أمين فهيم .. سر لقاء بابا الأرثوذكس وبابا الكاثوليك ..!

أمين فهيم .. سر لقاء بابا الأرثوذكس وبابا الكاثوليك ..!

بين تواضروس الثانى وفرنسوا صفات متشابهة.. فكلاهما ينتمى إلى العالم الثالث فى أول زيارة رسمية لقداسته خارج البلاد، سافر البابا تواضروس الثانى يوم الخميس 9 مايو إلى الفاتيكان لالتقاء نظيره قداسة البابا فرنسوا (أو فرنسيس). أما عن السبب الرسمى المزدوج لهذه الزيارة التاريخية فهو تهنئة بابا الفاتيكان بانتخابه على رأس كنيسته وذلك بعد مرور أربعين عاما على الزيارة التاريخية السابقة لقداسة البابا شنودة الثالث للبابا بولس السادس بعد مرور ألف وستمئة سنة من الافتراق، حيث كان الحبران الجليلان قد وقّعا فى 13 مارس 1973 على بيان مشترك أعلنا فيه تلاقى الكنيستين فى أساس الإيمان المسيحى وأنشآ لجنة مشتركة هدفها النهائى تحقيق الوحدة بين الكنيستين. والفرق بين الزيارتين يدعونا إلى التأمل، فسفر البابا شنودة كان غرضه واضحا، هو التوقيع على بيان مشترك سبق الاتفاق على نصه من الكنيستين، فلا مخاطرة هنا ولا تساؤل، فى حين أن مبادرة البابا تواضروس، رغم تفسيرها رسميا، تدعونا إلى التساؤل عما سينتج عنها فى المستقبل. لماذا بادر بها البابا تواضروس؟ ولماذا قوبلت هذه المبادرة بهذا الترحاب الحارّ من البابا فرنسوا؟ قد نجد الإجابة عن هذا السؤال فى التشابه العجيب لعناصر مشتركة وصفات متشابهة بين الحبرين الجليلين: فكلاهما ينتمى إلى العالم الثالث: مصر والأرجنتين، ولم يشترك أحدهما بصفة خاصة فى القيادة العليا لكنيسته، أنجزا محليا مشروعات ناجحة من أجل الإنسان الأكثر احتياجا دون تفرقة ما، ذلك لأنهما يلتقيان فى صفات جميلة يتحلى بها القائد الصالح مثل البساطة والتواضع والحب المنبثق من قلب رؤوف، كما يتفقان فى ميلهما القوى نحو التحديث والتغيير، وللعمل الجماعى، فقد كوّن البابا فرنسوا لجنة من الكرادلة ينتمى أعضاؤها إلى قارات مختلفة بحثا عن تجديد الإدارة العليا للفاتيكان، فى حين أنشأ البابا تواضروس مجلسًا للكنائس المصرية ممفصلًا على مجلس كنائس الشرق الأوسط، إلى غير ذلك من مبادرات ولمسات نقلتها وسائل الإعلام العالمية. ولم يكتفِ البابا تواضوس الثانى بهذا الإنجاز بل بادر بتقليد جديد وجرىء بحضور قداسته شخصيا مراسم تنصيب بطريرك الأقباط الكاثوليك الأنبا إبراهبم إسحق، فقوبل فى الكاتدرائية الكاثوليكية بتصفيق حادّ ومتواصل وأغاريد قوية تعبِّر عن فرح الحاضرين. ومما يدعو إلى التعجل تطابُق خطبتَى الحبرين الجليلين فى الأهداف والمعايير كأنهما كانا قد اتفقا سابقًا على مضمونهما. أما عن البابا فرنسوا فجدير بالذكر أنه ينتمى إلى رهبنة الآباء اليسوعيين (الجزويت)، تلك الرهبنة التى كانت تتزعم الجناح اليسارى فى الكنيسة الكاثوليكية، مما عرّضها لعديد من الصعاب مع السلطة الكنسية، فى حين أن البابا فرنسوا (سابقًا الكاردينال خورخيو برجوليو) كان يعانى من اضطهاد النظام الحاكم فى الأرجنتين بسبب آرائه السياسية وأنشطته الاجتماعية. وجدير بالذكر فى هذا الاتجاه أن البابا فرنسوا سرعان ما أظهر ميوله السياسية بعد انتخابه باختيار اسمه الجديد نسبةً إلى القديس الإيطالى فرنسيس الأسيزى (1128-1186) الذى تَخلَّى عن الرفاهية المزيفة ليكرّس حياته فى خدمة الأكثر احتياجا، لهؤلاء الذين كان يسميهم فى عهد الإقطاع بـ«أسيادنا الفقراء». والآن ماذا نرجوه من التعاون المرتقَب بين الحبرين الجليلين، بخلاف تحقيق وحدة كنيستيهما، سواء على مستوى مصر أو على مستوى الشرق الأوسط، حيث تتعدد الأديان بمختلف مذاهبها وتتطاحن التيارات وتتحارب الأصوليات وتتوالى الهجرات وتفقد الشعوب المعذَّبة وعيها؟ نعتقد أن الزعيمين الدينيين الملتقيين اليوم سيبادران بمسعى مشترك من أجل لمّ شمل معنوى وسياسى لكنائس الشرق الأوسط من أجل تعميق مفهوم حضورها بالمنطقة مع كل ما نمرّ به من عواصف وتقلبات ومن أجل اكتشاف دورها الهامّ جدا فى بناء المجتمع المدنى السليم وبتغيير مفهوم المواطنة المسؤولة. كما يهيّأ لنا اقتراب عهد جديد فى الحوار مع الإسلام الوسطى بدءا بمشيخة الأزهر الشريف، لا سيما وأننا بانتخاب البابا فرنسوا قد عدنا إلى مناخ عهدَى البابا بولس والبابا يوحنا بولس. ونعتقد أن غالبية الشعب المصرى تدعو المسؤولين الدينيين إلى أن ينتقلوا من الحوارات العقَدِية، حيث لا بد أن تصطدم الأصوليات، إلى التعاون والاشتراك فى مبادرات وبرامج وتعاليم تهدف إلى إصلاح الأوضاع وتنقية الأجواء عموما بما فيه قبول الآخر والألفة بين الناس ونبذ التفرقة نهائيا أيا كان نوعها. باختصار، نصبو إلى الرقىّ بعد التدنِّى وإلى السعادة بعد العذاب.
– التحرير