إطبع وجهك علي وجهي

إطبع وجهك علي وجهي

 يدعـــو الله الإنســان خلال سنوات حياته لتحقيق ذاتــــــه، فعلي الإنســــان أن يسـعي للبحث وللاكتشاف وللمعرفة كي يلبــي الدعـــوة ويصــل إلي الهدف. ولكن كيف ستكون الصـــورة الحقيقيــة التي يســعي الإنســـان لتحقيقهــا ليحقق بهـــــا ذاتــــه ؟ وكيف هو السبيل إليها؟

أمامـه طريقان: إمــــا أن يسـعي الإنسـان بمفــرده لتكوين صـــــورة لــه تكـون هــي ذاتـــه؛ أو يسـعي بمعونة الله لتكوين صــورة لــه. في السعي الأول سيصل الإنســان إلي تكوين صورة تشــــبهـه هـــو؛ وأمـــا في السعي الثاني سيصل لتكوين صـــــورة لــه ولكن تشـــبه الله… ( علي صورة الله ومثاله ).

تلك فقط هي ذات الإنســان الحقيقة وهويته الأصليه التي تحدد إنتمائه لله. وللإنسان مطلق الحـــرية أن يختــــار هدف مسيرة سعية في تحقيق ذاته… وأعتقد أن تلك كانت هي نقطـــة الإنطـــلاق الخاطئــــة لآدم وحواء، وهي تحقيق ذواتهم بمعزل عن اللهولهذا بدأو رحلـه تاهــــــوا فيهــا عن ذواتهــــم بــدل من أن يجدوهـــا …… فإبن النـــور يسـتطيع أن يمشي في الظـلام، ولكنه دائما يشـعر بغربة ولا يجد نفسه وراحته وسلامه إلا في النــــور.

ليست المشكلة في أن الإنسان لا يســـتطيع، بل يســـتطيع أن يمشي في طرق كثيرة ومختلفة، لأنه خُلق حرًا…. لكن طريـق واحـد هو فقط الذي يشبع نفسه ويحقق غاية وجوده…

هو السؤال الذي لابد أن يسـأله كل واحد لنفســـه: ما هي وجهتي في ســعيي في تلك الحيــــاة؟ هل هي أن تتطابق صورتي مع صــورة الله ؟ أم مع صـــور أخــري؟ ويمكننا القول بأن الحياة والأبدية مرتبطان بالإجابة عن هذا السؤال.

في إعتقادي أن الجحيم ولا صرير أسنان ليس إلا “فــــراغ اللوحة” الذي ينتج من لوحـــة قبيحــة خاليـــة من التناسق والإنســجام، خاليـه من الأصـــل والمصــدر …… لوحــــة فقدت معنى وجودها...

وتلك هي الصورة التي حاول السيد المسيح أن يطبعها في قلوبنــا لنرســم علي مثالهـا. صورة الإنسان الحقيقية، التي هي وجــه الله. فمجيئه كان ليكشف عن صورة الإنسان الأصلية وحقيقتـه التي ضل عنها وبذلك فقدهـــا… وقد تشــوهت علي مـر السـنين وبهتت ألوانها وتم تغيـير ملامحها وربما أصبحت زائفة… كمثل الطفل الذي يحاول أن يلون صورة ولكنه يخرج خارج الخطوط والدوائر فتتلطخ الصورة الأصليه، وتتشــوه ومع الوقت تضيع ملامحها الأصلية. هذا ما تفعله بنا الخطيئة، وكل سـعي خاطئ وطريق ضال نمشي فيه. فجميع الطرق الخاطئة تشـوهنا وتبعدنا عن الشكل الحقيقي للطريق السـليم وعن الشكل الحقيقي لذواتنــا … فالمهرج في السـيرك يغير شكله بأكثر من شكل ولون ويكون مبهجا وبراقا ولكن تظل الحقيقة أن هذا ليس شكله الأصلي . ومهما تعايش مع هـذا الشـكل المزيف لسـنين وسـنين فليس هذا شـكله الحقيقي.

يبقي السـؤال: ما هي الطبعة الأصلية التي تريد أن ترسم صورتك طبقا لهـا؟ هل هي الطبعة الأصلية التي خٌلقت وتكونت بها أم أخـــرى ليست حقيقية، ليست أنت؟ والأهــــــم هـــو أنـك لـــن تختبــر فيهــا الحب لأنهـــا لــن تعكس هذا الحب العجيب، ذلك الحب الذي إختبرناه في الصــور التي أظهرها لنا الســـيد المســـيح .

عليك فقط أن تعي أن مع تلك الصورة المزيفة سـتظل كأنك تلبس ثياب ليست مقاسك وليست مريحه أو تعيش في بيت ليس ببيتك وتشعر فيه كأنك غريب ولا تستطيع أن تشعر فيه براحتك… تلك الغربــــة هــــي الجحيــــم،  ليست فقط لأنها غـــربة ، بــل أيضــا لعـــدم وجـــود حب بهــا. فالجحيم هو ألا تكون محبوبا وألا تُحب، بوجهك الحقيقي والأصـيــل.

تظل الدعـــــــوة مفتوحة من الله للإنسان، ويظل علي الإنسان أن يجاوب تلك الدعوة بالطريقة التي يرتضيها.

                                                                                                       هند لويس

                                                                                                8– 11- 2013