزايد بسبب طرد رؤساء الكهنة والشيوخ له، “طرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وشنق نفسه ” واشترى رؤساء الكهنة بالفضة حقل الفخاري الذي سمي فيما بعد “حقل الدم” وبهذا تحققت نبوة زكريا (11: 12-14). أما ما جاء في سفر الأعمال (1: 16 – 20) فلا يذكر شيئًا عن ندامة يهوذا ولا عن رؤساء الكهنة، ولكنه يذكر فقط أن يهوذا اقتنى حقلًا من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها (عدد 18) ويجد كاتب سفر الأعمال في هذا تحقيقًا للنبوة التي جاءت في مزمور 69: 25

+ ماذا قالوا عن شخصية يهوذا الإسخريوطي

1- إن يهوذا انضم لجماعة الرسل بهدف محدد، هو تسليم يسوع. ويفسرون هدف هذا الاتجاه على وجهين، يعمد كلاهما للسمو بشخصية يهوذا وابرائه من تهمة الدوافع الخسيسة ونذالة الخيانة. فيقول أحد المؤيدين لهذا الراى إن  يهوذا كان وطنيًا غيورًا، ورأى في يسوع عدوًا لأمته وعقيدتها الأصيلة، ولذلك أسلمه من أجل صالح أمته.

2- الراى الآخر فقد اعتبر يهوذا نفسه خادمًا أمينًا للمسيحية : إذ أنه توجه إلى التسليم ليتعجل عمل المسيا ويدفعه إلى اظهار قوته المعجزية بدعوة ملائكة الله من السماء لمعونته (مت 26: 53). أما انتحاره فيرجع إلى يأسه، لفشل يسوع في تحقيق توقعاته.

3- و هناك راى ثالث : ان يهوذا اساء  وسائر التلاميذ على السواء، فى فهم رسالة يسوع. لقد توقعوا جميعاً أن يقوم يسوع بحركة سياسية. ولما ظل يتحدّث عن الموت، شعروا كلهم، بدرجات متفاوتة، بالغضب والخوف والأحباط، ولم يستطيعوا أن يدركوا لماذا اختارهم يسوع ما دامت رسالته مصيرها الفشل

وقد يسأل سائل: لماذا اراد يهوذا أن يسلّم الرب يسوع؟!.. والحقيقة  اننا لا نعرف الدافع الحقيقي وراء خيانة يهوذا ليسوع، ولكن الواضح هو أن يهوذا سمح لمطامعه أن تضعه في موقف يستطيع فيه الشيطان أن يتلاعب به. فكما ذكرسابقا، فقد كان يهوذا، كسائر التلاميذ، ينتظر أن يشرع المسيح في ثورة سياسية، يخلع بها عنهم حكم الرومان. ولاشك في أن يهوذا توقع كباقي التلاميذ، أن يُعطى مركزاً هاماً في حكومة المسيح الجديدة “عندئذ تقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي، وقالا له: يامعلم، نرغب في أن تفعل لنا كل ما نطلب منك. فسألهما: ماذا ترغبان في أن أفعل لكما؟ قالا له: هبنا أن نجلس في مجدك: واحد عن يمينك، وواحد عن يسارك” (مر37,35:10) ، و لعلّه أدرك أن مملكة المسيح ليست أرضية أو سياسية، بل روحية، فوجد أن جشعه للمال والمركز لا يمكن أن يتحقق باتباعه للرب يسوع، لذلك أسلمه طمعاً في المال واسترضاء للقادة الدينيين.

4- ولقد وصف الرب يسوع يهوذا الإسخريوطي بالوصف البالغ الأسى «ابْنُ الْهلاَكِ» (يو17: 12). وقال عنه أيضًا: «كَانَ خَيْراً لِذَلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ» (مت26: 24؛ مر14: 21)

5- ماذا تقول عنه انت ايها القارئ العزيز.. صحيح ان شخصية يهوذا قد حيرت فى وصفه ولكن الى اليوم هو يمثل الشخصية المزدوجة..