أرجوك … لا تكن متشائماً… مقال لنيافة الانبا يوحنا قلته

أرجوك … لا تكن متشائماً… مقال لنيافة الانبا يوحنا قلته

خاص بالموقع

بتصريح خاص من نيافة الانبا يوحنا قلته المعاون البطريركى وراعى كاتدرائية العذراء سيدة مصر بمدينة نصر

– حاول يوماً أن تستيقظ مبكراً قبل شروق الشمس بقليل ، حين يكون الكون ملتحفاً بالبهاء والصفاء ، والدنيا لا تزال نائمة حالمة وتأمل عظمة الخالق ، وكيف يأمر الوجود من جديد ، كن ، استيقظ ، وينفخ من روحه القدوس في الكائنات لتحيا من جديد ، ألا نقول أن النوم نصف موت ؟ تأمل كيف تتسرب الحياة مع تسرب النور والدفء وتقفز الطيور من أعشاشها ، ويخرج البشر إلى أرزاقهم ، إن وراء كل فجر يوم ومعنى عميق ..
* * * * *
2 – كم عمر الكون بضعة مليارات من السنوات ، كم عمر الأرض بضعة ملايين منها ، وكم عمر البشر وخلقهم يقولون أن الإنسان وجد منذ مليوني سنه وأكثر قليلاً وأما قبل خلق الإنسان فقد عبر الوحي في كلمات رائعة بقوله : كان روح الله يرف على الوجود ، ترى هل انسحب روح الله وترك الوجود للعبث والفوضى والشر ، أم أنك تؤمن مثلي أن روح الله لم يزل وإلى أبد الآبدين يرف على الوجود بل تعلمنا نحن المسيحيين أن روح الله في أعماق قلب الإنسان واقرأ معي سفر الحكمة “يقرأ في أسبوع الآلام ليلة الأربعاء المقدسة” يقول الوحي : 7 : 2 الحكمة مهندسة كل شيء وهي علمتني فإن فيها الروح الفهم القدوس المولود الوحيد الطاهر النيّر السليم المحب للخير المحب للبشر القدير الرقيب الحكمة قوة الله لا يشوبها شيء نجس ضياء النور الأزلي مرآة عمل الله تقدر على كل شيء وهي واحدة .تجدد كل شيء وهي ثابتة في ذاتها تحل في النفوس القديسة وتنشئ أحباءً لله وأنبياء لا يغلبها الشر .
أنت إذا أيها الإنسان في أعماقك روح الله ، وأشار إلى ذلك الإنجيل ” ملكوت الله في داخلكم ” والقديسون يقولون أن لله سكناً في قلب الإنسان ، كل إنسان ، فيا سيدي الإنسان ، لست وحدك في هذه الدنيا ولا تظن أنك ستفلت من محبة وعناية الله حتى لو تمردت وتمرغت في الشر والفساد ، وظننت أنك بلغت ما بلغ من فساد اللص اليمين فأنك لو خرجت منك عبارة أذكرني يارب إذا جئت في ملكوتك ، فهذا يكفي ليقول لك اليوم تكون معي في الفردوس ،
كيف هذا ؟
هل هو تسيب روحي ؟
هل هي فوضى في الدينونة ؟
هل المسيح إلى هذا الحد عاطفي ؟
لا ليس الأمر كذلك لا تسيب ، ولا فوضى ، لا عاطفة ضعيفة ، بل هو الحب الإلهي ، الذي رضى أن يشبه نفسه بالأم فإن نسيت رضيعها هو لا ينسانا ، ومن جهة ثانية ، هل أمر كثير على الله أن يغفر الخطايا وهو الذي أخلى ذاته وأشبهنا في طبيعتنا ؟ بل هذا دليل على عظمة وسمو قيمة الإنسان ، أي إنسان ، تعجب من قول القديس أغسطينوس الخاطئ التائب : لو عرف المسيح أن البشر والكون جميعاً إلا واحد فقط لتجسد من أجل هذا الواحد ..
* * * *
3 – بعد هذا كله هل يبقى مكان للتشاؤم في الحياة .. المؤمن ، من أشد التناقضات أن يكون الإنسان مؤمناً بالمسيح ، يتحد بسر القربان ، يلتمس شفاعة العذراء ، يؤدي واجبه بقدر جهده ثم يصاب بالتشاؤم واليأس والإحباط .. أو تظن أن هذا العالم هو ملك لإبليس وزبانيته من الحكام الفاسدين وأعوانهم الأشد فساداً ، أو في يد زمرة من المتشددين المتطرفين المتعصبين أو تحت سلطان حاكم جائر ، قد يحدث الظلم لفترة قد يحل الظلام لزمن أو لسنوات ، لكن لا تنسى أن من يوقظ الوجود والكون حي قوي يقول لنا : ثقوا إني قد غلبت العالم .
د. الأنبا يوحنا قلته