“أفَما…” : تأمل اليوم السبت 15 مارس

“أفَما…” : تأمل اليوم السبت 15 مارس

“أفَما…”

“أفَما كانَ يَنبَغي أنَّكَ أنتَ أيضًا ترحَمُ العَبدَ رَفيقَكَ كما رَحِمتُكَ أنا؟

تأمل في قراءات السبت الموافق الخامس عشر من مارس 2014 والتاسع عشر  شهر برمهات1730

الأب/ بولس جرس

 

نص الإنجيل

“لذلكَ يُشبِهُ ملكوتُ السماواتِ إنسانًا مَلِكًا أرادَ أنْ يُحاسِبَ عَبيدَهُ. فلَمّا ابتَدأَ في المُحاسَبَةِ قُدِّمَ إليهِ واحِدٌ مَديونٌ بعَشرَةِ آلافِ وزنَةٍ. وإذ لم يَكُنْ لهُ ما يوفي أمَرَ سيِّدُهُ أنْ يُباعَ هو وامرأتُهُ وأولادُهُ وكُلُّ ما لهُ، ويوفي الدَّينُ. فخَرَّ العَبدُ وسجَدَ لهُ قائلاً: ياسيِّدُ، تمَهَّلْ علَيَّ فأوفيَكَ الجميعَ. فتَحَنَّنَ سيِّدُ ذلكَ العَبدِ وأطلَقَهُ، وترَكَ لهُ الدَّينَ. ولَمّا خرجَ ذلكَ العَبدُ وجَدَ واحِدًا مِنَ العَبيدِ رُفَقائهِ، كانَ مَديونًا لهُ بمِئَةِ دينارٍ، فأمسَكَهُ وأخَذَ بعُنُقِهِ قائلاً: أوفِني ما لي علَيكَ. فخَرَّ العَبدُ رَفيقُهُ علَى قَدَمَيهِ وطَلَبَ إليهِ قائلاً: تمَهَّلْ علَيَّ فأوفيَكَ الجميعَ. فلم يُرِدْ بل مَضَى وألقاهُ في سِجنٍ حتَّى يوفيَ الدَّينَ. فلَمّا رأَى العَبيدُ رُفَقاؤُهُ ما كانَ، حَزِنوا جِدًّا وأتَوْا وقَصّوا علَى سيِّدِهِمْ كُلَّ ما جَرَى. فدَعاهُ حينَئذٍ سيِّدُهُ وقالَ لهُ: أيُّها العَبدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذلكَ الدَّينِ ترَكتُهُ لكَ لأنَّكَ طَلَبتَ إلَيَّ. أفَما كانَ يَنبَغي أنَّكَ أنتَ أيضًا ترحَمُ العَبدَ رَفيقَكَ كما رَحِمتُكَ أنا؟ وغَضِبَ سيِّدُهُ وسلَّمَهُ إلَى المُعَذِّبينَ حتَّى يوفيَ كُلَّ ما كانَ لهُ علَيهِ. فهكذا أبي السماويُّ يَفعَلُ بكُمْ إنْ لم تترُكوا مِنْ قُلوبِكُمْ كُلُّ واحِدٍ لأخيهِ زَلاَّتِهِ”.( متى 18: 23-35).

نص التأمل

يبدو ان لدى الرب هذا الأسبوع رسالة هامة …

هو يريد أن يحدثنا خلال الأسبوع الثاني من الصوم المقدس عن موضوع الدينونة تكلمنا

–       يوم الأحد عن التجارب التي ندين بها انفسنا فنستعبد لعبودية الجسد أو المجتمع أو الذات

–       يوم الإثنين عن قائد المائة العظيم الذي أدان نفسه “لست مستحقاً” فمدحه الرب وأكرمه

–       يوم الثلاثاء عن لقاءه مع السامرية  التي لم يدنها ولم يحكم عليها بل بررها وعدنا في تأمل

–       الأربعاء للمطالعة في إنجيل التجارب لنتعلم كيف ندين انفسنا ونحكم ونتحكم فيها.أما عن

–       تأمل الخميس فكان ” الكلمة ” التي أنطق بها هي تحكم علينا وتديننا…وتأمل الأمس

–       الجمعة فكان عن إتهام الفريسيين ليوسوع ودينونتهم الرهيبة

–       وسكون ختام الأناجيل يوم الأحد بالصورة الرهيبة لأخ يدين اخاه ويحكم عليه ويرفضه

أما اليوم فيضعنا يسوع في مقارنة رهيبة بين عدله وأحكامنا –  ورحمته  ودينونتنا

وهي مقارنة تظهر ضعفنا وحقارة بشريتنا وتعثرنا وقساوة  احكامنا وغلظة قلوبنا…

يقدم المعلم نفسه في صورة السيد صاحب الدين الضخم على عبد،  قام باستدعائه ومحاسبته وطالبه بالوفاء فلم يوف وعجز  لذلك تمت إدانته وصدر الحكم عليه حسب الحق والعدل… لكن هذا السيد العادل سرعان ما تراجع عن أحكامه أمام صرخات ودموع وتوسلات العبد المديون وتراءف عليه وتمهل وتأنى بل لقد عفى وتسامح وتنازل عن الدين بمجمله…

أما نحن فيقدمنا كواحد من هؤلاء المديونين العظام الغارقين في ديونهم إلى ما لا نهاية.. يخرج لتوه بغفران كامل وصفحة بيضاء، معفيا عن جميع ما عليه ومؤهلاً  لبدء حياة جديدة… وليس ذلك كله لفضل ولا لإستحقاق بل مجرد رحمة سيده….

فماذ فعل: تأملوا الأفعال المستخدمة في النص: “فخَرَّ العَبدُ رَفيقُهُ علَى قَدَمَيهِ وطَلَبَ إليهِ قائلاً: تمَهَّلْ علَيَّ فأوفيَكَ الجميعَن فلم يُرِدْ بل مَضَى وألقاهُ في سِجنٍ حتَّى يوفيَ الدَّينَ”

   فخَرَّ :لم يكفه أن يخر العبد رفيقه على قدميه أمامه مع انه عبد مثله وقد خر للتو ونال ما اراد

   وطَلَبَ : لم يستجب  لطلب رفيقه حتى “يوفيه” مع انه أُعفي تماما من اضعاف دين الرفيق

   تمَهَّلْ : لم يتمهل  بل أسرع  في الحكم والدينونة والقضاء

   تَرَأف: لم يتراءف بل: قسى قلبه عوضا عن ان يرق ويتحنن

   مَضَى: ها هو يمَضَى في جبروت دون تلفت دون أن يرى الدمع السخين أو يسمع التوسل والأنين

   وألقاهُ :  هو لا يتورع من ان يلقى برفيقه في السجن حيث كان يجب ان يكون هو ملقى ذليلا محكوم عليه ومدان إلى ما لا نهاية…

لا تتعجبن من قسوة الوصف ولا تستغربن من بشاعة الأفعال…فهذه اخلاقنا وتلك طباعنا وذلك الأمر ديدننا: نبتهل ونصرخ بالدموع ونعزف على آلات العزف جميعا، ننحني ونسجد ونرفع الأذرع ضارعين والدمع يخنقنا ” إرحمنا” ” كيرياليسون” “جي ناي أينان” ” سامحني واصفح عني“أغفر لي يا ابت لأني اخطات“…. وعندما ننال الغفران نمضي فرحينن لنتحول فجأة إلى:

v   طغاة: نقضي ونحكم وندين،

v   جبابرة: نقبض على اعناق الآخرين ونلقي بهم إلى الأرض امام جبروتنا ساجدين

v   قضاة ظلم: نتحفظ عليهم ونزج بهم في غياهب سجون احكامنا المزرية

v   ذئاب مفترسة: لا نكتفي بذلك كله بل نستبيح أعراضهم فنبيع اولادهم وما لهم حتى ننتقم لأنفسنا….

ورسالة الرب لنا اليوم هي:

ü    أفلا تخجل من نفسك؟ افما كان ينبغي ان ترحم اخاك قبل ان تطلب رحمة؟

ü    افما كان ينبغي ان تغفر لمن اهانك قبل ان تصفعه؟

ü    افما كان ينبغي ان تصفح عمن اساء إليك قبل ان تمزقه؟

ü    أفما كان يليق بمن يطلب الغفران كل يوم : “واغفر لنا ذنوبنا”

ويضع القياس والمعيار” كما نغفر نحن”

ان يتسع صدره حين يحكم ويتضخم مكياله حين يكيل وتنفرد إلى اقصي مدى ذراعاه حين يقيس …  لعل وعسى يأتي اليوم الذي فيه يقف مداناً فيسأل شفقة وينال رحمة عوضا أن يسمع السؤال الرهيب أفما كان ينبغي..؟؟؟؟؟