أنظارُنا نحو أَرضِنا

أنظارُنا نحو أَرضِنا

بمناسبة الذكرى الثانية للنزوح من سهل نينوى 2014-6 آب- 2016

المونسنيور بيوس قاشا

 

لقد مرّ عامان على إقتلاعِ شعبنَا من أرض آبائَه وأجدادَه في قرى ومدنِ

سهل نينوى في السادس من اب ( اغسطس) عام 2014 بعمل إجرامي شنيع بلغ درجةَ الإبادة العرقية والدينية إرتكبته زمرُ داعش الإرهابية الأجرامية ومثيلاتُه من المنظمات الإرهابية التي تكفّر الإنسان وكلَّ كائن لا يدين بما تدين ولا يسلم بما تسلم به.

نعم، ونعم وصحيح، حلّ ما حلّ فينا بسبب داعش والإرهاب، ومن عامِنا هذا حيث الذكرى الثانية للنزوح البائس وبدايةُ الكارثةِ بحق وحقيقة، بمآسيها وتبعاتها، ولا زالت تجرّ أذيالِ اليأس والقنوط حتى الساعة، كما ملكَ القدرُ الأسود على مسيرةِ الحياة مما جعلني أعيدُ ذكرياتي إلى ما حلّ بكنيسة سيدة النجاة وكأنَّ الكارثةَ آنذاك كانت جرسَ إنذارٍ وناقوسَ ميعادٍ لِمَا سيحلّ بالمسيحيين وبالمسكونة (متى26:21) وأصبحنا أداةً لصنّاع السياسة ولمخططي خارطات الطرق الاستعمارية.

نعم هوذا الإجتياح الداعشي يدخل عامه الثالث في سهل نينوى، وفي الوقت نفسه يواصل فيه الإرهابُ المزيدَ من جرائمه البشعة ومحاولاتِه المتوحشة. نعم، طردونا من منازلنا، وقتلونا أمامَ أنظارهم، وأبعدونا عن قُرانا قسراً وكرهاً وحقداً، وعن مدننا كفراً وتكفيراً، وعن أحبائنا عنوةً، وعن جيراننا غدراً، والسبب يعود إليهم وإلينا، فهم سبقونا في الهزيمة ونحن لم نكن مستعدين لها، بل بالأحرى لم يعلّمونا حمايةَ مدننا وقُرانا وأملاكِنا، فضاع كل شيء وأصبحنا تائهين في العراء ليلاً ونهاراً، وفي شوارع المدينة وساحاتِها وأرصفتِها وحدائقِها وساحاتِ دور العبادة والتترُ لبس حُلّةَ الإرهاب بداعشه وسواد الدواعش بإرهابه، وشرّعوا سيوفَهم تخويفاً وتنكيلاً، وعقيدتَهم جبراً أو جزيةً، وكأن الكلمةَ الطيبة لم تُمسِ صدقةً بل دُفنت، وأنشودةَ الحياة قد غاب صوتُها ولم يبقَ للإنسانية وجودٌ ولا للحقيقةٍ إعلان، بل أصبحت غابةَ أدغالٍ، وما حصل وما يحصل أعادنا إلى القرون الغابرة وإلى ما كُتب عن أجدادنا وهروبِهم وهزيمتِهم أمام السيف الذي شُرع عليهم غدراً وقسوةً وكرهاً لأبناء المسيح الحي في الماضي القريب والحاضر الجديد من الجيرة والديرة. فكانوا ضحيةَ عنفٍ وإرهابٍ ومصالحَ لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل بل حساباتٌ سياسية ومصالحُ دنيوية لتسوية الحساباتِ وإعادةِ ترتيبِ المنطقة بالمنطق الذي يشاؤه كبارُ الدنيا ومؤامراتُ المخططين، واصبحوا بعد ليلة الهزيمة أمام مستقبل مجهول ولم ترافقهم إلا الآهات والدموعُ وضربُ الخدود، فبعد أن كانوا شعباً آمناً _ وإنْ بلا حقوق .امسوا شعبا تائهاً في صحراء الدنيا وغاباته .

نقول: إن شرقنا يشهد احتلالاً من الأصوليين ومن الإرهاب، كما إن المسيحيين في الشرق يواجهون ما هو أخطر من التحديات، إنهم يواجهون أزمة وجود وحضور وضياع، فهل سيصبحون آثاراً أو بقايا أو ذكريات؟… هل تصبح كنائسهم خرباً وتُهدَم بمعول داعش والإرهاب؟…. هل سيرحمنا التاريخ حينما يقولون كانوا هنا، لقد مرّوا من هنا؟.. فقد أصبحنا أقلية وبات الخطر مضاعَفاً علينا من خلال تهجير مبرمج وعبر فرض الشريعة والتعاليم الاصولية نعيش أهل الذمّة.

ألا يخجل الاصوليون عندما يقولون إنهم مسلمون والإسلام مصدر شريعتهم؟ والاسلام منهم براء . عن أية شريعة يتكلمون أمام جرائم داعش؟. أو أية شريعة يطبّقون وأبناء الوطن مشرَّدون ومهجرون ونازحون ؟…إرحموا العراق الجريح وشعبه، فسبحانه وتعالى منح لنا شريعة لتجمعنا وليس حقيقة لتفرقنا؟.. هل أرادنا سيوفاً وحراباً ثم خراباً ودماراً أم أرادنا غصناً وزيتوناً؟…ألم نعلم أن هذه الآلات ماهي إلا لقائين (تك4) ولهيرودس (متى 17:2-18)، وللمحاربين الفاشلين الذين لا يدركون سموّ الحوار، الذين يقتلون الأبرياء من أجل كبريائهم وغزواتهم.

من حقي أن أسأل: حتى ما نكون أرقاماً هزيلة؟… أفي بلدي أكون نازحاً، لاجئاً مهجَّراً أنا المسيحي ابن هذه الأرض الطيبة التي رويتُها بدمائي وعرقي، وعملتُ فيها بسواعدي وفكري، وسرتُ فيها شامخاً متكبّراً بألوان رايتها؟… أليس ذلك من حقي وحق حريتي أن أكون رايةً وحقيقةً، شاهداً ومؤمناً؟… أليس من حقي أن أدافع عن وجودي وإلا عبثاً أنا هنا؟… فأنا لستُ عبداً لكلماتِ دستورٍ ينكر وجودي، ولستُ خانعاً وخاضعاً لإراداتٍ تسلب حريتي وأموالي وأطفالي، وأنا لستُ إلا أصلاً وأصالةً، عمقاً وقلباً، فكراً ورسالةً، حضارةً وتراثاً، فمهما باعوا الحقيقة من أجل كراسي الزمن ومتاعب الدنيا. فالحقيقة علامة وليست بضاعة وإنْ كانت تباع اليوم في سوق النخاسة ويشتريها مَن يملك مالاً وعبيداً وجاريات ومن الحَسَب والنسب والقربى، وفي ذلك يصنعون إرادتهم ويتبعون أنانيتهم ويرفعون علامة كبريائهم من أجل تدمير الآخر المختلف عنهم فكراً وعقيدةً وحواراً، فهم في عملهم يحقدون، وفي فكرهم يقتلون، وفي حوارهم يفرضون ليس إلا!، وكأن السماء قد سُبيت إليهم كما بيع يوسف(تك37) في الأزمنة الغابرة، وما تلك إلا جريمة إبادة بمعناها الإجتماعي والإنساني، أما أنا سأبقى أنشد هويتي واعتزازي ببلدي وبأرضه رسالة وجودي وعراقيتي… فالرافدان شاهدان، وحمورابي وشريعته قاضٍ يعلن حكم الحقيقة، وسأبقى أحضن ترابي ووطني وأحمل مشعل إيماني، وما ذلك إلا رسالة الحقيقة، وهذه رايتي ليس إلا،

يا رؤساء الدنيا والزمن ، يا سادة يا اجلاء

هل تعلمون ما حلّ بنا ، بسبب حروبكم وبدواعشكم ، قُتل ابرياؤنا ، هُدمت اوطاننا ، هُجر ابناؤنا ، ماتوا من الخوف والفزع والارهاب ، اصيبوا بامراض مميتة ، طُردت عقولنا من اوطاننا ، بيع شعبنا بصفقات بائسة ، فاسمعوا صراخنا فلا تتهاونوا في ما يحصل لنا فالاصولية غايتها غزو العالم، وتدمير الشعوب ، وانتم ادرى بذلك منّا ، يا من حملتم وبلدانكم راية حقوق الانسان وشعار الدفاع عن الشعوب المضطهدة ، انتم تعرفون في بلادكم الحرية باصنافها، وقبول الاخر وحماية الطفولة وحقوق المراة ، فنحن ننتظركم وننشد همتكم وانسانيتكم لتحرير اراضينا ونعود اليها وندخلها آمنين .فقد طالت مصيبتنا وصودر صبرنا ولا قوة لنا الا برب السماء وبحقيقتكم ليس الا فانشدوا معنا كي نعود الى ارضنا فانظارنا نحو ارضنا نعم وامين.