“أعمَى عُيونَهُمْ!!! كيف؟”

تأمل في قراءات الخميس  21 يونيو الموافق 18 بؤونه1730

الأب/ بولس جرس

نص الإنجيل

“وأنا إنِ ارتَفَعتُ عن الأرضِ أجذِبُ إلَيَّ الجميعَ”. قالَ هذا مُشيرًا إلَى أيَّةِ ميتَةٍ كانَ مُزمِعًا أنْ يَموتَ. فأجابَهُ الجَمعُ: “نَحنُ سمِعنا مِنَ النّاموسِ أنَّ المَسيحَ يَبقَى إلَى الأبدِ، فكيفَ تقولُ أنتَ إنَّهُ يَنبَغي أنْ يَرتَفِعَ ابنُ الإنسانِ؟ مَنْ هو هذا ابنُ الإنسانِ؟”. فقالَ لهُمْ يَسوعُ:”النّورُ معكُمْ زَمانًا قَليلاً بَعدُ، فسيروا ما دامَ لكُمُ النّورُ لِئلا يُدرِكَكُمُ الظَّلامُ. والذي يَسيرُ في الظَّلامِ لا يَعلَمُ إلَى أين يَذهَبُ. ما دامَ لكُمُ النّورُ آمِنوا بالنّورِ لتصيروا أبناءَ النّورِ”. تكلَّمَ يَسوعُ بهذا ثُمَّ مَضَى واختَفَى عنهُمْ.ومع أنَّهُ كانَ قد صَنَعَ أمامَهُمْ آياتٍ هذا عَدَدُها، لم يؤمِنوا بهِ، ليَتِمَّ قَوْلُ إشَعياءَ النَّبيِّ الذي قالهُ:”يارَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنا؟ ولمَنِ استُعلِنَتْ ذِراعُ الرَّبِّ؟”. لهذا لم يَقدِروا أنْ يؤمِنوا. لأنَّ إشَعياءَ قالَ أيضًا: “قد أعمَى عُيونَهُمْ، وأغلَظَ قُلوبَهُمْ، لِئلا يُبصِروا بعُيونِهِمْ، ويَشعُروا بقُلوبِهِمْ، ويَرجِعوا فأشفيَهُمْ”. قالَ إشَعياءُ هذا حينَ رأَى مَجدَهُ وتكلَّمَ عنهُ. ولكن مع ذلكَ آمَنَ بهِ كثيرونَ مِنَ الرّؤَساءِ أيضًا، غَيرَ أنهُم لسَبَبِ الفَرِّيسيِّينَ لم يَعتَرِفوا بهِ، لِئلا يَصيروا خارِجَ المَجمَعِ، لأنَّهُمْ أحَبّوا مَجدَ الناسِ أكثَرَ مِنْ مَجدِ اللهِ. فنادَى يَسوعُ وقالَ:”الذي يؤمِنُ بي، ليس يؤمِنُ بي بل بالذي أرسَلَني.(لوقا 12: 32-44)

نص التأمل

 

حيرتني دوما هذه الآية “”قد أعمَى عُيونَهُمْ،

وأغلَظَ قُلوبَهُمْ، لِئلا يُبصِروا بعُيونِهِمْ، ويَشعُروا بقُلوبِهِمْ، ويَرجِعوا فأشفيَهُمْ“.

وهي مكررة بصورة كبيرة في العهد القديم… ولا يمكن ان ننسى قصة موسى والفرعون

حيث نسمع كثيرا:” وقسى الله قلب فرعون”؛

فإن كان هو من  قسى وغلّظ القلوب وهو من أعمى العيون وصم الآذان وجفف النفوس…

“لِئلا يُبصِروا بعُيونِهِمْ، ويَشعُروا بقُلوبِهِمْ، ويَرجِعوا فأشفيَهُمْ”.

فلماذا يحتج ولماذا يعاقب وهو الفاعل الأساسي في الموضوع

أي انه سبب القسوة والرفض، وهو نفسه مصدر العمى والصمم؟؟؟

وكأنه يعاقب الإنسان على ذنب هو السبب فيه والمصدر له.

بالطبع ليس من السهل الإجابة على هذا التساؤل المنطقي

لكن دعونا نتأمل النص علّنا نصل إليها :…

• §        جاء المسيح نورا للعالم : النّورُ معكُمْ زَمانًا قَليلاً بَعدُ،

فسيروا ما دامَ لكُمُ النّورُ لِئلا يُدرِكَكُمُ الظَّلامُ.

والذي يَسيرُ في الظَّلامِ لا يَعلَمُ إلَى أين يَذهَبُ.

ما دامَ لكُمُ النّورُ آمِنوا بالنّورِ لتصيروا أبناءَ النّورِ”.

• §        ومن المفترض أن الإنسان في بحث دؤوب عن قبس من نور الله

 وقد حدث بالفعل ان اقبل الجميع نحو شخص يسوع والتفوا حوله

 وكانوا يبتهجون بالتفكير أنه النبي الآتي وأن الله قد إفتقد شعبه… إلخ

لدرجة انهم ارادوا ان يختطفوه ويقيموه ملكا…

• §        وكان  الكتبة والفريسون والكهنة وعلماء الشريعة بالطبع اول من

درس وتحقق وتعمق وتأمل وحقق في شخصية “الناصري”

إلى هنا والموضوع سلس والأمور متيسرة : النور جاء إلى العالم

 والناس التي تبحث عن النور شعرت به وتبعته الناس …فماذا عن اللقاء؟

ومع كل هذا النور وجل ذاك البحث كانت النتيجة مأساوية مفحعة إليمة!!!!!

ما السبب:

• لأن العيون كانت سقيمة لا تحتمل النور
• لأن  القلوب والنفوس المتلهفة ظاهريا لم تكن معدّة باطنيا لقبوله
• ولأن الآذان قد إعتادت الطرب على أنغام ذاتها لا أنغام الرب

فهذه العقول قد روضت ألا تخرج عن النص وتلك العبون لا ترى في العادة غير أحرف الشريعة

والرب المنتظر، ننتظره  كما نحلم به نحن، وبالصورة التي نريد أن نراه بها  نحن،

وفي الإطار الذي سبق فحددناه نحن له..!!!!!!

فإن خرج الرب الإله عن  أنماطنا المعتادة فهو ليس إله

وإن جلس المعلم مع العشارين والخطاة فليس معلما

وإن دخل عند العشار او ترك للزانية قدميه فهو ليس بنبي

وإن خالف عاداتنا وتقاليدنا فهو ليس من الله حتى لو فتح عيني الأعمي المولد

والويل لرب السبت نفسه إن خالف السبت فنحن له بالمرصاد

وحذار أن يقترب من بنيتنا الفكرية المتصدعة وإن بدت شامخة متعالية

فسحب حجر واحد منها يعني إنهيارها جميعا…

كل هذه الأسباب وغيرها جعلت العمى حتمي والصمم ليس مجرد إختيار

أما قسوة القلب فليست سوى مجرد رد فعل للخوف الذي يثيره ذاك المعلم بما يحمل من تغيير

وليس ادل على ذلك من قولة رئيس الكهنة: “خير ان يموت واحد عن ان تهلك الأمة باسرها”

هذا هو اإذن سبب العمى والصمم والغلظة والرفض:

الخوف من الحقيقة التي أتى بها يسوع

الخوف من النور الذي اشرق في الظلمة والظلمة لم تدركه

الرعب من الحق والعدل اللذين من السماء اشرقا فرفضهم الذين يصلون كل نهار ان يبزغا

الهيبة من تحقق الملكوت الذي نضرع كل يوم ان يتحقق والذي يعني زوال ملكوتنا

الخشية من التغيير الذي به ينادي مع أنه  جوهر ما نأمل وعين ما ونبتهل أن يتحقق

مع الكثير من  الأحكام والأطر والصور المسبقة التي تريد أن تحتوى الله لا ان يحتويها

واخيرا لأنَّهُمْ أحَبّوا مَجدَ الناسِ أكثَرَ مِنْ مَجدِ اللهِ

كل هذه الرغبات الكامنة والمتصارعة في قلب البشر

تسبب العجز عن الرؤية والسمع

تسبب الإحجام عن الفهم والإدراك

تسبب رفض ما كنا نطلب وإليه نشتاق …

هل أدركنا الآن سبب ومعنى الآية…آمل ذلك