ارجعوا الي، ارجع اليكم

ارجعوا الي، ارجع اليكم

 (ملاخى7:3).

الأخت سامية صموئيل

من راهبات القلب المقدس- مارس 2014

” ارجعوا إليّ ، أرجع  إليكم “ هذه رغبة الرب لكل منا، انه يدعونا للرجوع إليه ليرجع إلينا، أن الرب يقول لنا أن رجوعي إليكم مضمون، المهم أن ترجعوا أنتم إلىً، ترجعوا إلى محبتي.  ففي زمن الصوم المقدس الذي نعيشه الآن، فرصة للتوبة والرجوع إلى أصلنا وإلى الصورة الجميلة التي خلقنا الله عليها، والتي شوهت بفعل الخطيئة. إننا نحتاج إلى توبة صادقة ورجوع إلى محبة الله العظيمة .

     وحيث أن الخطيئة هي انفصال عن الله ، فالتوبة إذن هي رجوع إلى الله. والرب يقول في ذلك ” ارجعوا إليّ ، أرجع  إليكم ” ( ملا 3 : 7 ) . و الابن الضال حينما تاب، رجع إلى أبيه ( لو 15 : 18 – 20 ) . حقاً إن التوبة هي حنين الإنسان إلى مصدره الذي أُخذ منه. وهي اشتياق قلب ابتعد عن الله، ثم شعر انه لا يستطيع أن يبعد أكثر. التوبة هي القرار بأن نترك ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام نحو المسيح.. إنها قرار تغيير مسار حياتنا بالكامل من الظلمة إلى النور.. من الخطيئة إلى البر.. هي لحظة اتخاذ القرار القلبي بقبول المسيح مخلصاً وسيداً على الحياة بجملتها. وهي اللحظة الفاصلة في حياتنا لبدء السير بحسب ارادة المسيح .

   ” ارجعوا إليّ ، أرجع  إليكم “ تعني تغيير الاتجاه، وتغيير الفكر، وتغيير القلب حسب فكر الله، ليكن فينا فكر المسيح” يقول بولس الرسول. حياة التوبة هى تلك الحياة التى أحياها وأنا فى مسيرتى مع الله بعدما بدأت توبة الحياة (تغيير الاتجاه)، لكى أستمر معه فى شركة دائمة.. وببساطة فإن حياة التوبة في جوهرها لا تعني أن أُصلي قائلاً “يارب… انقِذني من خطية كذا وخطية كذا و….”، ولا تعني أن أندم على الخطايا التي أفعلها، بل حياة التوبة الحقيقية هي “الإمتلاء من محبة المسيح” وعندما يحدث هذا أجد نفسي أكره الخطية وتتلاشى إشتياقاتي لها تدريجياً.. وبالتالى أعيش يوماً فيوم حياة أكثر شبهاً بالمسيح.

    ” ارجعوا إليّ ، أرجع  إليكم “ تعني التوبة، والتوبة هي التحرر من كل ما يبعدني عن الله، والتحرر من عبودية الخطيئة والشر، ومن السير وراء الشهوات، ولا يمكن أن ننال هذه الحرية بدون عمل الرب فينا. وفي هذا السياق يقول لنا الكتاب المقدس: ” إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحراراً ” ( يو 8 : 36 ) . فالتوبة هي ترك الخطيئة، ولكن من أجل محبة الله ومن أجل محبة البر .

     التوبة عملية تحرر، فهي كأية فضيلة، ينمو فيها الإنسان ويتدرج . ويظل ينمو حتى يصل إلى كمالها. فهناك محطات يجب أجتيازها واحدة تلو الآخري للوصول إلى لقاء حقيقي بالأب السماوي الذي وجه لنا ندائه : ” أرجعوا إلىً”.  ولعل مثل الأبن الضال يوضح لنا هذه المحطات ، فماذا فعل الابن؟

رجع لنفسه ( عمل وقفة وفكر فيما يعيش ، فكر في حالته ).

 وقرر أن يرجع إلى أبيه ويقول له أخطأت ( قادته هذه الوقفة لأخذ قرار).

 ونفذّ.. فقام وجاء الى أبوه (خطوة عملية)..

التوبة فى حياة هذا الابن هى رجوعه إلى  أبيه بندم على حياته وإدراكاً لعجزه وموته المُحتم بدون أبيه..  فكرّ وقررّ ونفذّ..

والنتيجة.. لما رآه أبيه من بعيد ركض ووقع على عنقه وقبّله وأمر بالإحتفال به.. وذلك لرجوع الإبن، وليس لأن ابنه أصلح ما إقترفه من أخطاء..

     التوبة عملية تحرر مستمرة بمعني إنها ليست مرحلة وتنتهي، لأنه ليس أحد بلا خطيئة ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض. فكلنا نخطئ ونحتاج إلى توبة . هكذا تصير التوبة بالنسبة إلينا عملاً يومياً ، ” إن قلنا إننا لم نخطئ ، نضل أنفسنا وليس الحق فينا ” ( 1 يو 1 : 8 ) . إذن التوبة لازمة لكل منا ، وفي كل يوم من حياتنا .

“أرجعوا إليَّ أرجع إليكم” (ملا7:3). تعني الصلح مع الله “إذاً نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله” (2كو20:5).

معوقات في طريق التوبة

     في طريق التوبة هناك معوقات وعراقيل تقف أمامنا، يستخدمها عدو الخير لتعطيلنا، لعل من ابرزها : اليأس والشعور بأن التوبة صعبة وغير ممكنة. والتأجيل المستمر، ومقارنة أنفسنا بمستويات ضعيفة فنظن أننا في حالة حسنة لا تحتاج إلى توبة. الانقياد للوسط المحيط بنا،  البر الذاتي ، الذي فيه لا يشعر الإنسان أنه مخطئ ومثل الفريسي والعشار يعرض ذلك بوضوح . كذلك لا يتوب من لا يبكت نفسه ومن يرفض تبكيت الآخرين.

وسائل تساعدني للتوبة

    قد يكون لكل إنسان الأسلوب الذي يصل به إلى التوبة ، والذي تراه النعمة مناسباً له أو لظروفه … على أن هناك قواعد عامة – في الطريق إلى التوبة – تناسب الكل وهنا أقترح نموذج الابن الضال:

لنتبع الخطوات التي قام بها الأبن الضال وهي:

–        اجلس مع نفسك ، فكر ولا تلتمس الأعذار ، واخرج بقرار.

–        لا تؤجل التوبة. ابدأ من الآن وانتهز الفرصة . ” قام ومضى إلى ابيه”.

–         اهتم بالاعتراف والتناول .

–        ابعد عن الخطوة الأولى للخطية. وانفتح لعمل الله فيك ، كن مصغيا جيدا لما يقوله لك من خلال كلمته ومن خلال الآخرين.

–        أعد تقييم سلوكك .

–        اهتم بعلاج نقاط الضعف التي فيك ، وبالذات الخطايا التي تتكرر كثيرًا.

–        العزيمة على عدم العودة للخطيئة.

كن متأكدَا

   كن متأكدَا من محبة الله لك، وانتظاره الدائم لرجوعك، وتأكد انه سيستقبلك بفرح عظيم كما فعل مع الأبم الضال ” فاستقبله الاب بفرح عظيم وغفر له كل زلاته وأعطاه كل الإمتيازات الخاصة بالبنوية ( لو 15 ) .

     وأخيرا عزيزي القارئ أن الرب لن يسألك: ” لماذا أخطأت ” ؟! ولكن ” لماذا لم تتب وترجع الي قبل فوات الاوان ولن يسألك ماذا تعلمت بل ماذا فعلت ” فلنسمع لصوته وهو يدعونا بكل محبة فاتحآ يديه لنا ويدعونا ( تعالوا اليً ) فهل نسرع ، قبل فوات الفرصة والآوان “ارجعوا الي ،ارجع اليكم”  يقول الرب وهذا هو الخبر الذي سمعناه منه ونخبركم به ان الله نور وليس فيه ظلمة البتة. ليكن زمن الصوم هذا فرصة للتجديد والعيش كأبناء النور، فلا نستطيع أن نكون في شركة مع السيد المسيح ، ونحن نعيش بعد في الظلمة. ولا ننسى قوله ” أنتم نور العالم” .