أوقات الشِدّة، هي أوقات خلاص.. مقال للاب انطونيوس مقار

أوقات الشِدّة، هي أوقات خلاص.. مقال للاب انطونيوس مقار

أوقات الشِدّة، هي أوقات خلاص

الاب انطونيوس مقار ابراهيم راعي الاقباط الكاثوليك في لبنان

“تحية الى  ارواح الشهداء الأبطال الشهداء الواحد والعشرين للقرن الواحد والعشرين”

أنتم كنتم أيهّا الأبطال في الإيمان على مثال الشهداء الأوائل ابطال الإيمان ولا سيما التسعة والأربعين شهيداً “شيوخ شهيت “الذين وروا الأرض الجافة بدمائهم لأجل نموا بذرة الإيمان. فدمائكم غالية وثمنية وستأتي بثمار كثيرة لإعلان المحبة والغفران والتسامح وغرس الايمان في نفوس بحاجة ملحة الى العودة لحضن الله، حضن الانسانية فاينما كنتم يا أحباء الله انتم وغيركم مما سُفك دمه وأي كان السبب الذي لأجله تم ذلك فانتم جميعكم ابرار إذكرونا امام الله.

كلنا مستأين عما حدث في هذه الأيام وعما يحدث من قتل وذبح وحرق وإعدام للإنسان فهذا حقيقة زمن شدة وزمن ضيق وزمن خوف لمشاهدة هذه الإمور كلها وايضاً زمن تفكير حول المستقبل وكثيراً ما نتسال أو ربما البعض يتسألون هل هو هذا مصيرنا ؟ والى هذا الحد وصلت بنا الإمور ؟هذه هو ما ينتاب الانسان اليوم إنه إحباط واقع الحياة المليء بالشدائد، والصعوبات والإضهادات والعواصف التى تضربنا يوم بعد يوم عاوبالاخص هذا العام عاصفة نانسي وزينة ويوهان وواندي وعاصفة حرق جماعي لإشخاص احياء في القراق وحرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة وذبح العمال المصريين في ليبيا وتهجير الكثير من منازلهم وغيره من العواصف ولكن دعونا أن نعود الى كلمة الله كلمة الروح والحياة وكلمة الرجاء دائماً وأبداً يشدد الانجيل على ضرورة الثبات فيقول الرب يسوع في إنجيل يوحنا إثبتوا فيَّ وأنا فيكم” ويتابع أيضاً قائلاً أنا الكرمة وانتم الأغضان . إن ثبتم فيّ تكون لكم حياة ابدية ويتحدث ايضاً الانجيل عن العلامات والكوراث وألم المخاض وهذه كلها تُهيء لمجيء المسيح ابن الإنسان في مجده ومعه ملائكة الله ليدين الأحياء والأموات ويعطي كل واحد حسب أعماله عندما يجلس على كرسي مجدة أن يفرز الخراف عن الجداء ويدعوا مًن هم على يمنيه قائلاً لهم ” تعالوا إلى يامباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم” .وأما من هم عن شماله فيقول لهم ” إذهبوا عن ياملاعين الى النار الأبدية المعدة لإبليس وجنوده”.وكذلك جاء في نبؤة دانيال 12: 1-3

في ذلك الزَّمان: يَقومُ ميكائيلُ الرَّئيسُ العَظيم، القائِمُ لِبَني شَعبِك، وَيَكونُ وَقتُ ضِيقٍ لم يَكُنْ، مُنذُ كانَتْ أُمَّةٌ إِلى ذلك الزَّمان. وفي ذلك الزَّمان، يَنْجُو شَعبُك، كُلُّ مَن يوجَدُ مَكْتوبًا في الكِتاب. وَكَثيرونَ مِنَ الرَّاقِدينَ في تُرابِ الأَرض، يَستَيقِظون: بَعضُهم لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة، وبَعضُهم لِلعارِ والرَّذلِ الأَبَدِيّ. ويُضيءُ العُقَلاءُ كَضِياءِ الجَلَد، والَّذينَ جَعَلوا كَثيرينَ أَبْرارًا، كالكَواكِبِ إِلى الدَّهرِ والأَبَد.

ويُعلن لنا إنجيل مرقس 24: 13-32 أن الملائكة يأتون ليجمعوا المختارين… من أقصى الأرض إلى أقصى السماء. “وفي تلكَ الأَيَّامِ بَعدَ هذهِ الشِّدَّة، تُظلِمُ الشَّمسُ والقَمَرُ لا يُرسِلُ ضَوءَه، وتَتَساقَطُ النُّجومُ مِنَ السَّماء، وتَتَزَعزَعُ القُوَّاتُ في السَّموات. وحينَئذٍ يَرى النَّاسُ ابنَ الإِنسانِ آتِيًا في الغَمام في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال. وحينَئذٍ يُرسِلُ مَلائكَتَه ويَجمَعُ الَّذينَ اختارَهم مِن جِهاتِ الرِّياحِ الأَربَع، مِن أَقْصى الأَرضِ إِلى أَقْصى السَّماء. مِنَ التِّينَةِ خُذوا العِبرَة: فإِذا لانَت أَغْصانُها ونَبَتَت أَوراقُها، عَلِمتُم أَنَّ الصَّيفَ قَريب. وكذلكَ أَنتُم إِذا رأَيتُم هذهِ الأُمورَ تَحدُث، فَاعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ قَريبٌ على الأَبواب. الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن يَزولَ هذا الجيل حتَّى تَحُدثَ هذه الأُمورُ كُلُّها. السَّماءُ والأَرضُ تزولانِ وكَلامي لن يزول. وأَمَّا ذلكَ اليومُ أَو تِلكَ السَّاعة فما مِن أَحَدٍ يَعلَمُها: لا المَلائكةُ في السَّماء، ولا الِابنُ، إِلاَّ الآب

هذه حقيقة كتابية وإيمان بما قيل ومع ذلك يجب علينا أن ندخل في صميم هذا الإيمان وأن يكون لنا رجاء في المسيح يسوع وأن نتفائل دائماً ونثق في ذواتنا وفي المسيح ربنا بأننا معه نجتاز كل هذه الامور كما يجتاز الذهب ويصفى في النار . علينا أن نسعى جاهدين الى أن نحول ونعبّر من هذه المحن والشدائد من مرحلة تدمير الانسان وكرامته وبنيته الى مرحلة العمّار والسعي الدؤوب لجل المحافظة على كرامة الانسان لنبني عالم أفضل لحياة أفضل للمسيح يسوع الذي قال ” قد أتيت لتكون لهم الحياة والحياة الافضل.

الله حاضر في الشدة :

“مِنَ التِّينَةِ خُذوا العِبرَة: فإِذا لانَت أَغْصانُها ونَبَتَت أَوراقُها، عَلِمتُم أَنَّ الصَّيفَ قَريب “.عندما تُزهر التينة يعلم الفلاح أن الربيع قريب. وهو يعلم أن المطر والجفاف قادمين، عندما تأتي الغيوم من الغرب والرياح الساخنة من الشرق.

إذا كُنتم تعرفون قراءة علامات الأزمنة، فلماذا أنتم عميان لا ترون علامات حضور الله التي يُعطينا إياها كلَّ يوم؟ لماذا أنتم صُمُّ لا تسمعون صوت الله الّذي يكلّمنا دون انقطاع في موسيقى الكون؟ صحيحٌ أنّ الإنسان يُصبح أكثر فأكثر ذكاءً، لكنّه يفقد في الوقت نفسه ذكاء الفلاح.

يقول باستور: “القليل من العِلم يُبعد عن الله، والكثير من العِلم يُعيدنا إليه”. علينا أن نعرف كيف ننظر إلى السماء دون أن نتعثّر في مسيرنا. علينا أن نعرف كيف ننتظر العالم الآتي، ونبني في الوقت ذاته العالم الّذي نعيش فيه. علينا أن نعرف كيف ننتظر مجيء ابن الإنسان، وأن نكون مُلتزمين في آنٍ معًا. علينا أن نكون علامات لمجيء الله، الحاضر فعلاً بيننا، علينا أن نعيش يوم الله الحاضرفي حياتنا باكتفائنا بالخبز اليومي وبمناجاته بأن لا يدخلنا في التجارب ويجينا من الشرير ومن مكايده فلا ندع المصائب تشلُّ حركتنا، ولا يُثبّط معنوياتنا ولا تفقدنا سلامنا علينا أن نسعى السعي الدوؤب والمستمر للإلتزام باليوم الحاضر وبكل ما يحمله لنا .وأن نكون عمال نشيطين ومجدين في كرم الرب عمال مخلصين ساهرين منتظرين عودة سيدهم “رب البيت” فلا نتحسر على الماضي ولا نخاف من المستقبل .

لندخل الى رُحب السماء من الباب الضيق حيث قد دعانا رب المجد يسوع المسيح الى الدخول من الباب الضيق “أدخلوا من الباب الضيق. فإن الباب رحب والطريق المؤدي إلى الهلاك واسع، والذين يسلكونه كثيرون. ما أضيق الباب وأحرج الطريق المؤدي إلى الحياة، والذين يهتدون إليه قليلون”.

الباب الضيق : انه هو الباب الواحد والوحيد: يقول عنه الرسول بطرس:«وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص»(أع ١٢:٤). ويكتب عنه الرسول بولس..«لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع»(١ تي ٥:٢، ٦). ويكتب عنه الرسول يوحنا: «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله»(يو ٣٦:٣). إن الرب ما زال ينادي قائلاً:«إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب»(يو ٣٧:٧)،«إن سمع أحد صوتي وفتح الباب ادخل اليه واتعشى معه وهو معي…»(رؤ ٢٠:٣ الباب الضيق هو وصايا المسيح التى تقود الى السماء وهو ايضاً حمل الصليب “مَن أراد أن يتبعني فليحمل صليبه وهو الباب المفتزح دائماً لعلاقة حية مع الله بالصلاة والصوم والسجود الحقيقي له بالروح والحق مَن يسلك هكذا فينفتح أمامه الطريق المملؤء سلام وفرح وتعزية ونعمة وبركة وهدوء.ويمتلئ من مواهب الروح القدس لبناء كنيسة قوية مسبحة وممجدة الرب كل حين وينال ثمار الروح القدس أيضاً اي الإمتلاء الكامل بالروح القدس.

اما الباب الواسع : فهو السعى وراء العالم وشهواته ونسيان ما قاله يوحنا الحبيب في رسالته ” العالم وشهواته يزولان اما الذي يصنع إرادة الله فإنه يدوم الى الأبد “. كذلك الباب الواسع يعني إنكار للمسيح لأجل الحصول على امجاد العالم الفانية التى تحرمنا من امجاد الاكليل السماوي . الباب الواسع هو عدم المانة والخيانة وجهل لكلمة الرب في سفر الرؤيا كن اميناً الى النهاية حتى الموت فسأعطيك اكليل الحياة ” أنه الباب الواسع يقود الى هلاك أبدي وكثيرون هم الذين يدخلون فيه .أنه طريق الشيطان والغواية والبعد عن الله وعن حياة القداسة، حيث يقود النفس الى مستنقع الخطية والآثام حيث لا قيود ولا روابط بل إرادة ذاتية وإستقلال عن الله “لنقطع قيودهما (التحرر من شخص الرب ومسيحه) ولنطرح عنا ربطهما (وصاياه)»(مز ٣:٢) هذا الطريق يتوافق كل التوافق مع الطبيعة البشرية الساقطة وميولها ورغائبها ويتعارض كل التعارض مع الطبيعة الروحية والأدبية الإلهية.كم هم الاشخاص الذين ارادوا أن يستقلوا عن الله ويعتمدون على ذواتهم وكم قادهم هذا الاستقلال الى إرتكاب المجازر باسم الدين؟ كم مارسوا اعمال عنف وسفك دم في سبيل الله ظانين أنهم يقدمون ذبيحة لله ويحمون دينه .

إن من يترك الله ويعتمد على ذاته لا يجد امامه سوى الفراغ والقساوة وإستغلال الناس ولا توجد في قلبه رحمة ولا شفقة لابل لايوجد له قلب. هذا الشخص مكانه مع ابليس وجنوده حيث النار التى لا تطفأ والدود الذي لاينام .

اخوتي نحن مدعوين الى أن نرفع قلوبنا الى الله مقدمين له قلباً خاشعاً متواضعاً مسنحقاً فالقلب المنكسر والمتواضع لايرذله . لانكتفي في صلاتنا بما تردده شفاهنا إنما ندخل الى العمق حيث القلب كي يهبنا الله القلب المتجدد دائماً بروحه القدوس ونقول له ” أرسل روحك ايها المسيح فيتجدد وجه الأرؤض” إملاء يارب قلبنا بالتواضع والمحبة والثبات في كلمتك كلمة الحياة وأعطنا أن نثمر ثمراً يرضيك وإلهمنا دائماً أن نعمل حسب مشيئة وأن نسعى الى حياة القداسة كي نبقى في حب دائم لكل البشر ونبقى أيضاً ثابتين ومتحدين فيه ومتواضعين امامه فإنه رفع المتواضعين.كي نكون وراثينم معه الملكوت ننال منه إكليك الحياة. له المجد الدائم الى الأبد امين.