أطراف الميلاد (الحلقة الرابعة والاخيرة)

أطراف الميلاد (الحلقة الرابعة والاخيرة)

ولد المسيح … هاليلويا

المونسنيور د. بيوس قاشا

     في البدء

        أتمنى لكم جميعا أيها القراء الأعزاء ومحرري المواقع الالكترونية ميلاداً مجيدا وسنة مباركة وليبارككم طفل المغارة ويمنح لشرقنا السلام والامان .

        بعد سلسلة البشارات التي بدأ بها لوقا إنجيله تحضيراً للحدث الأهم، ها هو الحدث يتم اليوم “ولد لكم مخلص” (لو11:2). هذه العبارة هي المفتاح من البداية إلى النهاية في مسيرة الحياة وثقتنا بالله المخلص والإيمان به. فبداية تاريخ الإيمان ترتكز على الخلاص الذي عمله الله الخالق للإنسان المخلوق ودخول المسيح ابن الله تاريخ البشر وتبناه هذا ونظمّه. فمع يسوع يصبح التاريخ الطويل تاريخ خلاص للبشرية كلها ليحقق ما تاقت إليه منذ البدء بأن تُصبح شبيهة بالله. ومسيرة هذا التاريخ الإنساني يتجدد دائماً إذ ليست سوى مسيرة خلاص بسبب عدم أمانة الإنسان، فهل يئس الله من خلقه؟، وهل على الإنسان أن ييأس من نفسه؟، إنه السؤال الذي أجاب الله عليه بتجسد إبنه.

     في الميلاد

        ففي الميلاد يتجلى مجد الله وهو لا يزال يتجلى في العالم. أحداث العالم اليوم تشكل هي أيضاً إطار لهذا التجلي، لذا علينا أن نعرف كيف نتخطى الإطار الخارجي لنصل إلى الحدث الأهم، كيف نرى تجلي الله في حياة عالمنا؟، فاليوم أحداث عالمنا أكثر مأساوية وخاصة في شرقنا واحيانا يساورنا الخوف مما يحدث ولكن لله طرقا واساليب عديدة ليزيل هذا الخوف فقد اظهر ذاته للبشر “ولما تم ملء الزمان، أرسل الله ابنه الوحيد” (غلا4:4) فكان المخلّص بيننا. نعم “سكن بيننا “(يوحنا 14:1) ، فقد طال انتظار البشرية لهذه البشرى التي تحققت أخيراً. في ملء الازمنة  فالموعود صار واقعاً والحلم حقيقة. ابن الله صار جسداً وشابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة وكأنه يريد أن يشدد عزائمنا لكي نتحاشى الخطيئة في حياتنا على غرار الذي لم يقع  فيها أبداً، والذي تجسد ليخلّصنا من الخطيئة وعبوديتها.

     مولود جديد

        نعم، “اضجعته مريم في المذود لأنه لم يكن لهما محل في الفندق” (لو7:2)” يقول لوقا الانجيلي ولا شيء ميّزه عن أولاد الفقراء في أيامه، ومع ذلك جاء الرعاة “مسرعين ” ( لوقا 16:2) ويُخبرون بكل ما قيل لهم من شأنه. كان في بيت من البيوت، ومع ذلك جاء إليه المجوس، هؤلاء الوثنيون الذين يمثّلون البشرية منذ سام وحام ويافث، فسجدوا له (متى 2:2) وقدمو هداياهم من ذهب ولبان ومّر. فمَن هو هذا الموضوع في القمط والذي لا يتميز في شيء عن الأطفال الذين ولدوا في بيت لحم في تلك الليلة الفريدة التي فيها أنشد الملائكة “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والمسرة الصالحة لبني البشر” (لو14:2).ونسأل هل هذا هو دليل ضعف إلهي أن يولد ابن الله في كل ما قد يظنه البعض ضعفاً هو بالحقيقة درس في التواضع ونكران الذات لأجل الأهم. وإذا كنا اليوم نلوم يهود ذلك الزمن لأنهم لم يؤمّنوا مكاناً يليق بالمولود الجديد، فهذا يلزمنا أن نعوّض اليوم تقصيرهم بالأمس، أي أن نجد المكان اللائق بالضيف العزيز، وأي مكان هو الذي يطلبه؟ بل هو لا يرغب بأماكن مكلفة أو غالية بل هو يرغب بالقلوب فقط وهي في النهاية عمل يديه.

   ولد في ملء الزمان

        هذا الذي” وضع في مذود”  ( لوقا12:2 ) ، ولد في ملء الزمن هو فوق الزمن، ذاك الذي كُوِّن جسمه مثل كل الأجسام يتميز عن كل إنسان. إنْ كان ابن البشر فهو أيضاً ابن الله، وسلطته سلطة الله، وقدرته قدرة الله. به خُلق كل شيء وبدونه ما وُجد شيء من الموجودات. هو يقيم في الارض ولكنه هو الذي أسس الأرض منذ البدء. وهو يقيم في السماوات ولكن السماوات بعظمتها هي صنع يديه. ” الأرض والسماء تزولان”( متى 35:24) ، تبليان كالثوب، أما الابن فهو منذ الأزل. ويسوع هو الابن، عرشه إلى دهر الدهور. صولجانه صولجان الاستقامة بعد أن أتمّ تطهير الخطايا ،  جلس عن يمين الجلالة في الأعالي. جلس عن يمين الله ليدين معه البشرية كلها، فهو في ذلك صورة الله الكاملة. صار الله منظوراً، لمسناه، رأيناه، سمعناه، قال لنا “مَن رآني فقد رأى الآب” (يو9:14)، فالبشر كلهم خليقة الله، والملائكة وحدهم خلائق الله، ووحده يسوع هو جوهر الله، فهو مساوٍ للآب في الجوهر. فالقديس بولس يقول في رسالته إلى العبرانيين “هو شعاع مجد الله، هو صورة الله وجوهره، هو ضابط الكل بكلمة قدرته” (عبر3:1).

     إنه كلمته

        كلمته تحققت، تجسدت. ابن الله هو الكلمة، معنا وعندنا. ونحن كيف نتكلم مع الله؟، ما هي كلمتنا؟، وكيف هي؟، هل تخرج كلمتنا من نطاق الأحرف والألفاظ لتصير “جسداً” حقيقة، عملاً، التزاماً وحياةً. كلمة الله صار جسداً وعاش بيننا، رأيناه ، عمانوئيل، إلهنا معنا، كلمتنا.وانا كلمتي هل يمكن أن تكون “أنا مع الله”، كلمتنا إن تجسدت علامة في العمق مع الله وحقيقة مع الناس قد تصير قوة تغيير وخلاص في قلب العالم، وقد تصير “علامة” لتحقيق وعد الرب وحضوره في قلب البشرية “كلامه لأجل سلامي” على الأرض وإعلان ملكوته في السماء.    كلمتنا اليوم كشهادة الرعاة الذين انطلقوا من حيث هم “ذهبوا ليروا” (لو15:2)، وأخبروا بما رأوه فأدهشوا سامعيهم ومجّدوا الله، فهل لكلمتنا أن تُدهش لأنها شهادة حية، وتمجد الله لأنه منه وبه وإليه. نعم، ولد اليوم مخلص بتجسده بيننا، فلا خلاص إلا بابن وحده.

     خاتمة

بالامكان ان اسال هل ممكن ان يولد المسيح في قلوبنا هل المسيح موضوع في قلوبنا، في حياتنا، في اهتماماتنا؟.

هل تعلم أنه ولد من أجلك؟، هل أنت مستعد لأن تقبل اليوم بشرى الرب في حياتك؟، هل تعتبر أن المسيح مخلص لحياتك؟، وكيف تعيش الميلاد حدثاً لكل يوم؟.هل أنت مستعد لأن تسهر مع الرعاة وتنتظر مجيء الرب؟.ما هي المسيرة التي تقوم بها من أجل الوصول إلى الرب؟.هل يدعوك حدث التجسد للتأمل في سر الله وفي سر خلاصنا؟، هل تستطيع أن تقرأ هذا الحدث بعيني مريم وتتأمل به كما كانت ؟.هل تدرك أن المعنى الذي يعطيه الله للتاريخ هو غير المعنى الذي يعطيه البشر؟، فالبشر يتوقون عند فوضى الأحداث والأخطاء المرتَكَبة أمام الله، فيتجاوز هذه الفوضى ويستغل أخطاء البشر ليحولها إلى خير لهم. فهل نعرف كيف نقتنص الرجاء والفرح ونزرعهما من حولنا  ولكي ننزع  الخوف ونحوّله رويداً رويداً إلى رجاء وفرح؟.

ختاماً ، هذا هو الميلاد ، نعم إنه لقاء السماء بالأرض، الملائكة والرعاة، الله والإنسان، في شخص يسوع ابن الله وابن مريم .فالميلاد حدث عظيم التقى فيه الله مع الانسان ، و السماء والارض ، المسيح الاله الانسان ، نعم ولد المسيح ، هاليلويا .. نعم وامين