أحد الشعانين أو أحد السعف

أحد الشعانين أو أحد السعف

الإكليريكي تامر حداد
المعهد الإكليريكي لبطريركية اللاتين – بيت جالا

هذا هو اليوم الذي رتب فيه المسيح أن يكون ملكا ويعلن فيه هذه الحقيقة ولكنه يعلنها في صورة متواضعة فأي واحد منا يتصور أو يتخيل موكب ملك قادم في الشوارع يظن فيه العظمة ولكن ملك الملوك ورب الأرباب لم يريد أن يدخل أورشليم كملك أرضي ولكنه يعلن لهذه المدينة أنه أتى ليكون ملكا متوجا على قلوبنا وللأسف لم يفهم سكان أورشليم هذا المعنى ولكنهم أرادوه ملكا أرضيا لأنهم كانوا ينتظرون المسيح المخلص ليخلصهم من العبودية الأرضية ومن يد الرومان فبعدما دخل المدينة أراد البعض أن يختطفوه ويتوجوه ملكا ولكنه هرب لأنه يريد أن يملك على القلوب وليس على الأجساد.

لما أراد السيد المسيح أن يعلن عن حقيقته ما يريده منا وهو أن يملك على قلوبنا طلب من تلاميذه أن يحضروا جحشا وأتان وقال لهم عن مكانهم وما سيقول الناس لهم. وعندما أحضروا الجحش فرشوه التلاميذ بقمصانهم وجلس السيد المسيح عليه ودخل أورشليم كملك ولكنه ملك متواضع حقا وقيل أنه عند دخوله أرتجت المدينة كلها وتجمع كل من أمن به في صورة غريبة لفد فهموا ما يريده منهم فعبر كل واحد بصورة مختلفة فنرى الجموع قد خلعت قمصانها وفرشت بها الأرض لكى يدوسها الرب ونرى مجموعة أخرى قطعت سعفا من النخيل وأستقبلته به ونرى الكل في سيمفونية فريدة من نوعها تسبح الله قائلا: “هوشعنا في الأعالي هوشعنا لابن داود”. ولكل هذا رمزا في داخل كل إنسان.

فالذين قدموا قمصانهم كأنهم يتنازلون عن برهم الذاتي الذين يتوشحون به يتنازلون عنه ويقذفونه إلى الأرض ليدوسه شمس البر ذاته كأنهم يقدمون نفوسهم عريانة أمام الله ليظهر لهم كل ما فعلوه من خطية. لقد خلعوا إنسانهم الخارجي وأظهروا ضعف الإنسان الداخلي لفد تخلصوا من المظاهر الخادعة الذين يقفون بها أما الناس لكى يروهم أبرارا. لقد تنازلوا للسيد المسيح عن هذا البر سواء كانوا فعلوه حقا أم أنهم يتوشحون بالبر الزائف كى يقولون له مهما فعلنا فنحن عبيد بطالون… هؤلاء هم الذين قدموا له قمصانهم. وماذا عن الذين قدموا له سعف النخيل؟

عندما ننظر إلى سعف النخيل نجد أنه أعلى جميع المزروعات على وجه الأرض ولكي تثبت النخلة فلا بد لها من جذر قوي يضرب أعماق الأرض ثابتا فيه مغروسا في ثرى الأرض يأخذ منها ما يبقيه حيا. وعند تأملنا في النخلة نجدها تشبه تماما الإنسان العالمي ذو الشهوات القوية لدرجة أنه أنغرس في وحل الشهوات وعمق جذوره لكي لا ينزعه أحد ولا يقدر هو نفسه أن ينزع جذره منها. لقد نما في الخطية شيئا فشيئا كالنبتة الصغيرة إلى أن أصبح عملاقا كالنخلة وأفرخ ثمارا للخطية كما تفرخ النخلة ورقا.

وأثناء دخول السيد المسيح أورشليم نرى الجموع تقدم له سعف النخيل كأنها تقدم له شهواتها بكل أنواعها المختلفة كأنها تقدم له تقريرا عن حالة الإنسان وروحه قبل عملية الفداء. وبنظرة أخرى إلى سعف النخيل نجد أنه يمثل الخطية المحبوبة التي تتملك على القلب يرفعها الإنسان إلى أعلى المراتب حتى نفسه وكأن الإنسان يقدم للسيد المسيح هذه الخطية المحبوبة التي فشل فى أنتزاعها من القلب ولكن كل محاولة كانت تتحول إلى فشل يرجع بعده الإنسان إلى أعماق الخطية يقدمها له ليصلحها هو نعم لقد عرف الإنسان أن يسوع المسيح هو الطبيب الحقيقي الذي يستطيع أن يعالج أي شيء في النفس البشرية حتى هذه الخطية المحبوبة التي فشل في انتزاعها يقدمها ليقول له أنت القادر أن تنتزعها من قلبي وتضع مكانها حبا يفوق حب هذه الخطية ألا وهو حبك المقدس الذي إذا حل في القلب حوله إلى أتون مستعر وقوده حبك أيها الإله القادر الطبيب الشافى الذي لنفوسنا وأجسادنا وأرواحنا قد يرى البعض نظرة أخرى فى النخيل فقد يشبهها بالإنسان الروحي الثابت في أرض الإيمان يمتص ماء الحياة ليحيا به إلى أن وصل إلى درجة عملاق في الحياة الروحية وأفرخت حياته ثمرا وورقا وليس كالتينة التى لعنها السيد المسيح.

وأخيرا نجد كل هذا الحشد الذي أجتمع حول السيد المسيح وتلاميذه يسبحونه ويمجدونه إذ أنهم عرفوا بعض الشيء عن خطة الخلاص الذي وضعها منذ البدء عندما أخطأ أدم وخالف الله. أرادوا أن يعبروا جميعا وبنفس واحدة أنهم يشتاقون للقائه يشتاقون أن يتوجوه على قلوبهم يتصرف كما يشاء في أمور حياتهم الداخلية والخارجية هذه هي الكنيسة بيت الله نراها في كل وقت تسبح وتمجد الله الذى تألم من أجلنا حتى في أثناء آلامه نراها تقف وهي حزينة لآلامه ولكنها ترى من على الصليب ليس بشرا ضعيفا ولكن ترى هناك على ربوة الجلجثة ملكا متوجا قويا في ضعفه لذلك لم تختار المسيحية رمز للمسيح في أبهى صورة له وهي في التجلي لتكون شعارا لها ولكن أختارت أن يكون شعارها وشعار ملكها هو الصليب كما قال الكتاب المقدس الرب ملك على خشبة.
عن موقع ابونا