الأنبا أبرام.. قديس من السماء عند المسلم مثلما هو عند المسيحي

الأنبا أبرام.. قديس من السماء عند المسلم مثلما هو عند المسيحي

رامي عطا- الشروق الجديد

من بين أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في القرن العشرين يبرز أمامنا اسم الراحل الأنبا أبرام أسقف الفيوم والجيزة، الذي ولد في قرية دلجا (حاليا مركز دير مواس) عام 1829م، باسم بولس غبريال، ورسم شماسا عام 1844م، وترهب بدير السيدة العذراء المحرق عام 1848م ثم صار رئيسا للدير خلال الفترة من 1866م إلى 1870م، ولكنه عُزل من رئاسة الدير بسبب حبه للعطاء مما أزعج البعض، وذهب لدير العذراء البراموس ومعه بعض الرهبان، وهناك استقبلهم ورحب بهم القمص يوحنا الناسخ رئيس الدير الذي صار فيما بعد البابا كيرلس الخامس الـ112.

وظل بالدير أحد عشر عاما (1870-1881م) إلى أن تمت سيامته أسقفا للفيوم والجيزة في10 يوليو1881م، وذلك بالكاتدرائية المرقسية بكلوت بك بيد البابا كيرلس الخامس. ومنذ ذلك التاريخ وحتى وفاته في مساء يوم الثلاثاء 9 يونيو 1914م، ولمدة 33 عاما، خدم فيها شعبه بكل أمانة، فحسبما جاء في الموقع الإلكتروني لإبراشية الفيوم فإنه اهتم بالافتقاد، وبنى عدة كنائس، وقام بتجديد عدد من الكنائس والأديرة، ورسم العديد من الكهنة، كما اهتم بالجمعيات الخيرية الأهلية، واهتم بالتعليم حيث أسس الأنبا أبرام ست مدارس في المراحل المختلفة منها مدرسة التوفيق الثانوية للبنات وهي تعتبر أول مدرسة ثانوية للبنات في الفيوم، وكذا مدرسة مار مرقس الرسول الابتدائية بالجيزة.

لقد كان الأنبا أبرام محبوبا من جميع المصريين.. مسيحيين ومسلمين.. بشهادة كثيرين من معاصريه، ومنهم كاتب إنجليزي يدعى س. هـ. ليدر، عاش في مصر فترة من الوقت، وقد ألف كتابا عنوانه (أبناء الفراعنة المحدثون: دراسة لأخلاق أقباط مصر وعاداتهم) صدر سنة 1918م، وقد ظل هذا الكتاب بلا ترجمة طيلة عشرات السنين التالية لتأليفه، إلى أن ترجمه للعربية الأستاذ أحمد محمود ونشرته دار الشروق عام 2007م.

في كتابه هذا خصص ليدر فصلا كاملا عن الأنبا أبرام تحت عنوان (زيارة لأسقف الفيوم المبجل الأنبا أبرام)، وقال في مقدمة هذا الفصل: “هناك رجل في مصر اسمه غير معروف لدى الطبقة الحاكمة، ومع ذلك فهو أكثر من يتكلمون عنه ويحظى بأكبر قدر من التبجيل في وادي النيل كله. ومع أنه أسقف مسيحي، فهو قديس من السماء عند المسلم مثلما هو عند المسيحي، والمسيحيون الذين ينضمون إلى ذلك الجمع اليومي الذي يلتمس عونه الروحي وبركاته يشملون الأقباط واليونانيين والروم ولا يقتصر هؤلاء الأخيرون بحال من الأحوال على الأهالي المصريين”.

وفي موضع آخر قال ليدر “أحد أغرب الأمور بالنسبة للمراقب الغربي هو أنه يجد أن من بين أفراد تلك الحشود التي تلجأ يوميا إلى هذا الرئيس الديني المسيحي، الذين يقطع الكثيرون منهم المسافات الطويلة كي يحصلوا على مباركته الشخصية، من المسلمين من يتساوون في عددهم مع المسيحيين. لا اختلاف في الإيمان المتلهف في قدرته على مساعدتهم في كل أحزانهم ومشاكلهم…”.

وأضاف الكاتب الإنجليزي “عندما يسأل كل هؤلاء الناس البسطاء عما لديهم من أسباب للظن بأن بإمكانهم الحصول على خير من أسقف مسيحي، يقولون إنه رجل طيب، وإن الرجال الطيبين جميعا مقبولون من الله، فالأسقف يصلى لله كما يصلون، وهو تلميذ لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام”.

هكذا عبر مجموعة من المصريين البسطاء عن حبهم للأنبا أبرام، الأسقف المسيحي، رغم اختلاف الدين. وهكذا أيضا، ومنذ أكثر من تسعين سنة، عبر كاتب إنجليزي عن بساطة المصريين وتسامحهم بعضهم نحو بعض، وكيف أنهم يقدرون رجال الدين ويجلونهم كثيرا، وأن الاختلاف الديني لم يمنع التعايش بين المسلمين والمسيحيين على أرض مصر المحروسة.